بسم الله الرحمن الرحيم
هذا نداء إلى الثورة السورية من الشيخ محمود ابن الشيخ محمد الحامد شيخ حماة في وقته ، يدعو فيه إلى الدفاع عن الحرمات بالسلاح بتأصيل علمي شرعي
هذا نداء إلى الثورة السورية من الشيخ محمود ابن الشيخ محمد الحامد شيخ حماة في وقته ، يدعو فيه إلى الدفاع عن الحرمات بالسلاح بتأصيل علمي شرعي
نداء إلى الثورة السورية
محمود محمد الحامد
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد
فإن الله تعالى أخذ العهد على أهل العلم أن يبينوا المقاصد التي استنـزفت لها مراصد الدين ، في كل زمان ومكان ، حسب الحاجة وهي على تغيُّر وتبُّدل وتفسُّح وتنكُّر ، وتقدُّم في الظهور وتأخُّر . فمَنائح هذا الجَدَد متجددة ، مع كل حادثة تجدُّ ، ثم إنْ هُم كتموا ما وجب عليهم فيه البيان لحقتهم اللعنة بقوله تعالى: ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم”. البقرة 159 ، 160.
وإن من مقاصد الشريعة وجوب حفظ النفس ؛ وهي من الضروريات الخمس التي ألمع إليها الأصوليون ، إلا ما كان بذلاً للنفس في سبيل الله تعالى، فهذا قد رغَّبت فيه النصوص القرآنية والحديثية، وإن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، كما جاء في الحديث الصحيح.
فأما الخروج بمظاهرات سلمية، وبدون شيء يدفع به عن نفسه كيد الكائد، وهو على مَظِنة أن يُقتل، أو على مظنة تعريض نفسه للقتل، أو على غَرَرِ ذلك، فلا يدخل تحت هذا الباب، بل هو داخل في بعض ما يشمله قوله تعالى: “ولاتقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيماً” النساء29 .
قال العلامة ابن عطية الأندلسي في تفسير هذه الآية: ” .. أجمع المتأولون أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يَقْتل بعضُ الناس بعضَها، ثم لَفْظُها يتناول أن يَقْتل الرجلُ نفسَه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غَرَرٍ، ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي.اهـ ” (1) .
فظهر من هذا أن من ألقى بنفسه إلى التهلكة في مثل هذه المواطن بدون سلاح، يكون مفرِّطاً.
والنصوص التي جاءت بهذا المعنى كثيرة؛ منها ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: “في الجنة ” فألقى تمرات كُنَّ في يده، ثم قاتل حتى قُتِل) تفسير ابن عطية ” المحرَّر الوجيز” ج2، ص530.
فهذا قد قاتلَ، ولم يُلْقِ بنفسه إلى صفوف العدو بدون قتال .
ثم إن هذا يتأكد إذا علمنا أن العدو – و هوالنظام السوري – مغتبط بما نحن عليه، من عدم المقاومة، ويشفي غيظه بقتل المزيد، لإنزال النكاية بالشعب الأعزل، ولمزيد من الإرهاب أيضاً،مع ارتياح صدر وهدوء خاطر، لا سيما وقد علم أن وسائل الإعلام المعارِضة، وفتاوى العلماء المعارضين، تحث المقتول ألاّ يحمل بيده أية وسيلة للمقاومة، وإن أَمرتـْه بالدفاع عن نفسه فعلى استحياء! إن هذا منطق عجيب! وهدير الدماء لا يتوقف، فهل مثل هذا تبيحه قواعد الشريعة؟
نعم إن من قُتل بفتوى عالم وَثِـقَ بعلمه، فهو شهيد يناله الأجر إن شاء الله. أما أن يستمر الأمر متمادياً بهذا الدأْب فهذا مما لا ينبغي السكوت عليه،ثم حـتّام نقارع بالصدور العارية، حتى نُثبت أننا سِلْميُّون، أَفَبَعْد أن يقتل نصف السوريين؟!
وقد كنت قد كتبت بياناً بشأن الثورة السورية، بعد عشرين يوماً من اندلاعها، أي في أوائل شهر نيسان، نوَّهت فيه بالتأكيد على هذا الجانب، حيث أراه من الأهمية بمكان، وأرسلت البيان إلى قناة “وصال” لكن لم يتيسر نشره .
ثم إن مَن حولي ممن يؤيد الثورة السورية رغب إلي حينها ألاّ أبوح بهذا الرأي، ذلك أن الثورة ينبغي – في رأيهم – أن تبقى سلمية. فنزلت تحت رأي هؤلاء، مُتَبَذِّلاً عما يَعْتمل في نفسي، لكني غير مقتنع برأيهم ولا برأي من رافأَهم من إخواني من العلماء السوريين ممن يؤيد الثورة، ويلتزم بهذا الرأي أيضاً .
وما زلتُ نَشِطاً ومستطرَحاً تحت أتون هذا الصراع الجدلي، في احتراب نفسي داخلي : هل أعلن بحقيقة رأيي، مُفْصِحاً عن ملابسات هذا الحكم الفقهي، أو ألتزم رأي المخالفين، رغبة في تفادي ما يحذرون بزعمهم .
لكني – وبعد مَهَل من الأمر – استخرت الله تعالى، ثم حَفَزْتُ رأيي على البيان الناصع، متحملاً مسؤوليته أمام الله تعالى؛ لوقف هدير هذه المجازر، أو تقليلها، على حد مُفاد هذه القاعدة ” ما لا يتأتَّى كله فليُسْتَدرك جُلُّه ” مبيناً ذلك في المناطات التالية:
أولاً- من البعد عن السداد بل من منابذة الحكمة مناطحة الحديد والنار بالصدور العارية، فإن في هذا مظنة تعريض النفوس للقتل ، أو سَوْقها للقتل المحتَّم، بشكل رخيص، إذ هو بدون مقاومة، فهذا غير جائز، وقد بينت فيه الدليل آنفاً.أما لو حملَ السلاح، أو استعَدَّ بأية وسيلة ناجعة، للدفاع عن نفسه، ثم قاتل حتى قُتِل فهو المطلوب شرعاً, وكذا لو لم يَحْمِل السلاح، غير أنه قام مع غيره بمظاهرات سلمية، لكن في البلاد التي تتقبَّل ذلك، كما يجري في الاحتجاجات الناشبة في دول الغرب مثلاً، وقريب منه ما جرى في تونس ومصر، فهذا حميد ناجع رشيد، مهما طال أمده، لأن وسيلته ناجعة، ولا خطر فيها على الأنفُس .
ثانياً- إن استعمال وسائل الدفاع عن النفس، واعتماد أسلوب المقاومة ، فيه اختصار كثير من الجهد وبذل الدم، فهو على نهج ما جاء في قوله تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون” البقرة 179. إذ لولا الخوف من القصاص لاستحرَّ القتل وسالت الدماء دون رادع .
ثالثاً- إن النظام السوري جبان ضعيف، لا يظهر جبروته إلا على الشعب الأعزل، أو الذي لا يرغب في استخدام وسائل الدفاع عن نفسه؛ أما لو شعر باية مقاومة فأعوانه من الأمن والشبيحة وغيرهم غير مستعدين بإطلاق، لتعريض أنفسهم للخطر، فضلاً عن الهلاك، بل إنهم يُقْدمون على قتل الشعب للحفاظ على مكاسبهم وأرواحهم التي ينالونها من النظام، فإذا تعارضت المصلحتان ولَّوا الأدبار، لأن هدفهم دنيء قميء، وذو الهدف الدنيء القميء خليق به أن يتهرب من تحمل أية مسؤولية، ن اهيك من مقارعة الأبطال من رجال الثورة، فلا يرى في مثل هذا إلا أن يُسْلم ساقيه للريح فراراً ولوذاً وهلعاً .
فبهذا يتم تجفيف أنهار الدماء، أو التقليل منها ما أمكن . وإلا فحتّام الانتظار، واستعداء الأوباش الأنذال على الشرفاء الأبطال .
أما موقف الجيش فإني قد خَبرت هذا عملياًَ، وعن كثب، حين كنت واحداً من أفراد هذا الجيش، وخضْتُ معه حرب رمضان – تشرين الأول، عام 73 ضد العدو، ثم حرب الاستنـزاف عام 74، وكنت ضابطاً في سلاح ال م/د أي : السلاح المضاد للدروع، فأنا أعرف حقيقة موقف الجندي السوري، ثم اطلعت أيضاً حينها على عُوار هذا الجيش، ومثالبه الفاضحة، حين يتولاه الأنذال الخونة .
وما استعراض النظام بمدرعاته في شوارع المدن إلا من باب ما قد قيل : أسد علي وفي الحروب نعامة.. وصنيعُه هذا برهانٌ صارخ على ما أقول.
رابعاً – ينبغي تنفيذ اقتراح بعض الغيورين: أن يرافق المظاهرات مفارز مسلّحة، تحمي تكتلات المتظاهرين، وتشد أزرهم، وتقوّي شكيمتهم، وترد عادية الطغاة الجبناء عنهم .
خامساً – إن حدود سورية الشمالية الواسعة تمتد إلى عمق يتراوح من مائة كِيْل إلى مائتي كِيْل، مفتوح على الكرِّ والفرِّ، واقتناء السلاح، بل وتهريبه، وقد أثبت النظام حتى الآن، أنه ليس في قدرته نقل معركته إلى تلك الربوع، بل أثبت أنه غير قادر على أن يضرب بلدين معاً، إلاّ عن طريق رجال الأمن والشبيحة، أي من غير تغطية مدرَّعة، وهؤلاء إذا فتح مجال المقاومة المسلحة سوف يفرّون، أو ينضمون إلى صفوف الثورة .
ومثل ذلك يقال في حدود سورية الشرقية، بل هذه الجهات منفتحة أكثر إلى أعماق دير الزور والرقة والخابور والفرات والبادية، وتستطيع القبائل هناك أن تأخذ حظها من المقاومة، دون أن يمسَسْها أذى من تسلط أتباع النظام.
وبهذا تقْوى حدود سورية الجنوبية أيضاً : درعة والسويداء وما حولهما وما سامتهما . وبالمقاومة يتم التواصل مع من هم خارج الحدود من خلال هذه الحدود المترامية، من الجهات الثلاث، التي يعْسر على النظام ضبطُها جملة .
نعم : إنه في الأيام الأولى للمقاومة ربما تقع هنات، أو ثغرات، وأمور غير مرغوبة، لكن بمرور الوقت سوف يتمهد السبيل-بإذن الله تعالى- أمام اقتناء السلاح، حتى من عناصر الجيش، بل ومن أيدي الشبيحة، وممن يسمون رجال الأمن، ويتمهد السبيل بإذن الله تعالى أيضاً أمام انزلاق كثير منهم للانضمام إلى الثورة، ثم تجد القطعات العسكرية المنشقة سبيلاً للالتحام مع المعارضة .
أما الآن- وقبل إعلان المقاومة- فلربما لا يتشجعون لهذه الخطوة، أو أن النظام يقضي على انشقاقهم ، إذ لا يجدون إلا الصدور العارية .
وإني ليأخذني العجب ثم العجب كيف تحولت الثورة الليبية إلى ثورة مسلحة في غضون فترة يسيرة، ولم تتحول عندنا في سورية، مع أن النظام السوري أشد كثيراً وأعتى من نظام القذافي بما لا يضارَع .
سادساً- بناء على ما سبق فإني أعلنها دعوة صريحة وفتوى نصيحة، بصفتي الدينية الشرعية، وبصفة حملي لأمانة العلم، إلى اتخاذ أسلوب المقاومة المشروعة، لا سيما وأن كثيراً من السوريين قد تعلَّم استخدام السلاح عن طريق الخدمة الإ لزامية، فلا عناء إذن .
أدعو إلى المقاومة بكافة الوسائل، وإلى المظاهرات التي تحمي جوانبها المفازر المسلحة، كلٌ حسب نجاعته ومَضائه، وحسب موطنه، لدحض هذا النظام المجرم وإسقاطه وإلحاق الهزيمة به، طال الزمان أو قصر، بل ليس الأمر ببعيد بإذن الله تعالى إن سرنا على الطريق الصحيح .
كما قد كنت أعلنتها من قبل ضد نظام الأسد الأب، عام خمسة وسبعين وتسعمائة وألف . وكان قد تم التمهيد لذلك بالخطب التي كنت ألقيها يوم الجمعة من على أعواد منبر جامع السلطان في حماة .وهكذا وبعد كل ما قد مضى من استعلاء الثورة، وبعد أن سفكت كل هذه الدماء، واعتقل آلاف الأحرار، فلا رجعة عن هذه الثورة المباركة، التي قطعت مراحل متقدمة، بل لا بد في نظري من اعتماد ما قد ذكرت .
ألا وإن النظام يضرب ضربة فاقد للأمل، شاعر بالتطويق داخل بلدنا وخارجه، وتصرفاته تنبئ عن ذلك .
فخذوا حِذْركم من مزيد سفك الدماء . إني أطلقها صيحة مدوية، يحترق لها قلب الباكي على الناس: الكبار والصغار والنساء والأطفال، فاسمعوها مني أيها الأحرار العقلاء، فما يومُ حَليمة بِسِرٍّ . هذا وبالله جل وعلا التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
محمود محمد الحامد
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد
فإن الله تعالى أخذ العهد على أهل العلم أن يبينوا المقاصد التي استنـزفت لها مراصد الدين ، في كل زمان ومكان ، حسب الحاجة وهي على تغيُّر وتبُّدل وتفسُّح وتنكُّر ، وتقدُّم في الظهور وتأخُّر . فمَنائح هذا الجَدَد متجددة ، مع كل حادثة تجدُّ ، ثم إنْ هُم كتموا ما وجب عليهم فيه البيان لحقتهم اللعنة بقوله تعالى: ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم”. البقرة 159 ، 160.
وإن من مقاصد الشريعة وجوب حفظ النفس ؛ وهي من الضروريات الخمس التي ألمع إليها الأصوليون ، إلا ما كان بذلاً للنفس في سبيل الله تعالى، فهذا قد رغَّبت فيه النصوص القرآنية والحديثية، وإن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، كما جاء في الحديث الصحيح.
فأما الخروج بمظاهرات سلمية، وبدون شيء يدفع به عن نفسه كيد الكائد، وهو على مَظِنة أن يُقتل، أو على مظنة تعريض نفسه للقتل، أو على غَرَرِ ذلك، فلا يدخل تحت هذا الباب، بل هو داخل في بعض ما يشمله قوله تعالى: “ولاتقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيماً” النساء29 .
قال العلامة ابن عطية الأندلسي في تفسير هذه الآية: ” .. أجمع المتأولون أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يَقْتل بعضُ الناس بعضَها، ثم لَفْظُها يتناول أن يَقْتل الرجلُ نفسَه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غَرَرٍ، ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي.اهـ ” (1) .
فظهر من هذا أن من ألقى بنفسه إلى التهلكة في مثل هذه المواطن بدون سلاح، يكون مفرِّطاً.
والنصوص التي جاءت بهذا المعنى كثيرة؛ منها ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: “في الجنة ” فألقى تمرات كُنَّ في يده، ثم قاتل حتى قُتِل) تفسير ابن عطية ” المحرَّر الوجيز” ج2، ص530.
فهذا قد قاتلَ، ولم يُلْقِ بنفسه إلى صفوف العدو بدون قتال .
ثم إن هذا يتأكد إذا علمنا أن العدو – و هوالنظام السوري – مغتبط بما نحن عليه، من عدم المقاومة، ويشفي غيظه بقتل المزيد، لإنزال النكاية بالشعب الأعزل، ولمزيد من الإرهاب أيضاً،مع ارتياح صدر وهدوء خاطر، لا سيما وقد علم أن وسائل الإعلام المعارِضة، وفتاوى العلماء المعارضين، تحث المقتول ألاّ يحمل بيده أية وسيلة للمقاومة، وإن أَمرتـْه بالدفاع عن نفسه فعلى استحياء! إن هذا منطق عجيب! وهدير الدماء لا يتوقف، فهل مثل هذا تبيحه قواعد الشريعة؟
نعم إن من قُتل بفتوى عالم وَثِـقَ بعلمه، فهو شهيد يناله الأجر إن شاء الله. أما أن يستمر الأمر متمادياً بهذا الدأْب فهذا مما لا ينبغي السكوت عليه،ثم حـتّام نقارع بالصدور العارية، حتى نُثبت أننا سِلْميُّون، أَفَبَعْد أن يقتل نصف السوريين؟!
وقد كنت قد كتبت بياناً بشأن الثورة السورية، بعد عشرين يوماً من اندلاعها، أي في أوائل شهر نيسان، نوَّهت فيه بالتأكيد على هذا الجانب، حيث أراه من الأهمية بمكان، وأرسلت البيان إلى قناة “وصال” لكن لم يتيسر نشره .
ثم إن مَن حولي ممن يؤيد الثورة السورية رغب إلي حينها ألاّ أبوح بهذا الرأي، ذلك أن الثورة ينبغي – في رأيهم – أن تبقى سلمية. فنزلت تحت رأي هؤلاء، مُتَبَذِّلاً عما يَعْتمل في نفسي، لكني غير مقتنع برأيهم ولا برأي من رافأَهم من إخواني من العلماء السوريين ممن يؤيد الثورة، ويلتزم بهذا الرأي أيضاً .
وما زلتُ نَشِطاً ومستطرَحاً تحت أتون هذا الصراع الجدلي، في احتراب نفسي داخلي : هل أعلن بحقيقة رأيي، مُفْصِحاً عن ملابسات هذا الحكم الفقهي، أو ألتزم رأي المخالفين، رغبة في تفادي ما يحذرون بزعمهم .
لكني – وبعد مَهَل من الأمر – استخرت الله تعالى، ثم حَفَزْتُ رأيي على البيان الناصع، متحملاً مسؤوليته أمام الله تعالى؛ لوقف هدير هذه المجازر، أو تقليلها، على حد مُفاد هذه القاعدة ” ما لا يتأتَّى كله فليُسْتَدرك جُلُّه ” مبيناً ذلك في المناطات التالية:
أولاً- من البعد عن السداد بل من منابذة الحكمة مناطحة الحديد والنار بالصدور العارية، فإن في هذا مظنة تعريض النفوس للقتل ، أو سَوْقها للقتل المحتَّم، بشكل رخيص، إذ هو بدون مقاومة، فهذا غير جائز، وقد بينت فيه الدليل آنفاً.أما لو حملَ السلاح، أو استعَدَّ بأية وسيلة ناجعة، للدفاع عن نفسه، ثم قاتل حتى قُتِل فهو المطلوب شرعاً, وكذا لو لم يَحْمِل السلاح، غير أنه قام مع غيره بمظاهرات سلمية، لكن في البلاد التي تتقبَّل ذلك، كما يجري في الاحتجاجات الناشبة في دول الغرب مثلاً، وقريب منه ما جرى في تونس ومصر، فهذا حميد ناجع رشيد، مهما طال أمده، لأن وسيلته ناجعة، ولا خطر فيها على الأنفُس .
ثانياً- إن استعمال وسائل الدفاع عن النفس، واعتماد أسلوب المقاومة ، فيه اختصار كثير من الجهد وبذل الدم، فهو على نهج ما جاء في قوله تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون” البقرة 179. إذ لولا الخوف من القصاص لاستحرَّ القتل وسالت الدماء دون رادع .
ثالثاً- إن النظام السوري جبان ضعيف، لا يظهر جبروته إلا على الشعب الأعزل، أو الذي لا يرغب في استخدام وسائل الدفاع عن نفسه؛ أما لو شعر باية مقاومة فأعوانه من الأمن والشبيحة وغيرهم غير مستعدين بإطلاق، لتعريض أنفسهم للخطر، فضلاً عن الهلاك، بل إنهم يُقْدمون على قتل الشعب للحفاظ على مكاسبهم وأرواحهم التي ينالونها من النظام، فإذا تعارضت المصلحتان ولَّوا الأدبار، لأن هدفهم دنيء قميء، وذو الهدف الدنيء القميء خليق به أن يتهرب من تحمل أية مسؤولية، ن اهيك من مقارعة الأبطال من رجال الثورة، فلا يرى في مثل هذا إلا أن يُسْلم ساقيه للريح فراراً ولوذاً وهلعاً .
فبهذا يتم تجفيف أنهار الدماء، أو التقليل منها ما أمكن . وإلا فحتّام الانتظار، واستعداء الأوباش الأنذال على الشرفاء الأبطال .
أما موقف الجيش فإني قد خَبرت هذا عملياًَ، وعن كثب، حين كنت واحداً من أفراد هذا الجيش، وخضْتُ معه حرب رمضان – تشرين الأول، عام 73 ضد العدو، ثم حرب الاستنـزاف عام 74، وكنت ضابطاً في سلاح ال م/د أي : السلاح المضاد للدروع، فأنا أعرف حقيقة موقف الجندي السوري، ثم اطلعت أيضاً حينها على عُوار هذا الجيش، ومثالبه الفاضحة، حين يتولاه الأنذال الخونة .
وما استعراض النظام بمدرعاته في شوارع المدن إلا من باب ما قد قيل : أسد علي وفي الحروب نعامة.. وصنيعُه هذا برهانٌ صارخ على ما أقول.
رابعاً – ينبغي تنفيذ اقتراح بعض الغيورين: أن يرافق المظاهرات مفارز مسلّحة، تحمي تكتلات المتظاهرين، وتشد أزرهم، وتقوّي شكيمتهم، وترد عادية الطغاة الجبناء عنهم .
خامساً – إن حدود سورية الشمالية الواسعة تمتد إلى عمق يتراوح من مائة كِيْل إلى مائتي كِيْل، مفتوح على الكرِّ والفرِّ، واقتناء السلاح، بل وتهريبه، وقد أثبت النظام حتى الآن، أنه ليس في قدرته نقل معركته إلى تلك الربوع، بل أثبت أنه غير قادر على أن يضرب بلدين معاً، إلاّ عن طريق رجال الأمن والشبيحة، أي من غير تغطية مدرَّعة، وهؤلاء إذا فتح مجال المقاومة المسلحة سوف يفرّون، أو ينضمون إلى صفوف الثورة .
ومثل ذلك يقال في حدود سورية الشرقية، بل هذه الجهات منفتحة أكثر إلى أعماق دير الزور والرقة والخابور والفرات والبادية، وتستطيع القبائل هناك أن تأخذ حظها من المقاومة، دون أن يمسَسْها أذى من تسلط أتباع النظام.
وبهذا تقْوى حدود سورية الجنوبية أيضاً : درعة والسويداء وما حولهما وما سامتهما . وبالمقاومة يتم التواصل مع من هم خارج الحدود من خلال هذه الحدود المترامية، من الجهات الثلاث، التي يعْسر على النظام ضبطُها جملة .
نعم : إنه في الأيام الأولى للمقاومة ربما تقع هنات، أو ثغرات، وأمور غير مرغوبة، لكن بمرور الوقت سوف يتمهد السبيل-بإذن الله تعالى- أمام اقتناء السلاح، حتى من عناصر الجيش، بل ومن أيدي الشبيحة، وممن يسمون رجال الأمن، ويتمهد السبيل بإذن الله تعالى أيضاً أمام انزلاق كثير منهم للانضمام إلى الثورة، ثم تجد القطعات العسكرية المنشقة سبيلاً للالتحام مع المعارضة .
أما الآن- وقبل إعلان المقاومة- فلربما لا يتشجعون لهذه الخطوة، أو أن النظام يقضي على انشقاقهم ، إذ لا يجدون إلا الصدور العارية .
وإني ليأخذني العجب ثم العجب كيف تحولت الثورة الليبية إلى ثورة مسلحة في غضون فترة يسيرة، ولم تتحول عندنا في سورية، مع أن النظام السوري أشد كثيراً وأعتى من نظام القذافي بما لا يضارَع .
سادساً- بناء على ما سبق فإني أعلنها دعوة صريحة وفتوى نصيحة، بصفتي الدينية الشرعية، وبصفة حملي لأمانة العلم، إلى اتخاذ أسلوب المقاومة المشروعة، لا سيما وأن كثيراً من السوريين قد تعلَّم استخدام السلاح عن طريق الخدمة الإ لزامية، فلا عناء إذن .
أدعو إلى المقاومة بكافة الوسائل، وإلى المظاهرات التي تحمي جوانبها المفازر المسلحة، كلٌ حسب نجاعته ومَضائه، وحسب موطنه، لدحض هذا النظام المجرم وإسقاطه وإلحاق الهزيمة به، طال الزمان أو قصر، بل ليس الأمر ببعيد بإذن الله تعالى إن سرنا على الطريق الصحيح .
كما قد كنت أعلنتها من قبل ضد نظام الأسد الأب، عام خمسة وسبعين وتسعمائة وألف . وكان قد تم التمهيد لذلك بالخطب التي كنت ألقيها يوم الجمعة من على أعواد منبر جامع السلطان في حماة .وهكذا وبعد كل ما قد مضى من استعلاء الثورة، وبعد أن سفكت كل هذه الدماء، واعتقل آلاف الأحرار، فلا رجعة عن هذه الثورة المباركة، التي قطعت مراحل متقدمة، بل لا بد في نظري من اعتماد ما قد ذكرت .
ألا وإن النظام يضرب ضربة فاقد للأمل، شاعر بالتطويق داخل بلدنا وخارجه، وتصرفاته تنبئ عن ذلك .
فخذوا حِذْركم من مزيد سفك الدماء . إني أطلقها صيحة مدوية، يحترق لها قلب الباكي على الناس: الكبار والصغار والنساء والأطفال، فاسمعوها مني أيها الأحرار العقلاء، فما يومُ حَليمة بِسِرٍّ . هذا وبالله جل وعلا التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل .