سُورَةُ الْفُرْقَانِ وسُورَةُ الْمُلْكِ بِسْمِ اللَّهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآلِهِ وَصَحِبِهِ . رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِك . هذه محاولة هادفة للربط بين سورتي :{ تَبَارَكَ } فهما السورتان اللتان كان مطلعهما هذه الكلمة المباركة ... ولعل أخا يقول هناك سور كثيرة تشابهت في مطالعها – فلم الحديثُ عن هاتين السورتين بالتحديد ؟ أقول : نعم – لكن الذي دعاني إلى هذه المحاولة هو ما تسمت به السورتان {الفرقان –الملك } والفرقان هو القرآن إجماعا ... والملكُ هو مدارُ نزاعات ونزعات البشرية .. وكانت المحاولة تهدف إلى – هل هناك ارتباط بين السورتين واسميهما ؟ فإن كانت المحاولة موافقةً للصواب فلعل فيها خيرا يُرتجى , وإن لم يكن فعفو الله أوسع من خطأي.
وأنت تلحظُ أن سورة النورِ جاءت قبل الفرقان ....وإن صح هذه التوجه , جاز لنا أن نقول أن النور الحقيقي لم ولا ولن يوجد إلا في الفرقان— القرآن . كما استنبط بعضُ العلماء من مجيء سورة الفتح بعد سورة محمد ..على أنه لا فتحَ إلا خلف النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أقول : هذه من مُلحِ التفسير ولعلها تكون أقرب إلى الصحة ...مع أن هذا لا يتفق مع كل سورتين ...بل قد ينعكس ... لكن نقول: لعل هذه تكون بُشريات مخصوصة .. وهذا موجود في عدد من مواضع التشريع .
وجهٌ مُحتملٌ أيضا والله أعلم ُ ... لعل العلةَ والله أعلم ُ...في أن سورة الفرقان- – وسورة الملك –...توافقتا في هذه البداية وهي {تَبَارَكَ الَّذِي}... والفرقان هو القرآن .......والملك معروف ....فلعل المرادَ أن القرآنَ هو سبيلُ الملك ...فلا مُلكَ لأمة نزل عليها القرآن إلا لإذا كانت مُنقادةً لنور القرآن.. والآياتُ في هذا واضحة الدلالة تماما : قَالَ تَعَالَى في سُورَةِالْأَنْبِيَاءِ :{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)} قَالَ تَعَالَى في سُورَةِالْمُؤْمِنُونَ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) } وفي سُورَةِالزُّخْرُفِ :{ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)} قال في مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: قَوْلُهُ تَعَالَى:{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } بما يُذكرهم، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ باسٍ: أيْ: بما فيه فَخرُهُم وَشَرفُهُم، يَعْنِي القُرآنَ. قال ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ . قال في فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الْقُرْآنُ، أَيْ: بِالْكِتَابِ الَّذِي هُوَ فَخْرُهُمْ وَشَرَفُهُمْ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَالْمَعْنَى: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِفَخْرِهِمْ وَشَرَفِهِمُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْبَلُوهُ، وَيُقْبِلُوا عَلَيْهِ. قال الشَّعرَاوي رَحِمَهُ اللَّهُ: والذكْر هنا: الشرفُ والصِّيتُ والمكانةُ العاليةُ، كما جاءَ في قَوْلِهِ تَعَالَى عَن القُرآنِ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ. }وقولُه تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فكانَ يجبُ عليهم أن يحتضنوا هَذَا القُرآنَ، ويرفَعوه فوقَ رؤوسِهم، ففيه مجدُهم وشرفُهم وعِزَّتُهم، والعَرَبُ بدونِ القُرآنِ لا ذِكْرَ لهم، فقد كانوا أمَّةً أُميَّةً تعيشُ على الترحالِ والتنقلِ، ولا تستقرُ إلا على مَنابعِ الماءِ ومواضعِ الكلأ، كانوا بَدْواً تنتشرُ فيما بينهم الحروبُ والغاراتُ وقَطْعُ الطَّرِيقِ، كان الواحدُ منهم يَسرقُ ليُكرمَ ضَيفَه بما سرقَ. وَهَذِه مِن الأُمورِ العَجَيبةِ في عَاداتِ العَربِ في الجَاهِليَّةِ، فلم يكن لَديهِم منهجٌ يَحكمُ حياتَهم، عجيبٌ أنْ ترى حُبَّ الغارةِ والاعتداءِ مَع الشَهامةِ والكرمِ في طبيعةٍ واحدةٍ، فهو يفعلُ ما يخطرُ بِبالهِ . إذن: فذِكْرُ العَرَبِ وشرفُهم ومجدُهم وكرامتُهم في القُرآنِ، ومَع ذلكَ لم يَعملوا حَتَّى لِمصلَحَتِهم، ولم يهتموا بهَذَا القُرآنِ، إنَّما أعرضوا عَنه {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} . أَيْ: عَن القُرآنِ، و هَذَا دليلٌ أنهم كانوا مُغفلينَ، لا يَعرِفونَ حَتَّى مَصلحَتِهم . قالَ فيالظِّلَالِ: وقد ظَلَّت أُمَّةُ العَربِ لا ذِكْرَ لها في تَاريخِ العَالمِ حَتَّى جاءَهَا الْإِسْلَامُ. وَقَد ظَلَّ ذكرُها يُدوي في آذانِ القُرونِ طالما كَانت به مُستَمسِكةً. وَقَد تَضاءلَ ذِكْرُهَا عِندَمَا تخَلت عَنه، فَلَمْ تَعُدْ فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النَّفِيرِ , وَلَن يَقومَ لهَا ذِكْرٌ إلَّا يَومَ أن تَفيء إلى عُنوانِها الكَبيرِ .