رضوان سلمان
New member
- إنضم
- 24/11/2010
- المشاركات
- 23
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
النداء الثالث
كُلُـوا واشكـروا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[ البقرة 172]
[يختلف الإنسان المسلم عنغيره في كونه يعيش الحياة بقطاعيها الباطني والخارجي بتركيز أشد.. في الباطن يحركالإسلامُ كل قوى الإنسان وفاعلياته وإمكانياته الذاتية، الحسية والعاطفيةوالخيالية والعقلية والانفعالية والروحية، ويسير بها صوب استجابة مكثفة مترعة إزاءكل ما يحركها ويهزها ويدفعها إلى مزيد من "الحياة"، ومن ثم مزيد من المعطياتالتعبيرية. وفي الخارج يدفع الإسلام الإنسان إلى أن ينمي ويوسع متع واستجابات حواسهالمختلفة عن طريق ربط هذه المتع والاستجابات ربطاً نفسياً وذهنياً فذاً بتجربة الإيمانالشاملة، باعتبار أن هذه الطيبات جميعاً، وتلك الطاقات الجمالية الكونية التي لابدء لها ولا انتهاء، أمور سخرها الله سبحانه لبني آدم، وأن عليهم ـ إذا ما أرادواتقدير خلق الله حق قدره ـ أن يتمتعوا ويشكروا، وان ينموا علاقاتهم الحسية الثرةواستجاباتهم لكل ما يحيط بهم من قوى مذخورة ، ومتع طيبة، وقيم جمالية ..
وما أروع القرآن الكريم وهو يسأل باستنكارهالمؤثر العجيب ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ﴾ .. وما أروعه، مرة أخرى، عندما يحشد عدداً كبيراً من الآيات يطالب فيها الإنسان أنيفتح حواسه جميعاً لتلقي المؤثرات التي بثها الله في الكون، من أجل أن يتمتع عبادهويعبروا عن شكرهم بضروب من معطيات الفكر والفن والوجدان لا تعدو أن تكون حمداًوتسبيحا.][1]
هدايـة وتدبـر[2]
1. يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة، اطعَموا من حَلال الرزق الذي أحللناهُ لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم، مما كنتم تحرِّمونَ أنتم، ولم أكن حرمته عليكم، من المطاعم والمشارب. وأثنوا على الله بما هو أهله منكم، على النعم التي رزقكم وَطيَّبها لكم. إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيَّبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.
2. إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع؛ وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام. ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم؛ فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيباً من الطيبات، وأنه إذا حرم عليهم شيئاً فلأنه غير طيب، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم - وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء - ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك. فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد..
3. كل ما في الأرض والبحر والجو من نبات وحيوان وسمك وطير حلال لنا إلا ما ذكر من المحرمات هنا وفي سورة المائدة وما نص عليه في كتب الفقه الإسلامى.
4. وللمضطر أن يأكل مما حرم قدر الضرورة[3]. والضرورة: هي الحالة الشاقة الشديدة التي لا مدفع لها، والتي لا يطيق الناس تحملها في المعتاد، ولا يصبرون على استمرارها، سواء أدت إلى هلاكهم، أو إلى إدخال العنت الشديد في حياتهم، والمؤمن الذي يخاف الله، لا بد أن يعرف حد الضرورة، والإنسان على نفسه بصيرة، وينبغي عرض كل حالة على العلماء الموثوقين لتقدير تلك الضرورة، وهل هي تدخل في حد الضرورة أو لا؟.
5. أهمية شكر الله تعالى على كل نعمه، فلقد أمر الله أن نشكره، ونهى عن أن نكفره، وأثنى على الشاكرين، ووصف فيه خواص المتقين، وجعله غاية خلقه وأمره، فالشكر غاية، ووعد أهله بأحسن الجزاء، وجعله سبباً لمزيد من العطاء، وحارساً وحافظاً لنعمته، وأخبر أن أهله هم الذين ينتفعون بآياته، واشتق له اسماً من أسمائه، فإنه سبحانه هو الشكور، وهو ينقل الشاكر إلى مشكور، تشكر فتشكر، وهو غاية الرب من عبيده، وهو ثمن الجنة وأهله قليلون جداً. ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ13]
6. الأكل قد يكون واجباً، وذلك عند دفع الضرر عن النفس، وقد يكون مندوباً، وذلك أن الضيف قد يمتنع من الأكل إذا انفرد وينبسط في ذلك إذا سوعد، فهذا الأكل مندوب، وقد يكون مباحاً إذا خلا عن هذه العوارض، والأصل في الشيء أن يكون خالياً عن العوارض، فلا جرم كان مسمى الأكل مباحاً. وهنا في قوله تعالى ﴿ كُلُواْ ﴾ في هذا الموضع لا يفيد الإيجاب والندب بل الإباحة.
7. الطيِّب في أصل اللغة هو المستلذ المستطاب، ولعل أقواماً ظنوا أن التوسع في المطاعم والاستكثار منطيباتها ممنوع منه. فأباح الله تعالى ذلك بقوله: كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى.
8. الأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة. وكذا فإن الشكر يكون بالقول والعمل، ولذلك قارَنَ النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الآية في خطاب المؤمنين، وما في معناها من خطاب المرسلين قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:﴿يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾، وقال: ﴿يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ﴾ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنىٰ يستجاب لذلك؟"[4]
9. وجوب شكر الله على نعمه ومنها النصر على الأعداء والفتح للمسلمين وعلى كل نعمة من نعمه عز وجل التي لا تُعَد ولا تُحصى بتسبيحه وتحميده واستغفاره والتوبة إليه ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ*وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ ]النصر[. وبالشكر تزيد النعم.
10. من واجب شكر الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة أن يحافظ عليها وأن يتجنب أسباب زوالها. قال صلى الله عليه وسلم: «التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل؛ لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس؛ لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب»[5]
11. إن شكر النعمة مربوط بالزيادة ؛ فمن شكر الله تعالى على نعمه؛ زاده.. والزيادة من الله تعالى؛ زيادة من الغنى.. مالك كل شيء! قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[إبراهيم7]. قال علي رضي الله عنه لرجل من أهل همدان: «إنَّ النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله
عز وجل؛ حتى ينقطع الشكر من العبد».
[1] . أ. د. عماد الدين خليل http://alfikr.org/view.aspx?rid=254[موقع الغكر الحر]
[2] . تفسير الطبري . من دروس الشيح محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com/text/03quran/2j-ram04/ram4-008a.php . تفسير المنار. في ظلال القرآن.
[3] . أن يقتصر فيما يباح تناوله للضرورة في رأي جمهور الفقهاء على الحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر، (ما تندفع به الضرورة) لأن إباحة الحرام ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، لذلك "اختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة، فقيل: لا يأكل المضطر من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق والنفس، وقيل: ما يسد جوعته، وقيل: من تغد لم يتعش منها، ومن تعش لم يتغد منها، أي ليس له أن يجمع بينهما، وفي الحديث المرفوع، متى تحل لنا الميتة يا رسول الله؟ قال: (ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا) والصبوح الغداء، والغبوق العشاء، ونحو هذا".
[4] . رواه مسلم في صحيحه والترمذي من حديث فضيل بن مرزوق.
[5] . رواه البيهقي في الشعب/ صحيح الجامع: 3014.