موقف إيثار لشيخ المؤرخين الجزائريين: الدكتور أبو القاسم الجزائري.

إنضم
13/04/2007
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم

قرأت لأحد الشيوخ الدعاة موضوعا عن " فضيلة الإيثار " تساءل فيه عن انعدام هذه الفضيلة في حياة المسلمين اليوم و مما قاله:

" أين الإيثار ؟ !! أصار نادرا حتى لا وجود له، لماذا ضاعت منا تلك الأخلاقيات السامية ؟.
كان الإيثار في سلفنا سجية، ونحن ـ الآن ـ نعدم وجوده ولو في الصورة.
كان الإمام أحمد يقول: إنِّي لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي.
وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قد قالها قبل حين نزل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة أم معبد فحلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب.
يقول أبو بكر : فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتويتُ."


و أنا أذكر له هذه القصة الحقيقية حتى يعرف أن فضيلة الإيثار لا زالت في أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله و سلم، و ستبقى فيها إلى أن يرث الله الأرض و من عليها:

- في سنة 1991م ، و في شهر ماي – إن لم أخطئ - كان مدرج الإمام عبد الحميد بن باديس غاصا بالعلماء و الشيوخ و الأساتذة والطلاب و الطالبات من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة ( الجزائر )، و غيرهم من الضيوف الذين قدموا لحضور حفل توزيع جائزة الإمام عبد الحميد بن باديس التي يمنحها مركز دراسات المستقبل الإسلامي و التي كان شرف نيلها للمؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله (من مواليد 1930م ) – حفظه الله - ، و بعد أن نودي على اسمه و طلب منه الإدلاء بكلمة بهذه المناسبة ، بدا كلمته بالبسملة و بعد أن حمد الله و أثنى عليه ، و صلى على نبيه الكريم صلى الله عليه و سلم ، انتقل بعدها إلى ذكر فضل العلم و العلماء ، و مما قاله أن الله سبحانه و تعالى مدح في القرآن الكريم القلم و الكتاب ، و رفع من شأن العلم و العلماء درجات ، و تمثل بقول الشاعر:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ ... وخيرُ جليسٍ في الزَّمَانِ كِتابُ
ثم واصل ما معناه: إن مما علمنا ديننا الحنيف و سلفنا الصالح رضي الله عنهم أن خير ما يوقف على طلبة العلم و المؤسسات العلمية هو الكتاب، و ما دامت الجائزة قد منحت إلى المساهمين في حركة التأليف في الثقافة العربية الإسلامية، و ما دام والدي رحمه الله قد فرغني للعلم في وقت كان أشد ما يكون حاجة إلى خدماتي في أمور المعيشة و تكاليف الحياة ، و قد تحمل في سبيل تعليمي فوق طاقته ( و هنا أجهش الدكتور سعد الله بالبكاء و بكى معه أكثر الحاضرين، حتى أن بعض الأخوات الحاضرات كان بكاؤها مستمرا مما دعا إلى إخراجها من المدرج ، و لم يستطيع إكمال الفقرة الأخيرة إلا بصعوبة بالغة ...) ثم أردف قائلا: و لهذا فانه يسرني أن أعلن بأنني قد تبرعت بالجائزة الممنوحة ( وهو مبلغ نقدي محترم جدا يعتبر ثروة لا يستهان بها ) إلى مكتبة الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر لتشتري بها الكتب الضرورية لتنميتها و جعلها موردا علميا يتناسب مع عظمة مشروع الجامعة و رسالتها ( كانت الجامعة في بدايتها )، و أرجو أن يطلق اسم الانتفاضة الفلسطينية على الجناح المخصص للكتب المشتراة من نقود الجائزة.
هذا هو سعد الله شيخ المؤرخين العرب الذي جاهد بقلمه و نفسه في الثورة التحريرية المباركة ضد الاستعمار الفرنسي ، و كتب و حقق الكثير من تراث و تاريخ الجزائر الإسلامية يقدم درسا في الإيثار و التضحية فيتنازل عن الجائزة المالية و هو في أمس الحاجة إليها لشراء بيتا أو توسعة منزله ، إذ كان يسكن بيتا متواضعا لا يسع حتى كتبه و دفاتره - و قد كتب عن هذه الحادثة الدكتور محمد الهاشمي الحامدي مدير قناة المستقلة حاليا - مقالا في جريدة المساء عدد 1742 الموافق 10 / 11 ماي 1991 م .
. ( عذرا يا دكتورنا المحترم على أن تدخلنا في خصوصياتك و ذكرت هذه القصة و الله يعلم أنني لا أريد من ورائها إلا التحفيز و شحذ الهمم).
جعل الله هذه اللفته في ميزان حسناتك و أجرك عند الله عز وجل القائل في محكم تنزيله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]
 
جزاكم الله خيراً أخي الكريم على هذه القصة المؤثرة ووالله لقد أثرت فيّ وبكيت حتى تركت الكمبيوتر وأقول هذا الكلام بياناً فقط لأثرها في نفسي وأن ما كتبه الأخ أبو مريم الجزائري قد بلغ محله .... وهذا الخلق كاد اليوم يكون منعدماً بين المسلمين إلا من رحم ربك وقد حضرت كثيراً من الاحتفالات المملوءة بالفخفخة والمظاهر ومشاهد التصدر .... والخيلاء ما يتألم له القلب ... وتنكسر له النفس ...
رحم الله علماءنا وسادتنا العاملين المخلصين .. .
 
عودة
أعلى