نداء الى الأبناء"وبالوالدين إحسانا"

إنضم
07/08/2007
المشاركات
68
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المغرب
نداء الى الأبناء " وبالوالدين إحسانا "
لعله من نافلة القول التذكير بأن للوالدين مقاما وشأنا كبيرا ، فهذا من الأمور التي يعلمها الجميع نظريا، وإن أُنكرت ممارسة، إذ الانسان العاقل يقف عاجزا عن إدراك مقامهما مهما جهد القلم في التعريف بذلك، ويبقى جهده قاصرا منحسرا عن تصوير جلالهما وحقهما، وكيف لا يكون كذلك وهما السبب في الوجود وعماد الحياة والركن الأساس في البقاء.
وليعلم كل عاقل أنه مهما قدم لهما فلن يحصل التساوي، وأنى يقع ذلك وقد كانا يحملان أذى الأبناء راجين حياتهم، والأبناء إن حملوا أذاهما رجوا موتهما . لهذا اعتبر الاسلام عطاءهما عملا جليلا مقدسا استوجبا عليه الشكر وعرفان الجميل، وأوجب لهما حقوقا لم يوجبها لأحد إطلاقا، حيث قرن الحق سبحانه طاعتهما والاحسان إليهما بعبادته وتوحيده بشكل مباشر فقال:" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا".(النساء/36)، وقال سبحانه:" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ".(لقمان/14).
بل جعل سبحانه برهما من أحب الأعمال إليه، حيث قال رسول الله صل1 لما سأله ابن مسعود رضي الله عنهعن أي العمل أحب إلى الله؟ فقال: الصلاة على وقتها، ثم قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ". [1] وبالتأكيد أن لكل من الوالدين حقوقا ينبغي بيانها ، وتفاصيل ينبغي فهمها ليعرف الواجب فيتبع ، ويعرف الخطر فيجتنب.
1-حق الأبوين وقدرهما عند الله :
أ-حق الأم: حق الأم ومكانها مقدم على حق الأب ومكانه، كما أخبر النبيصل1 في جوابه لرجل سأله من أحق الناس بصحابتي؟ فقال: أمك: قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك".[2] فحق الأم على الأبناء، أن يعلموا أنها حملتهم حيث لا يحمل أحد أحدا، وأطعمتهم من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا، فرضيت أن يشبعوا وتجوع، ويكتسوا وتعرى، ويرتووا وتظمأ، ويتنعموا ببؤسها. هذا بعض فعل الأم وفضلها، فهل يستطيع أحد مجازاتها؟.
ب-حق الأب : لكل من الأبوين درجته وتضحيته وفعله، فالأب أيضا يمثل الأصل والابن هو الفرع، وقد أمضى شبابه وأفنى عمره بكد واجتهاد للحفاظ على أسرته وتأمين الحياة الهادئة لأولاده؛ كيف لا، وقد أقسم الله تعالى به حيث قال:" لا أقسم بها البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد " .(البلد /1-2). وبين صلى الله عليه وسلم مكانته وأثره فقال:" رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد ".[3]
فعلى الفرد المسلم أن يعلم أن الأب أصله وأن الولد فرعه، وأنه لولا الأب لم يكن، فمهما رأى الولد في نفسه مما يعجبه فليعلم أن أباه أصل النعمة فيه، مما يوجب عليه الكثير من الحمد والشكر على قدر ذلك. وعلى الانسان أن يدرك جيدا كيف يتعامل مع والده كي لا يكون عاقا وهو غافل. كيف لا، والنبي صل1 يقول:" الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ". [4]
2-ما يلزم تجاههما :
أ-البرور لهما : وصفة البار بالوالدين صفة خاصة ، خصها الله بالذكر عند وصفه لبعض أنبيائه ، فقال في وصف نبيه يحيى بن زكرياء:" وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا"( مريم /14). وقال على لسان عيسى بن مريم:" وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا عصيا ". (مريم/32) .
فالبرور من البر، وهو صفة عظيمة في شرعنا وخصلة كبيرة في ديننا، إن لم نقل هي الدين كله، ويكفي في بيانها قول الله تعالى:" لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِق ِوَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وابن السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " .(البقرة/177).
وفي أحاديث جامعة حدد الرسول الكريم مفهوم البر فقال صل1:" البر حسن الخلق "..[5] وهو خلق عظيم شامل، أجره عظيم كما قال النبي صل1: " أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن". [6]وفي رواية : " أكثر ما يلج الناس به الجنة حسن الخلق".[7] وقال صل1:" إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصائم القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته وحسن خلقه "[8].وهي نصوص تبين ما يلزم من البرور تجاه الوالدين من خلق حسن ...
ب-عدم التعرض لسبهما أو عقهما :لأن ذلك من الكبائر، فقد أخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل1إن من الكبائر شتم الرجل والديه ، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم ، يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه".[9] وقد سئل كعب الأحبار: ما تجدون في كتاب الله من عقوق الوالدين؟. قال: إذا أقسم عليه فلم يبره، وسأله فلم يعطه، وائتمنه فلم يرد عليه واشتكى إلى الله ما يلقى منه فذلك العقوق كله ".[10]
ج-السعي لإرضائهم وتجنب سخطهم وما يسخطهم: وهذا من تمام البر، إذ فعل الحسن وتجنب السيء هو المطلوب تجاههما، فكم تعبا وشقيا وبذلا دون كلل أو شكوى من أجل أن ترضى، فما جزاؤهما إن لم يكن على الأقل بالمثل أو أوفى؟. وقد بين صل1أهمية طاعتهما وخطورة معصيتهما –طبعا في المعروف-فقال صل1من أصبح مطيعا في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحدا فواحدا، ومن أمسى عاصيا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحدا فواحدا، قال الرجل: وإن ظلماه ؟ قال: وإن ظلماه ، وإن ظلماه، وإن ظلماه ".[11]
د-عدم الجهاد إلا بإذنهما : حيث روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صل1 قال لرجل استأذنه في الجهاد:" أحي والداك؟ قال: نعم، قال : ففيهما فجاهد".[12] وجاء رجل فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال:" هل لك أم؟ قال: نعم، قال : فالزمها فإن الجنة تحت رجليها " [13].
هـ-حملهما في الكبر وعدم السآمة والملل أو الضجر منهما: وهي السن التي يحتاجان فيها الى الاهتمام والرعاية ، كما احتاج الأبناء إليهما في صغرهما ، وقد بينها رب العزة في كتابه فقال:" إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ". (الاسراء/23). قال مجاهد بن جبر : إذا رأيت منهما في حال الشيخوخة الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما أو تقول لهما "أف" أو تنهرهما .[14]
و-برهما وإن كانا كافرين : إذ لا يختص برهما بكونهما مسلمين ، بل يجب برهما وإن كانا كافرين ، فعن أسماء رضي الله عنها قالت : قَدِمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم ، فاستفتيت النبي فقلت : يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صلي أمك ".[15]
ولم يقف حق الوالدين عند هذا الحد، بل يجب برهما والاحسان إليهما حتى ولو أمرا بالكفر بالله أو الشرك به، قال تعالى:" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون". (لقمان/14). فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة الوالدين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله فما الظن بالوالدين المسلمين لاسيما إن كانا صالحين .
وواقعنا وشكاوى الكثير من النساء ، تنبئ عن حصول الكثير من المشاكل الأسرية بسبب الفهم السيئ لهذا الأمر، فكم من امرأة تُمنع من زيارة والديها ، وكم من رجل قاطع أباه أو أمه بسبب من الأسباب ، مع العلم أن صلة الرحم والوالدين ، وتقوى الله فيهما واجبة لقوله تعالى : " واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا ".(النساء/1).
3-ما يلزم بعد وفاتها :
أ-الصلاة عليهما والاستغفار لهما : وهذا مما ذكر به القرآن وهو من عظيم الخصال ، فقد جاء على لسان نبي الله نوح قوله تعالى:" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مومنا ".(نوح/28). وعلى لسان نبي الله ابراهيم:" ربنا اغفر لي ولوالدي وللمومنين ".(ابراهيم/41). وقال تعالى:" وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ".(الاسراء/23). وهو أقل الواجب تجاههما بعد موتهما، فالدعاء للأموات من قبل الأحياء عملة صعبة نادرة، والآباء والأمهات يستحقونها وسيكونون بحاجة إليها ، وقد بين الحبيب محمد صل1هذا في قوله : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ". [16] وروي عن سعيد بن المسيب قال : " إن الرجل ليرفع بدعاء ولده بعده وقال بيديه هكذا فرفعهما ". [17]
ويشمل الدعاء كل أبواب الخير والصلة، والبخيل من بخل ونسي فضل والديه بعد موتهما، وقد روي عن سعد بن عبادة رضي الله عنهقال: يا رسول الله إني كنت أبر أمي وأنها ماتت فإن تصدقت عنها أو أعتقت عنها أينفعها ذلك؟. قال: نعم، قال : فمرني بصدقة؟، قال: اسق الماء ، قال الحسين فنصب سعد سقايتين بالمدينة، قال الحسن: فربما سقيت منهما وأنا غلام ".[18]
ب-إنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم للانسان إلا من قبلهما : قد يموت الآباء ويوصوا بأمر ما، أو بعهد ما يجب تنفيذه ، فيلزم الأبناء إتمام ما بدأه الآباء وتنفيذ الوصايا والعهود دون تأخير أو كلل ، وهذا من برهما. إضافة الى صلة من كانوا يصلون ، وإكرام من كانوا يكرمون .
فقد روى عبيد الساعدي عن أبيه : أنه سمع أبا أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه يقول : بينما نحن عند رسول الله صل1 إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما ؟ قال : نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهودهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما".[19]
ج-صلة أهل ودهما : إذ من البرور بهما بعد موتهما ، صلة أقاربهما وأصدقائهما ، حيث روى ابن عمر قال : سمعت رسول الله صل1 يقول : إن من أبر البر صلة أهل ود أبيه بعد أن يولي ". [20]
4-أثر برهما في الدنيا :
أ-تفريج الكربات : إن بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات ، وببرهما تتنزل الرحمات وتكشف الكربات ، وما قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج منه ، إلا دليل على ذلك ، حيث يذكر الحديث الصحيح أنهم قالوا لبعضهم البعض : "... انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة ، فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم : " اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار ، كنت أرعى عليهم ، فإذا رجعت إليهم ، فحلبت ، بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وإنه قد نأى بي الشجر ( أي بعد علي المرعى ) فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب ، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغَون عند قدمي ( أي يبكون ) ، فلم يزل ذلك دَأْبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ففرّج الله لهم حتى يرون السماء .......".[21]
ب-استجابة الدعاء : وهذا من نتاج البرور بالوالدين في الدنيا ، وقد نقل لنا تراثنا بعض الآثار لسلفنا الصالح ممن كانوا مجابي الدعوة بسبب برورهما بالوالدين ، منهم : أويس بن عامر القرني ، فعن عمر قال : سمعت رسول الله صل1 يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص ، فبرأ منه ، إلا موضع درهم ، له والدة هو بها أبر ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ".[22]
وما أدرك هذه المنزلة إلا ببره بوالدته ، وما فرج عن أصحاب الغار إلا بالاخلاص في عملهم ومنه البرور بالوالدين .
5-أثر عدم برهما :
أ-سوء الخاتمة : وهذا أمر يخشى منه لخطورته ، إذ حسن الخاتمة مطلب عظيم لكل العلماء والصالحين وكل مؤمن يرجو رضا رب العالمين ، وضدها سوء الخاتمة. وقد رويت آثار تنبئ عن أهمية البرور في تحصيل هذا الأجر ، أو عدم تحصيله بالوقوع في العقوق . حيث روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صل1 فأتاه آت فقال : شاب يجود بنفسه ، فقيل له : قل لا إله إلا الله فلم يستطع ، فقال : كان يصلي ؟ فقال : نعم، فنهض رسول اللهصل1 ونهضنا معه فدخل على الشاب فقال له : قل لا إله إلا الله ، فقال : لا أستطيع ، قال : لم ؟ قال : كان يعق والدته فقال النبي صل1 : أحية والدته ؟ قالوا : نعم ، قال : ادعوها ؟ فدعوها فجاءت فقال : هذا ابنك ؟ قالت : نعم ، فقال لها : أرأيت لو أججت نارا ضخمة فقيل لك إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذه النار أكنت تشفعين له ؟ قالت : يا رسول الله إذا أشفع له ، قال : فأشهدي الله قد رضيت عنه ، قالت : اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني ، فقال له رسول الله صل1: يا غلام قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فقالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ".[23]
عن داود بن شابور أن أبا قزعة أخبره عن رجل قال : نزلنا في بعض الطريق فسمعنا نهيق حمار من الليل ، فسألنا عنه ، فقالوا : كان هذا رجل عندنا وكانت له أم فكانت إذا قالت له شيئا قال لها انهقي نهيقك ، فلما مات سمعنا نهيقه من القبر ".[24]
ب-عدم برور الأبناء : وهذه نتيجة أخرى تقع للانسان بسبب عدم البرور ، فكما تدين تدان ، والبر يبلى والديان لا يموت ، وقد وردت بعض النصوص في الموضوع ، منها قوله صل1 : " كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء الى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله تعالى يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات".[25]
-وذكر بعض العلماء أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب : إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي ، فأقسم الولد ليذبحن أباه فقال الأب : فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الشجرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان".
ج-الحرمان من الجنة : وهذه مصيبة أخرى تحل بالعاق ، مع العلم أن من متمنيات كل إنسان في هذه الدنيا تحقيق الفوز بالجنة ، لكنه قد يحرم منها بسبب عقوقه لوالديه أو لأحدهما . حيث روي عن رسول الله صل1 أنه قال : " رغم أنفه، رغم أنفه ، رغم أنفه ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة ".[26]
-وقال صل1 أيضا : " لا يدخل الجنة عاق ".[27]
-وعن أبي غسان الضبي قال : خرجت أمشي مع ابي بظهر الحرة فلقيني أبو هريرة رضي الله عنهفقال : من هذا ؟ قلت : أبي ، قال : لا تمش بين يدي أبيك ، ولكن امش خلفه أو إلى جانبه ، ولا تدع أحدا يحول بينك وبينه ، ولا تمش فوق أجار أبوك تحته ، ولا تأكل ما قد نظر أبوك إليه ، لعله قد اشتهاه ، ثم قال : أتعرف عبد الله بن خداش ؟ قلت : لا ، قال : سمعت رسول الله صل1 يقول : فخده في جهنم مثل أحد ، وضرسه مثل البيضاء " ، قال أبو هريرة : فقلت : ولم ذاك يا رسول الله ؟ قال : كان عاقا لوالديه ".[28]
6-السلف الصالح وبر الوالدين : لقد فهم الأوائل قيمة البرور بالوالدين ، وعملوا على تحقيقه في سلوكهم، والأمثلة على ذلك كثيرة ، نذكر منها فعل بعضهم مع والديهم :-فهذا أبو هريرة ، كان إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال : السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته ، فتقول : وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته ، فيقول : رحمك الله كما ربيتني صغيرا ً، فتقول : ورحمك الله كما سررتني كبيرا ً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك. ".[29]-وعن أبي بردة قال: إن رجلا من أهل اليمن حمل أمه على عنقه ، فجعل يطوف بها حول البيت، ثم قال لابن عمر: أتراني جزيتها؟ فقال ابن عمر: لا ، ولا بزفرة واحدة من زفرات الولادة ". [30]-وهذا محمد بن سيرين كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع . قال ابن عوف : دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه ، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا ً؟ قالوا : لا ، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.[31]
-وهذا زين العابدين من سادات التابعين كان كثير البر بأمه حتى قيل له : إنك من أبر الناس بأمك ، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة ، فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها".[32]
-وكان الامام ابو حنيفة رحمه الله بارا بوالديه ، وكان يدعو لهما ويستغفر لهما ، ويتصدق كل شهر بعشرين دينارا عن والديه ، يقول عن نفسه : " ربما ذهبت بها الى مجلس عمر بن ذر ، وربما أمرتني أن لأذهب إليه وأسأله عن مسألة فآتيه وأذكرها له ، وأقول له : إن أمي أمرتني ، فيقول : كيف هو الجواب حتى أخبرك ؟ فأخبره الجواب ، ثم يخبرني به ، فآتيها وأخبرها بالجواب ، وفي مرة استفتني أمي عن شيء ، فأفتيتها فلم تقبله ، وقالت : لا أقبل إلا بقول زرعة الواعظ ، فجئت بها الى زرعة وقلت له : إن أمي تستفتيك في كذا وكذا ، فقال : أنت أعلم وأفقه ، فأفتها ، فقلت : أفتيتها بكذا ، فقال زرعة : القول ما قال أبو حنيفة ، فرضيت وانصرفت ". [33]
-هذه بعض نماذج بر السلف لآبائهم وأمهاتهم ، فلينتبه كل عاقل وكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد لهذه الوصايا والاشارات ، وليسلك بنفسه سبل النجاة بالبحث عن رضا الآباء والأمهات .
د/ أحمد العمراني
الجديدة
المغرب​

[1]-مختصر إرواء الغليل 1/234/1198/وصحيح الترغيب والترهيب:1/95/397.


[3]- المستدرك : 4/168/7249 وصححه ووافقه الذهبي .

[4]-صحيح الجامع:7145.

[5]-سنن الترمذي 2395، وقال : حسن صحيح .

[6]-مسند احمد رقم:7052، وصححه شاكر

[7]-سلسلة الأحاديث الصحيحة 876.

[8]-مسند أحمد رقم:7894وصححه شاكر.

[9]-الجامع الصغير وزيادته:10850وصححه الألباني في صحيح الجامع/5908.

[10] -البر والصلة :1/56/109.وقال : رجال إسناده ثقات .

[11]-شعب الإيمان ج: 6 ص: 206/7916، والأدب المفرد :1/16.

[12]-صحيح الترغيب والترهيب:2/327/2483.

[13]- أخرجه النسائي وبان ماجه بإسناد لا بأس به.

[14]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي :10/207.

[15]-صحيح الترغيب والترهيب:2/330/2500.

[16]-صحيح مسلم :3/1255/1631، وسنن ابي داود:2/131/2880، وسنن الترمذي:3/660/1376.

[17] -البر والصلة 1/47/90، وقال : رجال إسناده ثقات .

[18] -البر والصلة : 1/55/92.وقال : رجال إسناده ثقات.

[19]-المستدرك 4/171/7260.وصححه ووافقه الذهبي .

[20]-صحيح مسلم :1/89/85، وسنن ابي داود:2/758/5143، وسنن الترمذي :4/313/1903.

[21]-صحيح البخاري 2/793/2152.

[22]-صحيح مسلم:225/2542/.16/76.

[23]-الترغيب والترهيب ج: 3 / 226.مجمع الزوائد : 8/148.وأخرجه الطبراني وأحمد.

[24]-البر والصلة : 1/55/107. وقال : رجال إسناده ثقات .

[25]-المستدرك للحاكم: 4/172/7263 ، وعلق عليه الذهبي قي التلخيص : بكار بن عبد العزيز ضعيف.

[26]-صحيح مسلم :4/1978/(9/2551).والمعجم الكبير :19/144/315.

[27]-مسند احمد :2/203/6892.وصحيح ابن حبان:8/178/3384.

[28]-مجمع الزوائد:8/148 وقال : رواه الطبراني في الأوسط وأبو غسان وأبو غنم الراوي عنه لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات.

[29] -الدر المنثور للسيوطي:5/260/ومكارم الأخلاق لابن ابي الدنيا :1/77/228.

[30] -الأدب المفرد:1/18/112.وصححه الألباني.

[31] -حلية الأولياء:2/372.

[32] -المستطرف:2/20.

[33] -تاريخ بغداد:13/366.
 
عودة
أعلى