الشيخ خالد
New member
- إنضم
- 05/09/2009
- المشاركات
- 6
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- العمر
- 60
نبضات من تبيان القرآن – في أول أمثال سورة البقرة – الحلقة 1
يقول عز وجل (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم وَتَرَكَهُم فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُم لَا يَرْجِعُونَ * أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَو شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِم وَأَبْصَارِهِم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة2: 17-20).
(مَثَلُهُم)
أول سؤال سنسأله لأنفسنا، من هم الذين يتكمل عنهم عز وجل في كلمة (مثلهم)؟ وفيمن ضرب هذا المثل؟ وعلى مَنْ يعود الضمير في هذه الكلمة؟ دعونا نستعرض الإحتمالات بالرجوع لفئات الناس المذكورة في الآيات التي تسبق آيات المثل التي بين أيدينا، نتفكر بها، نتدبرها، نفهمها الفهم الصحيح، ثم نقرر على من يعود الضمير، لنبدأ من أول سورة البقرة:-
أولا: في أول خمس آيات من سورة البقرة، بدء عز وجل يتكلم عن أهم فئات الناس ألا وهم (أهل الجنة) حيث وصفهم عز وجل بمجموعة من الصفات فهم (المتقون، المؤمنون بالغيب، المصلون، المنفقون، المؤمنون بالقرآن والكتب السماوية، الموقنون باليوم الآخر، المهتدون، المفلحون) وهؤلاء هم الشق الأول من الناس.
ثانياً: ثم في الآية السادسة بدء عز وجل يحدثنا عن الشق الثاني من الناس وهم (الكفار) حيث يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة2: 6)، فالكفار هم الشق الثاني من الناس، فالناس مقسومين لقسمين أساسيين إما (مؤمن) أو (كافر). ثم يبدء عز وجل تقسيم الكفار لأقسام هي:
1. من الآية الثامنة بدء عز وجل يحدثنا عن أقسام (الكفار)، يقول عز وجل (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، ولو أننا إستعنا بسورة الفاتحة في قوله عز وجل (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، سنجد في هذه الآية أنه عز وجل يكلمنا عن ثلاثة فئات من الناس (1. المؤمنون، 2. المغضوب عليهم أمثال اليهود، 3. الضالون أمثال النصارى)، دعونا ننظر للآيات مرة أخرى ونحلل شخصية الجماعة التي يتكلم عنها عز وجل، وأهم سماتهم (يدّعون الإيمان أي أنهم يعرفون الصواب ولكنهم ليسوا بمؤمنين، لماذا؟ لأنهم يخادعون الله والذين آمنوا، ثم إن قلوبهم مريضه وأهم أمراضها الكذب، ألا تستحق هذه الجماعة غضب الله عليها لعلمها بمتطلبات الإيمان ثم مخالفتها لهذه المتطلبات؟ فأغلب هذه الفئة من الناس هي المغضوب عليهم أمثال اليهود.
2. ثم يحدثنا عز وجل عن مجموعة أخرى من الكفار، يقول عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُم هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ) فهذه الجماعة مفسدة في الأرض بمعنى أنها تركت كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثم بدأت تفسد حياة غيرها بأن أمرته بترك كلمة التوحيد وإن إستطاعت منعته من توحيد الله، إلا أنها تعتقد أنها تفعل الصواب، فإن قال لها قائل عودي ووحدي الله، قالت نحن على صواب وأنت على خطأ، فمن هي هذ الفئة من الناس، أليست هذه هي الفئة الضالة أمثال النصارى؟ نعم إنهم الضالون الذين أشركوا مع الله آله أخرى والذين ذكرهم الله في سورة الفاتحة.
3. ثم يحدثنا سبحانه وتعالى عن فئة أخرى، أنظروا لقوله عز وجل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُم هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَا يَعْلَمُونَ)، وهذه جماعة تظهر الإلحاد جهاراً، فهي تعتبر الإيمان بالله سفاهةً، أي أن المؤمن بالله ووحدانيته سفيه لا يعرف مصلحة نفسه فهو يبذل جهده ويضيّع وقته في عبادة إلهٍ لا وجود له.
4. ثم يأتي ذكر الجماعة الرابعة من جماعات الكفر في قوله عز وجل (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم)، ومن الواضح أن هذه الفئة من الناس هم المنافقون، الذي يظهرون الإيمان أمام المؤمنين، والكفر أمام الكفار، فهم مذبذبين بين اولئك وهؤلاء.
ثم يأتي إجمال حكم هؤلاء الجماعات الأربعة بقوله عز وجل (وَيَمُدُّهُم فِي طُغْيَانِهِم يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، فكلمة (أولئك) تعود على المجموعات الأربعة من (1. المغضوب عليهم أمثال اليهود. 2. الضالين المشركين أمثال النصارى. 3. الملحدين. 4. المنافقين)، أو بإختصار تعود على (الكفار)، الذين جاء ذكرهم في الآية رقم 6 في قوله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ومن هنا فإن الضمير في كلمة (مثلهم) التي بين أيدينا تعود على (أولئك) في الآية التي تسبقها، وكلمة (أولئك) تعود على (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ويعزز هذا الفهم، قوله عز وجل في الآية رقم 19 (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)، قال بالكافرين ولم يقل (بالمنافقين).
الواقع الذي ضُرب به المثل
حال الأن وقت البحث عن الواقع الذي ضرب به المثل، فلكل مثل حقيقة وتشبيه، والآيات التي بين أيدينا هي التشبيه، فأين الواقع الحقيقي الذي ضرب به هذا المثل؟ علينا كي نجد الواقع أن نعود من جديد للجماعة التي ضرب بها المثل والبحث فيها والتي ذكرت في الآية رقم 6، حيث يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُم أَم لَمْ تُنذِرْهُم لَا يُؤْمِنُونَ)، فماذا سنجد، لاحظ أنه عز وجل قد وصف هذا القسم من الناس بأنهم كفار وذلك قبل الإنذار، (إن الذين كفروا)، أي أنهم كفار أصلاً وقبل إنذار الرسول لهم، فهو عز وجل يقول لمحمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء كفار، وسيبقوا كفار، حتى لو أنك أنذرتهم، لن يؤمنوا لأنهم كفار، والسؤال، متى كفر هؤلاء الناس؟ وكيف هم كفار قبل إنذار الرسل لهم؟ أما الجواب فسنجده في قوله عز وجل في سورة الأعراف (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ * أَو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِم أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)، هذه الآيات تنقل المشهد إلى السماوات قبل هبوط آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأرض، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة جاء (إن الله جل وعز لما خلق آدم مسح ظهره فجرت من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ونزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حوى، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين قال ثم أقبس كل نسمة رجل من بني آدم بنوره في وجهه وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام ثم عرضهم على آدم فقال يا آدم هؤلاء ذريتك فإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام فقال آدم لم فعلت هذا بذريتي قال كي يشكروا نعمتي يا آدم فقال آدم عليه الصلاة والسلام يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا قال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يا آدم من ذريتك قال فمن هذا الذي أراه أظهرهم نورا قال هذا داود يكون في آخر الأمم قال يا رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال يا رب كم جعلت عمري قال كذا وكذا قال يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة قال أتفعل يا آدم قال نعم يا رب قال نكتب ونختم إنا إن كتبنا وختمنا لم نغير قال فافعل يا رب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ماذا تريد يا ملك الموت قال أريد قبض روحك قال ألم يبق من أجلي أربعون سنة قال ألم تعطها ابنك داود قال لا قال فكان أبو هريرة يقول فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته قال محمد بن شعيب وأخبرني أبو الحفص عثمان بن أبي العاتكة أن عمر آدم كان ألف سنة)، ما يهمنا في هذا الموضع من هذا الحديث هو الترتيب الزماني الذي جاء فيه أن الله أقبس كل نسمة من الذرية بنورها، فقد كان إقتباس النور بعد أن عرض علينا عز وجل حمل الأمانة بقول (لا إله إلا الله)، وهذه الأمانة كانت خيارية ولم تكن إجبارية، فعز وجل يقول في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب33: 72)، فبمجرد أن قبلنا حمل الأمانة أقبسنا الله نوراً أنار به قلوبنا، أما في راوية أبي بن كعب في الحديث الحسن جاء (في قول الله –عز وجل- : {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}؛ قال: جمعهم فجعلهم أزواجا، ثم صورهم فاستنطقهم، فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} ، قالوا: بلى، قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئا؛ إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا بذلك، ورفع عليهم آدم –عليه السلام– ينظر إليهم، فرأى الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: رب! لولا سويت بين عبادك! قال: إني أحببت أن أشكر، ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور، خصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة، وهو قوله –تبارك وتعالى- : {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} – إلى قوله - : {عيسى ابن مريم}؛ كان في تلك الأرواح، فأرسله إلى مريم –عليهما السلام- . فحدث عن أبي: أنه دخل من فيها)، وأهم ما نريده الآن من هذا الحديث هو وعد الله بإرسال الرسل والكتب السماوية للناس بعد هبوطهم للأرض وهذا مصداق لقوله عز وجل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء17: 15). فخلاصة الواقع الذي ضرب به المثل، أن الله أخذنا من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام وخاطبنا وحملنا أمانه كلمة التوحيد وأخذ منا العهد والميثاق أن نبقى عليها ونحن قبلنا حمل الأمانة فأنار لنا قلوبنا بنور الإيمان، وتكفل لنا بالرزق، ووعدنا عليها الجنة، ووعدنا بإرسال الرسل والكتب السماوية إن نحن نسينا لتذكيرنا.
يتبع..