ندوة علمية بالمغرب حول "جهود السراغنة في خدمة القرآن الكريم"

إنضم
12/09/2013
المشاركات
15
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المملكة العربية
بحضور علماء يمثلون مختلف جهات المغرب نظم المجلس العلمي المحلي لمدينة قلعة السراغنة يوم السبت مطلع الأسبوع الحالي ندوة علمية تحمل عنوان "جهود السراغنة في خدمة القرآن الكريم" تحت شعار "قلعة السراغنة، قلعة العلماء والأولياء والأسخياء".
وقال د. محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى في افتتاح هذه الندوة: "إن المغاربة ظلوا منذ فجر الإسلام يحفون حفظة القرآن وأهله بكل مظاهر التبجيل والتوقير، ويحيطون كتاب الله بسياج من العناية عظيم"، مبرزا في كلمة ألقيت بالنيابة عنه أن هذه السنة الحميدة استمرت على مر العصور وبلغت أوجها في عهد الملك محمد السادس بإحداث مجموعة من الآليات والوسائل لخدمة كتاب الله وضمان رسوخ الاشتغال به وتقوية ارتباط مختلف شرائح المجتمع بتعاليمه وآدابه.
وأورد د. يسف في هذه الندوة، نماذج إحداث إذاعة خاصة بالقرآن الكريم احتلت الصدارة خلال المواسم الأخيرة باستقطابها لأكبر عدد من المستمعين، جانب العناية بكتاب الله تسجيلا وطبعا ونشرا وتوزيعا، التي تعززت أخيرا بإحداث معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية.
وألقى كل من عامل الإقليم، محمد نجيب بن الشيخ، وحسن العدوي، رئيس المجلس العلمي المحلي، كلمة ذكرا فيهما بإسهامات علماء السراغنة وفقهائها عبر التاريخ في خدمة القرآن الكريم والنهل من معينه، والتحلي بآدابه وتعاليمه، من خلال الزوايا والمدارس العتيقة المنتشرة في كافة أنحائه، والتي مازالت مفتوحة ومستمرة في القيام بدورها الديني والتربوي، شاهدة على الأمجاد والعلماء الأفذاذ الذين عمت شهرتهم الأفاق.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية، تم توزيع عدد من الجوائز النقدية والكتب والمؤلفات الدينية على المتفوقين في المدارس العتيقة، والكتاتيب القرآنية، ومراكز التحفيظ القرآني، والمتفوقين في مادة التربية الإسلامية بالثانويات التأهيلية.
وتوبعت بعدها أشغال الندوة، التي استمرت يومين، بإلقاء عروض قيمة تناولت الإشعاع العلمي والصوفي لعلماء السراغنة (أحمد بوكاري)، والشيخ الرحالي الفاروقي وجهوده في الإصلاح الاجتماعي (أحمد متفكر) وعناية علماء السراغنة بالقرآن وعلومه تدريسا وتأليفا (محمد عزالدين المعيار) واهتمام سكان الإقليم بتشييد أماكن العبادة (محمد لمعاطة) والكتاتيب والمؤسسات المهتمة بتحفيظ القرآن بإقليم قلعة السراغنة
وعلى هامش الندوة يلقي 15 رئيسا للمجالس العلمية المشاركة دروسا ومحاضرات بمساجد الإقليم، حيث شملت مساجد بلديات قلعة السراغنة والعطاوية وتملالت تتناول جملة من القضايا المرتبطة بالعبادات والمعاملات وعمارة المساجد والتربية على أصول الدين وتفسير القرآن الكريم.
 
بسم1​
كان لي شرف المشاركة في هذه الندوة ببحث بعنوان "عناية علماء السراغنة بالقرآن الكريم تدريسا و تأليفا " و يسعدني أن أخص به ملتقى أهل التفسير الذي أعتز بالانتماء إليه و يأتي في مقدمة و ثلاثة محاور كالآتي متسلسلا في حلقات :
الحلقة الأولى
- مقدمة
لا شك أن فكرة العناية بتراث منطقة ما من المغرب و برجالاتها هي من صميم رسالة العلماء و في مقدمة اهتماماتهم وهم أمناء على ذلك على الرغم مما يكتنف القيام بذلك من صعوبات يعرفها من خاض غمارها ، ولن تعطي ثمارها ما لم تتظافر الجهود المخلصة من أجل البحث الجاد والإنجاز المراد
ولعل من أوجب الواجبات و آكدها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث اٌلإقليم و جمع كل ما يمكن الوصول إليه من وثائق و صور وكتابات وطنية وأجنبية و روايات شفوية مما هو في النهاية جزء من تاريخ المغرب العلمي و الثقافي بل و العالم الإسلامي كله
المحور الأول : عناية المغاربة بالقرآن و علومه
لا يمكن فصل السراغنة و زمران في العناية بالقرآن و علومه عن سائر جهات المغرب مدنه و قراه ، و من ثم فيبدو أنه من المفيد إلقاء نظرة عامة وموجزة عن عناية المغاربة بالقرآن و علومه خصوصا في الفترة موضوع هذه المداخلة ، و التي تبتدئ من أواخر القرن العاشر الهجري إلى الآن
و هي فترة على الرغم من أن أولها كان في ظل الدولة السعدية التي كان فيها الأديب الفصيح أبو محمد السرغيني كاتبا للسلطان عبد الله الغالب بالله السعدي (ت981هـ) فإن معظم المعطيات المتوفرة لدينا لحد الآن إنما تتزامن مع قيام الدولة العلوية و استمرت في ظلها إلى اليوم .
بالنسبة للدولة السعدية ، تكفي الإشارة إلى أن عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي ، كان بالفعل عهدا ذهبيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني و دلالات ،و كان هو نفسه عالما مبرزا ،من آثاره فيما يتعلق بالقرآن الكريم ،تلكم التقاييد المتفرقة :حاشيته على التفسير تكلم فيها على الزمخشري وغيره ،جمعها قائده الفقيه أبو الحسن علي بن منصور الشيظمي ،كما أمر الفقيه أبا عبد الله محمد بن بو عبدلي الرجراجي ،أن يجمع بين تقييد الإمام المسيلي و تقييد السلاوي، عن شيخهما ابن عرفة في التفسير، ففعل ذلك .
و ألف ابنه زيدان ، تفسيرا للقرآن الكريم ، اعتمد فيه على الزمخشري و ابن عطية .
ثم سرعان ما دخلت البلاد، في قلاقل وأزمات ، و اضطرابات متوالية ، بسبب الصراع من أجل الحكم بين أولاد المنصور وأحفاده ، مما لم ينته إلا بسقوط دولتهم ، و انتهاء أمرهم .
يتبع
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الحلقة الثانية : المحور الأول - تابع 1
أما بالنسبة للدولة العلوية: فتصعب الإحاطة بالعناية بالقرآن الكريم، في ظل حكمهم بشكل شامل لوفرة المادة و تنوعها و من ثم نقتصر على بعض الإشارات الموحية بما تعجز عنه الكلمات ...
يقول اليفرني (ت1153هـ) في الظل الوريف :".... و قد تلقيت من غير واحد أن القبيلة ، كانت قبل هذه المدة لا يوجد فيها إلا طالب واحد ، و ربما يحتاج أحد من أهل المدشر أو الدوار لمن يقرأ له رسالة فلا يوجد من يحسنها حتى يرحل المسافات البعيدة لطالب يذكر له ، أما الآن فكل مدشر ودوار بل كل خيمة فيها طالب ... "
و كان القرآن يتلى في المساجد و الزوايا ، بنظام في اوقات معلومة ، يسهر على ذلك الحزابة و أهل القرآن، من عامة الناس ، كما كانت دروس القراءات والتفسير مزدهرة في سائر أرجاء المغرب و من أشهرها دروس الشيخ أبي علي اليوسي في التفسير بجامع القرويين بفاس و بجامع ابن يوسف بمراكش حيث مكث في تفسير سورة الفاتحة وحدها نحو ثلاثة أشهر
وبلغت عناية السلطان محمد الثالث بالقرآن الكريم إلى درجة أن كان يقول :" إن أهل القرآن و المعرفة أولى بالولاية من غيرهم " و ذلك - طبعا - في زمان كان عدد المتعلمين فيه قليل ،و قصته ليلة خرج متنكرا لتفقد الأحوال في قبيلة احمر بنواحي آسفي و ما تلا ذلك من تنحية قائدها و استبداله بفقيه مقريء متمكن أثار إعجاب السلطان مشهورة، و قرر عقب ذلك مباشرة بعث أبنائه و من يرافقهم عادة من الطلبة للإقامة هناك لحفظ القرآن و تجويده بعيدا عن حياة الحاضرة و ما فيها من مشاغل و ترف
و على هذا السنن سار من بعده ابنه السلطان المولى سليمان ثم المولى عبد الرحمن وابنه محمد الرابع ، وفي هذه القبيلة قرأ كذلك السلطان الحسن الأول و ابناه السلطان عبد العزيز و السلطان عبد الحفيظ​
و نعود إلى الوراء قليلا لنقول إنه على الرغم من أن السلطان المولى إسماعيل كان يعقد بقصره حفل ختم تفسير القرآن الكريم التي كان يتولاها القاضي أبو عبد الله محمد بن الحسن المجاصي و يحضرها كبار العلماء كأبي علي اليوسي و أقرانه فإن التعامل مع التفسير بالمغرب اتسم في فترات من التاريخ بكثير من الحيطة والخوف ، إلى درجة أن لا يتصدر العالم للتفسير في المساجد و الجوامع إلا بإذن ، بل كانت قراءة التفسير ممنوعة في مراكش في وقت ما ، فلما تصدى لذلك العلامة محمد الصغير الإفراني صاحب الصفوة (ت1156هـ =1743م ) قامت القيامة عليه فمنع ، و ذلك في عهد السلطان المولى إسماعيل نفسه
و كان التفسير قد اعتراه بسبب ذلك كثير من الفتور ، وارتبط ببعض الشائعات المثبطة عن تعاطيه ، مما تنبه له فيما بعد السلطان محمد الثالث فوجه له كبير عنايته فعاد تعاطي تفسير القرآن الكريم بالجوامع والمدارس و الزوايا يتصدى له كبار الشيوخ و أئمة ذلك العهد
يتبع​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الحلقة الثالثة : المحور الأول - تابع 2
إلى جانب ذلك الاتجاه الإيجابي المحمود الذي سبق الحديث عنه ، ظهرفيما بعد تراجع كبير في مجال الاهتمام بعلوم القرآن ، من تفسير ورسم وقراءات وما إلى ذلك ، حتى ذهب بعض الغيورين من العلماء - في عهد الحماية - إلى القول بأن عصر التفسير انقضى وانتهى بذهاب رجاله، وأنه ليس لأحد من المتأخرين الاشتغال به .
ولعل شيئا من ذلك كان وراء كتابة العلامة أحمد ابن الخياط الزكاري (ت 1343هـ) «جوابه لمن يتصدى لقراءة التفسير وليس أهلا له».
وشاع بين العامة على عهد جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله ،أنه إذا فسر القرآن مات السلطان، وهو ما فنده الملك الشاب –إذ ذاك- بقوله: «إذا فسر القرآن يحيا السلطان ،ويموت الشيطان»
وأمام مضايقات المستعمر للكتاتيب القرآنية، والمدارس الحرة – التي أنشأها محمد الخامس على نفقته الخاصة، وبتشجيع منه لأهل الفضل واليسار ، من رعاياه الأوفياء ،أصر طيب الله ثراه ، على استمرار هذه المؤسسات في تأدية دورها المنوط بها، فجعلها تابعة للقصر الملكي تحت إشراف جلالته مباشرة، ونظم التفتيش الدقيق بها ومنحها من عطفه وكرمه ما سجله له التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز ،جزاه الله عن بلاده وأمته أوفى الجزاء.
ولا غرابة في ذلك، فقد كان محمد الخامس حافظا لكتاب الله ، متخلقا بأخلاق القرآن وداعيا إليها، متحدثا إلى الناس بها، حتى إنه كان رحمه الله وهو بالمنفى يجلس بمسجد انتسيرابي إلى المومنين يفسر لهم آيات الذكر الحكيم، وعندما عاد من المنفى هو وأسرته الكريمة، كأن أول مَارَنَّ في آذان شعبه الوفي هو قول الله تعالى: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور)
يقول العلامة الشيخ التهامي الوزاني رحمه الله معقبا على ذلك: «كانت آية، كأنما نزل بها الروح الأمين على قلب رسول الرحمة و الهداية لأول مرة»
وباختصار، فإن هذا التعلق الكبير بالقرآن، وتلكم الرعاية السامية لعلومه والتشجيع عليها، وإعادة تنظيم جامعتي القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش، وغيرهما من المعاهد الدينية، كان له أعظم النتائج وأروعها على التعليم بالمغرب ...
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى