نحو تفسير عصري للقرآن الكريم
منذ أن نزل القرآن الكريم والمسلمون يجتهدون - ولا يزالون- في فهم آيات الكتاب العزيز وفك مضامينه بما يناسب عقليتهم ويخدم قضايا عصرهم، وكان المسلمون الأوائل في زمن النزول يلتفتون إذا اعوزهم الفهم إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ليبين لهم ما غمض عليهم من آيات، لكن هذا النبي الرحيم لم يكن يتجاوز عقول أولئك النخبة من الصحابة الأوائل ولا زمانهم الذي عاشوا فيه فلم يفسر لهم إلا ما يحتاجه زمانهم دون تجاوز، لذلك تجد في كتب الأحاديث والسير قوله عليه السلام “أما أنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد” عن أشياء لم تكن في متناولهم، بل لو بحثنا في كتاب التفسير في صحيح البخاري لوجدنا أن عدد الآيات التي فسرها النبي عليه الصلاة والسلام لم تتجاوز 200 آية من مجموع 6236 آية هي مجمل آيات القرآن الكريم.
وإلى ذلك يقول الشيخ الشعراوي “إن القرآن لو جاء وأفرغ عطاءه في القرن الذي عاش فيه الرسول فقل لي بالله: كيف تستقبله القرون الأخرى؟! أنهيكون استقبالاً خالياً من العناية به لأنه سيكون كلاماً مكرراً. إذن فقد بيّن فيه كل شيء ومنه أخذ كل إنسان وزمان قدر ذهنه، ولو أن القرآن يراد تفسيره لما فسّره أحد غير من انفعل له نزولاً عليه وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيستطيع واحد بعد ذلك أن يقول شيئا في التفسير؟! إذن لو فسره الرسول صلى الله عليه وسلم لجمّده لأنه لا يجرؤ أحد أن يأتي بتفسير بعد الرسول، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن عطاءات القرآن لا تتناهى، لذلك لم يفسّره بل أوضح بما تطيقه العقول المعاصرة “
التفسير العصري ومدلول النزول ..
وهكذا سار المسلمون طوال القرون الخوالي مع القرآن الكريم يبحثون فيه ما يناسب عصرهم لأنهم يفهمون أن “القرآن لم ينزل ليفهمه العرب في زمن الرسالة وحدهم بحسب معارفهم ومدركاتهم وعقولهم، كما لم ينزل ليفسر لهم تفسيراً واحداً مرتبطاً بزمان نزوله ومكانه وحده، وإنما هو كتاب الإنسانية كلها، أو كتاب العالمين على حد التعبير القرآني”.
وهنا ندخل إلى أحدى الضوابط التي تحد من “عصرية” التفسير وهي فهم القرآن حسب مدلول النزول إذ يصر الفقهاء على أن مدلول النزول هي الأساس والمرجع في فهم الذكر الحكيم فكيف يكون ذلك والقرآن كتاب صالح لكل زمان ومكان؟! فلماذا نربطه بمدلول القرن السابع الميلادي؟ وإذا تفلتنا من هذا الضابط ستدخل على القرآن مفاهيم لم تكن موجودة أصلاً أثناء النزول ولم ترد في أذهان المتلقين الأوائل! فكيف الحل؟
نظراً لشمولية القرآن وتفوقه على مفهوم الزمان والمكان فليس “لأحد أن يدعي أن كل فهم للقرآن لم يتردد في أذهان الصحابة فهو مرفوض”، لكن في نفس الوقت لا نرفض المفهوم القديم لمدلول النزول بل نقوم بتوسيع هذا المدلول حتى يشمل القديم والحديث من المدلولات المستحدثة بدون تعارض.. لأن “الله تعالى حي باق، يخاطب أحياء، بواسطة نص حي يحتوي على الحقيقة المطلقة والفهم النسبي لهذه الحقيقة في آن واحد، ووفقاً لهذا الفهم فقط يصبح القول بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان قولا صحيحا وليس تكلفا”.
وتوسيع مدلول النزول يوضحه الدكتور أحمد حسن فرحات أستاذ التفسير وعلوم القرآن في مقابلة مع قناة الجزيرة بقوله: “القرآن في أسلوبه وفي طريقة تعبيره وفي الأشياء التي يقولها يمكن أن يثري المعاني بغير فكرة حمال أوجه، نأخذ مثالاً في قوله تعالى مثلاً {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:75- 79] ؛ الفقهاء وقفوا عند آية {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} تحدثوا عن ضرورة الطهارة لمس المصحف يعني هذا الذي لفت انتباههم في الموضوع لكن لما تضع الآية في سياقها {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} الحديث عن القرآن في مواقع النجوم قبل أن ينزل إلى الأرض ليس الحديث عن القرآن وهو في الأرض، {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} في اللوح المحفوظ، {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة هم الذين يستطيعون الوصول إليه بأيدي سفرة كرام بررة، بمعنى ماذا؟ أن الشياطين لا يمكن أن تصل إليه في ذلك المكان لذلك قال في نهاية الكلام هذا {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:80].
وفي الآية الأخرى بين {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}[الشعراء:210 - 212]، إذن الحديث هنا عن القرآن في مواقع النجوم والمراد بالمطهرين الملائكة لأنهم مطهرون خلقة والناس لا يكونون متطهرين خلقة وإنما يكتسبون الطهارة بالفعل ولذلك قال {..إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222] ما قال المطهرين لأن الإنسان يكتسب الطهارة بالفعل لكن الملائكة خلقوا مطهرين هكذا {..لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]. ها هو ابن تيمية يقول لكن المعنى هو في الملائكة وفي اللوح المحفوظ لكن من باب الإشارة في الآية ليس من باب دلالة العبارة ؛إذا كان القرآن في مواقع النجوم لا يصل إليه إلا الملائكة المطهرون إذن ممكن نقول أيضا في الأرض يجب ألا يصل إلى القرآن إلا من تطهروا، من باب الإشارة وليس من باب العبارة ودلالة الإشارة أقل من دلالة العبارة. يأتي بعده مثلاً الراغب الأصفهاني ويقول أيضاً من باب الإشارة ممكن يقال معنى جديد، ما هو هذا المعنى الجديد؟
سنقول {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} يعني لا يصل إلى حقيقة معانيه إلا من طهرت قلوبهم. انظر الآن عندك ثلاثة معاني، ثلاثة معان محتملة والثلاثة المعاني بينها تعانق وليس بينها تضاد فإذن هذا يدلك على ماذا؟ على إمكانية تعدد المعاني لكن عن طريق الأسلوب وليس عن طريق المفردة نفسها فنأتي نغير معناها، لكي تأتي تقول لي مثلا الآن السيارة هذه الموجودة حاليا موجودة في القرآن {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ..}[يوسف:19] لكن السيارة الموجودة في القرآن هي حديث عن القافلة وليس عن السيارة الموجودة الآن التي تمشي على أربع عجلات هذه!”
إن تفجير المدلول القرآن هو السبيل لتحقيق مقولة أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، فنحن لو راجعنا تفاسيرنا القديمة كلها لوجدنا أن “حركة التفسير لكتاب الله تدرجت في إطار الضوابط والأصول الصحيحة تبعاً للتطورات الفكرية والاجتماعية الواسعة ،وتنوعت الحاجات المتجددة، فكانت هناك قراءات متنوعة للنص القرآني واتجاهات تفسيرية متلاحقة تلونت حيناً بثقافة المفسر، واتسمت أحياناً بحاجة العصر والعلوم التي امتاز بها، ولم يعد مقصوراً على المأثور، ولم يقف عند لغة القرآن ،وبيان المعاني الظاهرة أو استنباط الأحكام ،وإنما تعددت مناهجه ،وتوسعت مدارسه في ضوء المستوى الحضاري والرقي الفكري الذي بلغه المجتمع، وما برع فيه المفسر من فنون المعرفة والعلوم ،وهذا أمر طبيعي، لأن القرآن كمال لا نهاية له تنوعت فيه ألوان الخطاب بتنوع عوامل التأثير في البشر، وباختلاف مستويات الإدراك ومراتب الفهم فيهم، فكان لهذا يجد فيه كل ناظر بغيته ،ويمنح كل منْ تدبره خزائن لم تمتد إليها الأيدي من قبل، دون أن يحد زمن أسراره، أو يبلغ أحد مداه”..
والله أعلم.
منذ أن نزل القرآن الكريم والمسلمون يجتهدون - ولا يزالون- في فهم آيات الكتاب العزيز وفك مضامينه بما يناسب عقليتهم ويخدم قضايا عصرهم، وكان المسلمون الأوائل في زمن النزول يلتفتون إذا اعوزهم الفهم إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ليبين لهم ما غمض عليهم من آيات، لكن هذا النبي الرحيم لم يكن يتجاوز عقول أولئك النخبة من الصحابة الأوائل ولا زمانهم الذي عاشوا فيه فلم يفسر لهم إلا ما يحتاجه زمانهم دون تجاوز، لذلك تجد في كتب الأحاديث والسير قوله عليه السلام “أما أنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد” عن أشياء لم تكن في متناولهم، بل لو بحثنا في كتاب التفسير في صحيح البخاري لوجدنا أن عدد الآيات التي فسرها النبي عليه الصلاة والسلام لم تتجاوز 200 آية من مجموع 6236 آية هي مجمل آيات القرآن الكريم.
وإلى ذلك يقول الشيخ الشعراوي “إن القرآن لو جاء وأفرغ عطاءه في القرن الذي عاش فيه الرسول فقل لي بالله: كيف تستقبله القرون الأخرى؟! أنهيكون استقبالاً خالياً من العناية به لأنه سيكون كلاماً مكرراً. إذن فقد بيّن فيه كل شيء ومنه أخذ كل إنسان وزمان قدر ذهنه، ولو أن القرآن يراد تفسيره لما فسّره أحد غير من انفعل له نزولاً عليه وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيستطيع واحد بعد ذلك أن يقول شيئا في التفسير؟! إذن لو فسره الرسول صلى الله عليه وسلم لجمّده لأنه لا يجرؤ أحد أن يأتي بتفسير بعد الرسول، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن عطاءات القرآن لا تتناهى، لذلك لم يفسّره بل أوضح بما تطيقه العقول المعاصرة “
التفسير العصري ومدلول النزول ..
وهكذا سار المسلمون طوال القرون الخوالي مع القرآن الكريم يبحثون فيه ما يناسب عصرهم لأنهم يفهمون أن “القرآن لم ينزل ليفهمه العرب في زمن الرسالة وحدهم بحسب معارفهم ومدركاتهم وعقولهم، كما لم ينزل ليفسر لهم تفسيراً واحداً مرتبطاً بزمان نزوله ومكانه وحده، وإنما هو كتاب الإنسانية كلها، أو كتاب العالمين على حد التعبير القرآني”.
وهنا ندخل إلى أحدى الضوابط التي تحد من “عصرية” التفسير وهي فهم القرآن حسب مدلول النزول إذ يصر الفقهاء على أن مدلول النزول هي الأساس والمرجع في فهم الذكر الحكيم فكيف يكون ذلك والقرآن كتاب صالح لكل زمان ومكان؟! فلماذا نربطه بمدلول القرن السابع الميلادي؟ وإذا تفلتنا من هذا الضابط ستدخل على القرآن مفاهيم لم تكن موجودة أصلاً أثناء النزول ولم ترد في أذهان المتلقين الأوائل! فكيف الحل؟
نظراً لشمولية القرآن وتفوقه على مفهوم الزمان والمكان فليس “لأحد أن يدعي أن كل فهم للقرآن لم يتردد في أذهان الصحابة فهو مرفوض”، لكن في نفس الوقت لا نرفض المفهوم القديم لمدلول النزول بل نقوم بتوسيع هذا المدلول حتى يشمل القديم والحديث من المدلولات المستحدثة بدون تعارض.. لأن “الله تعالى حي باق، يخاطب أحياء، بواسطة نص حي يحتوي على الحقيقة المطلقة والفهم النسبي لهذه الحقيقة في آن واحد، ووفقاً لهذا الفهم فقط يصبح القول بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان قولا صحيحا وليس تكلفا”.
وتوسيع مدلول النزول يوضحه الدكتور أحمد حسن فرحات أستاذ التفسير وعلوم القرآن في مقابلة مع قناة الجزيرة بقوله: “القرآن في أسلوبه وفي طريقة تعبيره وفي الأشياء التي يقولها يمكن أن يثري المعاني بغير فكرة حمال أوجه، نأخذ مثالاً في قوله تعالى مثلاً {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:75- 79] ؛ الفقهاء وقفوا عند آية {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} تحدثوا عن ضرورة الطهارة لمس المصحف يعني هذا الذي لفت انتباههم في الموضوع لكن لما تضع الآية في سياقها {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} الحديث عن القرآن في مواقع النجوم قبل أن ينزل إلى الأرض ليس الحديث عن القرآن وهو في الأرض، {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} في اللوح المحفوظ، {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة هم الذين يستطيعون الوصول إليه بأيدي سفرة كرام بررة، بمعنى ماذا؟ أن الشياطين لا يمكن أن تصل إليه في ذلك المكان لذلك قال في نهاية الكلام هذا {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:80].
وفي الآية الأخرى بين {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}[الشعراء:210 - 212]، إذن الحديث هنا عن القرآن في مواقع النجوم والمراد بالمطهرين الملائكة لأنهم مطهرون خلقة والناس لا يكونون متطهرين خلقة وإنما يكتسبون الطهارة بالفعل ولذلك قال {..إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222] ما قال المطهرين لأن الإنسان يكتسب الطهارة بالفعل لكن الملائكة خلقوا مطهرين هكذا {..لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]. ها هو ابن تيمية يقول لكن المعنى هو في الملائكة وفي اللوح المحفوظ لكن من باب الإشارة في الآية ليس من باب دلالة العبارة ؛إذا كان القرآن في مواقع النجوم لا يصل إليه إلا الملائكة المطهرون إذن ممكن نقول أيضا في الأرض يجب ألا يصل إلى القرآن إلا من تطهروا، من باب الإشارة وليس من باب العبارة ودلالة الإشارة أقل من دلالة العبارة. يأتي بعده مثلاً الراغب الأصفهاني ويقول أيضاً من باب الإشارة ممكن يقال معنى جديد، ما هو هذا المعنى الجديد؟
سنقول {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} يعني لا يصل إلى حقيقة معانيه إلا من طهرت قلوبهم. انظر الآن عندك ثلاثة معاني، ثلاثة معان محتملة والثلاثة المعاني بينها تعانق وليس بينها تضاد فإذن هذا يدلك على ماذا؟ على إمكانية تعدد المعاني لكن عن طريق الأسلوب وليس عن طريق المفردة نفسها فنأتي نغير معناها، لكي تأتي تقول لي مثلا الآن السيارة هذه الموجودة حاليا موجودة في القرآن {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ..}[يوسف:19] لكن السيارة الموجودة في القرآن هي حديث عن القافلة وليس عن السيارة الموجودة الآن التي تمشي على أربع عجلات هذه!”
إن تفجير المدلول القرآن هو السبيل لتحقيق مقولة أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، فنحن لو راجعنا تفاسيرنا القديمة كلها لوجدنا أن “حركة التفسير لكتاب الله تدرجت في إطار الضوابط والأصول الصحيحة تبعاً للتطورات الفكرية والاجتماعية الواسعة ،وتنوعت الحاجات المتجددة، فكانت هناك قراءات متنوعة للنص القرآني واتجاهات تفسيرية متلاحقة تلونت حيناً بثقافة المفسر، واتسمت أحياناً بحاجة العصر والعلوم التي امتاز بها، ولم يعد مقصوراً على المأثور، ولم يقف عند لغة القرآن ،وبيان المعاني الظاهرة أو استنباط الأحكام ،وإنما تعددت مناهجه ،وتوسعت مدارسه في ضوء المستوى الحضاري والرقي الفكري الذي بلغه المجتمع، وما برع فيه المفسر من فنون المعرفة والعلوم ،وهذا أمر طبيعي، لأن القرآن كمال لا نهاية له تنوعت فيه ألوان الخطاب بتنوع عوامل التأثير في البشر، وباختلاف مستويات الإدراك ومراتب الفهم فيهم، فكان لهذا يجد فيه كل ناظر بغيته ،ويمنح كل منْ تدبره خزائن لم تمتد إليها الأيدي من قبل، دون أن يحد زمن أسراره، أو يبلغ أحد مداه”..
والله أعلم.