لكي أعود الى الموضوع الأصلي
أود أن الخّص قول الشكوكيين بين المستشرقين المعاصرين حول تحديد الزمني لنشأة
كتب التفسير لابن وهب التي بين يدينا في المكتبة العتيقة بخط يد عبد الله بن مسرور التجيبي ( ت 346 بالقيروان) .
يقول هؤلاء الشكوكيين ان هذه الأجزاء للتفسير ترجع الى أواخر القرن الثالث الهجري وذلك لأن ناسخ قد نسخه لنفسه في عام 290 الهجري في حلقة شيخه عيسى بن مسكين . أما نسبة الكتاب الى ابن وهب فهي موضوع الشك لديهم فسيأتي بيان ذلك فيما بعد .
مما لا شك فيه أن الناسخ قد اعتمد على نسختين للتفسير ابن وهب وذلك ليس عند مقابلته لهما فقط بل عند نسخ الأجزاء في آن واحد .
النسخة الأولى : نسخة سحنون بن سعيد ( ت 240 ) أخذها من ابن وهب مباشرة أثناء رحلته الى المشرق وأثناْ اقامته في فسطاط قبل عودته الى القيروان عام 191 تقريبا .
النسخة الثانية : نسخة عيسى بن مسكين ( ت 295 ) أخذها من أصحاب ابن وهب بمصر بروايتهم وبالاجازة كما يتبين ذلك من ترجمته .
أما الناسخ فانه يحيل على هاتين النسختين في كل من الهامش في المخطوط وفي أخره بقوله : قابلته بكتاب سحنون ....
قابلت بكتاب سحنون هذه النصف ......
وفي كتاب عيسى......... الخ .
الشكوكيين لا يلتفتون انظارهم الى هذه الملحوظات الهامة ولا الى المقابلة في آخر الكتاب بل يعتبرونها أسانيد لرواية الكتاب ومن هنا يشكون في صحتها!
أو بأخرى : هذه الطائفة من الشكوكيين تتجاهل الاحالات على النسختين المذكورتين كما تتجاهل المقابلة أيضا تجاهلا تاما لم أقف على السبب لذلك حتى اليوم ....
وفي الرد على رأي هؤلاء المشتسرقين وزملاء الكرام أبرزت بعضا من الظواهر الهامة في هذه الأجزاء التي كتبها عبد الله بن مسرور لنفسه (يذكر التملك بخط يده على وجه الورقة الأولى قائلا : لعبد الله بن مسرور ) .
وليست هذه الظواهر ألا مجرد أخطاء وقع فيها الناسخ أثناء نسخه هذه الأجزاء التي بين يدينا اليوم . وهذا الخطأ قد يكون معروفا لدى الجميع ( ما عدا تلك الطائفة من الشكوكيين !) وهو يسمى أحيانا بانتقال النظر في القراءة من كلمة أو جملة كاملة الى أخرى تحتها أو فوقها .
وقد عرف القدماء هذه الظاهرة أيضا , منهم ابن خلكان عندما تحدث عن (العبور من سطر الى سطر ) : أنظر : وفيات الأعيان , ج 4 , ص 183 (تحقيق احسان عباس). وأنظر أيضا الشرح اللطيف لهذه الظاهرة : المرشد الوثيق الى أمهات المذهب المالكي وقواعد التحقيق للدكتور حميد لحمر ( أستاذ في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس , المغرب ) , ص 82 و 83 . فاس 2002 .
ان هذه الظاهرة لا تسفر الا من مقارنة النص بنسخة أو نسخ أخرى التي يعتمد عليها الناسخ في مجرى نسخه كتابه في حلقة شيخه .
واليكم بعض من هذه الظاهرة عثرت عليها أثناء قراءتي للنص في نسخة عبد الله بن مسرور . وضعت الخطأ بين قوسين في النص :
وحدثني سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي (الجاهلون) نجيح عن مجاهد في قول الله :
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا , قال : بالوقار والسكينة .
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا , قالوا سدادا من القول .
الخطأ بيّن ! العبارة ( الجاهلون ) تأتي بعد سطر , وانتقل نظر الناسخ اليها عند كتابة اسم ابن أبي نجيح .
وأخبرني الحارث بن غالب بن عبيد الله عن مجاهد في قول الله :
وأيدناه بروح القدس ,
قال : القدس هو الله .
وأخبرني الحارث عن غالب عن مجاهد في قول الله : (وأيدناه بروح القدس , قال القدس )
وما كانوا يعرشون ,
قال يبنون المساكن .
الخطأ بين ! كتب الناسخ نفس الفقرة مرتين , بما في ذلك الآية والكلمة الأولى من التفسير . ربما يرجع السبب لذلك الى أن كلتي الفقرتين تأتيان في نفس الرواية . وانتقل نظر الناسخ الى سطر ما فوق السطر الذي هو بصدده وتم التكرار .
وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال : أخبرني عبيد الله بن الصلت أن ابن اكواء سأل علي بن أبي طالب عن
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ,
قال : هي الملائكة يدبرون ذكر الرحمن وأمره .
قال : وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ( فَالْمُدَبِّرَاتِ ) المنذر بن قيس أخبره....
هنا أيضا تكرار لما جاء ذكره من قبل وهو العبارة ( فَالْمُدَبِّرَاتِ ) التي في السطر قبل السطر الذي الناسخ بصدده عند كتابة الاسناد الجديد في الفقرة الجدبدة .
أخبرني ابن مهدي عن الثوري عن عاصم بن بهدلة عن وائل بن ربيعة قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : شهادة الزور تعدل بالشرك بالله , ثم قرأ ابن مسعود هذه الآية :
( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ )
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ .
قال : وأخبرني ابن مهدي عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية :
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ,
قال : هو اسماعيل , والعظيم المتقبل .
الخطأ بين ! لقد انتقل نظر الناسخ الى السط الذي تحت السطر الذي هو بصدده عند كتابة التفسير عن ابن مسعود .
هذا وهناك أمثال أخرى لهذه الظاهرة .
ومن الملاحظ أنّ الناسخ لم يصحح هذه المواضيع في الهامش بل صححها في السطر نفسه , أي شطب العبارة أو الكلمات في السطر وواصل في كتابة النص الصحيح في نفس الموضع . ومعناه أنه لاحظ أثناء الكتابة مما وقع فيه من الخطأ ومحى الكلمة أو الكلمات على الفور .
ان هذه الأخطاء لا يمكن تفسيرها الا اذا اعتمد الناسخ على نسخة أخرى أو أكثر من نسخة , وهما في هذه الحالة: نسخة سحنون ونسخة عيسى بن مسكين .
ومن هنا : فانه من المسلم به أن النسختين المذكورتين كانتا متوفرتين في منتصف القرن الثالث الهجري وعليهما اعتمد عبد الله بن مسرور عند نسخ أجزاءه هو من التفسير لابن وهب . وذلك بعد مائة عام تقريبا بعد وفاة مؤلف الكتاب .
وترى هذه الطائفة من الشكوكيين أن الكتاب لا يمكن أن ننسبه الى عبد الله بن وهب باعتباره مؤلفا . بل , هذا التفسير يمكن أن نرى فيه ثمرة من ثمرات علوم التفسير في القرن الثالث الهجري ولا قبل هذه التأريخ .
أما الرد على هذا القول فسيأتي في الحلقة القادمة وهي الأخيرة فيما بعد .
موراني
أود أن الخّص قول الشكوكيين بين المستشرقين المعاصرين حول تحديد الزمني لنشأة
كتب التفسير لابن وهب التي بين يدينا في المكتبة العتيقة بخط يد عبد الله بن مسرور التجيبي ( ت 346 بالقيروان) .
يقول هؤلاء الشكوكيين ان هذه الأجزاء للتفسير ترجع الى أواخر القرن الثالث الهجري وذلك لأن ناسخ قد نسخه لنفسه في عام 290 الهجري في حلقة شيخه عيسى بن مسكين . أما نسبة الكتاب الى ابن وهب فهي موضوع الشك لديهم فسيأتي بيان ذلك فيما بعد .
مما لا شك فيه أن الناسخ قد اعتمد على نسختين للتفسير ابن وهب وذلك ليس عند مقابلته لهما فقط بل عند نسخ الأجزاء في آن واحد .
النسخة الأولى : نسخة سحنون بن سعيد ( ت 240 ) أخذها من ابن وهب مباشرة أثناء رحلته الى المشرق وأثناْ اقامته في فسطاط قبل عودته الى القيروان عام 191 تقريبا .
النسخة الثانية : نسخة عيسى بن مسكين ( ت 295 ) أخذها من أصحاب ابن وهب بمصر بروايتهم وبالاجازة كما يتبين ذلك من ترجمته .
أما الناسخ فانه يحيل على هاتين النسختين في كل من الهامش في المخطوط وفي أخره بقوله : قابلته بكتاب سحنون ....
قابلت بكتاب سحنون هذه النصف ......
وفي كتاب عيسى......... الخ .
الشكوكيين لا يلتفتون انظارهم الى هذه الملحوظات الهامة ولا الى المقابلة في آخر الكتاب بل يعتبرونها أسانيد لرواية الكتاب ومن هنا يشكون في صحتها!
أو بأخرى : هذه الطائفة من الشكوكيين تتجاهل الاحالات على النسختين المذكورتين كما تتجاهل المقابلة أيضا تجاهلا تاما لم أقف على السبب لذلك حتى اليوم ....
وفي الرد على رأي هؤلاء المشتسرقين وزملاء الكرام أبرزت بعضا من الظواهر الهامة في هذه الأجزاء التي كتبها عبد الله بن مسرور لنفسه (يذكر التملك بخط يده على وجه الورقة الأولى قائلا : لعبد الله بن مسرور ) .
وليست هذه الظواهر ألا مجرد أخطاء وقع فيها الناسخ أثناء نسخه هذه الأجزاء التي بين يدينا اليوم . وهذا الخطأ قد يكون معروفا لدى الجميع ( ما عدا تلك الطائفة من الشكوكيين !) وهو يسمى أحيانا بانتقال النظر في القراءة من كلمة أو جملة كاملة الى أخرى تحتها أو فوقها .
وقد عرف القدماء هذه الظاهرة أيضا , منهم ابن خلكان عندما تحدث عن (العبور من سطر الى سطر ) : أنظر : وفيات الأعيان , ج 4 , ص 183 (تحقيق احسان عباس). وأنظر أيضا الشرح اللطيف لهذه الظاهرة : المرشد الوثيق الى أمهات المذهب المالكي وقواعد التحقيق للدكتور حميد لحمر ( أستاذ في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس , المغرب ) , ص 82 و 83 . فاس 2002 .
ان هذه الظاهرة لا تسفر الا من مقارنة النص بنسخة أو نسخ أخرى التي يعتمد عليها الناسخ في مجرى نسخه كتابه في حلقة شيخه .
واليكم بعض من هذه الظاهرة عثرت عليها أثناء قراءتي للنص في نسخة عبد الله بن مسرور . وضعت الخطأ بين قوسين في النص :
وحدثني سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي (الجاهلون) نجيح عن مجاهد في قول الله :
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا , قال : بالوقار والسكينة .
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا , قالوا سدادا من القول .
الخطأ بيّن ! العبارة ( الجاهلون ) تأتي بعد سطر , وانتقل نظر الناسخ اليها عند كتابة اسم ابن أبي نجيح .
وأخبرني الحارث بن غالب بن عبيد الله عن مجاهد في قول الله :
وأيدناه بروح القدس ,
قال : القدس هو الله .
وأخبرني الحارث عن غالب عن مجاهد في قول الله : (وأيدناه بروح القدس , قال القدس )
وما كانوا يعرشون ,
قال يبنون المساكن .
الخطأ بين ! كتب الناسخ نفس الفقرة مرتين , بما في ذلك الآية والكلمة الأولى من التفسير . ربما يرجع السبب لذلك الى أن كلتي الفقرتين تأتيان في نفس الرواية . وانتقل نظر الناسخ الى سطر ما فوق السطر الذي هو بصدده وتم التكرار .
وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال : أخبرني عبيد الله بن الصلت أن ابن اكواء سأل علي بن أبي طالب عن
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ,
قال : هي الملائكة يدبرون ذكر الرحمن وأمره .
قال : وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ( فَالْمُدَبِّرَاتِ ) المنذر بن قيس أخبره....
هنا أيضا تكرار لما جاء ذكره من قبل وهو العبارة ( فَالْمُدَبِّرَاتِ ) التي في السطر قبل السطر الذي الناسخ بصدده عند كتابة الاسناد الجديد في الفقرة الجدبدة .
أخبرني ابن مهدي عن الثوري عن عاصم بن بهدلة عن وائل بن ربيعة قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : شهادة الزور تعدل بالشرك بالله , ثم قرأ ابن مسعود هذه الآية :
( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ )
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ .
قال : وأخبرني ابن مهدي عن الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية :
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ,
قال : هو اسماعيل , والعظيم المتقبل .
الخطأ بين ! لقد انتقل نظر الناسخ الى السط الذي تحت السطر الذي هو بصدده عند كتابة التفسير عن ابن مسعود .
هذا وهناك أمثال أخرى لهذه الظاهرة .
ومن الملاحظ أنّ الناسخ لم يصحح هذه المواضيع في الهامش بل صححها في السطر نفسه , أي شطب العبارة أو الكلمات في السطر وواصل في كتابة النص الصحيح في نفس الموضع . ومعناه أنه لاحظ أثناء الكتابة مما وقع فيه من الخطأ ومحى الكلمة أو الكلمات على الفور .
ان هذه الأخطاء لا يمكن تفسيرها الا اذا اعتمد الناسخ على نسخة أخرى أو أكثر من نسخة , وهما في هذه الحالة: نسخة سحنون ونسخة عيسى بن مسكين .
ومن هنا : فانه من المسلم به أن النسختين المذكورتين كانتا متوفرتين في منتصف القرن الثالث الهجري وعليهما اعتمد عبد الله بن مسرور عند نسخ أجزاءه هو من التفسير لابن وهب . وذلك بعد مائة عام تقريبا بعد وفاة مؤلف الكتاب .
وترى هذه الطائفة من الشكوكيين أن الكتاب لا يمكن أن ننسبه الى عبد الله بن وهب باعتباره مؤلفا . بل , هذا التفسير يمكن أن نرى فيه ثمرة من ثمرات علوم التفسير في القرن الثالث الهجري ولا قبل هذه التأريخ .
أما الرد على هذا القول فسيأتي في الحلقة القادمة وهي الأخيرة فيما بعد .
موراني