ناصر الصائغ
New member
فقد قرأت ما خطه قلم الشيخ الفاضل والزميل الغالي محمد بن عبدالعزيز الخضيري وفقه الله بعنوان ( الصلة بين تفسير الواحدي البسيط وتفسير شيخه الثعلبي ) مما أثار شجنا من أشجاني حول هذا التفسير .
فرأيت أن أرفق في هذا الملتقى المبارك نبذة عن الكشف والبيان في تفسير القرآن لأبي إسحاق الثعلبي ت 427هـ وهي جزء من مقدمة رسالتي الماجستير والتي كانت في تحقيق جزء منه .
آمل أن ينفع الله بها وأن تنال رضاكم .
المبحث الأول
إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه
إن كتاب " الكشف والبيان عن تفسير القرآن " هو من تصنيف أبي إسحاق الثعلبي بلا ريب ، وقد توافرت الأدلة على ذلك . ومن الأدلة :
أولاً : كتب على غلاف نسخ الكتاب المخطوطة هذا العنوان أو نحوه منسوباً إليه ومصرحاً به ولم اقف على ما يدل على خلاف ذلك .
ثانياً : رواية الكتاب بالإسناد المتصل إلى مؤلفه وممن روى هذا التفسير :
أ - أبو عمران موسى بن علي بن الحسن الجزري المقريء .
فيوجد في أول كتاب " الكشف والبيان " إسناد متصل يرويه أبو عمران الجزري عن شيخه الإمام الأوحد الحافظ أبي محمد عبدالله بن علي التكريتي في شوال سنة 581 قال أخبرنا الشيخ الإمام بقية الشرق أبو الفضل ابن أبي الخير اليمني قال : " أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن على بن أحمد الواحي قال أخبرنا الأستاذ المصنف أبو إسحاق الثعلبي ... ".
ب - أبوبكر بن خير الأشبيلي فقد رواه أيضاً بسنده من طريق الواحدي عنه.
جـ - عز الدين ابن الأثير علي بن محمد الجزري فقد رواه أيضاً بسنده من طريق أحمد بن خلف الشيرازي عنه .
ثالثاً : رواية تلاميذ الثعلبي لهذا الكتاب عنه كالواحدي والشريحي وأبي معشر الطبري والفرخرادي والشيرازي .
رابعاً : أن تفسير البغوي " معالم التنزيل " اختصار للكشف والبيان للثعلبي . قال ابن تيمية رحمه الله : " والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي ".
وقد صرح البغوي في تفسيره بأن ما يقله عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن بعده وأكثره مما أخبره به الشيخ أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي الخوارزمي عن الثعلبي.
ويوجد تشابه كبير بين التفسيرين مما جعلني أستفيد من تفسير البغوي في بعض ما يشكل في المقابلات ، فكل هذا مما يدل على صحة نسبة كتاب " الكشف والبيان " للثعلبي .
خامساً : ومن الأدلة عناية العلماء به بالنقل منه واختصاره ونحو ذلك وعزوها للثعلبي وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن أهمية الكتاب .
سادساً : ومن الأدلة شهرة نسبة الكتاب إلى الثعلبي حيث نسبه إليه معجم من ترجم له .
سابعاً : كثرة مخطوكات الكشف والبيان ونسخه منسوباً إليه.
وبعد هذه الأدلة يتبين لنا صحة نسبة كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي رحمه الله .
المبحث الثاني
أهمية الكتاب وذكر مصادره فيه
أولاً : أهمية الكتاب
يعتبر كتاب الكشف والبيان للثعلبي من كتب التفسير المهمة وتكمن أهميته في عدة أمور منها :
1 - أنه من الكتب المسندة والإسناد له أهمية كبيرة ن خاصة في التفسير ، فيه يتأكد من صحة نسبة القول لقائله ، وبه يمكن الترجيح بين الأقوال المتعارضة وغير ذلك .
فالكتاب يعتبر موسوعة تفسيرية ضخمة ، فهو يحمل عدداً كبيراً من مأثور التفسير من أحاديث مرفوعة ، وآثار موقوفة على الصحابة والتباعين ومن بعدهم من سلف الأمة .
وهذه الثروة من مأثور الأحاديث والآثار جعلت الكتاب مرجعاً هاماً نهل منه العلماء ، ونقل منه المفسرون وغير المفسرين وجعلته مصدراً من مصادر التوثيق .
2 - أن الثعلبي اعتمد في تفسيره على عدة مصادر متنوعة ذكرها في مقدمته وبعض هذه المصادر في عداد المفقودات أو من المخطوطات وهذا يجعل الكتاب موسوعة عظيمة تحتوي على مصادر نادرة في التفسير وعلومه .
3 - تقدم الكتاب على كثير من كتب التفسير المشهورة حيث تقدمت وفاة مؤلفه إذ عاش في القرن الرابع الهجري وتوفى سنة 427هـ فهومتقدم على معظم المفسرين المشهورين كالواحدي (ت 468) والسمعاني (ت541) والبغوي (ت516) والزمخشري (ت538) وابن عطية (ت541) والقرطبي (ت671) وغيرهم .
بل إن كتاب الثعلبي يعتبر من أهم مصادر هذه التفاسير وهذا الأمر مما يدل على القيمة العلمية الكبيرة لتفسير الثعلبي .
4 - ومن الأدلة على أهمية تفسير الثعلبي : اهتمام العلماء وعنايتهم به ولو لم يكن للكتاب تلك القيمة العالية لما كان هذا الاهتمام وتلك العناية .
ومن مظاهر هذا الاهتمام ما يلي :
الرحلة لسماع هذا الكتاب .
فقد كان عدد من طلاب العلم يرحلون من مسافات بعيدة لسماع تفسير الثعلبي قال الواحدي : " وقد كان يؤتى إليه من أقاصي البلاد ودانيها ، كي يسمع منه ويتلقى التفسير ".
وهذا يدل دلالة واضحة على قيمة هذا التفسير .
وممن رحل لسماع هذا الكتاب : أبو سعد عبدالكريم السمعاني ت562 ، وأحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني ت 540 ، وابو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان المرادي ت 544 .
قال السمعاني : " وخرجنا صحبة واحدة إلى نوقان طوس لسماع كتاب التفسير لأبي إسحاق الثعلبي ".
روايتهم للكتاب بالإسناد المتصل إلى مؤلفه.
تناوله بالتهذيب والاختصار . وممن اختصره :
- البغوي في تفسيره معالم التنزيل فهو مختصر لتفسير الثعلبي .
- محمد بن الوليد بن محمد القرشي الطوطوشي المعروف بابن أبي رَنْدقة ت520 اختصره بعنوان " مختصر الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي " ومنه نسخة في دار الكتب المصرية بالقاهرة .
- بهزاد أبو محمد بن علي بعنوان " مختصر تفسير الثعلبي ".
- مختصر مجهول بعنوان " مختصر الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي .
كثرة نسخ الكتاب مع ما فيه من طول .
فقد بلغ في النسخة التركية 1678 ورقة فهذا يدل على عناية العلماء به وتناقله بينهم .
وضع الحواشي عليه . وممن فعل ذلك :
عبدالقادر بن أبي القاسم بن محمد بن إدريس ت 1288 له حاشية بعنوان " حاشية على تفسير الثعلبي ".
الجمع بينه وبين كتاب آخر . وممن فعل ذلك :
المبارك بن محمد الشيباني أبو السعادات المعروف بابن الأثير ت 606 صاحب كتاب جامع الأصول فقد قال السبكي في ترجمته : " ومن تصانيفه كتاب ( الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف تفسيري الثعلبي والزمخشري ) ".
نقد الكتاب وبيان ما فيه . وممن فعل ذلك :
بدر الدين أبو الفضائل أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي ت 631 تقريباً له كتاب بعنوان " مباحث التفسير " ويوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية بالقاهرة عليها خط المؤلف.
النقل عنه والتخريج منه .
فنقل عن الكشف والبيان للثعلبي أغلب من جاء بعده من المفسرين كالقرطبي وابن كثير وغيرهم .
ولم يقتصر النقل على المفسرين بل نقل عنه غيرهم من العلماء باختلاف تخصصاتهم ومن هؤلاء :
1 - النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/177 .
2 - ابن قدامة المقدسي في كتابه التوابين 273 .
3 - ابن حجر في عدد من كتبه منها تلخيص الحبير 3/183 و 4/40 .
4 - أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز ص112 ، 124 ، 125 .
5 - الزيلعي في نصب الراية 3/84 وفي عدة مواضع من كتابه تخريج أحاديث الكشاف .
6 - ابن تيمية في مجموع الفتاوى 7/28.
وغيرهم كثير وهذا على سبيل المثال لا الحصر .
وهذه الأمور وغيرها توضح لنا أهمية هذا الكتاب ، وقيمته العلمية العالية ، وأنه كنز من كنوز تراثنا الإسلامي يجب إخراجه من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات لينتفع به مع ضرورة تحقيقه التحقيق العلمي حتى يتميز صحيحه من سقيمه .
ثانياً : مصادر الثعلبي في تفسيره .
لقد كفانا الثعلبي مؤونة البحث والتنقيب عن مصادره في ثنايا كتابه إذ أنه قد ذكر في مقدمة تفسيره ثبت الكتب التي عليها مباني كتابه وذكرها بإسناده عن مؤلفيها وجعلها في المقدمة لئلا يحتاج إلى تكرار الأسانيد .
وها هو سرد لمصادره بدون ذكر إسناده إليها .
التفسيرات المنصوصات .
تفسير ابن عباس ، ومجاهد والضحاك ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء الخراساني ، وعطاء بن دينار ، والحسن البصري ، وقتادة بن دعامة السدوسي وأبي العالية ، الرياحي ، والربيع بن أنس وأبي جعفر الرازي ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومقاتل بن حيان ، ومقاتل بن سليمان ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وهشيم بن بشير ، وشبل بن عباد المكي ، وورقاء بن عمرو ، وزيد بن أسلم ، وروح بن عبادة التنيسي ، ومحمد ابن يوسف الفريابي ، وقبيصة بن عتبة السواري ، وأبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي ، وسعيد بن منصور ، وعبدالله بن وهب القرشي ، وعبدالحميد بن حميد الكشي ، ومحمد بن أيوب الرازي ، وأبي بكر الأصم ، وأبي سعيد عبدالله بن سعد الكندي الأشج ، وأبي حمزة الثمالي ، والمسيب ابن شريك .
مصنفات أهل عصره .
تفسير عبدالله بن حامد ، وتفسير أبي بكر بن عبدوس ولم يكمله ، وتفسير أبي عمرو الفراتي ( البستان ) ، وتفسير أبي بكر بن فورك ، وتفسير أبي القاسم بن حبيب ، وتفسير جبريل ، وتفسير النبي ، وتفسير الصحابة لمحمد بن القاسم أبو الحسن الفقيه ، وكتاب الواضح لأبي محمد عبدالله بن المبارك الدينوري ، وحقائق التفسير للسلمي .
كتب الوجوه والنظائر .
كتاب الوجوه لمقاتل بن سليمان ، وكتاب النظائر لعلي بن الحسين بن واقد .
كتاب المعاني .
معاني القرآن للفراء ، ومعاني القرآن للكسائي ، ومعاني القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ، ومعاني القرآن للزجاج ، ونظم القرآن للجرجاني الحسن بن يحيى .
كتاب الغرائب والمشكلات .
مجاز القرآن لأبي عبيدة ، وغريب القرآن للأخفش ، وغريب النضر بن شميل ، وغريب المؤرج بن عمرو السدوسي ، وغريب القرآن لابن قتيبة الدينوري ، ومشكل قطرب ، وتأويل مشكل القرآن لابن فتيبة الدينوري .
كتب القراءات المجموعات .
قراءة الأنصاري الفضل بن العباس ، وقراءة خلف بن هشام ، وقراءة أبي عبيد القاسم بن سلام ، وقراءة أبي حاتم السجستاني ، وقراءة أبي معاذ الفضل بن خالد ، وقراءة هارون بن حاتم المقرىء ، وقراءة محمد بن يحيى القطيعي ، وسبع بن مجاهد ، وسبع النقاش ، وكتاب الأنوار ، وكتاب الغاية لابن مهران . ومن مصادره كتاب المبتدأ ، وكتاب المغازي لابن إسحاق .
فهذه بعض مصادر الثعلبي في تفسيره ، وهي تبلغ 100 كتاب ذكرها في مقدمته ويرويها بإسناده عن مؤلفيها .
وهناك مصادر له لم يذكرها في المقدمة بل أشار إليها بقوله :
" فاستخرت الله تعالى في تصنيف كتاب شامل مهذب مخلص ، مفهوم منظوم ، مستخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات ، سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء المتفرقات ، وتلقفته عن أفواه المشائخ الأثبات وهم قريب من ثلاثمائة شيخ " .
ومن مصادر الثعلبي الأساسية والتي لم يشر إليها في مصادره في المقدمة جامع البيان للطبري إمام المفسرين ويعتبر تفسير الطبري مصدراً أساسياً له ، يظهر ذلك بالمقارنة بين الكتابين .
المنهج العام :
- يذكر السورة ثم يذكر مكان نزولها ، وبعد ذلك يذكر عدد آياتها وكلماتها وحروفها .
- ثم يذكر الأحاديث الدالة على فضل هذه السورة والأحاديث والآثار المتعلقة بالسورة بشكل عام .
- ثم يبدأ بتفسير السورة فيفسر الآية بآية أخرى إن وجد فيقول مثلاً نظيرها كذا ، أو ومثله كذا ، ثم يفسر بما ورد من أقوال الصحابة والتابعين بلا إسناد اكتفاء بذكر الإسناد في أول الكتاب فيقول : قال ابن عباس وقال عكرمة وقال ... وأحياناً بسند .
- إن كان في الآية قراءة أخرى ذكرها غالباً ويوجه القراءة أحياناً ، ويذكر أحياناً ما في الآية من قراءات شاذة .
- ويتعرض للمسائل النحوية ويخوض فيها إن كان لها مجال في الآية ، ويشرح الكلمات اللغوية وأصولها وتصاريفها .
- ويستشهد على ما يقول بالشعر العربي .
- ويذكر ما يتعلق بالآية من أحكام فقهية وربما عقد الفصول استطراداً في ذلك أو في نواح علمية متعددة ربما يخرجه عن دائرة التفسير .
- ويذكر الإسرائيليات بدون تعقب ويستطرد فيها ، فهو مولع بالقصص وله كتاب خاص في ذلك .
هذا منهج عام موجز ومع طول الكتاب واتساعه إلا أن المؤلف من أوله إلى آخره استمر على هذا المنهج .
فرأيت أن أرفق في هذا الملتقى المبارك نبذة عن الكشف والبيان في تفسير القرآن لأبي إسحاق الثعلبي ت 427هـ وهي جزء من مقدمة رسالتي الماجستير والتي كانت في تحقيق جزء منه .
آمل أن ينفع الله بها وأن تنال رضاكم .
المبحث الأول
إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه
إن كتاب " الكشف والبيان عن تفسير القرآن " هو من تصنيف أبي إسحاق الثعلبي بلا ريب ، وقد توافرت الأدلة على ذلك . ومن الأدلة :
أولاً : كتب على غلاف نسخ الكتاب المخطوطة هذا العنوان أو نحوه منسوباً إليه ومصرحاً به ولم اقف على ما يدل على خلاف ذلك .
ثانياً : رواية الكتاب بالإسناد المتصل إلى مؤلفه وممن روى هذا التفسير :
أ - أبو عمران موسى بن علي بن الحسن الجزري المقريء .
فيوجد في أول كتاب " الكشف والبيان " إسناد متصل يرويه أبو عمران الجزري عن شيخه الإمام الأوحد الحافظ أبي محمد عبدالله بن علي التكريتي في شوال سنة 581 قال أخبرنا الشيخ الإمام بقية الشرق أبو الفضل ابن أبي الخير اليمني قال : " أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن على بن أحمد الواحي قال أخبرنا الأستاذ المصنف أبو إسحاق الثعلبي ... ".
ب - أبوبكر بن خير الأشبيلي فقد رواه أيضاً بسنده من طريق الواحدي عنه.
جـ - عز الدين ابن الأثير علي بن محمد الجزري فقد رواه أيضاً بسنده من طريق أحمد بن خلف الشيرازي عنه .
ثالثاً : رواية تلاميذ الثعلبي لهذا الكتاب عنه كالواحدي والشريحي وأبي معشر الطبري والفرخرادي والشيرازي .
رابعاً : أن تفسير البغوي " معالم التنزيل " اختصار للكشف والبيان للثعلبي . قال ابن تيمية رحمه الله : " والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي ".
وقد صرح البغوي في تفسيره بأن ما يقله عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن بعده وأكثره مما أخبره به الشيخ أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي الخوارزمي عن الثعلبي.
ويوجد تشابه كبير بين التفسيرين مما جعلني أستفيد من تفسير البغوي في بعض ما يشكل في المقابلات ، فكل هذا مما يدل على صحة نسبة كتاب " الكشف والبيان " للثعلبي .
خامساً : ومن الأدلة عناية العلماء به بالنقل منه واختصاره ونحو ذلك وعزوها للثعلبي وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن أهمية الكتاب .
سادساً : ومن الأدلة شهرة نسبة الكتاب إلى الثعلبي حيث نسبه إليه معجم من ترجم له .
سابعاً : كثرة مخطوكات الكشف والبيان ونسخه منسوباً إليه.
وبعد هذه الأدلة يتبين لنا صحة نسبة كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي رحمه الله .
المبحث الثاني
أهمية الكتاب وذكر مصادره فيه
أولاً : أهمية الكتاب
يعتبر كتاب الكشف والبيان للثعلبي من كتب التفسير المهمة وتكمن أهميته في عدة أمور منها :
1 - أنه من الكتب المسندة والإسناد له أهمية كبيرة ن خاصة في التفسير ، فيه يتأكد من صحة نسبة القول لقائله ، وبه يمكن الترجيح بين الأقوال المتعارضة وغير ذلك .
فالكتاب يعتبر موسوعة تفسيرية ضخمة ، فهو يحمل عدداً كبيراً من مأثور التفسير من أحاديث مرفوعة ، وآثار موقوفة على الصحابة والتباعين ومن بعدهم من سلف الأمة .
وهذه الثروة من مأثور الأحاديث والآثار جعلت الكتاب مرجعاً هاماً نهل منه العلماء ، ونقل منه المفسرون وغير المفسرين وجعلته مصدراً من مصادر التوثيق .
2 - أن الثعلبي اعتمد في تفسيره على عدة مصادر متنوعة ذكرها في مقدمته وبعض هذه المصادر في عداد المفقودات أو من المخطوطات وهذا يجعل الكتاب موسوعة عظيمة تحتوي على مصادر نادرة في التفسير وعلومه .
3 - تقدم الكتاب على كثير من كتب التفسير المشهورة حيث تقدمت وفاة مؤلفه إذ عاش في القرن الرابع الهجري وتوفى سنة 427هـ فهومتقدم على معظم المفسرين المشهورين كالواحدي (ت 468) والسمعاني (ت541) والبغوي (ت516) والزمخشري (ت538) وابن عطية (ت541) والقرطبي (ت671) وغيرهم .
بل إن كتاب الثعلبي يعتبر من أهم مصادر هذه التفاسير وهذا الأمر مما يدل على القيمة العلمية الكبيرة لتفسير الثعلبي .
4 - ومن الأدلة على أهمية تفسير الثعلبي : اهتمام العلماء وعنايتهم به ولو لم يكن للكتاب تلك القيمة العالية لما كان هذا الاهتمام وتلك العناية .
ومن مظاهر هذا الاهتمام ما يلي :
الرحلة لسماع هذا الكتاب .
فقد كان عدد من طلاب العلم يرحلون من مسافات بعيدة لسماع تفسير الثعلبي قال الواحدي : " وقد كان يؤتى إليه من أقاصي البلاد ودانيها ، كي يسمع منه ويتلقى التفسير ".
وهذا يدل دلالة واضحة على قيمة هذا التفسير .
وممن رحل لسماع هذا الكتاب : أبو سعد عبدالكريم السمعاني ت562 ، وأحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني ت 540 ، وابو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان المرادي ت 544 .
قال السمعاني : " وخرجنا صحبة واحدة إلى نوقان طوس لسماع كتاب التفسير لأبي إسحاق الثعلبي ".
روايتهم للكتاب بالإسناد المتصل إلى مؤلفه.
تناوله بالتهذيب والاختصار . وممن اختصره :
- البغوي في تفسيره معالم التنزيل فهو مختصر لتفسير الثعلبي .
- محمد بن الوليد بن محمد القرشي الطوطوشي المعروف بابن أبي رَنْدقة ت520 اختصره بعنوان " مختصر الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي " ومنه نسخة في دار الكتب المصرية بالقاهرة .
- بهزاد أبو محمد بن علي بعنوان " مختصر تفسير الثعلبي ".
- مختصر مجهول بعنوان " مختصر الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي .
كثرة نسخ الكتاب مع ما فيه من طول .
فقد بلغ في النسخة التركية 1678 ورقة فهذا يدل على عناية العلماء به وتناقله بينهم .
وضع الحواشي عليه . وممن فعل ذلك :
عبدالقادر بن أبي القاسم بن محمد بن إدريس ت 1288 له حاشية بعنوان " حاشية على تفسير الثعلبي ".
الجمع بينه وبين كتاب آخر . وممن فعل ذلك :
المبارك بن محمد الشيباني أبو السعادات المعروف بابن الأثير ت 606 صاحب كتاب جامع الأصول فقد قال السبكي في ترجمته : " ومن تصانيفه كتاب ( الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف تفسيري الثعلبي والزمخشري ) ".
نقد الكتاب وبيان ما فيه . وممن فعل ذلك :
بدر الدين أبو الفضائل أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي ت 631 تقريباً له كتاب بعنوان " مباحث التفسير " ويوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية بالقاهرة عليها خط المؤلف.
النقل عنه والتخريج منه .
فنقل عن الكشف والبيان للثعلبي أغلب من جاء بعده من المفسرين كالقرطبي وابن كثير وغيرهم .
ولم يقتصر النقل على المفسرين بل نقل عنه غيرهم من العلماء باختلاف تخصصاتهم ومن هؤلاء :
1 - النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/177 .
2 - ابن قدامة المقدسي في كتابه التوابين 273 .
3 - ابن حجر في عدد من كتبه منها تلخيص الحبير 3/183 و 4/40 .
4 - أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز ص112 ، 124 ، 125 .
5 - الزيلعي في نصب الراية 3/84 وفي عدة مواضع من كتابه تخريج أحاديث الكشاف .
6 - ابن تيمية في مجموع الفتاوى 7/28.
وغيرهم كثير وهذا على سبيل المثال لا الحصر .
وهذه الأمور وغيرها توضح لنا أهمية هذا الكتاب ، وقيمته العلمية العالية ، وأنه كنز من كنوز تراثنا الإسلامي يجب إخراجه من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات لينتفع به مع ضرورة تحقيقه التحقيق العلمي حتى يتميز صحيحه من سقيمه .
ثانياً : مصادر الثعلبي في تفسيره .
لقد كفانا الثعلبي مؤونة البحث والتنقيب عن مصادره في ثنايا كتابه إذ أنه قد ذكر في مقدمة تفسيره ثبت الكتب التي عليها مباني كتابه وذكرها بإسناده عن مؤلفيها وجعلها في المقدمة لئلا يحتاج إلى تكرار الأسانيد .
وها هو سرد لمصادره بدون ذكر إسناده إليها .
التفسيرات المنصوصات .
تفسير ابن عباس ، ومجاهد والضحاك ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء الخراساني ، وعطاء بن دينار ، والحسن البصري ، وقتادة بن دعامة السدوسي وأبي العالية ، الرياحي ، والربيع بن أنس وأبي جعفر الرازي ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومقاتل بن حيان ، ومقاتل بن سليمان ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وهشيم بن بشير ، وشبل بن عباد المكي ، وورقاء بن عمرو ، وزيد بن أسلم ، وروح بن عبادة التنيسي ، ومحمد ابن يوسف الفريابي ، وقبيصة بن عتبة السواري ، وأبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي ، وسعيد بن منصور ، وعبدالله بن وهب القرشي ، وعبدالحميد بن حميد الكشي ، ومحمد بن أيوب الرازي ، وأبي بكر الأصم ، وأبي سعيد عبدالله بن سعد الكندي الأشج ، وأبي حمزة الثمالي ، والمسيب ابن شريك .
مصنفات أهل عصره .
تفسير عبدالله بن حامد ، وتفسير أبي بكر بن عبدوس ولم يكمله ، وتفسير أبي عمرو الفراتي ( البستان ) ، وتفسير أبي بكر بن فورك ، وتفسير أبي القاسم بن حبيب ، وتفسير جبريل ، وتفسير النبي ، وتفسير الصحابة لمحمد بن القاسم أبو الحسن الفقيه ، وكتاب الواضح لأبي محمد عبدالله بن المبارك الدينوري ، وحقائق التفسير للسلمي .
كتب الوجوه والنظائر .
كتاب الوجوه لمقاتل بن سليمان ، وكتاب النظائر لعلي بن الحسين بن واقد .
كتاب المعاني .
معاني القرآن للفراء ، ومعاني القرآن للكسائي ، ومعاني القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ، ومعاني القرآن للزجاج ، ونظم القرآن للجرجاني الحسن بن يحيى .
كتاب الغرائب والمشكلات .
مجاز القرآن لأبي عبيدة ، وغريب القرآن للأخفش ، وغريب النضر بن شميل ، وغريب المؤرج بن عمرو السدوسي ، وغريب القرآن لابن قتيبة الدينوري ، ومشكل قطرب ، وتأويل مشكل القرآن لابن فتيبة الدينوري .
كتب القراءات المجموعات .
قراءة الأنصاري الفضل بن العباس ، وقراءة خلف بن هشام ، وقراءة أبي عبيد القاسم بن سلام ، وقراءة أبي حاتم السجستاني ، وقراءة أبي معاذ الفضل بن خالد ، وقراءة هارون بن حاتم المقرىء ، وقراءة محمد بن يحيى القطيعي ، وسبع بن مجاهد ، وسبع النقاش ، وكتاب الأنوار ، وكتاب الغاية لابن مهران . ومن مصادره كتاب المبتدأ ، وكتاب المغازي لابن إسحاق .
فهذه بعض مصادر الثعلبي في تفسيره ، وهي تبلغ 100 كتاب ذكرها في مقدمته ويرويها بإسناده عن مؤلفيها .
وهناك مصادر له لم يذكرها في المقدمة بل أشار إليها بقوله :
" فاستخرت الله تعالى في تصنيف كتاب شامل مهذب مخلص ، مفهوم منظوم ، مستخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات ، سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء المتفرقات ، وتلقفته عن أفواه المشائخ الأثبات وهم قريب من ثلاثمائة شيخ " .
ومن مصادر الثعلبي الأساسية والتي لم يشر إليها في مصادره في المقدمة جامع البيان للطبري إمام المفسرين ويعتبر تفسير الطبري مصدراً أساسياً له ، يظهر ذلك بالمقارنة بين الكتابين .
المنهج العام :
- يذكر السورة ثم يذكر مكان نزولها ، وبعد ذلك يذكر عدد آياتها وكلماتها وحروفها .
- ثم يذكر الأحاديث الدالة على فضل هذه السورة والأحاديث والآثار المتعلقة بالسورة بشكل عام .
- ثم يبدأ بتفسير السورة فيفسر الآية بآية أخرى إن وجد فيقول مثلاً نظيرها كذا ، أو ومثله كذا ، ثم يفسر بما ورد من أقوال الصحابة والتابعين بلا إسناد اكتفاء بذكر الإسناد في أول الكتاب فيقول : قال ابن عباس وقال عكرمة وقال ... وأحياناً بسند .
- إن كان في الآية قراءة أخرى ذكرها غالباً ويوجه القراءة أحياناً ، ويذكر أحياناً ما في الآية من قراءات شاذة .
- ويتعرض للمسائل النحوية ويخوض فيها إن كان لها مجال في الآية ، ويشرح الكلمات اللغوية وأصولها وتصاريفها .
- ويستشهد على ما يقول بالشعر العربي .
- ويذكر ما يتعلق بالآية من أحكام فقهية وربما عقد الفصول استطراداً في ذلك أو في نواح علمية متعددة ربما يخرجه عن دائرة التفسير .
- ويذكر الإسرائيليات بدون تعقب ويستطرد فيها ، فهو مولع بالقصص وله كتاب خاص في ذلك .
هذا منهج عام موجز ومع طول الكتاب واتساعه إلا أن المؤلف من أوله إلى آخره استمر على هذا المنهج .