السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أعود للمنتدى بعد غياب فاق الحولين . أسأل الله سبحانه أن يكون جميع الإخوة على أتم صحة و عافية .
و بهذه المناسبة أقدم لكم مقالة للعلامة الشيخ ابن عاشور رحمه الله و قد صدرت مؤخرا في كتابه الجديد " تحقيقات و أنظار في القرآن و السنة" و تحمل عنوان " تنبيه و نصيحة" . وهذا الكتاب جمع عددا من المقالات و التحقيقات منها ما نشر و منها ما لم ينشر, و المطلع على الكتاب يكتشف جانبا مجهولا من علم و فقه ابن عاشور ألا وهو تبحره في علم الحديث . لا أريد الإطراء أكثر . إليكم ما كتبه الناشر ثم المقالة .
هذا الكتاب يغوص في أعماق الآيات القرآنية المتشابهة و يحقق فيها بتأملات و تعليقات و تحقيقات ممتعة مع وجهة نظر جديرة بالوقوف عليها و التأمل فيها, لا سيما و نبع القرآن - خصوصا في متشابهاته - لا يجف أبدا . و كلما أنعمت النظر فيه زادك قبسا جديدا من نوره لم تلمسه من قبل . كما يبحث في فنون و علوم الحديث – من مسانيد و متون و آراء- فيحقق فيها جيدا ليستخرج منها شذرات اللؤلؤ المدفون . و يكشف الآثار النورانية من عبق الهدي النبوي الشريف .
[align=center]تنبيه و نصيحة [/align]
إن واجب النصح في الدين و التنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون مما يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم قضى عليَ أن أنبه إخواننا إلى خطر أمر تفسير كتاب الله و القول فيه دون مستند من نقل صحيح عن أساطين المفسرين , أومن إبداء تفسير أو تأويل من قائله إلا إذا كان القائل قد توفرت فيه شروط المفسر من الضلاعة في علوم الشريعة و علوم العربية و لا سيما علمي المعاني و البيان اللذين بدونهما لا يأمن المرء من تكرر الخطأ في فهم معاني القرآن فيَضل المقدم على ذلك و يُضل غيره . و قد قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف " إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح و أنهضها بما يبهر الألباب القوارح علمُ التفسير الذي لا يتم لتعاطيه و إجالة النظر فيه كل ذي علم . فالفقيه و إن برز على الأقران في علم الفتاوى و الأحكام , و المتكلم و إن بزَ أهل الدنيا في صناعة الكلام , و النحوي و إن كان أنحى من سيبويه , و اللغوي و إن علك اللغات بقوة لحييه , لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق , و لا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن , وهما : علم المعاني و علم البيان ، و تمهل في ارتيادهما آونة ، و تعب في التنقير عنهما أزمنة ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين تحقيق و حفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا و رجع إليه ورد عليه فارسا في علم الإعراب ، مقدما في جَمَلَة الكتاب ( يعني كتاب سيبويه) و كان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، دراكا للمحة و إن لطف شأنها ، منتبها على الرَمَزَة و إن خفي مكانها" اهـ .
و قال العلامة السكاكي في المفتاح " و فيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى و تقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين المعاني و البيان أشد الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل" اهـ .
و قد ذكر القرطبي في مقدمة التفسير " إن من فسر شيئا من القرآن بدون مستند من نقل صحيح أو دليل اقتضته قوانين العلم كالنحو و الأصول و البلاغة فهو متبع لهواه و رأيه المجرد ، واقع في الوعيد الوارد فيمن فسر القرآن بهواه و رأيه " .
و برغم هذا و نحوه ، قد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن . فمنهم من يتصدى لبيان معاني الآيات على طريقة كتب التفسير ، و منهم من يضع الآية ثم يركض في مجالات من أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا ، جالبا من معاني الدعوة و الموعظة ما كان جالبا، و قد دلت شواهد الحال على ضعف كفاءة البعض لهذا العمل العلمي الجليل . فيجب على العاقل أن يعرف قدره ، و أن لا يتعدى طوره ، و أن يرد الأشياء إلى أربابها و يأتي البيوت من أبوابها . و على من لا يأنس من نفسه الكفاءة وهو يرغب في إفادة العموم بمعاني القرآن أن يقتصر على نقل كلام المفسرين في التفاسير المشتهرة عازيا ذلك إلى مواقعه مع التحفظ على عباراته . و في الناس طبقة ترتقي كفاءتها إلى درجة تخولها التصرف في جمع كلام المفسرين و ترتيبه و اختصاره . و الواجب على كل راغب في التحلي بذلك أن يدقق النظر في ميزان نفسه ليقف عند الحد الذي يثق به عندها حتى لا يختلط الخاثر بالزباد ، و لا يكون كحاطب في حالك سواد. و بذلك تحصل الفائدة و الاستبراء للدين و العرض، و إن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة ، و إفحاش لأهل هذه الغلطة ، فمن يركب متن عمياء و يخبط خبط عشواء ، فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه و تمييز حلوه من أجاجه ، تحذيرا للمطالع و تنزيلا في البرج و الطالع .
أعود للمنتدى بعد غياب فاق الحولين . أسأل الله سبحانه أن يكون جميع الإخوة على أتم صحة و عافية .
و بهذه المناسبة أقدم لكم مقالة للعلامة الشيخ ابن عاشور رحمه الله و قد صدرت مؤخرا في كتابه الجديد " تحقيقات و أنظار في القرآن و السنة" و تحمل عنوان " تنبيه و نصيحة" . وهذا الكتاب جمع عددا من المقالات و التحقيقات منها ما نشر و منها ما لم ينشر, و المطلع على الكتاب يكتشف جانبا مجهولا من علم و فقه ابن عاشور ألا وهو تبحره في علم الحديث . لا أريد الإطراء أكثر . إليكم ما كتبه الناشر ثم المقالة .
هذا الكتاب يغوص في أعماق الآيات القرآنية المتشابهة و يحقق فيها بتأملات و تعليقات و تحقيقات ممتعة مع وجهة نظر جديرة بالوقوف عليها و التأمل فيها, لا سيما و نبع القرآن - خصوصا في متشابهاته - لا يجف أبدا . و كلما أنعمت النظر فيه زادك قبسا جديدا من نوره لم تلمسه من قبل . كما يبحث في فنون و علوم الحديث – من مسانيد و متون و آراء- فيحقق فيها جيدا ليستخرج منها شذرات اللؤلؤ المدفون . و يكشف الآثار النورانية من عبق الهدي النبوي الشريف .
[align=center]تنبيه و نصيحة [/align]
إن واجب النصح في الدين و التنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون مما يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم قضى عليَ أن أنبه إخواننا إلى خطر أمر تفسير كتاب الله و القول فيه دون مستند من نقل صحيح عن أساطين المفسرين , أومن إبداء تفسير أو تأويل من قائله إلا إذا كان القائل قد توفرت فيه شروط المفسر من الضلاعة في علوم الشريعة و علوم العربية و لا سيما علمي المعاني و البيان اللذين بدونهما لا يأمن المرء من تكرر الخطأ في فهم معاني القرآن فيَضل المقدم على ذلك و يُضل غيره . و قد قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف " إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح و أنهضها بما يبهر الألباب القوارح علمُ التفسير الذي لا يتم لتعاطيه و إجالة النظر فيه كل ذي علم . فالفقيه و إن برز على الأقران في علم الفتاوى و الأحكام , و المتكلم و إن بزَ أهل الدنيا في صناعة الكلام , و النحوي و إن كان أنحى من سيبويه , و اللغوي و إن علك اللغات بقوة لحييه , لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق , و لا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن , وهما : علم المعاني و علم البيان ، و تمهل في ارتيادهما آونة ، و تعب في التنقير عنهما أزمنة ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين تحقيق و حفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا و رجع إليه ورد عليه فارسا في علم الإعراب ، مقدما في جَمَلَة الكتاب ( يعني كتاب سيبويه) و كان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، دراكا للمحة و إن لطف شأنها ، منتبها على الرَمَزَة و إن خفي مكانها" اهـ .
و قال العلامة السكاكي في المفتاح " و فيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى و تقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين المعاني و البيان أشد الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل" اهـ .
و قد ذكر القرطبي في مقدمة التفسير " إن من فسر شيئا من القرآن بدون مستند من نقل صحيح أو دليل اقتضته قوانين العلم كالنحو و الأصول و البلاغة فهو متبع لهواه و رأيه المجرد ، واقع في الوعيد الوارد فيمن فسر القرآن بهواه و رأيه " .
و برغم هذا و نحوه ، قد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن . فمنهم من يتصدى لبيان معاني الآيات على طريقة كتب التفسير ، و منهم من يضع الآية ثم يركض في مجالات من أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا ، جالبا من معاني الدعوة و الموعظة ما كان جالبا، و قد دلت شواهد الحال على ضعف كفاءة البعض لهذا العمل العلمي الجليل . فيجب على العاقل أن يعرف قدره ، و أن لا يتعدى طوره ، و أن يرد الأشياء إلى أربابها و يأتي البيوت من أبوابها . و على من لا يأنس من نفسه الكفاءة وهو يرغب في إفادة العموم بمعاني القرآن أن يقتصر على نقل كلام المفسرين في التفاسير المشتهرة عازيا ذلك إلى مواقعه مع التحفظ على عباراته . و في الناس طبقة ترتقي كفاءتها إلى درجة تخولها التصرف في جمع كلام المفسرين و ترتيبه و اختصاره . و الواجب على كل راغب في التحلي بذلك أن يدقق النظر في ميزان نفسه ليقف عند الحد الذي يثق به عندها حتى لا يختلط الخاثر بالزباد ، و لا يكون كحاطب في حالك سواد. و بذلك تحصل الفائدة و الاستبراء للدين و العرض، و إن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة ، و إفحاش لأهل هذه الغلطة ، فمن يركب متن عمياء و يخبط خبط عشواء ، فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه و تمييز حلوه من أجاجه ، تحذيرا للمطالع و تنزيلا في البرج و الطالع .