مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
مُلَحُ التفسير ولطائفه
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ، فقد أحببت أن أُشْرِكَ إخواني في الملتقى معي في موضوع حيوي يحرص عليه كثير ممن يقرأ في كتب التفسير ، وهي ما يسمى بلطائف التفسير ، أو ملحه ، أو نكته ، وقد يتوسَّع بعضهم فيسمِّيها فوائد ، مع أن الفوائد أوسع مدلولاً من المصطلحات السابقة .
وما سأكتبه لكم إنما هو مفتاح لهذا الموضوع ، ولا يبعد أن لو أخذه باحث وفتَّق أكمامه لخرج بزهر كثير ، وثمر وفير ، فكم من موضوع ينظر إليه ناظر مبدعٌ فيزيد وفيه ، ثم يبدئ ويعيد ، فإذا هو أمام موضوع مبتكر جديد ؛ ينافس بجدَّتِه ، ويعجبُ ناظره بجودته .
وسأجعل الموضوع على مسائل :
المسألة الأولى : تحليل المصطلحات السابقة :
أولاً : اللطائف :
ترجع مادة ( لطف) إلى معنيين :
الأول : الدقة أو الخفاء ، وهذا باب ( لَطُفَ) بضم الطاء .
والثاني : الرفق ، وهذا باب (لَطَفَ) بفتح الطاء .
ويجوز أن يكون المعنيان مرادين في اللطائف ، وتكون تسميتها باللطائف لما فيها من الخفاء الذي لا يُدرك إلا بإمعان نظر ، أوللترفُّقٍ في الوصول إلى اللطيفة ، أو لاجتماعهما معًا فيها .
ثانيًا : المُلحُ :
سمِّيت مُلَحًا لما فيها من الغرابة التي يستعذبها القارئ ويستلذُّها حتى تستولي على لُبِّهِ . قال الراغب في المفردات : (( ثمَّ استُعير من لفظ المِلح الملاحةُ ، فقيل : رجل مليحٌ ، وذلك يرجع إلى حسنٍ يغمض إدراكه )) .
وكذا مُلَحُ الكلام وطرائفُه استعيرت من هذا الباب ، ويظهر أنها أشبهت بحسنها الملح الذي يُحسِّنُ طعم الطعام ويزيِّنه .
ثالثًا : النُّكت :
سُمِّيتَ نُكتًا ، لأنها تؤثِّر على لُبِّ قارئها ، فأصل النَّكت يرجع إلى معنى التأثير اليسير على الشي ، كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة ، ومن نكت الأرض : إذا ضربها بقضيب ، فضربها بالقضيب يُحدِث أثرًا فيها ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم : (( نُكِتَ في قلبه نُكتةٌ سوداء )) ؛ لأنَّ الذنب يؤثر في القلب ، فيكون من أثره نقطة سوداء تصير على القلب ، والله أعلم .
وبعد هذا ، فإن في التحليل اللغوي ما يحتاج إلى زيادة إفصاح وبحث ، لكني جعلته مدخلاً لهذا الموضوع الذي يرغب فيه كثيرٌ من قارئ التفسير ، وتراه يأخذُ بمجامع لُبِّهم ، والله الموفق .
المسألة الثانية :مقام المُلح من العلم :
ذكرها الشاطبي في الموافقات ( تحقيق :مشهور سلمان : 1 : 107 ) المقدمة التاسعة من مقدمات كتابه ، فقال : (( من العلم ما هو صُلْبٌ ، ومنه ما هو مُلَحُ العلم لا من صُلبِه ، ومنه ما ليس من صلب العلم ولا مُلَحه )) . وقد فصَّل هذه الثلاثة ، فارجع إليها تكرُّمًا .
المسألة الثالثة : قواعد في اللطائف والمُلَح والنكت :
أولاً : النكت لا تتزاحم.
المراد بذلك أنَّ اللفظة الواحد أو الجملة الواحدة يمكن أن تحتوي على أكثر من نكته ، وهذه النكت لا تتعارض فيما بينها ، وهي صحيحة كلُها ، فيجوز أن تكون كلُّ هذه النُّكت مرادةً بهذا اللفظ أو هذه الجملة ، ومن أمثلة ذلك :
قال الآلوسي : (( … ((فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا )) إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الأخرى .
وإخراجه في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به ، وذلك لأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل والأكثر ، فاستعمل في لازم معناه .
أو لأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر ؛ كذا قرره الشهاب ، ثم قال : فإن قلت : الوجوب لا يقتضي الوجود ، وقد قالوا : إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به ، فالخبر آكد ، وقد مرَّ مثله ، فما باله عكس ؟
قلت : لا منافاة بينهما كما قيل ؛لأن لكل مقام مقالا ، والنكت لا تتزاحم ، فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشدة امتثاله كأنه وقع منه ذلك ، وتحقق قبل الأمر كان أبلغ .
وإذا عبر عن الخبر بالأمر لإفادة لزومه ووجوبه كأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى )) ( روح المعاني 10 : 152 )
وقال الطاهر ابن عاشور : (( والواو في قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفؤاً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : ( وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ)(سـبأ: من الآية17) فإنها تذييل لجملة : (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا )(سـبأ: من الآية17) .
ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة ، ويكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث ، وتكون استفادة معنى التذييل تبعًا للمعنى ، والنكت لا تتزاحم )) ( التحرير والتنوير 30 : 620 ) . (1)
وانظر أمثلة لمصطلح : النكت لا تتزاحم : روح المعاني ( 5 : 122 / 10 : 83 / 15 : 341 ) التحرير والتنوير ( 28 : 346 ).
ثانيًا : النكت لا يلزم منها الاطراد
المراد أن النكتة أو اللطيفة التي تستنبطها في سياق لا يلزم تُعارض بسبب ساق آخر خالف السياق الأول في النظم ، لأن الاطراد ليس من شروط اللطائف والنكت ، وقد نصَّ الآلوسي على ذلك ، فقال : (( … ((وإذا شئنا بدلنا أمثالهم)) أي : أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق .
((تبديلا)) بديعا لا ريب فيه ؛ يعني : البعث والنشأة الأخرى ، فالتبديل في الصفات ؛ لأن المعاد هو المبتدأ .
ولكون الأمر محققًا كائنا جيء بـ(إذا) .
وذكر المشيئة لإبهام وقته ، ومثله شائع ، كما يقول العظيم لمن يسأله الأنعام : إذا شئتُ أحسِن إليك .
ويجوز أن يكون المعنى : وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا غيرهم ممن يطيع .
فالتبديل في الذوات ، و(إذا) لتحقق قدرته تعالى عليه ، وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم ، فجعل ذلك المقدور المهدد به كالمحقق ، وعبر عنه بما يعبر به عنه .
ولعله الذي أراده الزمخشري بما نقل عنه من قوله : إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة ، كأن له وقتًا معينًا .
ولا يعترض عليه بقوله تعالى : ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم )) ؛ لأن النكات لا يلزم إطرادها فافهم والوجه الأول أوفق بسياق النظم الجليل )) ( روح المعاني 29 : 167 ) .
ثالثًا : ما يكون نكتة في علم قد يكون متنا وصلبا في علم آخر .
وهذا يكثر في علم التفسير ، من جهة اعتبار علم البلاغة ليس من علم التفسير ، إذ المراد بالتفسير بيان المعنى ، وما وراء ذلك من علوم الآية فإنه يخرج عن صلب التفسير ومتنه ، ومنه علم البلاغة .
والملاحظ أن كثيرًا مما يطلق عليه المفسرون نكتًا ولطائف فإنه من علم البلاغة ، وقد تتبعت هذين اللفظين عند الزمخشري والآلوسي وغيرهما ، فظهر لي كثرة التعبير عن دقائق بلاغية باللطائف .
والمقصود أن النكات البلاغية واللطائف الأسلوبية تكون في علم التفسير من باب اللطائف والنكت ، وتكون في علم البلاغة من المتن والصلب ، والله أعلم .
رابعًا : النكات واللطائف ليس لها ضابط في ذاتها ، ولا في قبولها فقد يكون ما تعده لطيفة يعده غيرك غير ذلك .
وقد أشار إلى ذلك الطاهر ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى : (( وثامنهم كلبهم )) من سورة الكهف ، وتعليقه على من يرى أن هذه الواو هي (واو الثمانية) ، فقال في نهاية حديثه في تفسير هذه الجملة : (( ومن غريب الاتفاق أن كان لحقيقة الثمانية اعتلاق بالمواضع الخمسة المذكورة من القرآن إما بلفظه ، كما هنا وآية الحاقة ، وإما بالانتهاء إليه كما في آية براءة وآية التحريم ، وإما بكون مسماه معدودًا بعدد الثمانية ، كما في آية الزمر .
ولقد يُعَدُّ الانتباه إلى ذلك من اللطائف ، ولا يبلغ أن يكون من المعارف ، وإذا كانت كذلك ولم يكن لها ضابط مضبوط فليس من البعيد عدُّ القاضي الفاضل منها آية سورة التحريم ؛ لآتها صادفت الثامنة في الذكر ، وإن لم تكن ثامنة في صفات الموصوفين ، وكذلك لعَدِّ الثعلبي آية سورة الحاقة .
ومثل هذه اللطائف كالزهرة تُشَمُّ ، ولا تُحَكُّ )) ( التحرير والتنوير 15 : 293 ) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ملاحظة : الآيات عند الطاهر على رواية قالون عن نافع . وفي المطبوع واو قبل (( لا تتزاحم )) والصواب حذفها .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ، فقد أحببت أن أُشْرِكَ إخواني في الملتقى معي في موضوع حيوي يحرص عليه كثير ممن يقرأ في كتب التفسير ، وهي ما يسمى بلطائف التفسير ، أو ملحه ، أو نكته ، وقد يتوسَّع بعضهم فيسمِّيها فوائد ، مع أن الفوائد أوسع مدلولاً من المصطلحات السابقة .
وما سأكتبه لكم إنما هو مفتاح لهذا الموضوع ، ولا يبعد أن لو أخذه باحث وفتَّق أكمامه لخرج بزهر كثير ، وثمر وفير ، فكم من موضوع ينظر إليه ناظر مبدعٌ فيزيد وفيه ، ثم يبدئ ويعيد ، فإذا هو أمام موضوع مبتكر جديد ؛ ينافس بجدَّتِه ، ويعجبُ ناظره بجودته .
وسأجعل الموضوع على مسائل :
المسألة الأولى : تحليل المصطلحات السابقة :
أولاً : اللطائف :
ترجع مادة ( لطف) إلى معنيين :
الأول : الدقة أو الخفاء ، وهذا باب ( لَطُفَ) بضم الطاء .
والثاني : الرفق ، وهذا باب (لَطَفَ) بفتح الطاء .
ويجوز أن يكون المعنيان مرادين في اللطائف ، وتكون تسميتها باللطائف لما فيها من الخفاء الذي لا يُدرك إلا بإمعان نظر ، أوللترفُّقٍ في الوصول إلى اللطيفة ، أو لاجتماعهما معًا فيها .
ثانيًا : المُلحُ :
سمِّيت مُلَحًا لما فيها من الغرابة التي يستعذبها القارئ ويستلذُّها حتى تستولي على لُبِّهِ . قال الراغب في المفردات : (( ثمَّ استُعير من لفظ المِلح الملاحةُ ، فقيل : رجل مليحٌ ، وذلك يرجع إلى حسنٍ يغمض إدراكه )) .
وكذا مُلَحُ الكلام وطرائفُه استعيرت من هذا الباب ، ويظهر أنها أشبهت بحسنها الملح الذي يُحسِّنُ طعم الطعام ويزيِّنه .
ثالثًا : النُّكت :
سُمِّيتَ نُكتًا ، لأنها تؤثِّر على لُبِّ قارئها ، فأصل النَّكت يرجع إلى معنى التأثير اليسير على الشي ، كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة ، ومن نكت الأرض : إذا ضربها بقضيب ، فضربها بالقضيب يُحدِث أثرًا فيها ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم : (( نُكِتَ في قلبه نُكتةٌ سوداء )) ؛ لأنَّ الذنب يؤثر في القلب ، فيكون من أثره نقطة سوداء تصير على القلب ، والله أعلم .
وبعد هذا ، فإن في التحليل اللغوي ما يحتاج إلى زيادة إفصاح وبحث ، لكني جعلته مدخلاً لهذا الموضوع الذي يرغب فيه كثيرٌ من قارئ التفسير ، وتراه يأخذُ بمجامع لُبِّهم ، والله الموفق .
المسألة الثانية :مقام المُلح من العلم :
ذكرها الشاطبي في الموافقات ( تحقيق :مشهور سلمان : 1 : 107 ) المقدمة التاسعة من مقدمات كتابه ، فقال : (( من العلم ما هو صُلْبٌ ، ومنه ما هو مُلَحُ العلم لا من صُلبِه ، ومنه ما ليس من صلب العلم ولا مُلَحه )) . وقد فصَّل هذه الثلاثة ، فارجع إليها تكرُّمًا .
المسألة الثالثة : قواعد في اللطائف والمُلَح والنكت :
أولاً : النكت لا تتزاحم.
المراد بذلك أنَّ اللفظة الواحد أو الجملة الواحدة يمكن أن تحتوي على أكثر من نكته ، وهذه النكت لا تتعارض فيما بينها ، وهي صحيحة كلُها ، فيجوز أن تكون كلُّ هذه النُّكت مرادةً بهذا اللفظ أو هذه الجملة ، ومن أمثلة ذلك :
قال الآلوسي : (( … ((فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا )) إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الأخرى .
وإخراجه في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به ، وذلك لأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل والأكثر ، فاستعمل في لازم معناه .
أو لأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر ؛ كذا قرره الشهاب ، ثم قال : فإن قلت : الوجوب لا يقتضي الوجود ، وقد قالوا : إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به ، فالخبر آكد ، وقد مرَّ مثله ، فما باله عكس ؟
قلت : لا منافاة بينهما كما قيل ؛لأن لكل مقام مقالا ، والنكت لا تتزاحم ، فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشدة امتثاله كأنه وقع منه ذلك ، وتحقق قبل الأمر كان أبلغ .
وإذا عبر عن الخبر بالأمر لإفادة لزومه ووجوبه كأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى )) ( روح المعاني 10 : 152 )
وقال الطاهر ابن عاشور : (( والواو في قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفؤاً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : ( وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ)(سـبأ: من الآية17) فإنها تذييل لجملة : (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا )(سـبأ: من الآية17) .
ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة ، ويكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث ، وتكون استفادة معنى التذييل تبعًا للمعنى ، والنكت لا تتزاحم )) ( التحرير والتنوير 30 : 620 ) . (1)
وانظر أمثلة لمصطلح : النكت لا تتزاحم : روح المعاني ( 5 : 122 / 10 : 83 / 15 : 341 ) التحرير والتنوير ( 28 : 346 ).
ثانيًا : النكت لا يلزم منها الاطراد
المراد أن النكتة أو اللطيفة التي تستنبطها في سياق لا يلزم تُعارض بسبب ساق آخر خالف السياق الأول في النظم ، لأن الاطراد ليس من شروط اللطائف والنكت ، وقد نصَّ الآلوسي على ذلك ، فقال : (( … ((وإذا شئنا بدلنا أمثالهم)) أي : أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق .
((تبديلا)) بديعا لا ريب فيه ؛ يعني : البعث والنشأة الأخرى ، فالتبديل في الصفات ؛ لأن المعاد هو المبتدأ .
ولكون الأمر محققًا كائنا جيء بـ(إذا) .
وذكر المشيئة لإبهام وقته ، ومثله شائع ، كما يقول العظيم لمن يسأله الأنعام : إذا شئتُ أحسِن إليك .
ويجوز أن يكون المعنى : وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا غيرهم ممن يطيع .
فالتبديل في الذوات ، و(إذا) لتحقق قدرته تعالى عليه ، وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم ، فجعل ذلك المقدور المهدد به كالمحقق ، وعبر عنه بما يعبر به عنه .
ولعله الذي أراده الزمخشري بما نقل عنه من قوله : إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة ، كأن له وقتًا معينًا .
ولا يعترض عليه بقوله تعالى : ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم )) ؛ لأن النكات لا يلزم إطرادها فافهم والوجه الأول أوفق بسياق النظم الجليل )) ( روح المعاني 29 : 167 ) .
ثالثًا : ما يكون نكتة في علم قد يكون متنا وصلبا في علم آخر .
وهذا يكثر في علم التفسير ، من جهة اعتبار علم البلاغة ليس من علم التفسير ، إذ المراد بالتفسير بيان المعنى ، وما وراء ذلك من علوم الآية فإنه يخرج عن صلب التفسير ومتنه ، ومنه علم البلاغة .
والملاحظ أن كثيرًا مما يطلق عليه المفسرون نكتًا ولطائف فإنه من علم البلاغة ، وقد تتبعت هذين اللفظين عند الزمخشري والآلوسي وغيرهما ، فظهر لي كثرة التعبير عن دقائق بلاغية باللطائف .
والمقصود أن النكات البلاغية واللطائف الأسلوبية تكون في علم التفسير من باب اللطائف والنكت ، وتكون في علم البلاغة من المتن والصلب ، والله أعلم .
رابعًا : النكات واللطائف ليس لها ضابط في ذاتها ، ولا في قبولها فقد يكون ما تعده لطيفة يعده غيرك غير ذلك .
وقد أشار إلى ذلك الطاهر ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى : (( وثامنهم كلبهم )) من سورة الكهف ، وتعليقه على من يرى أن هذه الواو هي (واو الثمانية) ، فقال في نهاية حديثه في تفسير هذه الجملة : (( ومن غريب الاتفاق أن كان لحقيقة الثمانية اعتلاق بالمواضع الخمسة المذكورة من القرآن إما بلفظه ، كما هنا وآية الحاقة ، وإما بالانتهاء إليه كما في آية براءة وآية التحريم ، وإما بكون مسماه معدودًا بعدد الثمانية ، كما في آية الزمر .
ولقد يُعَدُّ الانتباه إلى ذلك من اللطائف ، ولا يبلغ أن يكون من المعارف ، وإذا كانت كذلك ولم يكن لها ضابط مضبوط فليس من البعيد عدُّ القاضي الفاضل منها آية سورة التحريم ؛ لآتها صادفت الثامنة في الذكر ، وإن لم تكن ثامنة في صفات الموصوفين ، وكذلك لعَدِّ الثعلبي آية سورة الحاقة .
ومثل هذه اللطائف كالزهرة تُشَمُّ ، ولا تُحَكُّ )) ( التحرير والتنوير 15 : 293 ) .
ـــــــــــــــــــ
(1) ملاحظة : الآيات عند الطاهر على رواية قالون عن نافع . وفي المطبوع واو قبل (( لا تتزاحم )) والصواب حذفها .