موقف ابن عاشور من التفسير الباطني
حاولت في هذا العرض الصغير أن أتبين موقف العلامة ابن عاشور من التفسير الباطني ، وكيف استطاع أن يفرق بينه وبين التفسير الإشاري ، ومدى موافقته لبعض الأعلام من أهل السنة كالشاطبي وابن القيم ، حينما وضعوا الشروط العاصمة من شطحات مثل هذا النوع من التفسير، الصوفي أو الإشاري أو الذوقي .
قد عرفت الأمة الإسلامية منذ العصر الأول، بعد خلافة علي ـ على وجه الخصوص ـ فرقا عقائدية، كالقدرية(1)، والمرجئة(2)،وسياسية،كالشيعة(3) ،والخوارج(4)، وأخذت هذه الفرق في تزايد مستمر إلى أن صارت تعد بالعشرات ،منها الباطنية، التي عدّ لها أبو حمد الغزالي عشرة ألقاب(5)، كالقرامطة(6)، والإسماعيلية (7)، والتعليمية.(8)
ويمكن أن يدرج أيضا ضمن تلك الفرق ما ظهرمنها في العصور المتأخرة(9)كالبهائية أوالبابية(10)، والقاديانية(11) .
ثم ذكر أبو حامد سبب كل لقب ، والباطنية " إنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر ، أنها بصورها توهم عند الجهال والأغبياء صورا جلية ، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة؛ وأن من تقاعد عقله عن الغوص على الخفايا والأسرار ، والبواطن والأغوار ، وقنع بظواهرها مسارعا إلى الاغترار ، كان تحت الأواصر والأغلال معنّى بالأوزار والأثقال ، وأرادوا بالأغلال التكاليف الشرعية ...... وغرضهم الأقصى إبطال الشرائع ، فإنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الانسلاخ عن قواعد الدين ، إذ سقطت الثقة بموجب الألفاظ الصريحة فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه ."(12)
وما يصدق على هذه يصدق على لٍداتها ،من الإسماعيلية،والتعليمية،ومن حذا حذوها، لتركهم الأخذ بالظواهر الذي يؤدي حتما إلى ترك الشرائع والتحلل من تكاليفها .
لم ير ابن عاشور بدّا من التنبيه إلى هذه الطائفة، التي خرجت بتفسيرها للقرآن عن مقتضى الشرع " بما يوافق هواها ،وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن، وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض ، وأصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به ، وهم يعرفون عند المؤرخين بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق، ويعتقدون عصمته وإمامته بعد أبيه بالوصاية ، ويرون أن لا بد للمسلمين من إمام هدى من آل البيت هو الذي يقيم الدين ، ويبين مراد الله . ولما توقعوا أن يحاجَّهم العلماء بأدلة القرآن والسنة رأوا أن لا محيص لهم من تأويل تلك الحجج التي تقوم في وجه بدعتهم ، و إن أهم خصوها بالتأويل وصرف اللفظ إلى الباطن اتهمهم الناس بالتعصب والتحكم فرأوا صرف جميع القرآن عن ظاهره وبنوه على أن القرآن رموز لمعان خفية في صورة ألفاظ تفيد معاني ظاهرة ليشتغل بها عامة المسلمين ، وزعموا أن ذلك شأن الحكماء ..... وتكلفوا لتفسير القرآن بما يساعد الأصول التي أسسوها . ولهم في التفسير تكلفات ثقيلة ."(13) وضرب لذلك أمثلة شتى منها قولهم إن قوله تعالى :( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ )(14) أن جبلا يقال له الأعراف هو مقر أهل المعارف الذين يعرفون كلا بسيماهم ....وهكذا دواليك ثم يرد الآثار التي تقول بأن للقرآن ظهرا وبطنا . ويعد تفسير القاشاني ضمن تفاسير الباطنية ، وأن أقوالهم مبثوثة في رسائل إخوان الصفا .(15)
فموقفه حيال هذه الطائفة وتفسيرها، موقف المنكر كأبي حامد الغزالي الذي يقول :" ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب . "(16) وهو موقف أبي بكر ابن العربي الذي شنع على الباطنية، بمثل ما شنع على الظاهرية واعتبرهما من جملة من كاد للإسلام إلى أن قال عنهما :" وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد ، هي طرف في التشبيه ، كالأولى في التعطيل "(17) ، ويقصد بالأولى هاهنا الباطنية. وقد أشار ابن
العربي إلى أن القاضي أبا بكرالباقلاني(18) سبق الغزالي في كشف عوار الباطنية، ولكن هذا الأخير أجاد في الترتيب(19).وأما أبوإسحاق الشاطبي فقد حرر المسألة بطريقة مغايرة، حين لم يمنع الأنظار الباطنة للقرآن ولكن بشرطين اثنين: أحدهما أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر على لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية. والثاني أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض"(20)وبعد أن ذكر الشاطبي أمثلة للتفسير الذي اعتبره من قبيل الباطن الصحيح ، ومنها تفاسير مشكلة ـ كما يقول ـ مثاله تفسير ابن عباس ـ من السلف ـ لقوله تعالى الم ألف الله ،ولام جبريل، وميم محمد، علق على هذا قائلا:"وهذا إن صح في النقل فمشكل ،لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقا. "(21) ثم ضرب أمثلة من تفسير سهل بن عبد الله(22) ـ من الخلف ـ كما قال في قوله تعالى : وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى........الخ (23 أما باطنها فهو القلب ،والجار الجنب النفس الطبيعي، والصاحب بالجنبالعقل المقتدي بعمل الشرع، وابن السبيل الجوارح المطيعة لله عز وجل . وهو من المواضع المشكلة في كلامه"(24) وقد أنكر مثل هذا التفسير ،إذ لا يوجد له موافق ولا مقارب من كلام السلف ،ولا ثَمّ دليل يدل على صحته،لامن داخل السياق ولا من خارجه ، بل مثل هذا أقرب إلى ما ثبت نفيه ورده عن القرآن من كلام الباطنية ومن أشبههم.(25)
وثمة تفسير آخر من جملة التفسير الباطن للقرآن، أدرجه ضمن الاعتبارات القرآنية، وقد عبر عنه ابن عاشور بقوله:"أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ظاهرا ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدّعون أن كلامهم تفسير للقرآن ، بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض بها في الغرض المتكلم فيه ،وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني، فبذلك فارق تفسير الباطنية ."(26)
ولكي يضع ابن عاشور حدا فارقا بين التفسير الإشاري(27) والتفسير الباطني، ضرب لنا أمثلة للأول منهما بأنواعه الثلاثة ـ حسب تقسيمه ـ حتى تكون ميزانا تقي المسلم منتخليط الباطنية، والأمثلة هي كالتالي:
الأول:ما كان يجري فيه معنى مجرى التمثيل(28)لحال شبيه بذلك المعنى،ومثاله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (29)وفيها إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع لله تعالى إذبها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس . ومنعها من ذكره هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية ، وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى ، فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة ويمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال مانع المساجد أن يذكر اسم الله، وذكر الآية عند تلك الحالة كالنطق بلفظ المثل.
الثاني:ما كان من نحو التفاؤل، فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد وذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره، كمن قال في قوله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ30)من ذلّ ذي إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء، فهذا يأخذ صدى في النفس ويتأوله على ما شغل به قلبه.
الثالث: عبر ومواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم إذا قرأوا القرآن وتدبروه فاتعظوا بمواعظه فإذا أخذوا من قوله تعالى: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل31) اقتبسوا أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا. (32)
وكلما سنحت لابن عاشور فرصة ـ خلال تفسيره ـ للإنكار على الباطنية اهتبلها، ليكشف عوارها ويدل على فساد عقائدهم وأفكارهم، كقوله:"وحرَّف أقوام آيات بالتأويل البعيد ثم سموا ذلك بالباطن وزعموا أن للقرآن ظاهراً وباطناً فكان من ذلك لبس كثير، ثم نشأت عن ذلك نحلة الباطنية، ثم تأويلات المتفلسفين في الشريعة كأصحاب «الرسائل» الملقبين بإخوان الصفاء."(33)
وموقفه من الشيعة الإمامية الإثني عشرية ،كموقفه حيال تلك الفرق الباطنية الضالة، حيث يرد تأويلاتهم الخاطئة حين يقول :" وكذا ما يحرف به غلاة الشيعة الكلم عن مواضعه في نحو) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ( (34)فقرأها بعضهم إن علياّ لِلْهدى ، وقولهم إن أهل البيت في آية )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ((35) هم خصوص فاطمة وعلي وحسن وحسين وعباس ، وكلمة )واذكرن ما يتلى في بيوتكن ((36) تبطل ما صنعوه ،وزعمهم في هذا وأضرابه من الباطنية القاشاني(37) الباطني الشهير الذي ينسب إليه الناس تفسيره اليوم لمحيي الدين ابن عربي ." (38)
ويقول عنهم في تفسيره :" وقد تلقف الشيعة حديث الكساء فغصبوا أهل البيت وقصروه عل فاطمة وزوجهما وابنيهما عليهم الرضوان ، وزعموا أن أزواج النبي لسن من أهل البيت .وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوا بين ما خوطب به أهل النبي . وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء إذ ليس في قوله «هؤلاء أهل بيتي » (39)صيغة قصر وهو كقوله تعالى قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي (40) ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم ، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها ومابعدها . ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين وأن منشأه قراءة قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها ....."(41)
وهو في كثير من الأحيان يقتبس من أقوال أبي بكر ابن العربي في عواصمه، وهومن عقد مجالس مناظرات مع بعض الطوائف الباطنية، الإسماعيلية منها على وجه الخصوص.(42)
تكلم ابن عاشور بشيء من التفصيل عند تفسيره لقوله تعالى وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ(43)عن والبهائية ،والبابية ،وكشف عن عقائدهم الفاسدة ، ثم صرح بحكم الإسلام فيهم فقال : " فمن كان من المسلمين متّبعاً للبَهائية أو البابية فهو خارج عن الإِسلام مرتدّ عن دينه تجري عليه أحكام المرتدّ. ولا يرث مسلماً ويرثه جماعة المسلمين ولا ينفعهم قولهم: إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة لأنهم يثبتون الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده. ونحن كفَّرنا الغُرابية من الشيعة لقولهم: بأن جبريل أرسل إلى علي ولكنه شُبّه له محمد بعليّ إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب (وكذبوا) فبلغ الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهم أثبتوا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم زعموه غير المعيّن من عند الله."(44)
وتكفير أمثال تلك الفرق التي تفسر القرآن تفسيرا باطنيا، ليس أمرا جديدا، بل سبق إليه الإمام الواحدي(45)المفسر؛ وقد ذكر له ابن الصلاح في إحدى إجاباته أنه قال :" صنف أبو عبد الرحمن السلمي(46) (حقائق التفسير)، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر، وأنا أقول الظن بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئا من أمثال ذلك أنه لم يذكر تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم ، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسالك الباطنية ، وإنما ذلك ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن ، فإن النظير يذكر بالنظير .......... ، فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والالتباس."(47)
وكان الجامع بين علماء أهل السنة بشتى مذاهبهم وطوائفهم من الأشعرية، وأهل الحديث، والمتصوفة ، أن التفسير الصوفي أو الإشاري إن لم يعارض الظواهر فهو مقبول وذلك ما أدركه ابن عاشور جيدا ، وكذا كثير من العلماء كابن القيم الذي وضع له أربعة " شروط وهي:
1 ـ ألا يناقض معنى الآية.
2 ـ وأن يكون معنى صحيحا في نفسه .
3 ـ وأن يكون في اللفظ إشعار به .
4 ـ وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارنباط وتلازم ، لفإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا . "(48)
وقد وقف ابن عطاء الله (49)السكندري، مدافعا عن نهج الصوفية في التفسير، يرفع كل لبس قد يعرض لأقوالهم، بعد أن عرض بعض اللطائف الإشارية لشيخه أبي العباس المرسي، قائلا: " وإنما كان يكون إحالة، لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله ما ألهمهم"(50)
الهوامش:
(1) المعتزلة يعتقدون أن الأمر مستأنف بمشيئة العبد مستقل به من غير سبق قضاء وقدر ولذلك قيل لهم قدرية لأنهم نفوا القدر وجاء في الحديث " القدرية مجوس هذه الأمة " هامش تمهيد الأائل وتلخيص الدلائل لأبي بكر الباقلاني ، ت عماد الدين أحمد حيدر،مؤسسة الكتاب الكتب الثقافية ط3 1414 هـ/ 1993 م ، ص363
(2) الإرجاء على معنيين : التأخير وإعطاء الرجاء ، فإطلاق اسم المرجئة بالمعنى الأول فصحيح ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية ، وبالمعنى الثاني فظاهر ؛ لأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة .المسوعة الإسلامية العامة ، جمهورة مصر العربية ، وزارة الوقاف ،القاهرة 1422 هـ /2001،ص1270 .
(3) وهم الذين شايعوا عليا على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته ،نصا ووصية ، إما جليا وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ،وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده . الملل والنحل ، محمد عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ، دار الفكر ط1/1419 هـ ـ 1999 م ، ص118 .
(4) سموا بذلك لأنهم خرجوا على علي بعد التحكيم بعد وقعة صفين ، وقالوا : تحكمون في دين الله الرجال؟لاحكم إلا لله ، وهم المشار إليهم في الحديث المتفق على صحته : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين "، ومن أشهر فرقها الأزارقة ،والإباضية ،والصفرية ، والنجدات ،وغيرها . ابن كثير ،البداية والنهاية،مكتبة الصفا ، مصر ـ القاهرة ط 1 / 1423 هـ ـ 2003 م ، 7 / 227 . والشهرستاني ،الملل والنحل ،دار الفكر ط1 / 1419 هـ ـ 1999 م ،ص92 .
(5) أبوحا مد الغزالي ، فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ،ت عبد الكريم سامي الجندي بيروت ـ لبنان ،دار الكتب العلمية ، ط الأولى ، 1423 هـ / 2002 م ، ص 23 .
(6) من الفرق الباطنية ، سميت بذلك لرئيس كان لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب بقرموطة ، زعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي ابن أبي طالب بغدير خم فصارت الرسالة في ذلك اليوم إلى أمير المؤمنين ... عبد الرحمن بدوي،مذاهب الإسلاميين ص 731 .
(7) سميت بهذا الاسم نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، توفي في حياة أبيه جعفر الصادق [ توفي جعفر في المدينة سنة 248 هـ ] ، ويرى عبد الرحمن بدوي انها ظهرت في منتصف القرن الثاني للهجرة أو قبيل ذلك بقليل ، المرجع نفسه ص 731 .
(8) المرجع نفسه ، ص 23 .
(9) د. الذهبي ، التفسير والمفسرون ،3/93 .
(10) فرقة تنتسب إلى (الباب) وهو لقب ، لقب به نفسه رجل فارسي ، اسمه الأصلي علي بن محمد ويدعى أنه من آل البيت ـ وهو الكذاب ـ ولد بشيراز ـ بجنوب بلاد فارس ـ سنة 1235 هـ الموافق ل 1819 م . رسالة الدلائل البادية على ضلال البابية وكفر البهائية ،للأستاذ الشيخ أحمد حماني دار الشهاب ـ الجزائر دت ـ دط ، ص27 .
(11) ويطلق عليها اسم الأحمدية نسبة إلى صاحب هذه النحلة غلام أحمد المولود سنة 1252 هـ ، واسم قاديانية نسبة قاديان بلد بالهند ، ادعى النبوة سنة 1876 م ، وأن الوحي يتنزل عليه ،مما ألب عليه العلماء وحاربوا أفكاره ودسائسه بكل ما أوتوا ، والحكومة الإنجليزية تبسط عليه حمايتها ، لأنه كان يخدم مصالحها ضد الوطنيين الأحرار . ينظر محمد الخضر حسين الجزائري ، طائفة القاديانية ص 8 ـ 14 .
(12) فضائح الباطنية ، ص23 .
(13) التحرير والتنوير 1/33 ـ 34 .
(14) الأعراف الآية 46 .
(15) المرجع نفسه 1/34.
(16) أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، دار الفكر بيروت ـ لبنان ، 1423 هـ /2003 م ، الطبعة الأولى، 1/264 .
(17) أبو بكر بن العربي ، العواصم من القواصم ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ، 1981م،الطبعة الثانية،2/281 .
(18) محمد بن الطيب متكلم على طريقة الأشعري ، انتهت إليه رئاسة الأشعرية والمالكية ، له مؤلفات كثيرة في العقائد والفقه ، وعلوم القرآن، ومن أشهر كتبه كتابه : إعجاز القرآن ، توفي سنة 403 هـ . ابن فرحون،الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ،دارالكتب العلمية بيروت ـ لبنان ط1 / 1417 هـ ـ 1996 م ،ص 363 . الباقلاني ، إعجاز القرآن ،تحقيق السيد أحمد صقر دار المعارف ـ مصر ط 3 / دت، ص 65 .
(19) العواصم من القواصم، 2/77.
(20) الموافقات، 3/394.
(21) الموافقات 3/396
(22) سهل بن عبد الله بن يونس التستري ، أبو محمد( 200 هـ ـ 283 هـ ) أحد أئمة الصوفية وعلمئهم . معجم الأعلام ص 322 .
(23) النساء،الآية 36 .
(24) المرجع نفسه،3/401.
(25) الموافقات، 3/402.
(26) التحرير والتنوير، 1/35
(27) أو الفيضي الذي هو تأويل آيات القرآن على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة. ينظر التفسير والمفسرون 2/261، ومناهل العرفان 2/78.
(28) وهو ما أطلق عليه الشاطبي اسم الاعتبار، وأثبت أنه نقل مثله، وهو جار على ما تقتضي العربية وما تدل عليه الأدلة الشرعية. الموافقات، 3/404
(29) البقرة ،الآية 114 .
(30) البقرة ،الآية
(31) المزمل ، الآية 16 .
(32) التحرير والتنوير 1/35 ـ 36
(33) المرجع نفسه 1/471 .
(34) الليل، الآية12 .
(35) الأحزاب، الآية33 .
(36) الأحزاب ، الآية 33 .
(37) عبد الرزاق بن أبي الفضائل ( 730 هـ) ، شارح الفصوص ؛ معجم الأعلام ص606 .
(38) أليس الصبح بقريب ،الطاهر ابن عاشور ص189 .
(39) طرف من حيث الكساء ،وسيأتي الكلام عنه في الفصل الثاني
(40) الحجر،الآية68 .
(41) التحرير والتنوير ،22/ 16 .
(42) ينظر المرجع نفسه 3/155 .و ينظر العواصم من القواصم ،
(43) الأحزاب ،الآية 40 .
(44) التحرير والتنوير22/45 .
(45) هو علي بن أحمد بن محمد بن متونة ، أبو الحسن ( … ـ 467 هـ ) مفسر ، عالم بالأدب . معجم الأعلام ص 507 .
(46) هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي النيسابوري ( 325 هـ ـ 412 هـ)، من علماء المتصوفة . المرجع نفسه ص 699 .
(47) فتاوى ابن الصلاح ، ت الدكتور عبد العظيم عبد المعطي القلعجي ، القاهرة ط الأولى 1403 هـ/1983م، ص 62 .
(48) ابن القيم الجوزية ، التبيان في أقسام القرآن ص 107 .
(49) أحمد بن محمد بن عبد الكريم ( ... ـ 709 ه ) ، متصوف شاذلي ، من العلماء . معجم الأعلام ، ص 69 .
(50) ابن عطاء الله السكندري ، لطائف المنن ،بيروت دار الكتب العلمية ، ط الأولى دت ،ص 109 .
قيده الفقير إلى عفو ربه محمد نذير الجزائري
حاولت في هذا العرض الصغير أن أتبين موقف العلامة ابن عاشور من التفسير الباطني ، وكيف استطاع أن يفرق بينه وبين التفسير الإشاري ، ومدى موافقته لبعض الأعلام من أهل السنة كالشاطبي وابن القيم ، حينما وضعوا الشروط العاصمة من شطحات مثل هذا النوع من التفسير، الصوفي أو الإشاري أو الذوقي .
قد عرفت الأمة الإسلامية منذ العصر الأول، بعد خلافة علي ـ على وجه الخصوص ـ فرقا عقائدية، كالقدرية(1)، والمرجئة(2)،وسياسية،كالشيعة(3) ،والخوارج(4)، وأخذت هذه الفرق في تزايد مستمر إلى أن صارت تعد بالعشرات ،منها الباطنية، التي عدّ لها أبو حمد الغزالي عشرة ألقاب(5)، كالقرامطة(6)، والإسماعيلية (7)، والتعليمية.(8)
ويمكن أن يدرج أيضا ضمن تلك الفرق ما ظهرمنها في العصور المتأخرة(9)كالبهائية أوالبابية(10)، والقاديانية(11) .
ثم ذكر أبو حامد سبب كل لقب ، والباطنية " إنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر ، أنها بصورها توهم عند الجهال والأغبياء صورا جلية ، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة؛ وأن من تقاعد عقله عن الغوص على الخفايا والأسرار ، والبواطن والأغوار ، وقنع بظواهرها مسارعا إلى الاغترار ، كان تحت الأواصر والأغلال معنّى بالأوزار والأثقال ، وأرادوا بالأغلال التكاليف الشرعية ...... وغرضهم الأقصى إبطال الشرائع ، فإنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الانسلاخ عن قواعد الدين ، إذ سقطت الثقة بموجب الألفاظ الصريحة فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه ."(12)
وما يصدق على هذه يصدق على لٍداتها ،من الإسماعيلية،والتعليمية،ومن حذا حذوها، لتركهم الأخذ بالظواهر الذي يؤدي حتما إلى ترك الشرائع والتحلل من تكاليفها .
لم ير ابن عاشور بدّا من التنبيه إلى هذه الطائفة، التي خرجت بتفسيرها للقرآن عن مقتضى الشرع " بما يوافق هواها ،وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن، وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض ، وأصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به ، وهم يعرفون عند المؤرخين بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق، ويعتقدون عصمته وإمامته بعد أبيه بالوصاية ، ويرون أن لا بد للمسلمين من إمام هدى من آل البيت هو الذي يقيم الدين ، ويبين مراد الله . ولما توقعوا أن يحاجَّهم العلماء بأدلة القرآن والسنة رأوا أن لا محيص لهم من تأويل تلك الحجج التي تقوم في وجه بدعتهم ، و إن أهم خصوها بالتأويل وصرف اللفظ إلى الباطن اتهمهم الناس بالتعصب والتحكم فرأوا صرف جميع القرآن عن ظاهره وبنوه على أن القرآن رموز لمعان خفية في صورة ألفاظ تفيد معاني ظاهرة ليشتغل بها عامة المسلمين ، وزعموا أن ذلك شأن الحكماء ..... وتكلفوا لتفسير القرآن بما يساعد الأصول التي أسسوها . ولهم في التفسير تكلفات ثقيلة ."(13) وضرب لذلك أمثلة شتى منها قولهم إن قوله تعالى :( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ )(14) أن جبلا يقال له الأعراف هو مقر أهل المعارف الذين يعرفون كلا بسيماهم ....وهكذا دواليك ثم يرد الآثار التي تقول بأن للقرآن ظهرا وبطنا . ويعد تفسير القاشاني ضمن تفاسير الباطنية ، وأن أقوالهم مبثوثة في رسائل إخوان الصفا .(15)
فموقفه حيال هذه الطائفة وتفسيرها، موقف المنكر كأبي حامد الغزالي الذي يقول :" ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعي البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب . "(16) وهو موقف أبي بكر ابن العربي الذي شنع على الباطنية، بمثل ما شنع على الظاهرية واعتبرهما من جملة من كاد للإسلام إلى أن قال عنهما :" وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد ، هي طرف في التشبيه ، كالأولى في التعطيل "(17) ، ويقصد بالأولى هاهنا الباطنية. وقد أشار ابن
العربي إلى أن القاضي أبا بكرالباقلاني(18) سبق الغزالي في كشف عوار الباطنية، ولكن هذا الأخير أجاد في الترتيب(19).وأما أبوإسحاق الشاطبي فقد حرر المسألة بطريقة مغايرة، حين لم يمنع الأنظار الباطنة للقرآن ولكن بشرطين اثنين: أحدهما أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر على لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية. والثاني أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض"(20)وبعد أن ذكر الشاطبي أمثلة للتفسير الذي اعتبره من قبيل الباطن الصحيح ، ومنها تفاسير مشكلة ـ كما يقول ـ مثاله تفسير ابن عباس ـ من السلف ـ لقوله تعالى الم ألف الله ،ولام جبريل، وميم محمد، علق على هذا قائلا:"وهذا إن صح في النقل فمشكل ،لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقا. "(21) ثم ضرب أمثلة من تفسير سهل بن عبد الله(22) ـ من الخلف ـ كما قال في قوله تعالى : وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى........الخ (23 أما باطنها فهو القلب ،والجار الجنب النفس الطبيعي، والصاحب بالجنبالعقل المقتدي بعمل الشرع، وابن السبيل الجوارح المطيعة لله عز وجل . وهو من المواضع المشكلة في كلامه"(24) وقد أنكر مثل هذا التفسير ،إذ لا يوجد له موافق ولا مقارب من كلام السلف ،ولا ثَمّ دليل يدل على صحته،لامن داخل السياق ولا من خارجه ، بل مثل هذا أقرب إلى ما ثبت نفيه ورده عن القرآن من كلام الباطنية ومن أشبههم.(25)
وثمة تفسير آخر من جملة التفسير الباطن للقرآن، أدرجه ضمن الاعتبارات القرآنية، وقد عبر عنه ابن عاشور بقوله:"أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ظاهرا ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدّعون أن كلامهم تفسير للقرآن ، بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض بها في الغرض المتكلم فيه ،وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني، فبذلك فارق تفسير الباطنية ."(26)
ولكي يضع ابن عاشور حدا فارقا بين التفسير الإشاري(27) والتفسير الباطني، ضرب لنا أمثلة للأول منهما بأنواعه الثلاثة ـ حسب تقسيمه ـ حتى تكون ميزانا تقي المسلم منتخليط الباطنية، والأمثلة هي كالتالي:
الأول:ما كان يجري فيه معنى مجرى التمثيل(28)لحال شبيه بذلك المعنى،ومثاله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (29)وفيها إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع لله تعالى إذبها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس . ومنعها من ذكره هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية ، وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى ، فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة ويمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال مانع المساجد أن يذكر اسم الله، وذكر الآية عند تلك الحالة كالنطق بلفظ المثل.
الثاني:ما كان من نحو التفاؤل، فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد وذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره، كمن قال في قوله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ30)من ذلّ ذي إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء، فهذا يأخذ صدى في النفس ويتأوله على ما شغل به قلبه.
الثالث: عبر ومواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم إذا قرأوا القرآن وتدبروه فاتعظوا بمواعظه فإذا أخذوا من قوله تعالى: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل31) اقتبسوا أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا. (32)
وكلما سنحت لابن عاشور فرصة ـ خلال تفسيره ـ للإنكار على الباطنية اهتبلها، ليكشف عوارها ويدل على فساد عقائدهم وأفكارهم، كقوله:"وحرَّف أقوام آيات بالتأويل البعيد ثم سموا ذلك بالباطن وزعموا أن للقرآن ظاهراً وباطناً فكان من ذلك لبس كثير، ثم نشأت عن ذلك نحلة الباطنية، ثم تأويلات المتفلسفين في الشريعة كأصحاب «الرسائل» الملقبين بإخوان الصفاء."(33)
وموقفه من الشيعة الإمامية الإثني عشرية ،كموقفه حيال تلك الفرق الباطنية الضالة، حيث يرد تأويلاتهم الخاطئة حين يقول :" وكذا ما يحرف به غلاة الشيعة الكلم عن مواضعه في نحو) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ( (34)فقرأها بعضهم إن علياّ لِلْهدى ، وقولهم إن أهل البيت في آية )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ((35) هم خصوص فاطمة وعلي وحسن وحسين وعباس ، وكلمة )واذكرن ما يتلى في بيوتكن ((36) تبطل ما صنعوه ،وزعمهم في هذا وأضرابه من الباطنية القاشاني(37) الباطني الشهير الذي ينسب إليه الناس تفسيره اليوم لمحيي الدين ابن عربي ." (38)
ويقول عنهم في تفسيره :" وقد تلقف الشيعة حديث الكساء فغصبوا أهل البيت وقصروه عل فاطمة وزوجهما وابنيهما عليهم الرضوان ، وزعموا أن أزواج النبي لسن من أهل البيت .وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوا بين ما خوطب به أهل النبي . وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء إذ ليس في قوله «هؤلاء أهل بيتي » (39)صيغة قصر وهو كقوله تعالى قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي (40) ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم ، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها ومابعدها . ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين وأن منشأه قراءة قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها ....."(41)
وهو في كثير من الأحيان يقتبس من أقوال أبي بكر ابن العربي في عواصمه، وهومن عقد مجالس مناظرات مع بعض الطوائف الباطنية، الإسماعيلية منها على وجه الخصوص.(42)
تكلم ابن عاشور بشيء من التفصيل عند تفسيره لقوله تعالى وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ(43)عن والبهائية ،والبابية ،وكشف عن عقائدهم الفاسدة ، ثم صرح بحكم الإسلام فيهم فقال : " فمن كان من المسلمين متّبعاً للبَهائية أو البابية فهو خارج عن الإِسلام مرتدّ عن دينه تجري عليه أحكام المرتدّ. ولا يرث مسلماً ويرثه جماعة المسلمين ولا ينفعهم قولهم: إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة لأنهم يثبتون الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده. ونحن كفَّرنا الغُرابية من الشيعة لقولهم: بأن جبريل أرسل إلى علي ولكنه شُبّه له محمد بعليّ إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب (وكذبوا) فبلغ الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهم أثبتوا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم زعموه غير المعيّن من عند الله."(44)
وتكفير أمثال تلك الفرق التي تفسر القرآن تفسيرا باطنيا، ليس أمرا جديدا، بل سبق إليه الإمام الواحدي(45)المفسر؛ وقد ذكر له ابن الصلاح في إحدى إجاباته أنه قال :" صنف أبو عبد الرحمن السلمي(46) (حقائق التفسير)، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر، وأنا أقول الظن بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئا من أمثال ذلك أنه لم يذكر تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم ، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسالك الباطنية ، وإنما ذلك ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن ، فإن النظير يذكر بالنظير .......... ، فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والالتباس."(47)
وكان الجامع بين علماء أهل السنة بشتى مذاهبهم وطوائفهم من الأشعرية، وأهل الحديث، والمتصوفة ، أن التفسير الصوفي أو الإشاري إن لم يعارض الظواهر فهو مقبول وذلك ما أدركه ابن عاشور جيدا ، وكذا كثير من العلماء كابن القيم الذي وضع له أربعة " شروط وهي:
1 ـ ألا يناقض معنى الآية.
2 ـ وأن يكون معنى صحيحا في نفسه .
3 ـ وأن يكون في اللفظ إشعار به .
4 ـ وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارنباط وتلازم ، لفإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا . "(48)
وقد وقف ابن عطاء الله (49)السكندري، مدافعا عن نهج الصوفية في التفسير، يرفع كل لبس قد يعرض لأقوالهم، بعد أن عرض بعض اللطائف الإشارية لشيخه أبي العباس المرسي، قائلا: " وإنما كان يكون إحالة، لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله ما ألهمهم"(50)
الهوامش:
(1) المعتزلة يعتقدون أن الأمر مستأنف بمشيئة العبد مستقل به من غير سبق قضاء وقدر ولذلك قيل لهم قدرية لأنهم نفوا القدر وجاء في الحديث " القدرية مجوس هذه الأمة " هامش تمهيد الأائل وتلخيص الدلائل لأبي بكر الباقلاني ، ت عماد الدين أحمد حيدر،مؤسسة الكتاب الكتب الثقافية ط3 1414 هـ/ 1993 م ، ص363
(2) الإرجاء على معنيين : التأخير وإعطاء الرجاء ، فإطلاق اسم المرجئة بالمعنى الأول فصحيح ، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية ، وبالمعنى الثاني فظاهر ؛ لأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة .المسوعة الإسلامية العامة ، جمهورة مصر العربية ، وزارة الوقاف ،القاهرة 1422 هـ /2001،ص1270 .
(3) وهم الذين شايعوا عليا على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته ،نصا ووصية ، إما جليا وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ،وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده . الملل والنحل ، محمد عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ، دار الفكر ط1/1419 هـ ـ 1999 م ، ص118 .
(4) سموا بذلك لأنهم خرجوا على علي بعد التحكيم بعد وقعة صفين ، وقالوا : تحكمون في دين الله الرجال؟لاحكم إلا لله ، وهم المشار إليهم في الحديث المتفق على صحته : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين "، ومن أشهر فرقها الأزارقة ،والإباضية ،والصفرية ، والنجدات ،وغيرها . ابن كثير ،البداية والنهاية،مكتبة الصفا ، مصر ـ القاهرة ط 1 / 1423 هـ ـ 2003 م ، 7 / 227 . والشهرستاني ،الملل والنحل ،دار الفكر ط1 / 1419 هـ ـ 1999 م ،ص92 .
(5) أبوحا مد الغزالي ، فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ،ت عبد الكريم سامي الجندي بيروت ـ لبنان ،دار الكتب العلمية ، ط الأولى ، 1423 هـ / 2002 م ، ص 23 .
(6) من الفرق الباطنية ، سميت بذلك لرئيس كان لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب بقرموطة ، زعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي ابن أبي طالب بغدير خم فصارت الرسالة في ذلك اليوم إلى أمير المؤمنين ... عبد الرحمن بدوي،مذاهب الإسلاميين ص 731 .
(7) سميت بهذا الاسم نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، توفي في حياة أبيه جعفر الصادق [ توفي جعفر في المدينة سنة 248 هـ ] ، ويرى عبد الرحمن بدوي انها ظهرت في منتصف القرن الثاني للهجرة أو قبيل ذلك بقليل ، المرجع نفسه ص 731 .
(8) المرجع نفسه ، ص 23 .
(9) د. الذهبي ، التفسير والمفسرون ،3/93 .
(10) فرقة تنتسب إلى (الباب) وهو لقب ، لقب به نفسه رجل فارسي ، اسمه الأصلي علي بن محمد ويدعى أنه من آل البيت ـ وهو الكذاب ـ ولد بشيراز ـ بجنوب بلاد فارس ـ سنة 1235 هـ الموافق ل 1819 م . رسالة الدلائل البادية على ضلال البابية وكفر البهائية ،للأستاذ الشيخ أحمد حماني دار الشهاب ـ الجزائر دت ـ دط ، ص27 .
(11) ويطلق عليها اسم الأحمدية نسبة إلى صاحب هذه النحلة غلام أحمد المولود سنة 1252 هـ ، واسم قاديانية نسبة قاديان بلد بالهند ، ادعى النبوة سنة 1876 م ، وأن الوحي يتنزل عليه ،مما ألب عليه العلماء وحاربوا أفكاره ودسائسه بكل ما أوتوا ، والحكومة الإنجليزية تبسط عليه حمايتها ، لأنه كان يخدم مصالحها ضد الوطنيين الأحرار . ينظر محمد الخضر حسين الجزائري ، طائفة القاديانية ص 8 ـ 14 .
(12) فضائح الباطنية ، ص23 .
(13) التحرير والتنوير 1/33 ـ 34 .
(14) الأعراف الآية 46 .
(15) المرجع نفسه 1/34.
(16) أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، دار الفكر بيروت ـ لبنان ، 1423 هـ /2003 م ، الطبعة الأولى، 1/264 .
(17) أبو بكر بن العربي ، العواصم من القواصم ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ، 1981م،الطبعة الثانية،2/281 .
(18) محمد بن الطيب متكلم على طريقة الأشعري ، انتهت إليه رئاسة الأشعرية والمالكية ، له مؤلفات كثيرة في العقائد والفقه ، وعلوم القرآن، ومن أشهر كتبه كتابه : إعجاز القرآن ، توفي سنة 403 هـ . ابن فرحون،الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ،دارالكتب العلمية بيروت ـ لبنان ط1 / 1417 هـ ـ 1996 م ،ص 363 . الباقلاني ، إعجاز القرآن ،تحقيق السيد أحمد صقر دار المعارف ـ مصر ط 3 / دت، ص 65 .
(19) العواصم من القواصم، 2/77.
(20) الموافقات، 3/394.
(21) الموافقات 3/396
(22) سهل بن عبد الله بن يونس التستري ، أبو محمد( 200 هـ ـ 283 هـ ) أحد أئمة الصوفية وعلمئهم . معجم الأعلام ص 322 .
(23) النساء،الآية 36 .
(24) المرجع نفسه،3/401.
(25) الموافقات، 3/402.
(26) التحرير والتنوير، 1/35
(27) أو الفيضي الذي هو تأويل آيات القرآن على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة. ينظر التفسير والمفسرون 2/261، ومناهل العرفان 2/78.
(28) وهو ما أطلق عليه الشاطبي اسم الاعتبار، وأثبت أنه نقل مثله، وهو جار على ما تقتضي العربية وما تدل عليه الأدلة الشرعية. الموافقات، 3/404
(29) البقرة ،الآية 114 .
(30) البقرة ،الآية
(31) المزمل ، الآية 16 .
(32) التحرير والتنوير 1/35 ـ 36
(33) المرجع نفسه 1/471 .
(34) الليل، الآية12 .
(35) الأحزاب، الآية33 .
(36) الأحزاب ، الآية 33 .
(37) عبد الرزاق بن أبي الفضائل ( 730 هـ) ، شارح الفصوص ؛ معجم الأعلام ص606 .
(38) أليس الصبح بقريب ،الطاهر ابن عاشور ص189 .
(39) طرف من حيث الكساء ،وسيأتي الكلام عنه في الفصل الثاني
(40) الحجر،الآية68 .
(41) التحرير والتنوير ،22/ 16 .
(42) ينظر المرجع نفسه 3/155 .و ينظر العواصم من القواصم ،
(43) الأحزاب ،الآية 40 .
(44) التحرير والتنوير22/45 .
(45) هو علي بن أحمد بن محمد بن متونة ، أبو الحسن ( … ـ 467 هـ ) مفسر ، عالم بالأدب . معجم الأعلام ص 507 .
(46) هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي النيسابوري ( 325 هـ ـ 412 هـ)، من علماء المتصوفة . المرجع نفسه ص 699 .
(47) فتاوى ابن الصلاح ، ت الدكتور عبد العظيم عبد المعطي القلعجي ، القاهرة ط الأولى 1403 هـ/1983م، ص 62 .
(48) ابن القيم الجوزية ، التبيان في أقسام القرآن ص 107 .
(49) أحمد بن محمد بن عبد الكريم ( ... ـ 709 ه ) ، متصوف شاذلي ، من العلماء . معجم الأعلام ، ص 69 .
(50) ابن عطاء الله السكندري ، لطائف المنن ،بيروت دار الكتب العلمية ، ط الأولى دت ،ص 109 .
قيده الفقير إلى عفو ربه محمد نذير الجزائري