نبي الله يوسف -عليه السلام- وامرأة العزيز

إنضم
24/08/2010
المشاركات
5
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
نبي الله يوسف -عليه السلام- وامرأة العزيز​

وشطحات "الهمّ" عند بعض المفسـرين والدعـاة المعاصرين​

بقلم : أحمـد أبو زيد​


n n n

زلت أقلام بعض المفسرين للقرآن الكريم ، أو من دسوا على تفاسيرهم ، وكذا ألسنة بعض الدعاة الذين انساقوا وراء هؤلاء المفسرين عند حديثهم عن موقف يوسف من امرأة العزيز عندما غلّقت الأبواب وهامت به حبا وعشقا وراودته عن نفسه.
فقد زعموا أن يوسف عليه السلام قد همّ بمقارفة الفاحشة ، وشحنت بعض كتب التفاسير بكثير من الروايات الإسرائيلية الواهية ، بل المنكرة الباطلة في تفسير الهم والبرهان ، وأقحموا أسماء عدد من الصحابة الكرام في رواية هذه الأقاويل، ومنهم عبد الله بن عباس ، حتى زعم بعضهم أن يوسف حلّ رباط السروال ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، ثم رأى صورة أبيه يعقوب عاضا على إصبعه ، فقام عنها وتركها خجلا من أبيه، إلى غير ذلك من أقوال واهية لا تليق بسمعة الأنبياء ولا بعصمتهم ، علاوة على أنها تخالف نصوص القرآن الكريم الصريحة التي تبرئ ساحة يوسف عليه السلام من الزلل، وتثبت عصمته كنبي وتشهد لعفته وابتعاده عن الفاحشة على لسان من اتهموه بذلك، كامرأة العزيز ونسوة المدينة الذين شاركوها في مراودته عن نفسه بعد أن رأين ما هو عليه من الجمال والبهاء والجلال.
ونحن لا ندري كيف دخلت تلك الروايات المنكرة إلى بعض كتب التفاسير ، وتقبلها من حققوا هذه الكتب وطبعوها ونشروها بقبول حسن ، وكلها – كما يقول العلامة أبو السعود – خرافات وأباطيل تمجها الآذان ، وتردها العقول والأذهان ؟ !
وكيف غاب عن أولائك المفسرين أو من حققوا تفاسيرهم من العلماء – كما يقول محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير – أن "يوسف الصديق" نبي كريم ، ابن نبي كريم ، وأن العصمة من صفات الأنبياء ، وأن الزنى جريمة من أبشع الجرائم فكيف يرتكبها نبي من الأنبياء المكرمين.(1)

ــــــــــــــ
(1) محمد علي الصابوني - صفوة التفاسير – تفسير سورة يوسف – دار الرشيد – حلب – سوريا – بدون تاريخ
 
n شطحات المفسرين

أما الشطحات حول تفسير "الهمّ" ، والتي نعدها من الاسرائيليلت المدسوسة في التفاسير، والتي لا تليق بشرف الأنبياء ولا بعصمتهم من السوء ، فقد وردت في أكثر من تفسير ، ففي تفسير الطبري وردت على عدة روايات منها:(1)
ما رواه ابن وكيع عن عمرو بن محمد عن السدي: "ولقد همت به وهم بها" يوسف/ 24 ، قال: قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك ! قال : هو أول ما ينتثر من جسدي . قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك ! قال: هو للتراب يأكله ، فلم تزل حتى أطمعته ، فهمت به وهم بها ، فدخلا البيت ، وغلقت الأبواب ، وذهب ليحل سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب قائما في البيت قد عض على إصبعه يقول: يا يوسف تواقعها ! فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق ، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه ، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه ، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، فربط سراويله ، وذهب ليخرج ، فأدركته ، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه ، فخرقته حتى أخرجته منه ، وسقط وطرحه يوسف ، واشتد نحو الباب".
ومن هذه الروايات ما رواه ابن حميد عن ابن إسحاق ، قال : أكبت عليه - يعني المرأة - تطمعه مرة وتخيفه أخرى ، وتدعوه إلى لذة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها ، وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل ، حتى رق لها مما يرى من كلفها به ، ولم يتخوف منها حتى هم بها وهمت به ، حتى خلوا في بعض بيوته".
ثم يقول الطبري: ومعنى الهم بالشيء في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته ، ما لم يواقع . فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به ، فإن أهل العلم قالوا في ذلك عدة روايات منها:(2)
حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع ، وسهل بن موسى الرازي ، قالوا عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، سئل عن هم يوسف ما بلغ ؟ قال: حل الهميان ، وجلس منها مجلس الخائن.
وعن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها. وروى يحيى بن يمان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة: "ولقد همت به وهم بها" قال: استلقت له ، وحل ثيابه. وعن ابن جريج أيضا ، عن ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من هم يوسف؟ قال: استلقت على قفاها ، وقعد بين رجليها لينزع ثيابه. وعن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، قالا: حل السراويل ، وجلس منها مجلس الخائن.
ثم يقول الطبري في تفسيره: فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبي؟ قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة ، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عز وجل على وجل إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقا منها، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته. وقال آخرون : بل ابتلاهم الله بذلك ليعرفهم موضع نعمته عليهم ، بصفحه عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة. وقال فريق ثالث: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله ، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.

_____
(1) تفسير الطبري - تفسير سورة يوسف – موسوعة القرآن الكريم الإلكترونية – شركة الحادي للتكنولوجيا – القاهرة 2001م
(2) المرجع السابق
 
nهمّ الضرب
ويقول الطبري: وأما الآخرون ممن خالف أقوال السلف وتأولوا القرآن بآرائهم ، فأنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة ، فقال بعضهم: ولقد همّت المرأة بيوسف ، وهمّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به وما أرادته له من المكروه ، لولا أن يوسف رأى برهان ربه ، وكفه ذلك عما همّ به من أذاها ، لا أنها ارتدعت من قبل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" قالوا: فالسوء: هو ما كان همّ به من أذاها ، وهو غير الفحشاء.
وقال بعضهم: معنى الكلام ، ولقد همت به فتناهى الخبر عنها ، ثم ابتدئ الخبر عن يوسف ، فقيل: وهمّ بها يوسف، لولا أن رأى برهان ربه. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهم بها ، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمّ بها ، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها ، كما قيل: "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا " النساء / 83
ويفسد هذين القولين – والكلام للطبري - أن العرب لا تقدم جواب "لولا" قبلها ، لا تقول: لقد قمت لولا زيد ، وهي تريد : لولا زيد لقد قمت.
وقال فريق آخر : بل قد همت المرأة بيوسف وهم يوسف بالمرأة ، غير أن همهما كان تمثيلا منهما بين الفعل والترك ، لا عزما ولا إرادة ؛ قالوا: ولا حرج في حديث النفس ولا في ذكر القلب إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل.
ويخلص الطبري في تفسيره لآية الهم ، فيقول: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه ، لولا أن رأى يوسف برهان ربه ، وذلك آية من آيات الله ، زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة. وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب ، وجائز أن تكون صورة الملك ، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا ، والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى ، والإيمان به ، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.(1)
وهذا البرهان غير مذكور في القرآن، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن زليخا قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب، فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله ؛ وهذا أحسن ما قيل فيه كما يذكر القرطبي في تفسيره.
وفي تفسير الجلالين ورد حول تفسير آية الهم " ولقد همَّت به " قصدت منه الجماع " وهم بها " قصد ذلك" لولا أن رأى برهان ربه " قال ابن عباس مَثُلَ له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله.(2)

ــــــــــــــ
(1) المرجع السابق
(2) تفسير الجلالين - تفسير سورة يوسف – موسوعة القرآن الكريم الإلكترونية – شركة الحادي للتكنولوجيا – القاهرة 2001م.
 
nخطرات النفس
ويقول ابن كثير في تفسيره لآية الهمّ: اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وطائفة من السلف في ذلك ما رواه ابن جرير وغيره بأن المراد بهمه بها خطرات حديث النفس ، وقيل همّ بضربها، وقيل تمناها زوجة، وقيل هم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي فلم يهم بها ، وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا فعن ابن عباس وسعيد ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة وأبي صالح والضحاك ومحمد بن إسحاق وغيرهم رأى صورة أبيه يعقوب عاضا على إصبعه بفمه ، وقيل عنه في رواية فضرب في صدر يوسف ، وروي عن ابن عباس أنه رأى خيال الملك يعني سيده، وكذا قال محمد بن إسحاق فيما حكاه عن بعضهم إنما هو خيال قطفير سيده حين دنا من الباب.(1)
n أقوال القرطبي
ويقول الإمام القرطبي في تفسيره لآية الهمّ: اختلف العلماء في همه ، ولا خلاف أن همها كان المعصية ، وأما يوسف فهم بها، ولكن لما رأى البرهان ما هم ، وهذا لوجوب العصمة للأنبياء ، قال الله تعالى: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" يوسف/ 24 ، فإذا في الكلام تقديم وتأخير ، أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها. قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: "ولقد همت به وهم بها" الآية ، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير ، كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وقال أحمد بن يحيى: أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به، فبين الهمتين فرق ، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه.
فهذا كله حديث نفس من غير عزم. وقيل: هم بها تمنى زوجيتها. وقيل: هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه ، والبرهان كفه عن الضرب ، إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها.(2)
ثم يقول القرطبي: وقيل: إن هم يوسف كان معصية ، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم ، فيما ذكره القشيري أبو نصر، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم ، قال ابن عباس: حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن ، وعنه : استلقت ، على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جبير: أطلق تكة سراويله. وقال مجاهد : حل السراويل حتى بلغ الأليتين ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: "وما أبرئ نفسي" .(3)
n توبة المذنبين
وقال ابن عطية : روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف ، وقالوا: الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى ، عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب ، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك ، وهي قد استلقت له.
وقال القشيري أبو نصر: وقال قوم جرى من يوسف هم، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل ؛ وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد ، وتناول الطعام اللذيذ ، فإذا لم يأكل ولم يشرب ، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس ، والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما.(4)
nجواز الهم دون الفعل
ثم يقول القرطبي : وهذا قول حسن ، وممن قال به ابن عطية حيث يقول: الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولو تظاهرت به رواية ؛ وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة ؛ وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه ؛ لأن العصمة مع النبوة.
وقوله تعالى: "وأوحينا إليه" يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه ، وهو قول جماعة من العلماء ؛ وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه ؛ ويكون قوله: "وما أبرئ نفسي" - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم ، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف ، لمخالفة النفس.(5)

ــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير – المجلد الثاني – تفسير سورة يوسف – مكتبة دار التراث – القاهرة – بدون تاريخ
(2) تفسير القرطبي - تفسير سورة يوسف – موسوعة القرآن الكريم الإلكترونية – شركة الحادي للتكنولوجيا – القاهرة 2001م.
(3) المرجع السابق
(4) المرجع السابق
(5) المرجع السابق
 
nشبهات مردودة
ومن خلال استعراضنا لأقوال المفسرين حول آية "الهمّ" نرى ما فيها من تجاوزات لا تليق في حق نبي معصوم من أنبياء الله ، وأن هؤلاء المفسرين أو من دسوا عليهم في تفاسيرهم ، ومن ساروا على نهجهم من الدعاة المعاصرين، قد غاب عن أذهانهم التحليل الدقيق لسياق القصة الواردة في القرآن ، بدءا من المراودة وحتى شهادة امرأة العزيز والنسوة وتبرئة ساحة يوسف أمام الملك وخروجه من السجن وتربعه على عرش مصر كوزير للمالية.
فالسياق يؤكد أن يوسف عليه السلام كان ثابتا في موقفه من البداية ، السوء والفحشاء تحاولان الاقتراب منه وهو يستعصم بربه ويبتعد ، ثم يهرب من امرأة العزيز مستبقا الباب بعد أن عزمت على أن تجبره بالقسر والإكراه ، فهي تتسابق معه لترده الى نفسها، وهو يهرب منها ، ثم يشهد له الغلام الصغير قريب امرأة العزيز ، ولو كان يوسف قد همّ بها همّ فاحشة ، وجلس منها كما يجلس الرجل من امرأته - كما ذكر بعض المفسرين - لم الاستباق اذن ؟ ولم قد القميص ؟ ، وعندما يعلم النسوة ويشيع الخبر وتجمعهم امرأة العزيز وينبهرن برؤية يوسف ويراودنه عن نفسه ، تعترف امرأة العزيز أمامهن بأنها هي التي راودته عن نفسه وأنه قد استعصم ، ثم نجد ثبات موقفة واستعصامه بربه لدرجة أنة يفضل السجن على اقتراف الفاحشة.
nقوة الداعي وزوال المانع
ولا شك أن هذا الموقف الذي وضع فيه نبي الله يوسف كان ابتلاء كبيرا له ، ولكنه نجح في الاختبار وواجه الابتلاء بإيمان قوي وعزيمة صلبة ، رغم قوة الداعي وزوال المانع لارتكاب الفعل الذي دعي إليه وتهيأت له كل أسبابه ، وفي ذلك يقول الأمام ابن القيم:(1)
"اخبر الله سبحانه وتعالي في القران الكريم عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادته به ، وأخبر عن الحال التي صار اليها يوسف بصبره وعفته وتقواه، مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه الا من صبّره الله، فان مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع ، وكان الداعي هاهنا في غاية القوه وذلك من وجوه:
- إحداها ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله ألي المرأة، كما يميل العطشان الي الماء والجائع الي الطعام حتى أن كثيرا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء، وهذا لا يذم إذا صادف حلالا بل يحمد، كما في كتاب الزهد للامام احمد من حديث يوسف بن عطية الصفار عن ثابت البناني عن انس عن النبي – صلي الله عليه وسلم – "حبب إلى من دنياكم النساء والطيب اصبر عن الطعام والشراب ولا اصبر عنهن".
- الثاني: أن يوسف عليه السلام كان شابا ، وشهوة الشاب وحدته أقوى.
- الثالث: أنه كان عزبا ليس له زوجة ولا سرية تكسر قوة الشهوة.
- الرابع: أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه بين أهله ومعارفه.
- الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال ، بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو الى مواقعتها.
- السادس: أنها غير ممتنعة ولا أبية ، فان كثيرا من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها، لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها.
- السابع: أنها طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد ، فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة اليها ، بل كانت هي الراغبة الذليلة ، وهو العزيز المرغوب اليه.
- الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها ، بحيث يخشى ان لم يطاوعها من أذاها ، فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.
- التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها ، فإنها هي الطالبة الراغبة ، وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء.
- العاشر: أنه كان في الظاهر مملوكا لها في الدار ، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ، ولا ينكر عليه ، وكان الأنس سابقا على الطلب ، وهو من أقوى الدواعي ، كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملك على الزنى ؟ قالت : قرب الوساد وطول السرار ، تعني قرب وساد الرجل من وسادتها ، وطول السرار بينهما.
- الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال ، فأرته اياهن وشكت حالها اليهن لتستعين بهن عليه ، فاستعان هو بالله عليهن ، فقال "والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين" يوسف / 33.
- الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه، إذ هو تهديد من يغلب على الظن ووقوع ما هدد به ، فيجتمع داعي الشهوة وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.
- الثالث عشر: أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه ، بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف: "أعرض عن هذا " وللمرأة: "استغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين" وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع ، وهذا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه الدواعي كلها آثر يوسف عليه السلام مرضاة الله وخوفه ، وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنى " قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه " يوسف /33 ، وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه ، وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه ، وكان من الجاهلين ، وهذا من كمال معرفته بربه ونفسه.
nعشرة أدلة قرآنية
ورغم هذا الكلام الطيب من الإمام ابن القيم والوجوه التي أوردها، مبينا صلابة موقف نبي الله يوسف وابتعاده عن الفاحشة رغم قوة الدافع وزوال الموانع ، فنحن نسوق هنا عشرة أدلة من القرآن الكريم تدل على عصمة يوسف – عليه السلام – وأن همه لم يكن همّ فاحشة ، وهذه الأدلة هي:
1- امتناعه الشديد ووقوفه أمام امرأة العزيز بكل صلابة وعزم "قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون"يوسف/23
2- فراره منها بعد أن غلقت الأبواب وشددت عليه الحصار "واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر"يوسف/25
3- إيثاره السجن على الفاحشة "قال رب السجن أحب إلىّ مما يدعونني إليه" يوسف/33
4- شهادة الطفل الذي أنطقه الله وهو في المهد بالحجة الدامغة "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" يوسف/26و27.
5- ثناء الله تعالى على يوسف في مواطن كثيرة "انه من عبادنا المخلصين" يوسف/24 ، " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين" يوسف/22 ، فهل يكون مخلصا لله من همّ بفاحشة الزنى.
6- اعتراف امرأة العزيز ببراءته وعفته أمام نسوة المدينة "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" يوسف/32.
7- استغاثته بربه لينجيه من كيد النساء "فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم" يوسف/34
8- ظهور الإمارات الواضحة والبراهين الساطعة على براءته ، وإدخاله السجن لدفع مقالة الناس "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" يوسف/35
9- عدم قبوله الخروج من السجن حتى تبرأ ساحته من التهمة "ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ، إن ربي بكيدهن عليم" يوسف/50.
10- الاعتراف الصريح من امرأة العزيز ومن النسوة أمام الملك ببراءته: " قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ، قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين" يوسف/51

n همّ الضرب
وأمام هذه الأدلة الدامغة من القرآن الكريم والتي تبرئ ساحة نبي الله يوسف ، فاننا نميل إلى ما ذكره بعض المفسرين من أن الهمّ من يوسف لم يكن همّ فاحشة ، ولكن عندما استعصى عليها واعتصم بربه ، وهي السيدة الجليلة المترفة وهو العبد الآبق الذي يرفض أوامر سيدته ، همت به ضربا لترغمه على الفاحشة ، وهمّ بها دفاعا عن نفسه ودفعا لها ، ويؤكد هذا المعنى استباقهما الباب وما حدث من تمزيق قميصه ، حيث كانت تجذبه إليها ، وهو يهرب منها ، كما يؤكده السياق القرآني "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" وهو ما يعني ثبات موقف يوسف، وأن السوء والفحشاء كانا يقتربان منه ، وهو يبتعد ، فلم يقل القرآن الكريم "كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء".
ويشهد ليوسف إبليس نفسه ، فقد استثنى من الغواية المخلصين ، "فبعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين" ص / 82 و83 ، ويوسف بشهادة القرآن كان من عباد الله المخلصين "انه من عبادنا المخلصين" ، فلا سلطان لإبليس على يوسف حتى يهمّ بالفاحشة.


أحمد أبو زيد
كاتب وباحث إسلامي
وصحفى مصرى
[email protected]

_____
(1) الامام ابن القيم الجوزية – الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي – تحقيق محب الدين الخطيب – الطبعة الرابعة – دار صلاح الدين – القاهرة 1407هـ – 1987م
 
السلام عليكم
جزاك الله خيرا على هذا البحث
المسألة تكلم فيها كثير من العلماء والمشايخ
ومازال الهم غير مفهوم
إن يوسف لم يكن نبيا عندما دعته امرأة العزيز ؛ والقول بعصمة الأنبياء قبل البعثة مبحث طويل ؛
كذلك فإنه لم يصبح من المخلصين إلا بعد هذه الواقعة كنتيجة لتعففه ؛ الآية السابقة قالت إنه من المحسنين " وكذلك نجزى المحسنين " فلما نجح فى هذا الامتحان صار من المخلصين .وكان صديقا وهو فى السجن " يوسف أيها الصديق أفتنا .." والنبوة بعد ذلك بكثير

نعم إن تصوير الحدث فى بعض الروايات تصوير فج ومقزز ولكن هذا لايمنع أن الهم حدث ولو كان أقل الهم كلمسة أو ماشابه.... ونقول أن الهم بالملامسة لايقدح فى يوسف فى شيء ؟
ويؤكد هذا المعنى استباقهما الباب وما حدث من تمزيق قميصه ، حيث كانت تجذبه إليها ، وهو يهرب منها ، كما يؤكده السياق القرآني "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" وهو ما يعني ثبات موقف يوسف، وأن السوء والفحشاء كانا يقتربان منه ، وهو يبتعد ، فلم يقل القرآن الكريم "كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء".
كيف كان ماحدث صارفا للفحشاء ؟
لقد طاردته النسوة ودعوه أن يطيع سيدته ودعوه لأنفسهن " قال رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه "
إن قوله تعالى "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" لا يفيد صرف الفحشاء بمنع أسبابها ... بل صرفها كان بعرضها عليه أولا وتقع فى نفسه ثم يتعفف عنها بارادته ..فيتحصن منها ... كالتحصين بالتطعيم ضد الميكروبات ؛
أنا أفهمها كمن تعفف عن قبول رشوة بمليون جنيه فلن يقبل رشوة بعشرة جنيهات أو بمئة ألف بعد ذلك ؛ فيوسف الصديق رفض هذا العرض بكل مغرياته فلن يقبل أو يفكر في الأمر مرة أخرى
والله أعلم
 
بقي أيضا القول بنفي الهم أصلا ؛ وأن في الكلام تقديما وتأخيرا له نظيره في القرآن الكريم .
والقائلون بهذا القول يقولون إن أصل الكلام : ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها لكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها أصلا.
والحقيقة أنه لا يستقيم مع سياق القصة سوى هذين القولين :
أ - القول بنفي الهم أصلا .
ب - القول بأنه كان هم لمس أو ما شابه مع نفي النبوة عن يوسف حين وقوع القصة .
والله تعالى أعلم .
 
عودة
أعلى