نداء إلى أئمة القراءات المعاصرين

إنضم
27/12/2007
المشاركات
373
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
من الطيبة : "والخلف كم حما جلا "
يعني أن لابن عامر والبصريين والأزرق ثلاثة أوجه بين البسملة بين السورتين والسكت بينهما ووصلهما.
وقال الشاطبي : "وصل واسكتن كل جلاياه حصلا ـ ولا نص كلا حب وجه ذكرته ـ وفيها خلاف جيده واضح الطلا" اهـ
قال الداني في التيسير :" ويختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر السكت بين السورتين من غير قطع" اهـ بلفظه
أما عن ابن عامر :
قال في النشر (1/260) "وأما ابن عامر فقطع له بالوصل صاحب الهداية وهو أحد الوجهين في الكافي والشاطبية ، وقطع له بالسكت صاحبا التلخيص والتبصرة وابنا غلبون واختيار الداني وبه قرأ على شيخه أبي الحسن ولا يؤخذ من التيسير بسواه وهو الوجه الأخر في الشاطبية ، وقطع له بالبسملة صاحب العنوان وصاحب التجريد وجميع العراقيين وهو الوجه الآخر في الكافي وبه قرأ الداني على الفارسي وأبي الفتح ، وهو الذي لم يذكر المالكي في الروضة سواه وهو الذي في الكامل"اهـ بلفظه
قال الداني في جامع البيان :"(1/245) فأما ابن عامر فلم يأت عنه في ذلك شيء يعمل عليه من فصل ولا غيره، والذي قرأت له على الفارسي عن قراءته على أبي بكر النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان وعلى أبي الفتح عن قراءته على أصحابه في رواية ابن ذكوان وهشام جميعا بالفصل بالتسمية ، وقرأت له في الروايتين على أبي الحسن عن قراءته بغير تسمية ولا فصل"اهـ بلفظه
وأما عن أبي عمرو :
قال ابن الجزري في تقريب النشر (ص 33) :"فالبسملة لأبي عمرو في الهادي وأحد الوجهين في الهداية واختيار صاحب الكافي وهو الذي رواه ابن حبش عن السوسي والذي في غاية الاختصار له" اهـ بلفظه
قلت : ولكنه في النشر جعل للمهدوي في الهداية ثلاثة أوجه عند ذكر وجه البسملة لأبي عمرو.
وقال في التقريب أيضا ص(35) "والوصل لأبي عمرو في العنوان والوجيز وأحد الوجهين في جامع الداني وبه قرأ على الفارسي عن أبي طاهر وهو قراءة صاحب التجريد على عبد الباقي وأحد الثلاثة في الهداية وبه قطع في غاية الاختصار لغير السوسي وطريق الطبري في المستنير وغيره وظاهر عبارة الكافي وأحد وجهي [ الكافي ] الشاطبية "اهـ بلفظه
قلت : والصواب هو " وأحد وجهي الشاطبية" أما عبارة الكافي قبلها فإنما زيادة من الناسخ في التقريب لم ينتبه لها المحققان رغم وجودها صريحة صحيحة في النشر (1/260) قال " وهو ظاهر عبارة الكافي وأحد الوجهين في الشاطبية" اهـ بلفظه. وزاد النشر على التقريب بقوله في النشر (1/260) "وبه قطع الحضرمي في المفيد للدوري عنه" اهـ بلفظه
وقال في التقريب أيضا (35 ـ 36) " والسكت لأبي عمرو في التبصرة والتلخيصين وإرشاد بن غلبون والتذكرة وأحد وجهي الهداية والشاطبية واخيار الداني وبه قرأ على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان وهو الذي في المستنير والروضة وسائر العراقيين"اهـ
قلت : يعني كما في النشر (1/260) "لغير ابن حبش عن السوسي وفي الكافي أيضا" اهـ
وقال في النشر (1/260) "ولا يؤخذ من التيسير بسواه عند التحقيق وهو الوجه الآخر في الشاطبية وبه قرأ صاحب التجريد على الفارسي للدوري وقطع به في غاية الاختصار للدوري أيضا" اهـ بلفظه
قلت : وكذلك في جامع البيان للداني (1/245ـ246) اختار السكت بقوله" وبذلك قرأت على جميع شيوخي وبه آخذ" اهـ بلفظه
وأما عن يعقوب :
فالبسملة بين السورتين له كما في التقريب (ص34) "ليعقوب في التذكرة والوجيز وعند الداني وابن الفحام وابن شريح" اهـ بلفظه
قلت وزاد في النشر (1/261) طريق الكامل للهذلي مع من قطعوا له بالبسملة .
قلت : وهي الزيادة على التحبير.
قال في النشر (1/260) :"وأما يعقوب فقطع له بالوصل صاحب غاية الاختصار " اهـ بلفظه وهو كذلك في التقريب ويعني لأبي العلاء الهمداني .
والسكت ليعقوب في الإرشادين والمستنير والكفاية وسائر كتب العراقيين.
وأما عن الأزرق :
فالبسملة بين السورتين له في التبصرة وهي اختيار ابن شريح في الكافي وهي أحد الثلاثة في الشاطبية .
والوصل للأزرق كما في التقريب في الهداية والعنوان وظاهر الكافي وأحد الثلاثة في الشاطبية ، وزاد في النشر بقوله "والحضرمي وصاحب المفيد" اهـ بلفظه .
قلت : وهو دقيق إذ هما طريقان واحدة من كتاب المفيد في القراءات الثمان لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الحضرمي المرقم في غاية النهاية لابن الجزري برقم 2682 ، والثانية من كتاب المفيد في القراءات العشر لأبي نصر أحمد بن مسرور الخباز البغدادي المرقم في غاية النهاية برقم 651
وكلا الكتابين من طرق النشر أي أمهاته التي اعتمد عليها.
والسكت للأزرق كما في النشر "وقطع له بالسكت ابنا غلبون وابن بليمة صاحب التلخيص وهو الذي في التيسير وبه قرأ الداني على جميع شيوخه وهو الوجه الثاني في الشاطبية وأحد الوجهين في التبصرة من قراءته على أبي الطيب وهو ظاهر عبارة الكامل الذي لم يذكر له غيره" اهـ بلفظه .
وقال الداني في جامع البيان :"واختلف عن ورش عنه في ذلك فقرأت له من طريق أبي يعقوب على ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن وغيرهم من قراءتهم بالأسانيد المذكورة بغير تسمية بين السور في جميع القرآن وعلى ذلك عامة أهل الأداء من شيوخ المصريين الآخذين برواية الأزرق" اهـ بلفظه.
وقال ابن الجزري في التحبير (ص 39) "وبكل من السكت والوصل قطع جماعة من الأئمة لورش وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب ، وبالسكت قرأ المؤلف (يعني الداني) لورش على جميع شيوخه، ولأبي عمرو على أبي الحسن وأبي الفتح وابن خاقان ، ولابن عامر على أبي الحسن ، وبالوصل قرأ على الفارسي لأبي عمرو ، وبالبسملة قرأ لابن عامر على الفارسي وأبي الفتح فهذا من الموضع التي خرج فيها عن طريق الكتاب والله الموفق" اهـ بلفظه
قال الحسن ولد ماديك : وأوضح ما استطعت المواضع التي أعلن ابن الجزري في التحبير أن المؤلف أي الداني خرج فيها عن طريق الكتاب أي التيسير.
فأقول:
أما عن هشام في التيسير فإنما طريقه بالبسملة بين السورتين لأن الداني كذلك قرأ وتلقى عن شيخه أبي الفتح فارس على السامري على محمد بن عبدان على الحلواني على هشام .
وليس للشاطبي أداء إلى هشام خارج هذه السلسلة أي طريق التيسير هذه .
وهكذا كان السكت والوصل لهشام في التيسير والحرز خروج منهما عن طريقهما
وأما عن ابن ذكوان في التيسير فإنما طريقه بالبسملة أيضا لأنها قراءة الداني على شيخه عبد العزيز الفارسي على النقاش على الأخفش على ابن ذكوان .
وليس للشاطبي أداء تلقاه إلى ابن ذكوان خارج هذه الطريق .
وهكذا كان السكت والوصل فيهما خروج عن طريقهما إلى ابن ذكوان .
وهكذا كان قول ابن الجزري في النشر (1/260) عن السكت لابن عامر :"واختيار الداني وبه قرأ على شيخه أبي الحسن ولا يؤخذ من التيسير بسواه" اهـ بلفظه محل الغرض منه ولا يقع على طريق التيسير وإنما يعني أن ابن الجزري قد زكى اختيار الداني في هذه المسألة من بين سيل الروايات التي تلقاها عن ابن عامر وعن كل من روايتيه غير طريق التيسير وهو الذي تلقاه عن شيخه أبي الحسن طاهر بن غلبون وليس أبو الحسن هذا من طرق الداني في التيسير عن هشام ولا عن ابن ذكوان .
وهكذا أقر ابن الجزري للداني بمكانته العلمية الرفيعة وأخذ له باختياراته في التيسير خارج طرق التيسير ، وهكذا كانت للقراء السبعة والعشرة وغيرهم ولرواتهم اختياراتهم التي ركبوا بها قراءاتهم ورواياتهم من بين سيل ما تلقوا عن شيوخهم .
وأما عن الدوري عن أبي عمرو في التيسير فإنما طريقه بالوصل بين السورتين لأنه من قراءة الداني على شيخه عبد العزيز الفارسي على أبي طاهر عبد الواحد بن عمر على ابن مجاهد على أبي الزعراء على الدوري ، وهكذا كان السكت خروج من التيسير عن طريقه لدوري أبي عمرو.
وأما في الشاطبية فلا اعتراض على زيادته لدوري أبي عمرو بل هي مقروءة لأن للشاطبي أداءين إلى الدوري خارج طريق التيسير :
أحدهما قراءة الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على ابن شفيع على ابن سهل على الطرسوسي على السامري على ابن مجاهد على أبي الزعراء على الدوري.
وثانيهما قراءة الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على ابن الدوش وأبي داوود على الداني على أبي الحسن طاهر بن غلبون على أبيه عبد المنعم على المجاهدي على ابن مجاهد على أبي الزعراء على الدوري.
وأما عن السوسي في التيسير والحرز فإنما طريقه بالسكت بين السورتين لأنه قراءة الداني على أبي الفتح فارس بن أحمد الحمصي الضرير على السامري على ابن جرير على السوسي ، وليس للشاطبي أداء إلى السوسي خارج هذه الطرق.
وهكذا كان اختيار الداني لأبي عمرو من روايتيه السكت بين السورتين يعني اختيارا من الداني للسكت لدوري أبي عمرو كالذي تلقى للسوسي من طريق التيسير.
وسارع ابن الجزري إلى تزكية اختيار الداني للدوري في التيسير كما هو مدلول قول ابن الجزري في النشر (1/260) "ولا يؤخذ من التيسر بسواه عند التحقيق" اهـ بلفظه
وأما عن الأزرق في التيسير فإنما طريقه بالسكت تماما كما أعلن الداني نفسه لأنه من قراءته على خلف بن خاقان الخاقاني وكما هو صريح قول ابن الجزري في النشر (1/161) "وهو الذي في التيسير وقرأ به الداني على جميع شيوخه" اهـ محل الغرض منه .
قلت ومنهم خلف بن خاقان طريق التيسير للأزرق .
ولا اعتراض على زيادات الشاطبي للأزرق إذ قد تلقى أداء للأزرق زيادة على طريق التيسير، هو قراءة الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على أبي داوود على الداني على خلف بن خاقان على الأنماطي على الخياط على النحاس على الأزرق .
ولا يخفى التغاير بين الطريقين إذ اختلفت زيادة الشاطبي عن التيسير بقراءة ابن خاقان على الأنماطي عن طريق التيسير بقراءة ابن خاقان على أحمد التجيبي على النحاس على الأزرق.
وأما قول عبد الفتاح القاضي في البدور الزاهرة (ص 16ـ18) "وروي عن كل من ورش وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب ثلاثة أوجه البسملة والسكت والوصل" اهـ بلفظه فهو صحيح من طرق الطيبة التي قصّر هو نفسه كتابه عنها ولا يعني من التحقيق شيئا في التيسير والدرة طريقا كتابه البدور إلا استنساخ ما سبقه .
قال الحسن بن ماديك : وأسجل هنا إشادتي وامتناني للمصنفين من أئمة القراءات أمانتهم العلمية وحفظهم التلقي والأداء والاختيار وأن لم يخلطوا بعضه ببعض كالداني والشاطبي وابن الجزري وغيرهم من الأئمة الثقات كالذين اعتمد عليهم في النشر فكانت كتبهم طرق كتابه النشر والطيبة .
نقلا عن كتابي :
"غاية البشر في تحرير
طرق طيبة النشر
وطرق الحرز والتيسير والتحبير"
وأقول لأئمة القراءات المعاصرين : ألم يأن لكم أن تهبوا لتحرير القراءات لتيسير القرآن للذكر أي للتخفيف عن الأمة بطرح ما تئن به من اللهجات والقياس في القراءات رغم تواتر القرآن دونها ورغم حاجة تعدد الروايات والقراءات إليها إذ هي لحفظ تعدد الروايات لا لحفظ القرآن وإثبات معجزة تواتره والاحتجاج به .
أقول : فإن لم تهبوا شيوخ القراءات المعاصرين ، فلسوف يعلن طالب علم قاصر مع طلبة علم مثله يوما كارهون أو مكرهون :
ذلك حمل بعير وهم به زعماء .
الحسن محمد ماديك
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قولكم : " ولا اعتراض على زيادات الشاطبي للأزرق إذ قد تلقى أداء للأزرق زيادة على طريق التيسير ، وهو قراءة الشاطبي على النفزي على ابن غلام الفرس على أبي داود على الداني على خلف بن خاقان على الأنماطي على الخياط على النحاس على الأزرق.
ولا يخفى التغاير بين الطريقين إذ اختلفت زيادة الشاطبي عن التيسير بقراءة ابن خاقان على الأنماطي عن طريق التيسير بقراءة على أحمد التجيبي على النحاس على الأزرق " انتهى كلامكم حفظكم الله.

أوّلاً : أشكر فضيلتكم على هذا التدقيق في البحث ، إذ قلّ من نراه يرجع إلى المصادر للتحقيق والتحرير وكأنّ المحررون معصومون من الخطأ ، حيث طغى التقليد على التحقيق.

ثانياً : لا يمكنك إدراك الخلاف بين قراءة ابن خاقان على الأنماطي وبين قراءته على أحمد التيجيبي ما دام لم يختلف أداء الداني على ابن خاقان في السكت بين السورتين ، وقد أخبر الداني أنّه قرأ على جميع مشايخه بالسكت للأزرق. إذن فمن أين أتى الشاطبيّ بوجهي البسملة والوصل وإسناده يمرّ لا محال على الداني ؟ فالعبرة بما قرأ وأقرأ الداني وليس بما قرأ وأقرأ ابن خاقان ، اللهمّ إلاّ إذا كان للشاطبي إسناد إلى ابن خاقان دون أن يمرّ على الداني وهذا لم غير ثابت.
وحتّى أن ثبت أنّ ابن خاقان قرأ بوجه البسملة والوصل عن بعض مشايخه فلا يصحّ من طريق الداني لأنّه لم يقرأ بهما عليه فيكون الوجهان منقطعين بين الداني وبين شيخه ابن خاقان.

وبالمناسبة أطرح سؤالاً لمشايخنا الكرام ؟ من أين جاء الشاطبي بوجهي البسملة والوصل لورش مع أنّ الداني ما قرأ إلاّ بوجه السكت ، ولعلمنا مسبقاً أنّ إسناد الشاطبيّ لورش لا يخرج عن قراءة الداني على مشايخه الثلاثة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري
 
السلام عليكم ورحمة الله، قال الإمام الداني في جامع البيان: "واختلف عن ورش عنه في ذلك فقرأت له من طريق أبي يعقوب على ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن وغيرهم من قراءتهم بالأسانيد المذكورة بغير تسمية بين السور في جميع القرآن وعلى ذلك عامة أهل الأداء من شيوخ المصريين الآخذين برواية الأزرق اهـ"، قوله "بغير تسمية بين السور" كلام مبهم لا يحدد أي وجه يريد، فيحتمل السكت والوصل معا، أو أحدهما، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى تحرير، وأنا أميل والله أعلم إلى أنه أراد الوجهين معا، إذ ما الذي منعه من التصريح بوجه السكت وقد صرح به في غيره من مؤلفاته كالتيسير مثلا؟، زد إلى ذلك أنه صرح بهذا الوجه في مسألة الأربع الزهر فقال هنالك: "ويسكت بينهن سكتة من غير فصل في مذهب حمزة"، فلو أراد حقيقة بقوله: "بغير تسمية بين السور" وجه السكت فحسب لصرح به هنا، وقد ذكر في آخر فقرته أن عامة أهل الأداء من شيوخ المصريين الآخذين برواية الأزرق على هذا العمل، وإذا بحثنا قليلا في شيوخ المصريين هؤلاء نجد أن منهم من يروي الوصل كابن سيف التجيبي المصري عن الأزرق برواية ابن خلف في العنوان عن الطرسوسي نزيل مصر عن أبي عدي المصري عنه، ورواية أبي الحسن بن غلبون في التذكرة عن أبي عدي عنه، وقال الداني في الجامع: "حدثنا طاهر بن غلبون عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد قال: لا يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} بين السورتين إلا في فاتحة الكتاب، وذكر أنه كذلك قرأ على ابن سيف، وذكر ابن سيف أنه قرأ كذلك على أبي يعقوب الأزرق، وذكر أبو يعقوب أنه كذلك قرأ على ورش، وذكر ورش أنه كذلك قرأ على نافع اهـ"، فقوله :"لا يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} بين السورتين " مبهم أيضا لا يفيد وصلا ولا سكتا، فيحتمل الأمرين، بالإضافة إلى أن طريق العنوان في رواية الأزرق هو ابن سيف، والعنوان قد قطع بالوصل للأزرق عن ورش، لكن الذي يشكل لماذا قطع ابن غلبون في التذكرة بوجه السكت فقط؟
أما الفصل بالبسملة فلم تثبت في إحدى طرق التيسير عن الأزرق، وليس لنا نص في ذلك إلا ما ذكره الداني في جامع البيان عن أبي غانم المظفر بن أحمد بن حمدان المصري الذي روى عن النحاس عن الأزرق، (وهو طريق المهدوي في الهداية، وقد قطع بالوصل بين السورتين كالعنوان)، أنه كان يخالف الجماعة فيختار الفصل بالتسمية استحسانا منه من غير رواية رواها ولا أداء نقله، فيكون الشاطبي قد أخذ وجه البسملة استحسانا كما فعل أبو غانم، وقد صرح بذلك ابن القاصح في شرحه للشاطبية فقال:" وفيها خلاف: أي وفي البسملة خلاف عن المشار إليه بالجيم من قوله: جيده وهو ورش، وذلك أن أبا غانم كان يأخذ له بالبسملة بين السورتين، وأن المصريين أخذوا له بتركها بينهما، وقيل لا رمز في هذا البيت لأحد وفيها خلاف عنهم أي وفي البسملة خلاف عن ابن عامر وأبي عمرو وورش، فعلى هذا التفسير فالبسملة للثلاثة من زيادات القصيدة اهـ" هذا والله تعالى أعلم.
 
الأخ الفاضل محمد يحيى شريف الجزائري
أشكر لك النقاش العلمي والذي هكذا يجب أن يكون .
إن الداني قد قرأ بترك البسملة للأزرق على شيوخه الثلاثة : خلف وطاهر وفارس ولا يعني ذلك صراحة الاقتصار له على السكت دون الوصل وإلا لكان النص عنه في التيسير وجامع البيان أن قراءته عليهم هي بالسكت فقط لتنتفي الرواية عنهم قراءة عليهم بكل من الوصل والتسمية بين السورتين .
وهكذا كان النص عن الداني في التيسير هو كالتالي "ويختار في مذهب ورش وأبي عمرو وابن عامر السكت بين السورتين من غير قطع" اهـ .
وكان النص عن الداني في جامع البيان هو كالتالي "واختلف عن ورش عنه في ذلك فقرأت له من طريق أبي يعقوب على ابن خاقان وأبي الفتح وأبي الحسن وغيرهم من قراءتهم بالأسانيد المذكورة بغير تسمية بين السور في جميع القرآن وعلى ذلك عامة أهل الأداء من شيوخ المصريين الآخذين برواية الأزرق" اهـ بلفظه .
قلت : وعبارة التيسير باختيار السكت صريحة في اختياره دون رواية أخرى عن الأزرق ، وعبارة جامع البيان كذلك بالقراءة بترك التسمية صريحة بأن أداء الداني عن الثلاثة كان بترك التسمية فقط أي أنه كان بكل من السكت والوصل ، وهكذا جزم ابن الجزري في التحبير (ص 39) بقوله "وبكل من السكت والوصل قطع جماعة من الأئمة لورش" اهـ محل الغرض منه
ويعني أن القاطعين من الأئمة لورش بالوصل ومنهم المهدوي في الهداية وأبو الطاهر إسماعيل الأندلسي المصري في كتابه العنوان وهما مغربيان ومنهم الحضرمي في كتابه المفيد في القراءات الثمان و، وكذا أبو نصر البغدادي في المفيد في القراءات العشر وهما مشرقيان ، إنما قطعوا له بالوصل بعد روايتهم الوصل عن الأزرق .
نعم لقد قرأ الداني بالسكت على شيوخه الثلاثة خلف وفارس وطاهر كما هو صريح عبارة التحبير ، ولكن النص في جامع البيان بترك التسمية الذي يقع على الوجهين غيرها وجه السكت ووجه الوصل وكذلك دلالة الاختيار في التيسير .
ولقد حوى جامع البيان للداني (ص 243ـ244) النص صريحا بذلك كما هو قوله : حدثنا طاهر بن غلبون عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد قال : لا يقرأ بسم الله الرحمان الرحيم بين السورتين إلا في فاتحة الكتاب وذكر أنه كذلك قرأ على ابن سيف وذكر ابن سيف أنه كذلك قرأ على أبي يعقوب الأزرق وذكر أبو الأزرق أنه كذلك قرأ على ورش وذكر ورش أنه كذلك قرأ على نافع " اهـ محل الغرض منه
وكذلك في التذكرة لطاهر بن غلبون شيخ الداني (ص 63) قال"وقرأ الباقون بغير فصل بين السورتين بـ"بسم الله الرحمان الرحيم" في جميع القرآن جاء ذلك منصوصا عن ورش وحمزة" اهـ بلفظه
قلت : ولو أرادوا السكت وحده لقالوا بالسكت ولتركوا عبارة ترك التسمية ذات الدلالة الصريحة على دخول وجه الوصل بين السورتين .
أما سؤالك : من أين جاء الشاطبي بوجي البسملة والوصل مع أن الداني ما قرأ إلا بوجه السكت ؟ اهـ
فأقول لعل الصواب أن تقول :
من أين جاء الشاطبي بوجه البسملة بين السورتين للأزرق ؟
وهو ما يسلم لك قوله لأني زعمت أن الوصل كذلك هو رواية عن الأزرق وقطع به من ذكرت آنفا .
أما جواب من أين جاء الشاطبي بوجه البسملة عن الأزرق ؟
فلقد أجبت عليه في آخر البحث ليعلم الناس اليوم أن الداني والشاطبي وابن الجزري هم طرق مستقلة بذاتها وأن الأركان الثلاثة كانت أيام الجمع لأمثال هؤلاء الأئمة الثقات أما اليوم فلا يقرأ القرآن إلا من طرقهم وإنما يلزمنا نحن المتأخرين اتصال الأداء بشرطه وتحرير الطرق وكما بينته في بحث إثبات تواتر القرآن
طالب العلم
الحسن محمد ماديك
 
الأخ أبا المنذر الجزائري سلمك الله
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
أما والله لم أقرأ ردك إلا بعد أن أضفت ردي على الأخ محمد يحيى شريف
الجزائري إذ كنت قد كتبته يوم أمس وحال دون نشره في الموقع الظروف الفنية له
والآن فتحت الموقع وأضفت الرد فإذا بمداخلتك:
الأخ أبا المنذر الجزائري بل الشيخ الوقور إني بردك لفخور وبك لحفي
أكرمك الله وسلمك ويسر لي الاستفادة منك وإنك لم تعد الصواب بل اقتصرت عليه
وهكذا يجب أن يكون البحث العلمي أي تحرير الطرق أقدس وأكبر مني
ومنك ومن العالم أجمع ومنه شيوخنا الكرام الداني والشاطبي وابن الجزري
أخوك
الحسن محمد ماديك
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

إنّ عبارة الداني في جامع البيان لا تحتمل الوصل والسكت جميعاً لعدّة أسباب :

السبب الأوّل : لا يُعقل أن يُصرّح الداني بعبارة واحدة تحتمل أكثر من وجه خاصّة في مقام الرواية

السبب الثاني : وجود فرق كبير من حيث الأداء بين السكت والوصل بل هما ضدّان لا يمكن الجمع بينهما في التعبير ، إذ السكت ينافي الوصل ، ولو كان التعبير دائرٌ بين السكت والوقف لسلمنا ذلك لاشتباههما في الأداء.

السبب الثالث : إنّ أهل الأداء فرّقوا بين السكت والوصل أداءً وتعبيراً ولا شكّ أنّ الداني عليه رحمة الله تعالى كان عالماً بهذا الخلاف والفرق ، فكيف يستعمل نفس العبارة للدلالة على وجهين ثابتين عند الأئمّة بالنصّ والأداء كلّ على حدة مع تباين الفرق بينهما في النطق ؟

السبب الرابع : أنّ تصريح الداني بالسكت في بعض كتبه كالتيسير لتفسير وتبيين للمبهم الذي أشرت إليه في جامع البيان.

السبب الخامس : إنّ تصريح الداني بوجه السكت بين السورتين وعدم تصريحه بوجه الوصل لدليل على أنّ مذهبه السكت لا غير، وحينئذ ينبغي حمل كلامه في جامع البيان على وجه السكت.

السبب الثامن : الرواية لا تثبت بالاحتمال والظنّ إلاّ إذا عند غموض العبارة والنصّ ، وقد صرّح الداني بوجه السكت مما يحعل وجه الوصل ساقطاً لغموض العبارة المعتمد عليها في إثباته. فإذا اجتمع ما يفيد القطع واليقين مع ما يفيد الظنّ فلاشكّ من ترجيح ما يفيد القطع واليقين لا سيما في مقام الرواية

السبب التاسع : لم يذكر ابن الجزري وغيره من المحققين والمحررين ثبوت وجه الوصل للداني فيما أذكر ، ولو كانت عبارة الداني تحتمل وجه الوصل لأثبتوه له .

أمّا ما ذكرته من رواية بعض المشايخ المصريين لوجه الوصل لا يدلّ على قراءة الداني له عنهم. فالعبرة بما قرأ به عليهم.

أكتفي بما ذكرت وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري.
 
شيخي الفاضل، كل ما ذكرته من نقاطك التسع، إما مضغ ولوك لما يعرف، أو حدس بالظن وهو لا يغني من الحق شيئا، وإن جاريتك في حدسك فإني لا أصل معك إلى كبير فائدة بل تحكم لا طائلة تحته، وكما قال الإمام الطبري: التحكم لا يعجز أحدا، وإنما أود الكلام عن فقرتك الأخيرة وهي: "ما ذكرته من رواية بعض المشايخ المصريين لوجه الوصل لا يدلّ على قراءة الداني له عنهم. فالعبرة بما قرأ به عليهم"، فأنا لما ذكرت ما ذكرت في كلامي السابق لم أقصد ذكر ما رواه الشاطبي عن الداني حصرا، وإنما أردت بيان أن للشاطبي بالإضافة إلى طرق الداني طرقا أخرى رواها عن غير الداني، وهو قد طوف البلاد، وجمع القراءات عن غير واحد كما تعلمون، وحاز من علو الكعب في علوم النقل ما خوله للاختيار من مجموع ما يروي، وقد صرح بذلك في مقدمة رائعته "حرز الأماني" فقال رحمه الله: وألفافها زادت بنشر فوائد فلفت حياء وجهها أن تفضلا"، ولن أطيل معكم في هذا، وإنما أحيلكم على الشرح الماتع لهذه المنظومة لشيخنا وأستاذنا المحقق الكبير: إيهاب فكري حفظه الله، فقد عقد في آخره فصلا أسماه: "إنصاف الإمام الشاطبي" قسمه إلى أربعة فصول، بحث في الفصل الرابع ما نحن بصدد بحثه، وعد المسائل التي زادها الشاطبي على التيسير سواء كانت من طرقه أو ليست من طرقه فبلغ تعدادها 126 زيادة، نسأل الله الكريم بمنه أن يشرح صدورنا للحق والعمل به إنه ولي ذلك.
 
أحترم الأخوين الجزائريين
وأنصفهما كل على حدة أن تصرف كل منهما في ما يملك وهو تصوراته وموازينه
وأحسب كلا منهما قد رجع بنا إلى الوراء بعيدا عن تحرير الطرق كالذي أعلنت نماذج منه وسأعلنها لاحقا إن شاء الله
وأذكر بأن التحديث في علم القراءات لا يعني شيئا وإنما الأداء المتصل بشرطه وهو تحرير الطرق
الحسن محمد ماديك
 
السلام عليكم
الإخوة الأفاضل هذا بحث د/ حميتو في البسملة خذوا وقتا كافيا في قراءته لعله يفيدكم
قال د/ حميتو :
3ـ أصله في التسمية بين السورتين وأوائل الأجزاء والأحكام الأدائية المتفرعة من هذا الأصل
التسمية والبسملة اسمان لمسمى واحد( )، فالأول مصدر سمى يسمي كالتهنئة والتسلية، والثاني مصدر منحوت جمعت حروفه من لفظ "لسم الله" كالحوقلة من "لا حول ولا قوة إلا بالله" والحسبلة من "حسبي الله"( ).
قال ابن الطفيل العبدري في شرحه على الحصرية: "ومراتبها أربعة: موضعان لا خلاف بين القرأة في استعمالها فيهما، وهما أول "الحمد لله" وكذا أول كل سورة ابتدئ بها ولم توصل بما قبلها( ). وموضع لا خلاف بينهم في تركها فيه، وهو ما بين الأنفال وبراءة، وموضع جرى بينهم فيه الخلف في استعمالها فيه وتركها وهو وصل السورة بالسورة فيما بقي من القرآن.
فأما ورش من طريق أبي يعقوب فلم يرو عنه فصل بين السورتين، ورواها عنه أحمد بن صالح.
وبعض القراء يفصل بين السورتين في رواية أبي يعقوب لفضلها، وبعض يتركها فيه، وبهما قرأت له"( ).
وقد درج أكثر الشيوخ على ذكر وجه واحد من الوجهين المذكورين في طريق الأزرق وهو وجه ترك للفصل بالبسملة لأنه الأكثر الشائع، قال مكي في التبصرة: "فأما البسملة فكان أهل الحرمين إلا ورشا، وعاصم والكسائي يفصلون بين كل سورتين بلسم الله الرحمن الرحيم، وقد قرأت على أبي عدي( ) بالفصل لورش، وهو اختيار أبي بكر الأذفوي ـ رحمه الله ـ، وقد قرأت على الشيخ أبي الطيب( ) ـ رحمه الله ـ لورش بترك الفصل... وكذلك قرأت لورش على أبي الطيب بسكت بين كل سورتين من غير تسمية"( ).

وقد نوه الحافظ بمذهب أبي يعقوب الأزرق فقال في "التعريف" :وكان "لا يفصل بين كل سورتين بلسم الله الرحمن الرحيم في جميع القرآن، إلا في أول فاتحة الكتاب، فإنه لا خلاف بين القراءة في التسمية في أولها"( ). وذكر في "جامع البيان" و"التمهيد" و"التعريف" و"إرشاد المتمسكين" و"إيجاز البيان" و"التلخيص" و"الموجز" وكتاب رواية ورش من طريق المصريين " أن ذلك رواية أبي يعقوب عن ورش، وقال في إيجاز البيان: هكذا قرأت على ابن خاقان وابن غلبون وفارس بن أحمد، وحكوا لي ذلك عن قراءتهم متصلا"( ).

وأما الوجه الثاني وهو وجه البسملة بين السورتين للأزرق كما أشار إليه ابن بري بقوله: "وورش الوجهان عنه نقلا" فقد توهم أكثر الشراح أن ابن بري أراد الوجهين أي ترك البسملة بين السورتين للأزرق والبسملة لغيره كأحمد بن صالح ـ كما قدمنا في قول ابن الطفيل العبدري ـ.
ولعلهم جميعا اتبعوا ما ذكره الشارح الأول للدرر وهو أبو عبد الله الخراز، وذلك في قوله: "واختلف عن ورش في ذلك، فروي عنه استعمالها مثل قالون، وهي رواية أبي الأزهر عبد الصمد، ونص على ذلك أبو عمرو في "المفردة" وغيرها، وروي عنه تركها، وهي رواية أبي يعقوب الأزرق"، ونص على ذلك أيضا في "إيجاز البيان" وقال: هكذا قرأت على ابن خاقان وابن غلبون وفارس بن أحمد وحكوا لي ذلك عن قراءتهم متصلا".
وقال في التلخيص: "وقد كان أبو غانم المظفر( ) يأخذ في مذهب أبي يعقوب بالتسمية بين كل سورتين اختيارا، حدثني بذلك فارس بن أحمد، وبه كان يأخذ محمد بن علي وعامة المصريين على ما بدأنا به يعني ترك البسملة". قال أبو عبد الله الخراز: "فهذا معنى الخلاف المذكور عن ورش في البيت، والعمل في ذلك على رواية أبي يعقوب وهو الأشهر"( ).

فقول الخراز"والعمل في ذلك على رواية أبي يعقوب ـ يعني ترك البسملة ـ يفيد بظاهره أن البسملة ليست برواية عنه وإنما هي اختيار بعض الشيوخ الآخذين بطريقه كأبي غانم المذكور ومحمد بن علي الأذفوي.

والصحيح أن البسملة بين السورتين ثابتة أيضا في طريق الأزرق في رواية ابن هلال عن أبي الحسن النحاس عنه. قال الإمام برهان الدين الجعبري في الكنز: "وهو طريق ابن هلال عن الأزرق، وبه أخذ أبو غانم والأذفوي، وتركها طريق ابن سيف، وبه أخذ أبو الطيب" ويعني ابن غلبون( ).
وقد أشار أبو زيد بن القاضي إلى الوهم الذي وقع للشراح في شرح قول ابن بري المذكور فقال: "كذا وقع لهم، وفيه نظر، لأن ذلك يؤدي إلى تخليط الطرق، لأن الشيخ ـ رحمه الله ـ لم بتعرض في "الدرر" إلا لرواية الأزرق فقط عن ورش، وأبي نشيط عن قالون، بل الصواب أن استعمالها وعدم استعمالها معا منقولان عن أبي يعقوب الأزرق، فتركها رواية أبي بكر عبد الله بن سيف، واستعمالها رواية أبي جعفر أحمد بن هلال الأزدي عنه، فإذا أردت حفظ هذا فزد بعد قول أبي الحسن نقلا:
"فنجل سيف تركــها به تــلا عن يوسف، وابن هلال أعملا
وقال بعض أشياخنا:
ومن طـريق ابن هلال بسمـلا أزرقهم ومن ريق الغـير لا"( )

وبهذا يعلم أن الفصل بالبسملة بين السورتين ثابت عن ورش من طريق الأزرق أيضا ثبوت ترك الفصل، إلا أنه خلاف المشهور، وبذلك يكون الفصل له بالبسملة ـ كما أصبح العمل عليه اليوم في قراءة الحزب وغيرهما عند المغاربة ـ لا يصادم الرواية وإن كان فيه مخالفة المشهور الذي كان عليه العمل وما يزال في البوادي ومدارس القراءة.إلا أن مخالفة المشهور هنا هي عندي أفضل من الترجيع بين السكت والوصل مما يأخذ به من لا يفصلون كما سيأتي، لأنه في نظري يذهب برونق القراءة ويخل بالمعنى، بالإضافة إلى أنه من لزوم ما لا يلزم.
ولما كان المشهور والشائع في الاستعمال في رواية ورش عند المغاربة هو ترك الفصل بالبسملة بين السورتين.
فقد أخذوا في ذلك بمذهبين مذهب الفصل بينهما بسكتة يسيرة دون تنفس، ومذهب وصل آخر السورة بأول الأخرى دون فصل بسكت ولا بسملة على ما ذهب إليه عامة أهل الأداء، قال أبو عمرو في البيان:

"ولأهل الأداء في مذهب من ترك التسمية مذهبان: أحدهما أن توصل السورة بالسورة ويبين اعرابها من غير سكت بين السورتين، ليعلم الناس بانقضاء السور وابتدائهن، وهذا المذهب روي لنا عن ابن مجاهد وغيره من أهل الأداء، والمذهب الآخر أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع، ليؤذن بذلك بانقضاء السور وابتدائهن، فيكون ذلك عوضا عن الفصل بينهن، وعلى هذا المذهب أكثر شيوخنا والجلة من المتصدرين"( ).
وقد ذكر أبو الحسن بن بري هذين المذهبين بما يشعر بتساويهما في القوة دون رجحان أو اختيار، وذلك في قوله في "الدرر":
واسكت يسيرا تحظ بالصواب أو صل له مبين الاعـــراب
إلا ان أبا عبد الله الخراز استدرك عليه فقال: "ليس في قول الناظم ما يدل على ترجيح السكت، لأن قوله "تحظ بالصواب" راجع إلى الوجهين جميعا، وكأنه قال: واسكت يسيرا أوصل له أي لورش تحظ بالصواب في الوجهين، ولا يظهر فيه ترجيح السكت، نعم لو قال: تحظ بالأصوب لكان نصا في ترجيح السكت على أصل أفعل في اقتضاء التفضيل"( ).

وتعقبه الشيخ أبو عبد الله بن مسلم في شرحه على الدرر فقال: "ولا شك أن ما ذكره ـ يعني الخراز ـ هو المراد، لكن تقديم الناظم له على الوصل يؤخذ منه أنه المشهور، لأن التقديم له مزية والله أعلم"( )

ولهذا الملحظ استدرك بعضهم على ابن بري هنا بما نقله المنتوري وهو قوله:
"ولكن السكت هو المختـار نص عليه جلة أخيــار( )
قال الشيخ أبو العلاء إدريس الودغيري: "والعمل عندنا لورش على هذين الوجهين معا بين السورتين مع تصدير السكت"( ).
يريد التصدير بوجه السكت في الأخذ بطريق الجمع بين الروايات في "العشر الصغير" لأنه المختار، وإليه أشار الأوعيشي في أرجوزة "الأخذ" بقوله: "وبهما العمل والتصدير بالسكت فاحفظنه يا خبير( ).

وإليه أشار ابن شعيب في "إتقان الصنعة" بقوله: "وجرى العمل عند الشيوخ بالجمع بين الوجهين مع تقديم السكت، وليس ذلك بواجب"( ).
فليتدبر القارئ الكريم قوله "وليس بواجب"، ولينظر إلى ما درج عليه أهل الرواية وغيرهم إلى اليوم من الأخذ بالوجهين معا دفعة واحدة حتى في قراءة الإفراد، وقراءة الحزب الراتب، حيث يلزمون القارئ أن يرجع بين السورتين فيدخل بوجه السكت ـ وهو في الحقيقة العملية وقف ـ فيقول :ولا الضالين" "ألم"، ثم يردف عليه وجه الوصل فيقول "ولا الضالين ألم" بفتح نون "الضالين" ووصلها بما بعدها، وذلك عندهم من تمام القراءة، وقد هجر عندهم في الاستعمال الاقتصار على وجه واحد، سواء كان وجه السكت، أو وجه الوصل، وإنما المستعمل إلى اليوم وخاصة عند قراء البوادي الجمع بين السكت والوصل معا على الترتيب المألوف حتى في قراءة الحزب الراتب لا يخلون بذلك أبدا، وإذا لاحظوا أن قارئا انتقل إلى وجه البسملة نظرت إليه العيون شزرا على سبيل الإنكار.

فكيف لو قرأ بوجه السكت وحده أو الوصل وحده؟ وإنما الأمر فيه كالأمر في سائر ما في أدائه عدة أوجه أو ما فيه وجهان كبعض أحوال المد والهمز والتفخيم والترقيق، فإن الإتيان في التلاوة بسائر الوجوه لا يلزم لأنه من قبيل الخلاف الجائز لا من قبيل الخلاف الواجب الذي لا تصح الرواية إلا بالإتيان به، وإنما القارئ مخير، فبأي الوجهين أو بأي الوجوه الواردة قرأ أجزأه، إلا أن يكون هناك وجه مختار مقدم فإنه يقتصر عليه ويترك غيره، وذلك نفسه ما يفعله القراء عندنا في باب المد مثلا حين يقرأون "وبالاخرة هم يوقنون" فإنهم يمدون "الاخرة" مدا متوسطا مع انهم يذكرون فيه الوجهين أو الثلاثة على ما سيأتي من مذاهب في ذلك، فكيف يلتزمون عند البسملة بالإتيان بوجهي السكت والوصل ولا يرون الرواية تنم إلا بهما، ثم هم لا يفعلون مثل ذلك في كل ما فيه اكثر من وجه مما مثلنا له؟

وقد تقدمنا إلى التنبيه على هذه الهنة في جملة ما نبه عليه الدكتور الحسن وكاك من الأوضاع الغريبة في التلاوة المغربية مما مثل له بأمثلة عديدة منها "التزام الترجيع بين السور، والتسمية لبعض السور دون البعض"( ).
وهذا يقودنا إلى بحث تفرع عن صنيعهم هذا، وهو:
مبحث وضع علامة الوقف على أواخر السور
فقد "وقع الخلاف بين المتأخرين من قراء المغرب حول وضع "صه" في أواخر السور... وقد أنكر ذلك كل من السيد محمد بن عبد السلام الفاسي والسيد إدريس البدراوي الودغيري بناء على أن أواخر السور القرآنية محل التمام، ومحل التمام أحق بالوقف من غيره كما هو معلوم"( ).
وإلى هذا القول الأخير جنح الإمام القيجاطي فيما حكاه عنه تلميذه المنتوري قال: "لأنه لا خلاف في جواز ذلك في المواقف التامة، ولا أتم من آخر السورة ـ: ومن منع ذلك واحتج بأن المصنفين للحروف لم يذكروه، فلا حجة له، لأن عادة المصنفين للحروف أن يذكروا مواضع الاختلاف، ولا يذكروا مواضع الاتفاق".
قال المنتوري: "وبهذا الذي أجاز شيخنا ـ رحمه الله ـ فيما ذكره كان يأخذ على أصحابه، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ، ولا يمنع من ذلك من له نظر صحيح"( ).
وعلى هذا المذهب ذهب صاحب الأبيات التالية إذ يقول:
ووضع صه علامة للــوقف
لمن يبسمل وغيره جـــلا
فتابعن سالكا هذا الأثـــــر
والخير كله في الاتـــــباع
به جرى الأخذ عن شيخنا الهمام
وجوده في "الهبطي" كاف يا فتى في آخر الســور لذ بالعـرف
حجته التـــمام عند الــــنبلا
ولا عليك من مخالف شهــــر
والشر كله في الابتـــــداع
سند عصره ابن إدريس الإمـــام( )
وهـو قـدوة لمـن بعــــد أتى( )
وقد وازن صاحب "تقييد وقف القرآن الكريم" في بحثه لهذه المسألة بين المذهبين المتعارضين ورجح مذهب المانعين معبرا عن المذهب المانع بأنه "أصوب"، وذلك لأنه بنى "على كون أواخر السور محال" للسكت أو للوصل تبعا لرواية ورش جسبما الأخذ به بالمغرب من طريق يوسف الأزرق عنه، ولكون الذين يضعونها في ألواحهم لا يبسملون بالفعل في هذه السور، إذ لو اعتبرت أواخر السور عندهم محال للوقف لتعينت البسملة فيها، فما دمنا لا نبسمل تبعا للأزرق عن ورش، فلا ينبغي أن نضع هناك علامة للوقف بناء على أن أواخر السور محال للتمام"( ).
ويمكن أن يحتج للمنع أيضا بالنظر إلى ما اعتاده القراء اليوم في التلاوة المغربية في الأداء والعرض من التزام الترجيع بين السور، فإنهم في هذا الصنيع يقدمون وجه السكت ويؤخرون وجه وصل السورة الأولى بالأخرى إلا في السور الأربع المعرفة بـ"الزهر" كما سيأتي، وحينئذ يتأخر في التلاوة وجه الوصل فلا يبقى مكان لوضع علامة الوقف لأنه يفوت عليهم الغرض الذي أرادوه من الجمع بين السكت والوصل في أداء واحد.
ولم أر من التفت إلى هذا الملحظ، وهو في نظري جدير بالاعتبار.
وقد حاول بعض المعاصرين ممن كتبوا في رواية ورش تسويغ عملية الترجيع هذه بكون غرضهم منها إثبات أن كلا منهما رواية، قال صاحب "المحجة": "وكذا جمع بعض الشيوخ بين السكت والوصل بين كل سورتين ـ في غير المواضع الأربعة ـ وكان هذا منهم ـ والله اعلم ـ إيذان بأن السكت رواية، والوصل رواية، وهو كذلك، إلا أن أحد الوجهين كاف" ثم قال:
"وعلى كل حال فقد جرى العمل عندنا بالمغرب بالجمع بين الوجهين وتقديم السكت وعطف الوصل عليه"( ).))ا.هـ
والسلام عليكم
 
أشكر الشيخ الحسن ماديك على أن فتح لنا هذا الموضوع للنقاش فيه، وما ديدننا ولا هجيرانا إلا خدمة كتاب الله ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأشكر الشيخ عبد الحكيم عبد الرازق على نقله بحث شيخنا عبد الهادي حميتو في هذه المسألة، فقد أوضح وأبان ما حقه الإسفار، وكفانا معونة التنقل والأسفار، نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخيرات مغاليق للشرور والمنكرات، آمين.
 
غفر الله لك أبا المنذر وللإخوة الكرام
وأقول : سابقوا وتنافسوا في تدبر القرآن وتصحيح تلاوته
فهو الرافعة التي يرفع الله بها في الدنيا والآخرة
الحسن محمد ماديك
 
عودة
أعلى