نصيحة لمعلمة القرآن والتجويد في درسها النموذجي

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​

مهنة تعليم كتاب الله مهنة شريفة جليلة على مدى الأزمان ومنذ عصر النبوة, وكلما تتابعت السنون اتسمت هذه المهمة الجليلة بسمات تطور العصر الذي تعاصره, ففي زمننا هذا أصبح معلم القرآن ملزم بالتزامات إدارية وتربوية كثيرة ومتنوعة, فهو يضع خططا أول العام ـ أو أول كل فصل ـ لمنهجهه, وخططا لخط سير كل طالب وفق طاقته, وهو أيضا ملزم بالتحضير الذهني والكتابي المسبق للدرس, وملزم باستعمال الوسائل التعليمية قديمها وحديثها, والتسلح بالاطلاع والتثقف في فن التعامل مع الطلاب وكيفية حل مشاكلهم بطرق تربوية, ثم يُطلب منه فوق ذلك اعداد دروس نموذجية ليتم من خلالها تقييم طريقة تدريسه من قبل إدارته ومن قبل المشرفين التربويين على الجهة التي يتبع لها, كل ذلك رغبة في الوصول بالعملية التعليمة لأعلى مستوى لها من أجل أن تحقق أهدافها, وتؤتي ثمارها على الوجه الذي يراد منها بإذن الله.
ولقد بدأتُ في تدوين هذا المقال استجابة لطلب جاءني من إحدى طالباتي الكريمات (وهي معلمة ماهرة تمارس التدريس منذ زمن طويل, وأحسبها تطلب نصيحتي هذه لتستأنس بها لا أكثر), ونظرا لتكرار هذا الطلب الذي قد يوافق مني انشغالا أو تكاسلا عن اجابته؛ فلقد رأيتُ أن أكتب نصائح عامة تناسب كل معلمة تبحث عمن ينصحها قبل أداء درسها النموذجي, وإني لأسأل الله العون والتوفيق والقبول.
فإليك يا معلمة القرآن ـ يا من استنصحتِني بمناسبة درسك النموذجي ـ خلاصة تجاربي لتستفيدي منها في الاستعداد لهذا الدرس, ولا تعجبي إن وجدتي في سطوري هذه القليل من النصائح التي يدور بعضها في فلك بعض, فإن كنتِ تتخيلين أنني سأحشد لك النصائح والملاحظات التي أعرف لأسردها لك مرقمة ومفصلة؛ فأنت واهمة, فدونك كتبا ألفت في طرق التدريس تسرد لك ذلك سردا, وتفصل فيه تفصيلا.
ولقد عزمتُ مذ أمسكتُ بالقلم على أهديك من عمق تجربتي نصائح بسيطة, قد أسهب في بعضها وقد أجمل ـ حسبما يقتضي الحال ـ ولن تعدمي مصدرا يزودك بما تريدين بإذن الله.
وبادئ ذي بدء.. أنت مخطئة إن كنت تظنين أن الدرس النموذجي يستدعي منك استعدادات مكثفة, وتحضيرا دقيقا, وجهدا مضاعفا, واعدادا لأكبر عدد من الوسائل التعليمية لأجل ابراز تميزك ومهارتك في ذلك اليوم, ولا أعجب ـ إن كان هذا حالك ـ أن يصطحبك قلق وتوتر طوال مرحلة الاعداد, لذا فإن أول ما ينبغي عليك فعله هو تصحيح مفهومك حول ماهية الدرس النموذجي, لأنه ببساطة درس اعتيادي من دروسك التي تؤدينها كل يوم, غير أنه سيكون نموذجا بين يدي ادارتك لمعرفة كيف تديري عملية الدريس؟ وما هي المهارات التي تتمتعين بها؟ وتلك التي تنقصك حتى يتم اعلامك بها ومساعدتك في تحقيقها, والعمل على تجاوز كافة السلبيات التي قد تعيق العملية التعليمية.. فقط.. هذا هو الأمر!
وكونك تعتبرين هذا الدرس تحديا لك وحربا ضروسا يجب عليك خوض غمارها؛ فإن ذلك قد يؤدي الى فشل ذريع لا تحمد عقباه لا سمح الله, لذا انهضي الى مرحلة الاعداد بنفس هادئة واثقة, واجعلي من درسك فرصة لإيصال رسائل كثيرة كنت تتمنين ايصالها لطالباتك, فأذهانهن وقلوبهن مشرعة أمامك في يوم كهذا.. وذلك لبعدهن كل البعد عن الشعور بالروتين الممل أو الانشغال الذهني عن الدرس.. فلا تفوتي هذه الفرصة على نفسك!
واعلمي يا عزيزتي أن الإعداد المبالغ فيه لهذا الدرس دونا عن سائر دروسك قد لا يمنحك الثقة التي تتمنين وإنما قد يورثك شيئا من احتقار الذات, وإدراكا أعمق بمواطن الخلل من نفسك, وقد تتفاجئين برسائل عتاب صامتة ـ لم تتوقعي رؤيتها ـ تتراقص أمامك في وجوه طالباتك, فكأنهن يسخرن من ابداعك الذي ما تفجر إلا لأجل أعين المراقبين الناقدين!, فكوني أنت كما أنت, فالذي أوقفك للعطاء في يوم لا يراك فيه أحد هو الذي سيوقفك ويمنحك الثقة لكي تستكملي مسيرة الابداع أمام الأعين الراصدة.
وأما الاعجاب الذي تتطلع نفسك على احداثه في نفوس المشرفات في هذا الدرس خاصة؛ فعليك بالعمل على تحقيق أسبابه طوال العام, حتى تأتيك أسبابه في هذا اليوم بشكل عفوي لتزيد من ثقتك في نفسك, ولتعكس على عطاءك جمالا وتميزا.
وإن سألتني عن أنسب الوسائل لشرح هذا الدرس أو ذاك.. أقول: إذا وصلت إلى مرحلة من الهدوء النفسي, وشعت الطمأنينة من داخلك, فصدقيني ستبدعي في اختيار أجمل الوسائل التعليمية لإيصال درسك, لأنك أدرى الناس بما يناسب طالباتك, وما يقرب المعلومات إلى أذهانهن, أو يترك أثرا عميقا في نفوسهن, وحبذا أن تنتقي أكثر الوسائل إبداعا وأقلها تكلفة؛ فرب خيال خصب قادر على ايصال معلومة ما أكثر من ألف وسيلة.
ومن الجميل ـ أيتها المبدعة ـ أن تخططي في درسك لغرس هدف وجداني في نفوس طالباتك المرة تلو الأخرى؛ ففي مقدمة الدرس هدف, وفي كل مفصل من مفاصله هدف, على أن يكون هدفا تبتغين فيه الأجر من الله لا الاعجاب ممن يراقب ويحصي.
واعلمي ـ أيتها المباركة ـ أن الساحة التي ينبغي أن تستنفد طاقتك في يوم كهذا هي: جهادك مع نفسك لإخلاص النية لله, فإن لم يشغلك هذا الجانب ولم يستحوذ على جزء من طاقتك وجهدك فأخشى أن تكوني قد انزلقت الى دائرة الخطر.. أو ربما أوشكت, فالإخلاص لله زادك للنجاح في الدنيا والآخرة, وأذكر أنني حين دونت ذكرياتي عن أول درس نموذجي ألقيته في حياتي؛ خرجت بدرس واحد لنفسي جعلته خلاصة لتلك التجربة كي أعود إليه في المواقف المشابهة, وهو أنني مهما أعددتُ من كلماتٍ أدبية, أو وعظية, أو معلومات, أو قصص.. الخ لدرسي, أو لمحاضرتي, ثم داخلني وأنا أحضِّر ذلك حظوة لنفسي, ورغبة في لفت انتباه الحضور لبراعتي, وإبهارهم بتمكني وعقليتي, وإبراز جانب من ثقافتي وفصاحة لساني, لأجل حظ نفسي وحاجتها = فإن التوفيق الذي أتطلع إليه لن يكون حليفي!!... نعم قد أؤدي تلك الكلمات بشيء من النجاح, ولكنها وإن شقتْ طريقها بتوفيق من الله إلى بعض القلوب فإنها ستصل إلى عدد آخر منهم عارية عن كل ما يسترُ سريرتي.. تماما كما نويتها, لأجد الاستفادة منها قد تضاءلت أو كادتْ تنعدم, بعكس فيما لو كانت هذه الكلمة الأدبية أو الوعظية هي ذاتها الأولى بشحمها ولحمها؛ ولكني حين أعددتها كنتُ مستحضرة إخلاص النية لله, صادقة في حرصي على إيصالها للمستمع بأبدع وسيلة, وأروع طريقة, كي يُعجب بها, ويُستفاد منها = فوالله إني سأرى حينها عجبا عجابا, فالفرق بينهما جلي ومثير للتعجب والتأمل!
فالأولى منزوعة البركة, ضعيفة المتابعة, وأما الثانية فإنها كلمة مباركة صادقة, تدخل القلوب, وتحوز الإعجاب, وتعلق في الأذهان.. ينطلق فيها لساني, وأُلْهَم فيها براعة الاستهلال, وحسن الاستشهاد والاستدلال, وأرى رجع صداها الطيب جليا أمام عيني قبل فراغي منها.
ولو أنني فوجئتُ أثناء إلقائها بحضور مشرفة أو مديرة أو وجيهة أو وزيرة أو أميرة = ما هز ذلك مني شعرة, ولا أضاع عني فكرة.
وإن الذي يطلبه الناس حظوظا لأنفسهم من الدنيا = آتيني بالإخلاص مرغما من غير ما أطلب, وحاشدا لي من القلوب المحبة فوق ما أتصور, وكل هذا لا يقارن بما يدخره الله للمخلصين من الثواب العظيم جزاء إخلاصهم.
رزقنا الله وإياكم حسن الإخلاص في القول والعمل, ونفع بنا, ورزقك التوفيق أيتها المبدعة في درسك النموذجي الذي أكاد أجزم أنه من أروع ما ستقدمين من الدروس في حياتك بإذن الله.
ودمت موفقة
حفصة اسكندراني​
 
عودة
أعلى