فصل 3: أدلة القائلين بأن البسملة من الفاتحة ،ومناقشتها :
فصل 3: أدلة القائلين بأن البسملة من الفاتحة ،ومناقشتها :
فصل 3: أدلة القائلين بأن البسملة من الفاتحة ،ومناقشتها :
استدل القائلين بأن البسملة من الفاتحة بقوله
r :
« إذا قرأتم ﴿ الْحَمْدُ للّهِ ﴾ فاقرؤا ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ إحداها »
[1].
ونوقشوا بأن معنى الرواية أن الحمد لله رب العالمين إلى آخر الآيات سبع آيات ، ولملاحظته r توهم السامعين كونها ليست بآية من القرآن لعدم تعرضه لها أزال هذا التوهم فقال : ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ إحداها أي مثل آيات الفاتحة في كونها آية من القرآن جمعا بين هذه الرواية و بين أدلة نفي كون البسملة من الفاتحة .
واستدلوا : بحديث أنس قال : بينا رسول الله
r ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال : « أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾
»[2] ،ونوقشوا بأن غاية ما في الحديث
إثبات أن البسملة من القرآن ، وليس أن البسملة آية من سورة الكوثر جمعا بين هذا الحديث و بين أدلة نفي كون البسملة من سور القرآن .
واستدلوا : بحديث أم سلمة أن النبي
r قرأ في الصلاة ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ وعدها آية
[3] و هذا نص صريح وعن أم سلمة قراءة رسول الله r ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ يقطع قراءته آية آية
[4].
ونوقشوا بأن الرواية الأولى غاية ما فيها إثبات أن النبي rكان يقرؤها في الصلاة ،ويعدها آية لوقوفه عليها ، والرواية الثانية غاية ما فيها بيان كيفية قراءة رسول الله
r لسائر القرآن وذكرت بعضاً منه على سبيل التمثيل ،و لم تستوعب وليس في الروايتين سوى إثبات أن البسملة آية ،و هو مسلم لكن من القرآن ،وأما أنها آية من الفاتحة فظاهر الحديث لا يستلزم ذلك .
وفي حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله
r يقول : « قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ قال الله حمدني عبدي فإذا قال ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال مجدني عبدي فإذا قال ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل »
[5]. وقد ذكر عبد الله بن زياد بن سليمان أنه قال في أوله فإذا قال ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال ذكرني عبدي .ونوقشوا بأن أهل العلم اتفقوا على كذب هذه الزيادة
[6] .
واستدلوا :
بحديث أبي هريرة بإسناد الثعلبي قال : « كنت مع النبي r في المسجد والنبي يحدث أصحابه إذا دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال : الحمد لله رب العالمين فسمع النبي
r ذلك فقال له يا رجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ من الحمد فمن تركها فقد ترك آية منها ومن ترك آية منها فقد قطع عليه صلاته فإنه لا صلاة إلا بها فمن ترك آية منها فقد بطلت صلاته » وبإسناد الثعلبي عن طلحة بن عبيد الله قال : « قال رسول الله
r من ترك ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ فقد ترك آية من كتاب الله » .ونوقشوا بأن الثعلبي حاطب ليل ، لا يميز بين الموضوع وغير
ه ، ولو كانا صحيحانً لا كتفى بهما الشافعية أو لقدموهما على سائر أدلتهم .
واستدلوا بحديث ابن عباس قال : « كَانَ النَّبِيُّ
r لا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنَزَّلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم »
[7] و مُجَرَّد تَنْزِيل الْبَسْمَلَة تَسْتَلْزِم قُرْآنِيَّتهَا
[8].و نوقشوا بأن قرآنيتها لا تستلزم كونها من الفاتحة .
واستدلوا بحديث أنس بن مالك قال : ( صلى معاوية للناس بالمدينة العتمة فلم يقرأ ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ولم يكبر بعض التكبير الذي يكبر الناس فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار فقالوا يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت أين ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ والله أكبر حين تهوي ساجدا فلم يعد معاوية لذلك بعد )
[9] قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ورواه الدارقطني وقال رواته كلهم ثقات ،ونوقش الدليل بأن الحديث مداره على عبد الله بن عثمان فهو وإن كان من رجال مسلم لكنه متكلم فيه من يحيى أحاديثه غير قوية وعن النسائي لين الحديث ليس بالقوي فيه وعن ابن المديني منكر الحديث وبالجملة فهو مختلف فيه فلا يقبل ما تفرد به مع أن إسناده مضطرب، وهو أيضا شاذ معلل فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات عن أنس وكيف يرى أنس بمثل حديث معاوية هذا محتجا به ،وهو مخالف لما رواه عن النبي وعن الخلفاء الراشدين ،و لم يعرف أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك ،ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسا كان مقيما بالبصرة ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد أن أنسا كان معه بل الظاهر أنه لم يكن معه وأيضا أن مذهب أهل المدينة قديما وحديثا ترك الجهر بها ومنهم من لا يرى قراءتها أصلا قال عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد لله رب العالمين ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا بشيء يسير وله محمل وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أولهم فكيف ينكرون على معاوية ما هو سنتهم ؟ !! وهذا باطل
[10].،وهناك رواية أخرى في مسند الشافعي : ( أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار أي معاوية سرقت صلاتك أين ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت ؟ فصلى بهم صلاة أخرى فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه )
[11] ، وهذه الرواية صريحة فِي أن معاوية لَمْ يقرأ البسملة مَعَ الفاتحة ، فيدل هَذَا عَلَى اتفاقهم عَلَى أن البسملة ليست من الفاتحة ، وإلا لأمروه بإعادة الصلاة ، أو لأعادوا هم صلاتهم خلفه .
دليل اللزوم : كتبت التسمية بخط القرآن وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخط القرآن فدل هذا على أنها آية من الفاتحة [12] قال صاحب عون المعبود : ( وقد استدل على أن البسملة من القران بأنها مثبتة في أوائل السور بخط المصحف فتكون من القران في الفاتحة ولو لم يكن كذلك لما أثبتوها بخط القران )[13] ، ونوقشوا بكون البسملة كتبت بخط المصحف فهي من القرآن ،ولا تستلزم قرآنيتها كونها من الفاتحة .
الإجماع : أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى والبسملة موجودة بينهما فوجب جعلها منه ، فدل هذا على أنها آية من الفاتحة . ونوقشوا بكون البسملة بين دفتي المصحف فهذا يقتضي قرآنيتها ،ولا يستلزم ذلك كونها آية من الفاتحة .
[1] - رواه الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي ،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1183 ،وفي صحيح الجامع رقم 729
[2] - رواه مسلم في صحيحه رقم 400 كتاب الصلاة باب حجة من قال بسم الله الرحمن الرحيم آية من أول كل سورة سوى براءة
[3] - صححه الألباني في إرواء الغليل 2/59 رقم الحديث 343 الناشر : المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة : الثانية - 1405 هـ- 1985 م
[4] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 4001
[5] - رواه مسلم في صحيحه رقم 395 كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ،وفي الموطأ قال : ( فهؤلاء ) بدلا من ( فهذا ) حديث رقم 39 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي
[6] - مجموع فتاوى ابن تيمية مجلد 1 ص 80
[7] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 788
[8] - نيل الأوطار للشوكاني 2/566 دار الحديث الطبعة الأولى 1421هـ 2000م
[9] - رواه الحاكم في المستدرك 1/357 رقم الحديث 851 الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى ، 1411 هـ - 1990م تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا
[10] - عمدة القاري شرج صحيح البخاري لبدر الدين العيني 5/289 مع تصرف يسير
[11] - مسند الشافعي 37 حديث رقم 145 دار الكتب العلمية بيروت
[12] - انظر نيل الأوطار للشوكاني 2/ 565
[13] - عون المعبود محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب 2/ 352 الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415