موضوع مقترح : شرح عبارات يكثر ورودها في كتب المفسرين

المنصور

New member
إنضم
16/04/2003
المشاركات
283
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
الرياض
ترد عند المفسرين عبارات تحتاج للتأمل ، وقد لايعرفها البعض منا ، مثل قولهم : هذه الآية على التخييل ، والفكرة تتلخص في جمع هذه العبارات مع التعليق عليها بالبيان والشرح .
وفق الله الجميع ،،،
 
الفكرة رائعة ، وكثيراً ما ترد في كلام المفسرين - خاصة أهل الكلام والبلاغة منهم - عبارات فيها غموض .

وأذكر من تلك العبارات عبارة يكررها الرازي في تفسيره عند رده على المعتزلة ، فيقول : والجواب عن هذا بمسألة الداعي والعلم !!.

فلا أدري ماذا تعني هذه العبارة ، وقد سألت عنها متخصصين في العقيدة ، فلم يتضح لهم معناها .

ومن المواضع التي أورد فيها هذه العبارة ، في تفسير قوله تعالى : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ...) في سورة البقرة .

فهل من أحد يوضح مقصده بها مشكوراً ؟؟ .
 
1

1

الحقيقة :لاأدري هل يفيدك هذا النقل من المواعظ والاعتبار للمقريزي ( ص 503 ) وخصوصاً السطر الأخير:
الدعوة الثامنة: متوقفة على اعتقاد سائر ما تقدم، فإذا استقر ذلك عند المدعو، ديناً له، قال له الداعي: اعلم أن أحد المذكورين اللذين هما مدبر الوجود والصادر عنه، إنما تقدم السابق على اللاحق، تقدم العلة على المعلول، فكانت الأعيان كلها ناشئة، وكائنة عن الصادر الثاني، بترتيب معروف في بعضهم، ومع ذلك فالسابق عندهم: لا اسم له، ولا صفة، ولا يعبر عنه، ولا يقيد فلا يقال هو موجود، ولا معدوم، ولا عالم، ولا جاهل، ولا قادر، ولا عاجز، وكذلك سائر الصفات، فإن الإثبات عندهم يقتضي شركة بينه وبين المحدثات، والتقي يقتضي التعطيل، وقالوا: ليس بقديم، ولا محدث، بل القديم أمره وكلمته والمحدث خلقه وفطرته، كما هو مبسوط في كتبهم، فإذا استقر ذلك عند المدعو قرر عنده الداعي، أن التالي يدأب في أعماله حتى يلحق بمنزلة السابق، وأن الصامت في الأرض يدأب في أعماله حتى يصير بمنزلة الناطق سواء، وأن الداعي يدأب في أعماله حتى يبلغ منزلة السوس، وحالة سواء.
وهكذا تجري أمور العالم في أكواره وأدواره، ولهذا القول بسط كثير، فإذا اعتقده المدعو قرر عنده الداعي أن معجزة النبي الصادق الناطق ليست غير أشياء ينتظم بها سياسة الجمهور، وتشمل الكافة مصلحتها بترتيب من الحكمة تحوي معاني فلسفية تنبئ عن حقيقة أنية السماء والأرض، وما يشتمل العالم عليه بأسره من الجواهر والأعراض، فتارة برموز يعقلها العالمون، وتارة بإفصاح يعرفه كل أحد، فينتظم بذلك للنبي شريعة يتبعها الناس، ويقرر عنده أيضاً أن القيامة، والقرآن، والثواب، والعقاب، معناها: سوى ما يفهمه العامة، وغير ما يتبادر الذهن إليه، وليس هو إلا حدوث أدوار عند انقضاء أدوار من أدوار الكواكب، وعوالم اجتماعاتها من كون، وفساد جاء على ترتيب الطباع، كما قد بسطه الفلاسفة في كتبهم، فإذا استقر هذا العقد عند المدعو، نقله الداعي إلى الدعوة التاسعة.
الدعوة التاسعة: هي النتيجة التي يحاول الداعي بتقرير جميع ما تقدم رسوخها في نفس من يدعو، فإذا تيقن أن المدعو تأهل لكشف السر، والإفصاح عن الرموز أحاله على ما تقرر في كتب الفلاسفة من علم الطبيعيات، وما بعد الطبيعة والعلم الإلهي، وغير ذلك من أقسام العلوم الفلسفية، حتى إذا تمكن المدعو من معرفة ذلك، كشف الداعي قناعه وقال اذكر من الحدوث، والأصول رموز إلى معاني المبادئ، وتقلب الجواهر، وأن الوحي إنما هو صفاء النفس، فيجد النبي في فهمه ما يلقي إليه، ويتنزل عليه، فيبرزه إلى الناس، ويعبر عنه بكلام الله الذي ينظم به النبي شريعته بحسب ما يراه من المصلحة في سياسة الكافة، ولا يجب حينئذ العمل بها إلا بحسب الحاجة من رعاية مصالح الدهماء، بخلاف العارف، فإنه لا يلزمه العمل بها، ويكفيه معرفته، فإنها اليقين الذي يجب المصير إليه وما عدا المعرفة من سائر المشروعات، إنما هي أثقال وآصار حملها الكفار أهل الجهالة لمعرفة الأعراض والأسباب. ومن جملة المعرفة عندهم: أن الأنبياء النطقاء أصحاب الشرائع، إنما هم لسياسة العامة، وإن الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصة، وإن الإمام إنما وجوده في العالم الروحاني، إذا صرنا بالرياضة في المعارف إليه، وظهوره الآن إنما هو ظهور أمره ونهيه على لسان أوليائه، ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتبهم، وهذا حاصل علم الداعي، ولهم في ذلك مصنفات كثيرة، منها اختصرت ما تقدم ذكره.
 
ترد عند المفسرين عبارات تحتاج للتأمل ، وقد لايعرفها البعض منا ، مثل قولهم : هذه الآية على التخييل ، والفكرة تتلخص في جمع هذه العبارات مع التعليق عليها بالبيان والشرح .
وفق الله الجميع ،،،


الموضوع يحتاج إلى من يثريه؛ فهل من فارس لهذا الميدان؟
 
(بدع التفاسير)

من الألفاظ التي ترد كثراً في الكشاف ويوردها بعض من ينقل عنه كلمة (بدع التفاسير)
ولا أراه يطرد إطلاقها في كل ما يعتبر تفسيراً بدعياً حتى على رأي المعتزلة

ووجدت كلاماً مهماً للطيبي نقله ابن عاشور عن توضيح هذا المصطلح عند الزمخشري

قال ابن عاشور (ت:1393هـ): (قال شرف الدين الطيبي في شرح الكشاف في سورة الشعراء: شرط التفسير الصحيح أن يكون مطابقا للفظ من حيث الاستعمال، سليما من التكلف عريا من التعسف ، وصاحب الكشاف يسمي ما كان على خلاف ذلك بدع التفاسير).

وأما قول ابن المنير تعليقاً على قول الزمخشري (ت:538هـ) في تفسير النفاثات في العقد: (فإنْ قُلْتَ: فما مَعْنَى الاسْتِعاذَةِ مِن شَرّهِنَّ؟
قُلْتُ: فيها ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُها: أنْ يُسْتَعاذَ مِن عَمَلِهِنَّ الَّذِي هو صَنْعَةُ السِّحْرِ، ومِن إثمِهِنَّ في ذلك.
والثَّانِي: أنْ يُسْتَعاذَ مِن فِتْنَتِهِنَّ النَّاسَ بسِحْرِهِنَّ, وما يَخْدَعْنَهم به مِن باطِلِهِنَّ.
والثَّالِثُ: أنْ يُسْتَعاذَ مِمَّا يُصِيبُ اللهُ به مِنَ الشَّرِّ عند نَفْثِهِنَّ, ويَجوزُ أنْ يُرادَ بِهِنَّ النِّساءُ الكَيَّاداتُ من قَوْلِهِ: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [28: يُوسُفُ] تَشْبِيهًا لكَيْدِهِنَّ بالسِّحْرِ والنَّفْثِ في العُقُدِ.....)
قال ابن المنير (ت:683هـ): (وهذا مِنَ الطِّرازِ الأَوَّلِ فَعَدِّ عَنْهُ جانِبًا, ولو فَسَّرَ غَيْرُهُ النَّفَّاثاتِ في العُقَدِ بالمُتَخَيِّلاتِ مِنَ النِّساءِ، ولَسْنَ ساحِراتٍ, حتى يَتِمَّ إنْكارُ وُجودِ السِّحْرِ لعَدَّهُ مِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ).
فمراده ببدع التفاسير هنا التفاسير البديعة مدحاً.
 
أخي الحبيب أبا مجاهد حفظك الله ..

بالنسبة إلى مسألتي العلم والداعي التي نقلتَها عن الرازي، فلا بدّ من الإشارة إلى مسألة مهمة هي سبب الإشكال - في حِسباني -، وهي أن الرازي لم يُفسّر القرآن على الترتيب المصحفي، وإنما تخيّر من السور، فلذلك قد يُحيل في بداية تفسيره على مواضع متأخّرة؛ لأنه فسّرها زمنياً قبل تلك المتقدّمة في ترتيب المصحف، ومن هنا نشأ عدم فهم هذه الكلمة؛ إذ قد شرحها مراراً أثناء التفسير إلّا أنها لم تكن في الموضع الأوّل من مظانها حسب ترتيب المصحف أو الترتيب التقليدي للتفسير، فيحتاج القارئ إلى قراءة الكثير من التفسير حتى تتّضح له مثل هذه الاصطلاحات .

أما مسألتا العلم والداعي فهما من المسائل التي يوردها الرازي على المعتزلة، في سياق الاحتجاج على عقيدة الجبر والقدر، والرازي ينتصر في تفسيره بوضوح إلى عقيدة الجبر، والمعتزلة - كما هو معروفٌ - قدريّة في باب القدر .
فإذا أورد الرازي دليلاً للمعتزلة جارياً على مذهب القدريّة - في نفي القدر أو بعبارة المعتزلة : خلق أفعال العباد، وأنه ليس لله مشيئة في كفر الكافر وأشباهه - عارض دليلهم هذا بمسألتي العلم والداعي .
وحاصل المسألتين - كما أذكر الآن من دون العود إلى التفسير - أن العلم هو الاحتجاج عليهم بعلم الله المسبق للأحداث، الذي يعتبره حجّة في الجبر، ووجهه :

أن الله إذا علم من فلان الكفر، فهل يستطيع هذا الفلان أن يؤمن فيتخلّف علم الله، الجواب : لا، قطعاً، فيعتبر بهذا الوجه مسألة علم الله المسبق من أقوى أدلّة الجبر .

أما مسألة الداعي، فحاصلها : أنكم - أيها القدريّة - كما في عُرف الرازي - قد احتججتم على أنّ الفعل إنما كان بمشيئة العبد المجردة بالداعي، وهو أنّ ثمّة إرداة انطلقت من نفس العبد نحو الفعل، ففعله العبد، إلّا أننا نورد عليكم أن هذه الإرادة لما تحرّكت نحو الفعل احتاجت إلى محرّك، فمن الذي الذي حركها ؟ يلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا : الله حرّكها، وهو الذي نقول به - يقصد الرازي من القول بالجبر - أو أن تقولوا : حرّكتها إرادة أخرى، فإن قلتم ذلك؛ ورد عليكم أن هذه الإرادة الأخيرة احتاجت إلى محرّكٍ كذلك، ويلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا حرّكتها إرادة اخرى، وهذا باطلٌ، لأنه يلزم منه التسلسلُ وهو ممنوع، وعليه، فلا مناص لكم من التسليم بأن الله حرّكها، وهو قولنا .

وهاتان المسألتان هما ما يحتجّ بهما الرازي لعقيدته الجبريّة، وليس المقام بمقام التحقيق فيهما، وإنما عرضتُ في هذه العجالة مقصود الرازي على ما طلبتم، وفقكم الله .
أما ما أورده أخي المنصور، فلا يفيد قطعاً في هذه المسألة، والكلام إنما أورده المقريزي - فيما أحسب - نقلاً عن فلاسفة الصوفية، لأجل الرّد إليهم، وإلا فالكلام المنقول - من حيث المعنى - باطلٌ ظاهر البطلان، وهو غير متعلّقٍ بالمسألة التي نحن بصدد الحديث عنها .
 
أخي الحبيب أبا مجاهد حفظك الله ..

بالنسبة إلى مسألتي العلم والداعي التي نقلتَها عن الرازي، فلا بدّ من الإشارة إلى مسألة مهمة هي سبب الإشكال - في حِسباني -، وهي أن الرازي لم يُفسّر القرآن على الترتيب المصحفي، وإنما تخيّر من السور، فلذلك قد يُحيل في بداية تفسيره على مواضع متأخّرة؛ لأنه فسّرها زمنياً قبل تلك المتقدّمة في ترتيب المصحف، ومن هنا نشأ عدم فهم هذه الكلمة؛ إذ قد شرحها مراراً أثناء التفسير إلّا أنها لم تكن في الموضع الأوّل من مظانها حسب ترتيب المصحف أو الترتيب التقليدي للتفسير، فيحتاج القارئ إلى قراءة الكثير من التفسير حتى تتّضح له مثل هذه الاصطلاحات .

أما مسألتا العلم والداعي فهما من المسائل التي يوردها الرازي على المعتزلة، في سياق الاحتجاج على عقيدة الجبر والقدر، والرازي ينتصر في تفسيره بوضوح إلى عقيدة الجبر، والمعتزلة - كما هو معروفٌ - قدريّة في باب القدر .
فإذا أورد الرازي دليلاً للمعتزلة جارياً على مذهب القدريّة - في نفي القدر أو بعبارة المعتزلة : خلق أفعال العباد، وأنه ليس لله مشيئة في كفر الكافر وأشباهه - عارض دليلهم هذا بمسألتي العلم والداعي .
وحاصل المسألتين - كما أذكر الآن من دون العود إلى التفسير - أن العلم هو الاحتجاج عليهم بعلم الله المسبق للأحداث، الذي يعتبره حجّة في الجبر، ووجهه :

أن الله إذا علم من فلان الكفر، فهل يستطيع هذا الفلان أن يؤمن فيتخلّف علم الله، الجواب : لا، قطعاً، فيعتبر بهذا الوجه مسألة علم الله المسبق من أقوى أدلّة الجبر .

أما مسألة الداعي، فحاصلها : أنكم - أيها القدريّة - كما في عُرف الرازي - قد احتججتم على أنّ الفعل إنما كان بمشيئة العبد المجردة بالداعي، وهو أنّ ثمّة إرداة انطلقت من نفس العبد نحو الفعل، ففعله العبد، إلّا أننا نورد عليكم أن هذه الإرادة لما تحرّكت نحو الفعل احتاجت إلى محرّك، فمن الذي الذي حركها ؟ يلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا : الله حرّكها، وهو الذي نقول به - يقصد الرازي من القول بالجبر - أو أن تقولوا : حرّكتها إرادة أخرى، فإن قلتم ذلك؛ ورد عليكم أن هذه الإرادة الأخيرة احتاجت إلى محرّكٍ كذلك، ويلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا حرّكتها إرادة اخرى، وهذا باطلٌ، لأنه يلزم منه التسلسلُ وهو ممنوع، وعليه، فلا مناص لكم من التسليم بأن الله حرّكها، وهو قولنا .

وهاتان المسألتان هما ما يحتجّ بهما الرازي لعقيدته الجبريّة، وليس المقام بمقام التحقيق فيهما، وإنما عرضتُ في هذه العجالة مقصود الرازي على ما طلبتم، وفقكم الله .
أما ما أورده أخي المنصور، فلا يفيد قطعاً في هذه المسألة، والكلام إنما أورده المقريزي - فيما أحسب - نقلاً عن فلاسفة الصوفية، لأجل الرّد إليهم، وإلا فالكلام المنقول - من حيث المعنى - باطلٌ ظاهر البطلان، وهو غير متعلّقٍ بالمسألة التي نحن بصدد الحديث عنها .

شكر الله لك، وبارك فيك وفي علمك على هذا البيان الشافي.

وأين أنتم في جامعة الملك خالد؟

أرجو أن أراك أخي الحبيب، وأتشرف بمعرفتك.
 
جزاكم الله خيراً، وزادكم شرفاً، بل أنا من يشرفُ بلقاء أمثالكم من حملة العلم .
أتواصل معكم على الخاصّ إن شاء الله تعالى .
 
ماشاء الله
الحمد لله
وإلى المزيد من المصطلحات
 
أضم دعائي ورغبتي الي د. محمد بن عبدالله بن جابر القحطاني
وأقول
شكر الله لك، وبارك فيك وفي علمك على هذا البيان الشافي.

وأين أنتم في جامعة الملك خالد؟

أرجو أن أراك أخي الحبيب، وأتشرف بمعرفتك.
 
أكرمكم الله فضيلة الدكتور يسري، أنا محاضرٌ في قسم الدراسات القرآنية في كلّية المعلمين في بيشة/جامعة الملك خالد .

سررتُ بمروركم، وأتمنّى رؤيتكم، أسأل الله أن يجمعنا على طاعته .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على عجل دخلت الآن لأثني على فكرة الموضوع وأرحب بالإخوة الكرام وبالشيخ رأفت المصري ولي معه ومع الموضع عودة إن شاء الله
 
يطيب لي إثراء للموضوع وطمعا في زيادة الطرح أن أدلي بدلوي المتواضع حول ما ورد من مصطلحات أسوقها على ترتيب ذاكريها:
التخييل:
1- التخييل ضرب من ضروب الاستعارة التخييلية أو الخيالية الوهمية كما سماها العلوي في " الطراز" وعرفها بقوله:هي أن تستعير لفظا دالا على حقيقة خيالية تقدرها في الوهم , ثم تردفها بذكر المستعار له إيضاحا لها وتعريفا لحالها ومن أمثلتها قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الأعراف:154) قال الآلوسي: وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبه الغضب بشخص ناه آمر وأثبت له السكوت على طريق التخييل.
2- ويطلق التخييل أيضا على "التورية" كما ذكر الزركشي وغيره، وقد عرفها الزركشي بقوله: هو أن يتكلم المتكلم بلفظ مشترك بين معنيين قريب وبعيد، ويريد المعنى البعيد، ويوهم السامع أنه أراد القريب0 ومثاله قوله تعالى: { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } ( الرحمن: 6) حيث إن المراد بالنجم النبات الذي لا ساق له، والسامع يتوهم أنه أراد نجم السماء لا سيما مع تأكيد الإيهام بذكر الشمس والقمر في الآية السابقة على هذه الآية0 ومنه قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } ( الغاشية:8) حيث أراد بقوله: { نَّاعِمَةٌ } أي في نعمة وكرامة، والسامع يتوهم أنه أراد النعومة0

بدع التفاسير:
مصطلح خاص بالزمخشري في تفسير الكشاف وقد نقله عنه أكثر المفسرين بعده، حيث كان يطلقه على التفاسير المخطئة أو الخاطئة، التي هي بعيدة عن مقصد كتاب الله إما لأنها كذلك أو لأنها في نظر الزمخشري كذلك وإلا فإنه هو نفسه باعتزاله قد وقع في كثير من الأخطاء التي تؤخذ عليه،وأكثر ما ذكره الزمخشري من ذلك راجع إلى التفسير الخاطئ لمفردات قرآنية بلا سند من اللغة وقد جمع الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري كثيرا من ذلك وأحسن التعليق عليه في كتاب سماه " بدع التفاسير"
والشكر موصول للشيخ عبد العزيز الداخل الذي أرشدنا إلى ما نقله ابن عاشور عن الطيبي فهو كلام مهم في حد ما عده الزمخشري من بدع التفاسير

الداعي والعلم:
الشيخ رأفت حفظه الله
بداية أشكر لكم هذا الطرح الرائع المعبر على وجازته عن المقصود
لكن لي على كلامكم ملحوظة -أود استجلاءها منكم- قد ترتبت على نسبتكم الرازي ومن ثم الأشاعرة إلى القول بالجبر وهم يزعمون التبرء منه.
ولغاية علمية مجردة أطرح الآتي وانتظر رأيكم طلبا للإفادة وإثراء المسألة:
أولا - يعتبر الرازي المنظّر الأهم للمذهب الأشعري والأشاعرة يعتبرون أنفسهم مذهبا وسطا بين رأي الجبرية القائلين بالجبر المحض والقدرية القائلين بالاختيار المحض إذ لا قدر عندهم في الأعمال الاختيارية والعبد هو الذي يخلقها، وبين هؤلاء وهؤلاء يبني الأشاعرة مذهبهم القائل بأن خلق الفعل من الله وللعبد فيه الاكتساب.هذا هو مذهبهم كما يسوقه منظروهم وهو أمر معروف لأهل العلم.
بناء على ذلك فهل يجوز علميا نسبة الأشاعرة إلى الجبر وهم يعلنون التبرء منه ؟
نعم قد يكون كلامهم غير مقنع لكن هل يسوغ مع ذلك - علميا - نسبتهم إلى القول بالجبر؟
ثانيا- احتكام الأشاعرة لمسألة العلم الإلهي لإثبات وهن مذهب المعتزلة في خلق الأفعال الغاية منه – فيما يبدو لي - إظهار تناقض المعتزلة مع أنفسهم إذ كيف بهم يقرون بالعلم الأزلي ثم هم لا يثبتون لله في فعل العبد إرادة ولا قدرة لأنه قد يترتب على كلامهم وقوع العلم الحادث وهم لا يقولون به.
ومعنى هذا أن الاحتكام إلى مسألة العلم الإلهي غير مقصود بها إثبات الجبر ولكن إثبات التناقض عند المعتزلة ليقروا بالقدر في المسألة.
ثالثا- إن هدف الاحتكام إلى مسألة الداعي فيما أفهمه هو إلزام المعتزلة الاعتراف بمسألة القدر الإلهي في فعل العبد لأنهم إذا كانوا لا يعترفون بخلق الله لفعل العبد – معارضين بذلك رأي الأشاعرة- فلا أقل من الاعتراف بأن الداعية المرجحة لاختيار الفعل هي من الله وعندئذ يتم انتزاع الاعتراف منهم بما سبق أن أنكروه
فهذا هو هدف مسألة الداعي وليس انتصارا للقول بالجبر.

فما رأيكم ؟
بارك الله فيكم
 
الدكتور الفاضل أحمد الخطيب حفظك الله وسدّدك ..

وشكر لك ما عرّجتَ عليه من مسائل، فأجدت وأفدت، وقد فرحتُ بما تفضّلتم به علينا من المداخلةِ الدقيقةِ التي تكشفُ عن تحرِّي الدّقة في منهجكم العلميّ، ومراعاة الأصول المعتبرة عند أهل العلم في الحكم على الأقوال والأشخاص، والنسبة بينهما، وبعد :
فلا بدّ من بيان الآتي فيما يخصّ مسألتنا – مع مراعاة حرصي على عدم تغيير مسار الموضوع عمّا أراده أخونا الشيخ المنصور حفظه الله - :

أنّ العادة التي اعتادها أهل العلم أن يَنسبوا من كان فيه ميلٌ نحو اتّجاه ما من اتجاهات الاعتقاد إلى ذلك الاعتقاد، وهذا كثيرٌ، ومن أمثلته : تسميةُ المعتزلة بالجهميّة، اعتباراً بما فيهم من الميل إلى نفي الصفات إلى نحو ما قاله الجهم؛ مع مخالفتهم له في بعض الوجوه .

وكذلك المسألة التي بين أيدينا، حيث نسب المعتزلة إلى القدر – حتى في كلام الرازي نفسه – كما سيأتي البيان – وذلك لأن فيهم ميلاً نحو ذلك، وإن لم يكن قول المعتزلة هو قول القدريّة المحض .

وكذلك الكلام في نسبة الإمام الرازي إلى الجبر،فإنّ ميله رحمه الله إلى عقيدة الجبر واضحٌ في تفسيره كوضوح الشمس في رابعة النهار، بل إنه هو من ينسبُ نفسه إلى الجبر، وينتصر له انتصاراً مؤزّراً في كلٍّ من المواطن التي لها تعلّقٌ أو ليس لها تعلّق بهذه المسألة، ويَنسبُ كذلك القول بالجبر إلى أهل السنّة، مع بيانِ أنّه لا يعني في كلّ ذلك الجبر المحض .

وأنا لا أُنكر أنّ هذا مبرَّرٌ بانغماسه واستغراقه في مناظرة المعتزلة، بل أعتذر له بذلك، وأوافقكم على ما تفضّلتم به وأسوق بين أيديكم – حفظكم الله – شيئاً من النصوص التي تدلّ على المذكور، منها :

ما ذكره عند تفسيره لقوله الله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)، حيث قال :
"أن المنهج الحق في الاعتقادات وفي الأعمال هو الصراط المستقيم أما في الاعتقادات فبيانه من وجوه : ( الأول ) : أن من توغل في التنزيه وقع في التعطيل ونفي الصفات ومن توغل في الإثبات وقع في التشبيه وإثبات الجسمية والمكان فهما طرفان معوجان والصراط المستقيم الإقرار الخالي عن التشبيه والتعطيل ( والثاني ) : أن من قال فعل العبد كله منه فقد وقع في القدر ومن قال لا فعل للعبد فقد وقع في الجبر وهما طرفان معوجان والصراط المستقيم إثبات الفعل للعبد مع الإقرار بان الكل بقضاء الله .اهـ.
حيث نصّ ههنا أن الجبر المحض هو طرفٌ معوجّ كما هو الحال بالنسبة إلى القدر المحض .

إلا أن ميله نحو الجبر يظهرُ في مواطن أخرى بشكلٍ قويّ؛ فيرجّح طرف الجبر مراراتٍ أخرى في مواضع عديدة، فيقول مثلاً عند تفسير قوله تعالى : {ختم الله على قلوبهم وعلى .....} :

"وبالجملة فهذه المسألة من أعظم المسائل الإسلامية وأكثرها شعباً وأشدها شغباً، ويحكى أن الإمام أبا القاسم الأنصاري سئل عن تكفير المعتزلة في هذه المسألة فقال: لا، لأنهم نزهوه، فسئل عن أهل السنة، فقال: لا، لأنهم عظموه، والمعنى: أن كلاً الفريقين ما طلب إلا إثبات جلال الله وعلو كبريائه، إلا أن أهل السنة وقع نظرهم على العظمة فقالوا: ينبغي أن يكون هو الموجد ولا موجد سواه، والمعتزلة وقع نظرهم على الحكمة فقالوا: لا يليق بجلال حضرته هذه القبائح .
وأقول: ههنا سرٌّ آخر، وهو أن إثبات الإله يلجئ إلى القول بالجبر، لأن الفاعلية لو لم تتوقف على الداعية لزم وقوع الممكن من غير مرجّح، وهو نفي الصانع، ولو توقفت لزم الجبر.
وإثبات الرسول يلجئ إلى القول بالقدرة.
بل ههنا سر آخر هو فوق الكل، وهو أنا لما رجعنا إلى الفطرة السليمة والعقل الأول وجدنا أن ما استوى الوجود والعدم بالنسبة إليه؛ لا يترجح أحدهما على الآخر إلا لمرجح، وهذا يقتضي الجبر، ونجد أيضاً تفرقة بديهيةً بين الحركات الاختيارية والحركات الاضطرارية وجزماً بديهياً بحسن المدح وقبح الذم والأمر والنهي، وذلك يقتضي مذهب المعتزلة، فكأن هذه المسألة وقعت في حيّز التعارض بحسب العلوم الضرورية، وبحسب العلوم النظرية، وبحسب تعظيم الله تعالى نظراً إلى قدرته وحكمته، وبحسب التوحيد والتنزيه وبحسب الدلائل السمعية، فلهذه المآخذ التي شرحناها والأسرار التي كشفنا عن حقائقها صعبت المسألة وغمضت وعظمت، فنسأل الله العظيم أن يوفقنا للحق وأن يختم عاقبتنا بالخير آمين رب العالمين.اهـ.


وقال في موضعٍ آخر؛ يستدلّ فيه لمذهب الجبر، وذلك عند تفسيره قول الله تعالى : {لا نبدّل لكلماته} :
"والوجه الرابع: أن يكون المراد أن أحكام الله تعالى لا تقبل التبديل والزوال، لأنها أزلية والأزلي لا يزول، واعلم أن هذا الوجه أحد الأصول القوية في إثبات الجبر، لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسّعادة وعلى عمرو بالشقاوة، ثم قال: {لا مبدل لكلماته} يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقياً وأن ينقلب الشقي سعيداً، فالسعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه".اهـ.

وفي موضع آخر كذلك يقول :
"إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أن حصول هذه النفرة والعداوة في القلب ليس باختيار العبد، وثبت أنه متى حصلت هذه النفرة والعداوة في القلب، فإن الإنسان لا يمكنه مع تلك النفرة الراسخة والعداوة الشديدة تحصيل الفهم والعلم، وإذا ثبت هذا ثبت القول بالجبر لزوماً لا محيص عنه.اهـ.

ثم أردفه بكلامٍ منقول عن عليٍّ رضي الله عنه :
"ونقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خطبة في تقرير هذا المعنى، وهو في غاية الحسن"، إلى أن قال :

"...وإذا وقف الإنسان على هذه الحالة علم أنه لا خلاص من الاعتراف بالجبر، وذكر الشيخ الغزالي رحمه الله في كتاب "الأحياء" فصلا في تقرير مذهب الجبر".اهـ.


ثم إنه رحمه الله قد مال أكثر وأكثر من ذلك، بل لعلّه تعدّى المعتمد عند الأشاعرة من القول بالكسب، وذلك عند استطراده في ذكر الخلاف بينه وبين المعتزلة عند تفسيره الاستعاذة، فقال :

"فإن قال قائل : هذه الإشكالات إنما تلزم على قول من يقول بالجبر، وأنا لا أقول بالجبر ولا بالقدر ؛ بل أقول : الحق حالةٌ متوسطة بين الجبر والقدر، وهو الكسب.
فنقول : هذا ضعيف ؛ لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثرٌ في الفعل على سبيل الاستقلال أو لا يكون فإن كان الأول ؛ فهو تمام القول بالاعتزال وإن كان الثاني فهو الجبر المحض، والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول فكيف يعقل حصول الواسطة".اهـ.

وقال بعد الانتهاء من مناظرة المعتزلة على الوجه المشار إليه : "واعلم أن هذه المناظرة تدل على أنه لا حقيقة لقوله : {أعوذ بالله} إلا أن ينكشف للعبد أن الكل من الله وبالله".اهـ.

ثمّ أتبع ذلك بما ينقض كلام المعتزلة من مسألتي العلم والداعي، اللتين سبق التنبيه عليهما .


هذا ما تراءى لي في نسبة "الإمام الرازي" إلى الجبر في هذه المسألة، وعليه كنتُ قد نسبته إليه كما في الكلام الأول، فإن أصبت، وإلّا فأستغفر الله .

وأعود إلى شكركم مرّةً أخرى، فجزاكم الله خيراً، وقد سررتُ بالتواصل معكم .
 
الأخ الشيخ رأفت حفظه الله
شكر الله لكم ما تفضلتم به لكن الرازي لا يتبنى مذهب الجبر نعم قد تلتقي مصلحتا الأشاعرة والجبرية في مواجهة الاعتزال في مسألة خلق الأفعال فيظن أن الرازي متبن لمذهب الجبر ومن هنا يأتي اللبس
أخي الحبيب، لقد أحسنت حين قلت:
فلا بدّ من بيان الآتي فيما يخصّ مسألتنا – مع مراعاة حرصي على عدم تغيير مسار الموضوع عمّا أراده أخونا الشيخ المنصور حفظه الله

وحين قلت:
هذا ما تراءى لي في نسبة "الإمام الرازي" إلى الجبر في هذه المسألة، وعليه كنتُ قد نسبته إليه كما في الكلام الأول، فإن أصبت، وإلّا فأستغفر الله

وهذا سمت العلماء فجزاكم الله خيرا
وسأبادر - كما ذكرتمونا حفظكم الله - إلى مصطلح يذكره المفسرون حتى لا نخرج عن أصل الموضوع المطروح هو مصطلح الفذلكة:
والفذلكة مأخوذة من قولهم: " فذلك كذا " ثم كُوِّن منهما كلمة واحدة بما يشبه النحت في النسب كالبسملة، والحوقلة، والسبحلة...
والمراد بها في إطلاق العلماء إجمال ما فصل أولاً.
وقد يراد بها النتيجة لما سبق من الكلام والتفريع عليه كقوله تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ( البقرة: 194 ) قال البيضاوي عند تفسيرها: وهو فذلكة التقرير.
*ومن الفذلكة ما يعرف بفذلكة الحساب ويعنى بها مجمل تفاصيل الحساب ومنه قوله تعالى: { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ( البقرة: 196 ) بعد قوله { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ( البقرة: 196 )
ومما اعتبر فذلكة لما سبقه قوله تعالى:{ آمَنَ الرَّسُولُ...} ( البقرة: 285 ) نقل ذلك عن الزجاج كما في تفسير القاسمي.
وقال الآلوسي عند تفسيره لقول الله تعالى:{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التى وَقُودُهَا الناس والحجارة }: هو فذلكة لما تقدم، ولذا أتى بالفاء. أي: إذا بذلتم في السعي غاية المجهود، وجاوزتم في الحد كل حد معهود، متشبثين بالذيول، راكبين متن كل صعب وذلول، وعجزتم عن الإتيان بمثله، وما يداينه في أسلوبه وفضله، ظهر أنه معجز، والتصديق به لازم فآمنوا واتقوا النار.
وهذا المصطلح يتردد بكثرة في تفسير كل من: الآلوسي، البقاعي، البيضاوي،الزمخشري، أبي السعود، ابن عاشور، وغيرهم.
 
ومن المصطلحات الجارية على ألسنة بعض المفسرين كذلك قولهم "عادة القرآن" وهاهو تفصيل معناه وأمثلته
عادة القرآن:
هو تكرر ورود لفظ أو تركيب أو أسلوب في القرآن ليدل غالبا على معنى معين.
وقولنا "غالبا" يشير إلى أن مخالفة العادة مرة أو مرتين لا يقدح فيها لكن هذه المخالفة لا تعتبر إلا إذا دل عليها دليل أو كانت من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى دليل.
فمثال الواضح الذي لايحتاج إلى دليل أن لفظ "العباد" في قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (سورة يس: 30} لا يمكن أن يراد به المؤمنون لأن الآية نصت على استهزائهم بالرسل وهذه صفة الكفار كما أن المقام هنا مقام تهديد وقد نص على ذلك ما تلاها وهو قوله تعالى:{ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ 31 وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ 32 } مع أن المفسرين قد نصوا على أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين.
ومما يحتاج إلى دليل العدول باللفظ عن حقيقته الشرعية إلى غيرها فورود اللفظ في القرآن مرادا به حقيقته الشرعية عادة قرآنية، وتفسيره بخلافها يحتاج إلى دليل كما في قوله تعالى:{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } ( التوبة : 103 ) فالمراد بالصلاة هنا معناها اللغوي وهو الدعاء، وليس الشرعي لحديث عبد الله بن أبى أوفى في الصحيحين قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قال " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبى بصدقته فقال " اللهم صلّ على آل أبى أوفى"
ومن المواضع التي نص فيها المفسرون على عادات القرآن ما نص عليه الآلوسي عند تفسيره لقوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فقد قال: { والشمس والقمر } عطف على ما قبل .
وتقديم الشمس على القمر لما جرت عليه عادة القرآن إذا جمع الشمس والقمر ، وكان ذلك إما لكونها أعظم جرماً وأسطع نوراً وأكثر نفعاً من القمر وإما لكونها أعلى مكاناً منه وكون فلكها أبسط من فلكه على ما زعمه أهل الهيئة وكثير من غيرهم ، وإما لأنها مفيضة النور عليه كما ادعاه غير واحد ، واستأنس له بقوله سبحانه : { هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً } [ يونس : 5 ]
ومنها ما نص عليه الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير في عادة القرآن في الإجمال عند تفسيره لقوله تعالى {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهمن}قال: والكلمات الكلام الذي أوحَى الله به إلى إبراهيم إذ الكلمة لفظ يدل على معنى والمراد بها هنا الجمل كما في قوله تعالى : { كَلاَّ إنها كلمةٌ هو قائِلُها } [ المؤمنون : 100 ] ، وأَجْمَلَها هنا إذ ليس الغرض تفصيل شريعة إبراهيم ولا بسط القصة والحكاية وإنما الغرض بيان فضل إبراهيم ببيان ظهور عزمه وامتثاله لِتكاليف فأتَى بها كاملة فجوزي بعظيم الجزاء ، وهذه عادة القرآن في إجمال ما ليس بمحل الحاجة.
ومما خالف فيه القرآن الكريم عادته المثال الذي ذكرناه آنفا في معنى "العباد"
ومنه كما يقول الشيخ سيد سابق في كتابه "فقه السنة" أن القرآن أولى عناية خاصة بملابس المرأة، حيث كان حديثه عنها مفصلا، على غير عادته في تناوله المسائل الجزئية بالتفصيل، فهو يقول: " يأيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ".
* ويقال لعادات القرآن أيضا عرف القرآن، معهود القرآن،كليات القرآن.

ولا يقدح في تسميتها بالكليات أن الاستثناء قد يدخلها لأن الأمر الكلي إذا ثبت كليا، فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا كما يقول الشاطبي في الموافقات وأضاف أيضا أن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ لأن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت.
 
جزى الله الشيخ المنصور خيرا على هذا المقترح.

ولعل من العبارات التي ترد عند المفسرين وتحتاج إلى توضيح عبارة: التعجيب، وهل يصح إضافتها إلى الله تعالى.
 
الشيخ الدكتور خالد الباتلي - حفظه الله
يسرني أن أنقل إليك ما كتبته تحت مادة "التعجب" من كتابي "مفاتيح التفسير" ففيه الإجابة التي أسأل الله تعالى أن تكون موفية للمطلوب
التعجب:
عرفه الزمخشري بقوله: هو تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيئ خارج عن نظائره وأشكاله0
* وأساليبه كما يذكر النحاة نوعان:
الأول- مطلق لا تحديد له ولا ضابط، ويفهم بالقرينة ومنه ( لله در فلان، وسبحان الله، ويالك، وياله، ويال ) واستخدام لفظ " العجب " ومشتقاته، وكلمة " كَبُر " وغيرها0
والثانى- اصطلاحي قياسي وصيغه ( ما أفعله، وأفعل به )
* وهو في البلاغة من أقسام الخبر على الأصح كما قال السيوطي في المعترك0 وتحت عنوان " قاعدة " قال السيوطي: إذا ورد التعجب من الله صرف إلى المخاطب كقوله تعالى: { فما أصبرهم على النار } (البقرة:175) أي: هؤلاء يجب أن يتعجب منهم، وإنما لا يوصف الله تعالى بالتعجب، لأنه استعظام يصحبه الجهل، وهو تعالى منزه عن ذلك، ولهذا تعبر جماعة بالتعجيب بدله، أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين، تماما كما هو الشأن في الترجي والدعاء، وقد مضت الإشارة إلى ذلك ( انظر: الترجي )
لكن السلف إذ يثبتون صفة العجب لله تعالى انطلاقا من النصوص المثبتة لها فإنهم يردون على فكرة أن العجب استعظام يصحبه الجهل ...إلخ بأن المقصود بالتعجب هو تعظيم هذا الشيء المتعجب منه أو تعظيم سببه وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما جاء في مجموع الفتاوى:
وأما قوله – أي منكر هذه الصفة - : التعجب استعظام للمتعجب منه، فَيُقَالُ: نَعَمْ . وَقَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا بِجَهْلِ بِسَبَبِ التَّعَجُّبِ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ سَبَبَ مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ؛ بَلْ يَتَعَجَّبُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظَائِرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يُعَظِّمُ مَا هُوَ عَظِيمٌ ؛ إمَّا لِعَظَمَةِ سَبَبِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ . فَإِنَّهُ وَصَفَ بَعْضَ الْخَيْرِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ . وَوَصَفَ بَعْضَ الشَّرِّ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ فَقَالَ تَعَالَى: { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } وَقَالَ: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } وَقَالَ: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } { وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } وَقَالَ: { وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ: { إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } عَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُنَا هُوَ عَجِبَ مِنْ كُفْرِهِمْ مَعَ وُضُوحِ الْأَدِلَّةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي آثَرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ ضَيْفَهُمَا:"لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ" وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ:"لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ مِنْ صُنْعِكُمَا الْبَارِحَةَ" .
 
سؤال : لام التعليل ، هل ترد عند المفسرين الأشاعرة ؟
لأنني - حسب معرفتي - أعلم أنهم لايرون تعليل أفعال الله تعالى ، وأيضاً : بماذا يستبدلونها ، هل يقولون : لام الصيرورة ، أم لام العاقبة .
وجدت الشيخ الكومي رحمه الله في كتابه ( تفسير سورة الفتح ) ص 42يقول : ( أما الأشاعرة فقالوا : إن أفعال الله تعالى لاتعلل بالأغراض ، وإن كل ماورد منها مما ظاهره التعليل لايقصد منه التعليل على الحقيقة ، وهم لذلك يسمون لام التعليل في قوله تعالى ( ليغفر لك الله ) وأمثالها لام العاقبة ) .
فأريد قولا فصلا في التفريق بين هذه الثلاث : لام الصيرورة - لام العاقبة - لام التعليل .
وجزاكم الله خيرا .
 
الأخ الكريم الدكتور المنصور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقول جوابا عن سؤالكم:
ما نقلتموه عن مذهب الأشاعرة وأنهم يرون أن أفعال الله تعالى لا تعلل بالأغراض هو صحيح عنهم وحجتهم في ذلك أنه سبحانه "لا يسأل عما يفعل" وأيضا يقولون: إن هذه العلة لو كانت قديمة لترتب عليها قدم الفعل – لكنه حادث- ولو كانت حادثة للزم التسلسل وهو محال.
وعليه فإنهم يؤولون ما يوحي بتعليل أفعال الله تعالى -تعليلا غرضيا- بمعنى مجازي فيقولون مثلا: إن هذا الفعل لو وقع ممن تعلل أفعاله بالغرض لكان كذا .....
أو يقولون عن اللام : هي لام العاقبة والصيرورة – وهي لام واحدة وليست اثنتين - وقد يسميها بعضهم بلام العلة الغائية أي المترتبة على آخر الفعل في مواجهة لام العلة الباعثة على الفعل وهي لام التعليل حيث هذه الثانية لا تتفق ومذهبهم إذا تعلقت بتعليل أفعال الله تعالى.
ومن خلال ذلك يتضح الفرق بين لام العاقبة والصيرورة، ولام التعليل، ولماذا يؤول الأشاعرة لام التعليل إذا تعلقت بأفعال الله تعالى ؟
 
جزاكم الله خيراً على مثل هذا الإثراء البديع، الذي تتقاطر مداخلاته بل تسيل من الفوائد والفرائد ما تنتظم به أجمل العقود البهيّة، وبعد :

فلي تعليق على سؤال الدكتور المنصور حول التعجيب، وقد تقدَّم فضيلة الدكتور الخطيب فارسِ هذه الحلبة؛ ليخط أجود الإجابات، بأجمل العبارات، إلا أنني أضيف زيادة على الموضوع على سبيل إثرائه، فأقول :
تنوّعت ألفاظ المفسّرين في هذه التعابير، ولا بدّ من الإشارة إلى السياق الذي يردُ فيه هذا اللفظ، وهو بيانُ الغرضِ من بعض الاستفهامات القرآنية، كمثل قول الله تعالى : (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ..)، وقوله تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك ..)، وقوله تعالى : (ألم تر إلى الذين تولّوا قوماً غضب الله عليهم..)، حيث يقول المفسّرون عند مثل هذه الآيات في بيان غرض الاستفهام : الاستفهام للتعجّب .
ثم إن عدداً من المفسّرين رأوا أن إسناد العجب - الذي هو استعظامٌ في النفس، كما أشار فضيلة الدكتور الخطيب - إلى الله تعالى مُحال، فعدلوا عن التعبير بهذا اللفظ إلى لفظٍ آخر يتحاشون فيه ما فرّوا من إثباته، فتركوا التعبير بالتعجب إلى التعبير بالتعجيب، فقالوا : الاستفهام للتعجيب، بمعنى: أن العجب ليس هو من الله تعالى، وإنما الله تعالى يعجّب نبيّه ثم السامعين من حال هؤلاء المذكورين في الآيات .

لكن الصّحيح أنه لا داعي للفرار من نسبة العجب إلى الله تعالى، فقد ورد في الأحاديث الصحيحة من قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم، إلّا أن سبيل اعتقاد مثل هذه الأحاديث على مذهب السلف هو اعتقاد ظواهرها بعيداً عن تشبيه الخالق بالمخلوق،(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فنقول :
نثبت لله ما أثبته له نبيّه صلى الله عليه وسلّم على هيئة لائقةٍ بالله تعالى، فالعجب المقتضي استعظاماً في النفس إنما هو عجبُ المخلوق، ولا يُشترط أن يكون كذلك في حقّ الخالق سبحانه .
وعليه؛ فلا ضير في التعبير بالتعجّب أو التعجيب طالما احتفّ ذلك بالمذكور، والله أعلم .
 
الحمد لله ، وبعد ..

هذا موضوع شيق لكنه مضني ، ويصلح بكل جدارة لأطروحة عالية عالمية ، تكتب تحت عنوان : ( مصطلحات التفسير وعلوم القرآن ) أو قل ما شئت في العنوان .

ولعله يستلزم الفارس في هذا الميدان أن يستقرأ كتب التفسير وعلوم القرآن ، وأن يكون طويل باع في العلوم ، وعلى سعة كبيرة من ذلك مع فهم وربط بين هذه المصطلحات بعضها البعض والمقارنة بينها وبين استخدامها في فنون أخرى غير التفسير .
لكن شريطة ذلك أن لا يكون البحث مجرد جمع ، لا بل بتحريرات ونظرات فاحصة ، وفي ظني لو عمل هذا العمل لكان مرجعاً كبيراً ومميزاً لطلبة الدراسات العليا .

فاللهم وفق من يقوم به خير قيام . وانفعنا به .
 
الأخ الشيخ رأفت المصري
وجزيت أنت كذلك بكل خير والله أسأل أن يزيدك وَعيًا وفهما
أخانا الكريم أبا العالية
شرف الموضوع بمروركم وأفيدكم بأن لي كتابا رتبت مواده على حروف المعجم وأنا الآن بصدد نشره ولعله أن يلبي الحاجة التي أشرتم إليها
ثم نعود إلى مصطلحات القوم فنقول: إن من المصطلحات التي يطرحها المفسرون مصطلح المشاكلة
والمشاكلة:مفاعلة من قولهم: شاكله مشاكلة إذا ماثله ووافقه.
وفي اصطلاح علماء البلاغة: هي ذكر الشىء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديراً.
ومثال ما وقع في صحبته تحقيقا قوله تعالى: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } ( المائدة: 116 )
وكذا قوله تعالى: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ( الشورى: 40 ) لأن الجزاء على السيئة هو حق وليس بسيئة ومنه أيضا قوله تعالى: { إنما نحن مستهزئون * الله يستهزىء بهم } ( البقرة: 14 )
ومثال التقديري قوله تعالى: { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } ( البقرة: 138 ) أي: تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه: المعمودية أو ماء التعميد ويقولون: إنه تطهير لهم، فعبر عن الإيمان بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة كذا في معترك الأقران للسيوطي.
 
أشكركم جميعاً على هذه الفوائد العلمية ، والموضوع جدير بالمتابعة منا أثناء قراءتنا في كتب التفسير المتقدمة خصوصاً ، بجمع مثل هذه العبارات التي لا يستوي في العلم بها القراء جميعاً . ومحاولة بسط معانيها وشرحها بعبارة سهلة يفهمها الجميع .

وتعليقاً على قول أبي العالية
الحمد لله ، وبعد ..
هذا موضوع شيق لكنه مضني ، ويصلح بكل جدارة لأطروحة عالية عالمية ، تكتب تحت عنوان : ( مصطلحات التفسير وعلوم القرآن ) أو قل ما شئت في العنوان .
فأحسب موضوع (مصطلحات التفسير وعلوم القرآن) يختلف عما نحن بصدده هنا، فمصطلحات التفسير وعلوم القرآن تعنى بالمصطلحات العلمية التي تختص بهذين العلمين وقد كتب فيها عدد من المعاجم المعاصرة وهي فكرة في حاجة إلى إعادة التأليف فيها حتى تكتمل ، ولعل كتاب أستاذنا الدكتور أحمد سعد الخطيب يفي بهذه الحاجة إن شاء الله ، وليته يبالغ في تحريره ومراجعته والتأكد من مقاربته للاستيعاب وسد الحاجة التي أغفلتها المعاجم المطبوعة . والتفريق بين المصطلحات المختصة بعلوم القرآن والتفسير فقط ، والمصطلحات المشتركة بينها وبين علوم آلة المفسر كالبلاغة والنحو وغيرها . والتعمق في تحرير محل النزاع في المصطلحات وتتبع تاريخها ونشأتها وميدانها الذي تدور فيه وأكثر من يستعملها من المفسرين والمعاني الخاصة التي ينفرد بها بعض من يستعملها في استعماله لها ونحو هذه المسائل الدقيقة التي تعطي للمعجم قيمته العلمية الفريدة، فقد أحزنني بعض المعاجم المطبوعة التي لم يزد عمل صاحبها على الترتيب السهل لكلام الآخرين دون أن يضيف شيئاً ذا بال . بل رأيت بعض الباحثين قد تساهل في إخراج معجم للمصطلحات في أحد الفنون الدقيقة، فأنجزه في مدة وجيزة لا تكفي للقراءة فضلاً عن التأليف ، ولذلك خرج معجمه بارداً لا جديد فيه .
وأما فكرة موضوع أخي المنصور هنا فهي تعنى بعبارات قد تكون مصطلحاً في علم آخر كالبلاغة ، أو النحو ، أو التصوف أحياناً ، أو العقائد وعلم الكلام ، وقد تكون بعضها عبارات يستعملها أحد المفسرين خصوصاً يحتاج فهمها إلى تتبع استعمالها في كتب المفسر نفسه حتى يفهم معناها . واستقصاؤها قد يكون صعباً على واحدٍ من الباحثين، غير أن تعاون القراء في رصدها وتتبعها قد يكون أجدى . وحتى يتصدى لهذا الموضوع من يتولاه يبقى هذا الموضوع إن شاء الله مكاناً مناسباً للكتابة حول هذه العبارات .
وفقكم الله جميعأً ونفعنا بعلومكم .
 
لعل من باب تتميم الفائدة فيما ذكره الأخوة في بيان صفة العجب وهل يوصف الله بذلك ، أذكر هنا عبارة موجزة كنت قد قرأتها في مذكرة بعنوان " إتحاف أولي الألباب بمعرفة التوحيد والعقيدة في سؤال وجواب "للشيخ وليد بن راشد بن سعيدان ، والمذكرة كما واضح من اسمها تعرض مسائل العقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة بعبارات سهلة ميسرة ، وقد جاء في معرض الحديث عن صفة العجب ما يلي :
" إن صفة العجب من الصفات التي هي كمال باعتبار ونقص باعتبار ، وقد عرفنا أن منهج أهل السنة والجماعة في مثل هذه الصفات أنهم يثبتونها لله حال كمالها وينفونها عنه جل وعلا حال نقصها .
واعلم رحمك الله أن العجب له سببان:
الأول : عجب يكون سببه خفاء الأسباب ، وهو الذي يقول فيه الناس : إذا عرف السبب بطل العجب ، فالموجب للتعجب هو خفاء السبب ومتى ما بان السبب وعلم زال ذلك العجب من أساسه ، كفقير لا يملك شيئاً ثم رأينا معه سيارة فارهة غالية الثمن ، فنحن نتعجب لذلك ، وسبب عجبنا هو خفاء السبب لكن إن علمنا بعد ذلك أن أحداً تصدق بها عليه أو أنه سرقها أو أنه اشتراها بأقساط يسيرة يستطيع سدادها ، فإننا بذلك يزول عجبنا لأننا علمنا السبب ، فالعجب بهذا الاعتبار نقص لا يجوز وصف الله به ، لأن مبناه على خفاء السبب ، والله تعالى لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ، ومن صفاته العلم الكامل الشامل لكل شئ ، فليس هناك أشياء تخفى على الله تعالى فيتعجب منها حتى إذا ظهرت له أسبابها زال عجبه ، كلا والله هذا ما لا يتصور أبداً ، فسبحان الله وتعالى وتقدس وتعاظم عن أن يوصف بالعجب بهذا الاعتبار.
الثاني : عجب يكون سببه خروج الشئ عن حكم نظائره ، أي أن يكون هناك نظائر لها حكم واحد فيخرج منها فرد من أفرادها عن حكم نظائره ، فيتعب من هذا الخروج ، مع أن سبب الخروج معلوم ليس بخافٍ ، ولكن التعجب من عين هذا الخروج ، فهذا العجب كمال يوصف الله تعالى به ، ودليل ذلك قوله تعالى : { بل عجبت ويسخرون } بضم التاء في قراءة سبعية متواترة ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " لقد عجب ربكما بصنيعكما بضيفكما الليلة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " ويروى في الحديث :" يعجب ربك إلى الشاب ليست له صبوة " وغير ذلك من الأدلة ، فالعجب المضاف إلى الله تعالى هنا هو العجب الذي يكون سببه خروج الشيء عن حكم نظائره .
والله تعالى أعلم.
 
أخي الدكتور عبد الرحمن الشهري، بوركت مساعيك وجميع إخوانك في خدمة القرآن الكريم وعلومه.
والله تعالى أسأل أن يكون ما كتبناه ملبيا للحاجة التي أشرتم إليها في كلامكم، وإن كنت أعترف - رغم أنه قد مرت على معالجته سنون بلغت تسعا ,ان مواده المعجمية قد جاوزت الألف وخمسمائة مادة - إلا أن المرجو منه أكبر مما تم تحقيقه، لكنه بالنسبة لي مشروع مفتوح ما أمدّ الله لي في العمر، وبنصائح الإخوان وإضافتهم واستدراكاتهم سيكون في صورة أفضل إن شاء الله.
ثم نعود إلى موضوعنا لنعرّج على مصطلح جديد مما يذكره المفسرون لإيضاحه والكشف عنه - وهو في ذات الوقت أنموذج لما طرحته في معجمي "مفاتيح التفسير" - وهومصطلح "الترجي" فنقول مستعينين به سبحانه :
الترجي:
هو انتظار حصول أمر مرغوب فيه، من غير وثوق بحصوله. ويكون بالحرف" لعلّ " أو " علّ " أو بالأفعال: ( أرجو، عسى، حرى، آمل، اخلولق )
* وقد ذكر السيوطي الترجي ضمن أقسام الإنشاء، ونقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء، وفرّق بينه وبين التمني بأمور منها ما يلي:
1. الترجي يكون في الممكن، والتمني يكون فيه وفي المستحيل.
2. الترجي يكون في القريب، والتمني يكون في البعيد.
3. الترجي يكون في المتوقَع، والتمني يكون في غيره.
* والترجي لا يكون إلا من الأدنى للأعلى ولهذا فسر سيبويه قوله تعالى آمرا موسى وهارون عليهما السلام: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ( طه:44، 43 ) فسّره بأن معناه: اذهبا على رجائكما وطمعكما.قال الزركشي في البرهان: يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام لانهما لم يكونا جازمين بعدم ايمان فرعون أ.هـ
قلت:حمل الترجي على هذا هو الأصح لأن الترجي نتيجة الجهل بالعاقبة وهو محال على علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى.
وأيضا فإن حمل الترجي على غير هذا مخالفة للترتيب الطبيعي الذي عنونّا به هذه الفقرة وهي أن الترجي يكون من الأدنى للأعلى وليس العكس.
*فائدة:
قال الزركشي في البرهان:
كل ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى"لعلكم تفلحون" أو "تتقون" أو "تشكرون" فالمعتزلة يفسرونه بالإرادة لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته. وأهل السنة يفسرونه بالطلب لما في الترجي من معنى الطلب والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول فكأنه قال: كونوا متقين. أو :مفلحين.
إذ يستحيل وقوع شئ في الوجود على خلاف إرادته تعالى بل كل الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. أ.هـ
والرأي هنا ما رآه أهل السنة لأن كل ما يقع في الكون من خير أو شر هو بإرادة الله ولا يقع شيء في الكون لا يريده سبحانه، فترجح أن يكون الرجاء في نحو ما ذكر بمعنى الطلب.أو باعتبار المخاطبين كما مضى عن سيبويه.
وقد رجعت إلى تفسير الكشاف لأتبين رأي المعتزلة في نحو هذه الآيات فوجدته يذكر أن "لعل" استعارة بمعنى الإرادة وهذه بعض مواضع كلامه في ذلك.
فعند تفسيره لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة:3) قال: { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } فيه وجهان :
1- أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [ طه : 44 ] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام.
2- أن يستعار لفظ الترجي للإرادة .
وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قال: و "لعل": مستعار لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها. ومعنى الترجي، أي: خلقناه عربياً غير عجمي: إرادة أن تعقله العرب.
* ونحو "لعل" في إفادة الترجي "عسى" إذ هي تفيد الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهوشر لكم}
ومثل هذا لا إشكال فيه عندما يتعلق معنى الترجي فيها بالمخاطبين تماما كما ذكرنا في "لعل" لكن الإشكال في نسبة الترجي إلى الله تعالى من خلال "عسى" كما عرفناه من خلال "لعل" فأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال: كل عسى في القرآن فهي واجبة. وقال الشافعي: يقال عسى من الله واجبة. وقال ابن الأنباري: عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين. أحدهما – { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } (الإسراء:8) يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة.
والثاني – { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا} (التحريم:5) فلم يقع التبديل.
ومعنى كونها واجبة أي محققة الوقوع لا للتوقع كما هو الحال في كلام البشر.
وجعل بعض العلماء هذا المعنى قاعدة عامة لـ "عسى" إذا تعلقت بـ "الله" عز وجل كما قال السيوطي في الإتقان: وأبطلوا استثناء هاتين الآيتين لأن الرحمة – في الآية الأولى- كانت مشروطة بأن لا يعودوا كما قال: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} وقد عادوا فوجب عليهم العذاب. والتبديل – في الآية الثانية- كان مشروطاً بأن يُطلِّق ولم يُطلِّق فلا يجب.
وقد أجمل صاحب البرهان القول في "عسى ، ولعل" معًا من هذه الوجهة التي نتكلم عنها فقال:
"عسى ، ولعل" من الله تعالى واجبتان، وان كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين، لان الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون، والبارئ منزه عن ذلك.
والوجه في استعمال هذه الالفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها، ولا يقطعون على الكائن منها، وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة، صارت لها نسبتان:
1- نسبة إلى الله تعالى تسمى نسبة قطع ويقين.
2- ونسبة إلى المخلوق وتسمى نسبة شك وظن.
فصارت هذه الالفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله كقوله تعالى:{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (المائدة:54) وتارة بلفظ الشك بحسب ماهي عليه عند المخلوقين كقوله:{ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (المائدة:52) وقوله: { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } (الإسراء:79) وقوله: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44) وقد علم الله حين ارسلهما ما يفضى إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع فكأنه قال: انهضا لا إليه وقولا في نفوسكما لعله يتذكر أو يخشى.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك، والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض: فتقول لا تتعرض لما يسخطني فلعلك إن تفعل ذلك ستندم. وانما مراده أنه يندم لا محالة ولكنه اخرجه مخرج الشك تحرير للمعنى ومبالغة فيه.
أي أن هذا الامر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له فكيف وهو كائن لا شك فيه. أ.هـ
ومن المواضع الرائعة التي خرّجت "عسى" المعنى فيها على صورة الشك مع أنه لا شك فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(التوبة:18) ففيه كما قال أبو السعود: إبرازُ اهتدائِهم مع ما بهم من الصفات السنيةِ في معرِض التوقعِ لقطع أطماعِ الكفرةِ عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاعِ بأعمالهم التي يحسَبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم بأنهم مهتدون، فإن المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالاتِ، إذا كان أمرُهم دائراً بين لعل وعسى، فما بالُ الكفرة وهم هُمْ، وأعمالهم أعمالُهم.
وفيه لطفٌ للمؤمنين وترغيبٌ لهم في ترجيح جانبِ الخوفِ على جانب الرجاءِ ورفض الاغترار بالله تعالى.
 
أخي الدكتور عبد الرحمن الشهري، بوركت مساعيك وجميع إخوانك في خدمة القرآن الكريم وعلومه.
والله تعالى أسأل أن يكون ما كتبناه ملبيا للحاجة التي أشرتم إليها في كلامكم، وإن كنت أعترف - رغم أنه قد مرت على معالجته سنون بلغت تسعا ,ان مواده المعجمية قد جاوزت الألف وخمسمائة مادة - إلا أن المرجو منه أكبر مما تم تحقيقه، لكنه بالنسبة لي مشروع مفتوح ما أمدّ الله لي في العمر، وبنصائح الإخوان وإضافتهم واستدراكاتهم سيكون في صورة أفضل إن شاء الله.
ثم نعود إلى موضوعنا لنعرّج على مصطلح جديد مما يذكره المفسرون لإيضاحه والكشف عنه - وهو في ذات الوقت أنموذج لما طرحته في معجمي "مفاتيح التفسير" - وهومصطلح "الترجي" فنقول مستعينين به سبحانه :
الترجي:
هو انتظار حصول أمر مرغوب فيه، من غير وثوق بحصوله. ويكون بالحرف" لعلّ " أو " علّ " أو بالأفعال: ( أرجو، عسى، حرى، آمل، اخلولق )
* وقد ذكر السيوطي الترجي ضمن أقسام الإنشاء، ونقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء، وفرّق بينه وبين التمني بأمور منها ما يلي:
1. الترجي يكون في الممكن، والتمني يكون فيه وفي المستحيل.
2. الترجي يكون في القريب، والتمني يكون في البعيد.
3. الترجي يكون في المتوقَع، والتمني يكون في غيره.
* والترجي لا يكون إلا من الأدنى للأعلى ولهذا فسر سيبويه قوله تعالى آمرا موسى وهارون عليهما السلام: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ( طه:44، 43 ) فسّره بأن معناه: اذهبا على رجائكما وطمعكما.قال الزركشي في البرهان: يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام لانهما لم يكونا جازمين بعدم ايمان فرعون أ.هـ
قلت:حمل الترجي على هذا هو الأصح لأن الترجي نتيجة الجهل بالعاقبة وهو محال على علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى.
وأيضا فإن حمل الترجي على غير هذا مخالفة للترتيب الطبيعي الذي عنونّا به هذه الفقرة وهي أن الترجي يكون من الأدنى للأعلى وليس العكس.
*فائدة:
قال الزركشي في البرهان:
كل ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى"لعلكم تفلحون" أو "تتقون" أو "تشكرون" فالمعتزلة يفسرونه بالإرادة لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته. وأهل السنة يفسرونه بالطلب لما في الترجي من معنى الطلب والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول فكأنه قال: كونوا متقين. أو :مفلحين.
إذ يستحيل وقوع شئ في الوجود على خلاف إرادته تعالى بل كل الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. أ.هـ
والرأي هنا ما رآه أهل السنة لأن كل ما يقع في الكون من خير أو شر هو بإرادة الله ولا يقع شيء في الكون لا يريده سبحانه، فترجح أن يكون الرجاء في نحو ما ذكر بمعنى الطلب.أو باعتبار المخاطبين كما مضى عن سيبويه.
وقد رجعت إلى تفسير الكشاف لأتبين رأي المعتزلة في نحو هذه الآيات فوجدته يذكر أن "لعل" استعارة بمعنى الإرادة وهذه بعض مواضع كلامه في ذلك.
فعند تفسيره لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة:3) قال: { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } فيه وجهان :
1- أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [ طه : 44 ] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام.
2- أن يستعار لفظ الترجي للإرادة .
وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قال: و "لعل": مستعار لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها. ومعنى الترجي، أي: خلقناه عربياً غير عجمي: إرادة أن تعقله العرب.
* ونحو "لعل" في إفادة الترجي "عسى" إذ هي تفيد الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهوشر لكم}
ومثل هذا لا إشكال فيه عندما يتعلق معنى الترجي فيها بالمخاطبين تماما كما ذكرنا في "لعل" لكن الإشكال في نسبة الترجي إلى الله تعالى من خلال "عسى" كما عرفناه من خلال "لعل" فأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال: كل عسى في القرآن فهي واجبة. وقال الشافعي: يقال عسى من الله واجبة. وقال ابن الأنباري: عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين. أحدهما – { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } (الإسراء:8) يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة.
والثاني – { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا} (التحريم:5) فلم يقع التبديل.
ومعنى كونها واجبة أي محققة الوقوع لا للتوقع كما هو الحال في كلام البشر.
وجعل بعض العلماء هذا المعنى قاعدة عامة لـ "عسى" إذا تعلقت بـ "الله" عز وجل كما قال السيوطي في الإتقان: وأبطلوا استثناء هاتين الآيتين لأن الرحمة – في الآية الأولى- كانت مشروطة بأن لا يعودوا كما قال: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} وقد عادوا فوجب عليهم العذاب. والتبديل – في الآية الثانية- كان مشروطاً بأن يُطلِّق ولم يُطلِّق فلا يجب.
وقد أجمل صاحب البرهان القول في "عسى ، ولعل" معًا من هذه الوجهة التي نتكلم عنها فقال:
"عسى ، ولعل" من الله تعالى واجبتان، وان كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين، لان الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون، والبارئ منزه عن ذلك.
والوجه في استعمال هذه الالفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها، ولا يقطعون على الكائن منها، وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة، صارت لها نسبتان:
1- نسبة إلى الله تعالى تسمى نسبة قطع ويقين.
2- ونسبة إلى المخلوق وتسمى نسبة شك وظن.
فصارت هذه الالفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله كقوله تعالى:{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (المائدة:54) وتارة بلفظ الشك بحسب ماهي عليه عند المخلوقين كقوله:{ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (المائدة:52) وقوله: { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } (الإسراء:79) وقوله: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44) وقد علم الله حين ارسلهما ما يفضى إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع فكأنه قال: انهضا لا إليه وقولا في نفوسكما لعله يتذكر أو يخشى.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك، والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض: فتقول لا تتعرض لما يسخطني فلعلك إن تفعل ذلك ستندم. وانما مراده أنه يندم لا محالة ولكنه اخرجه مخرج الشك تحرير للمعنى ومبالغة فيه.
أي أن هذا الامر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له فكيف وهو كائن لا شك فيه. أ.هـ
ومن المواضع الرائعة التي خرّجت "عسى" المعنى فيها على صورة الشك مع أنه لا شك فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(التوبة:18) ففيه كما قال أبو السعود: إبرازُ اهتدائِهم مع ما بهم من الصفات السنيةِ في معرِض التوقعِ لقطع أطماعِ الكفرةِ عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاعِ بأعمالهم التي يحسَبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم بأنهم مهتدون، فإن المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالاتِ، إذا كان أمرُهم دائراً بين لعل وعسى، فما بالُ الكفرة وهم هُمْ، وأعمالهم أعمالُهم.
وفيه لطفٌ للمؤمنين وترغيبٌ لهم في ترجيح جانبِ الخوفِ على جانب الرجاءِ ورفض الاغترار بالله تعالى.

بارك الله فيك شيخنا الفاضل

وعندي رأي في الترجي عندما يكون من الله تعالى، وهو : أن الترجي يكون من الله تعالى، ولا داعي لنفيه أو تأويله، ومن قال بأن الترجي يستلزم الجهل بالعاقبة، وهذا لا يليق بالله تعالى ؛ فلا يقبل قوله لأنه مبني على مساواة ما يوصف به الله تعالى ، وما يضاف إليه بما يوصف به المخلوق ، وما يضاف إليه ؛ وهذا مما قرر أهل السنة بطلانه ، والقاعدة في مثل هذا أنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

ومن العبارات المحررة في ذلك ما قاله الدكتور محمد مصطفى على مصطفى في تفسيره لسورة الرعد ص51 ،حيث قال مفسراً لـ"لعل" التي تفيد الرجاء : ( ترجية من الله واقعة لكماله ،والترجية من غيره متوقعة لعجزه .) وهذا هو معنى قول من قال: لعل من الله واجب .
وقد ذكر الرازي في تفسيره [ 25/160-161 ] أن لعل في كلام الله تحمل على الترجي من المتكلم، وأنه لا يلزم من كونها للرجاء ما قد يتوهم من جهل المتكلم وعدم علمه . وذكر الطاهر ابن عاشور كلاماً قريباً مما ذكره الرازي كما في تفسيره التحرير والتنوير 1/330 .

وعليه؛ فإن من أسباب وقوع الخطأ في تفسير كلام الله تعالى : المساواة بين صفاته تعالى وصفات المخلوقين ، أو بين ما يُخبر به عنه سبحانه وبين ما يُخبر به عن غيره . وهذا من أكبر أسباب وقوع الخطأ في تفسير كلام الله تعالى، وخاصة في تفاسير المبتدعة لآيات الصفات . والقاعدة في هذا الباب :أن أسماء الله وصفاته وما يخبر به عنه تليق بكماله تعالى وعظمته وجلاله ، وأسماء المخلوقين وصفاتهم وما يخبر به عنهم تليق بعجزهم وضعفهم ، وتناسب حالهم .
 
الحبيب أبا مجاهد
قرأت كلامك وأسعدتني متابعتك، ولقد كان رجائي وطمعي أن أراك في لقاء الأمس مع الثلة المباركة من مشرفي وكتاب الملتقى في اجتماع ملتقى أهل التفسير وقلت في نفسي – متوقعا حضورك- لعلي أن أراه
أخي الكريم، ما ذكرته محل اعتبار وهو لا يخرج من جهة التحليل عن جملة ما هو مذكور في كلامي وفي نقلي عن العلماء في تحرير المسألة
ولي عودة إن شاء الله أجيبك فيها عما ذكرت
 
الحبيب أبا مجاهد
أولا- يجب أن ينحى الكلام عن الترجي عن مسألة الأسماء والصفات فهذه مسألة القول فيها محسوم من جهة أن ما أثبته الله لنفسه منها فهو الثابت اللازم اعتقاده كما ثبت دون تأويل.
كما أنه من الثابت أيضا أن مسألة الأسماء والصفات مبناها التوقيف وليس الاستنباط أو التوليد من الكلام، وعليه فنسبة الترجي إليه تعالى هو منبثق عن معنى "لعل ، عسى" وليس لسبب توقيفي فلم يرِد وصف ذاته سبحانه بأنه "مترجي" ولا وصف فعله بأنه "يترجى"
إذا علمنا هذا وعلمنا أن أداة الترجي "لعل" غير ممحضة لمعنى الترجي بل يمكن أن تأتي للتعليل فإن المسألة تزداد بعدا عن قضية الأسماء والصفات
وعليه فليس في محله – فيما أرى - قولكم بارك الله فيكم:
إن الترجي يكون من الله تعالى، ولا داعي لنفيه أو تأويله ....
ثم قولكم:
وعليه؛ فإن من أسباب وقوع الخطأ في تفسير كلام الله تعالى : المساواة بين صفاته تعالى وصفات المخلوقين ، أو بين ما يُخبر به عنه سبحانه وبين ما يُخبر به عن غيره . وهذا من أكبر أسباب وقوع الخطأ في تفسير كلام الله تعالى، وخاصة في تفاسير المبتدعة لآيات الصفات . والقاعدة في هذا الباب :أن أسماء الله وصفاته وما يخبر به عنه تليق بكماله تعالى وعظمته وجلاله ، وأسماء المخلوقين وصفاتهم وما يخبر به عنهم تليق بعجزهم وضعفهم ، وتناسب حالهم .

إذا تقرر هذا فلنأت إلى طرح بقية كلامكم بارك الله فيكم لنتدارسه:
فمثلا قولكم:
ومن العبارات المحررة في ذلك ما قاله الدكتور محمد مصطفى على مصطفى في تفسيره لسورة الرعد ص51 ،حيث قال مفسراً لـ"لعل" التي تفيد الرجاء : ( ترجية من الله واقعة لكماله ،والترجية من غيره متوقعة لعجزه .) وهذا هو معنى قول من قال: لعل من الله واجب .
وقد ذكر الرازي في تفسيره [ 25/160-161 ] أن لعل في كلام الله تحمل على الترجي من المتكلم، وأنه لا يلزم من كونها للرجاء ما قد يتوهم من جهل المتكلم وعدم علمه .

أقول: هذا الكلام هو عين ما نقلناه عن صاحب البرهان، فتأمله.
وأما عن قول الرازي: أنه لا يلزم من كونها للرجاء ما قد يتوهم من جهل المتكلم وعدم علمه، فهو راجع إلى البحث الكلامي الذي يتسم به تفسير الرازي فهو دائما يدافع بكل قوة لإثبات العلم القديم ويرد ما عساه أن يوهم غير ذلك، حتى لا يدع فرصة لمعتقدي حدوث العلم فكلامه هنا مسألة كلامية بحتة وإلا فإنه في مواضع أخرى ذكر ما ذكره العلماء في هذا ويمكنك مراجعة كلامه عند تفسير قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة:21) حيث قال:
المسألة الخامسة : في قوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بحثان : البحث الأول : أن كلمة لعل للترجي والإشفاق ، تقول لعل زيداً يكرمني وقال تعالى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } [ طه : 44 ] ، { لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ } [ الشورى : 17 ] ألا ترى إلى قوله : { والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [ الشورى : 18 ] والترجي والإشفاق لا يحصلان إلا عند الجهل بالعاقبة وذلك على الله تعالى محال ، فلا بدّ فيه من التأويل وهو من وجوه :
أحدها : أن معنى «لعل» راجع إلى العباد لا إلى الله تعالى فقوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } أي اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما في إيمانه ، ثم الله تعالى عالم بما يؤول إليه أمره . وثانيها : أن من عادة الملوك والعظماء أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على إنجازها على أن يقولوا لعل وعسى ونحوهما من الكلمات ، أو للظفر منهم بالرمزة ، أو الابتسامة أو النظرة الحلوة فإذا عثر على شيء من ذلك لم يبق للطالب شك في الفوز بالمطلوب فعلى هذاالطريق ورد لفظ لعل في كلام الله تعالى . وثالثها : ما قيل أن لعل بمعنى كي ، قال صاحب «الكشاف» : ولعل لا يكون بمعنى كي ، ولكن كلمة لعل للأطماع ، والكريم الرحيم إذا أطمع فعلى ما يطمع فيه لا محالة تجري أطماعه مجرى وعده المحتوم ، فلهذا السبب قيل لعل في كلام الله تعالى بمعنى كي .......إلخ

أما الترجي في ذاته فكلنا يدرك أن مبناه توقع الحصول وليس الجزم به ومن ثم كانت الإشكالية قائمة في نسبته إلى الله تعالى وكان تخلص العلماء من ذلك إما:
1- بإبقاء معنى الترجي على ما هو عليه لكن بملحظ المخاطبين وليس المخاطِب وهو الاتجاه السائد عند العلماء وهو أقوى الوجوه إذا عليه يبقى معنى "الترجي" على حقيقته دون حاجة إلى العدول به إلى أي معنى آخر ومعلوم أن التفسير الذي يرتكز على الحقيقة مقدم على غيره لأنه الأصل.
2- وإما بالعدول بالترجي عن معناه القائم إلى معنى يليق وجلال الله تعالى وهو ما عبروا عنه بالإيجاب أو الطلب أو نحو ذلك وهو في ذلك كله مجاز لا حقيقة
وثالثا- بالعدول عن معنى الترجي المفهوم من أداته "لعل" والركون إلى معنى آخر لها هو التعليل
 
يبدو أنه سيكون هناك تداخلا بين بعض العبارات التي تدور على ألسنة بعض المفسرين ومصطلحات التفسير وعلوم القرآن ، فلو اجتهدنا في وضع ضابط للتفريق بين الأمرين .
فمثلاً : قولهم : قراءة تفسيرية ، مصطلح يتردد ، والقارئ بحاجة لكشف المراد بهذا المصطلح ، وقد تدخل في العبارات التي تكثر عند بعضهم .
ومن لطائف العبارات التي وجدتها عن ابن عطية ـ وهي تدل على تمام أدبه ـ قوله : ( والمكتوبة ) ، ويقصد بها لفظ الجلالة .
ومن ذلك قوله ـ في قوله تعالى : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) ـ : ( وقوله : (فمن ذا الذي ينصركم ) تقدير جوابه : لا من ، والضمير في ( بعده ) يحتمل عوده على المكتوبة ، ويحتمل عوده على الخذل الذي تضمنه قوله : ( إن يخذلكم ) ) .
 
ومما يردُ عند المفسرين كثيراً قولهم (مقتضى السياق أو النصِّ , أو السياقُ يقتضي كذا , أو المُقتَضَـى)

ومن أمثلته قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يحبُّ الكافرين) فيقولون - مثلاً- مقتضى الآية أو السياق أنه يحب المؤمنين.

وقوله تعالى ( ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ) فيقولون مقتضى السياق في جملة (ضلوا عنَّا) يدل على اعترافهم بالعبادة قبل الإنكار.

وغير ذلك مما لا يحصرُ مما أحسبُ أنه قد يكون مشروعاً لبحثٍ مستقل يعنون بـ (مقتضى النصِّ في القرآن)

قال الجرجاني في التعريفات:

مقتضى النص: ما لا يدل اللفظ عليه ولا يكون ملفوظا لكن يكون من ضرورة اللفظ أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا.

وقيل جعل غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق , مثاله (فتحرير رقبة) وهو مقتض شرعاً لكونها مملوكةً إذ لا عتقَ فيما لا يملكه ابنُ آدمَ فيُزادُ عليه ليكون تقديرُ الكلام فتحرير رقبةٍ مملوكة.1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التعريفات للجرجاني , صـ 226
 
أخانا الحبيب أبا عبد الملك، يسعدنا كثيرا حضوركم في هذا الموضوع الأهم وليتنا نجد من وقتكم ما يسمح بطرح ما رصدتموه خلال مسيرتكم العلمية من مصطلحات موجودة في كتب التفسير سواء كانت هذه المصطلحات من مصطلحات هذا العلم الأولية أو الثانوية
ولأنني أعرف حرصكم على التحرير والتقعيد والتضبيط فأقترح أن تفتحوا موضوعا تطرحون فيه رؤيتكم لما هو من مصطلحات التفسير وعلوم القرآن وما هو خارج عنها ومن خلال رؤيتكم ورؤية الأحبة من أعضاء الملتقى ممن لهم عناية بهذا الشأن يمكن أن نخلص إلى رأي ممحص في هذا الأمر.
لدي رؤية في ذلك لكنني أفضل طرحها في موضوع يفتح لهذا الغرض.

وأما عن مصطلح القراءة التفسيرية فأسطر هنا ما كتبته عنها تحت مادتها وهو واحد من مصطلحات كثيرة لم نتحصل لها في كتب علمائنا على تعريف مباشر يحدها ويميزها فاستدعت منا نظرا جاء تاليا لسبر كلام العلماء عنها في مواضع النص عليها
وأنتظر تعقيبكم وتعقيب الإخوان للإفادة

القراءة التفسيرية:
القراءة التفسيرية: هي ما نقل عن السلف على أنه قراءة وقد خالف رسم المصحف وكان أشبه بوجه في تفسير الآية.
وما صح سنده منها ربما كان من الأحرف السبعة التي لم يحتملها رسم المصحف.
ثم هذا النوع - أي القراءة التفسيرية - منه:
1- ما صح فيه النقل كرواية البخاري عن ابن عباس { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ }فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ
قال ابن حجر في فتح الباري: وَقِرَاءَة اِبْن عَبَّاس " فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ " مَعْدُودَةٌ مِنْ الشَّاذِّ الَّذِي صَحَّ إِسْنَادُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِقُرْآنٍ.
وقال في موضع آخر: هَذَا مِنْ الْقِرَاءَة الشَّاذَّة وَحُكْمهَا عِنْد الْأَئِمَّة حُكْم التَّفْسِير.
ولعل هذا راجع إلى ذلك القسم الذي ذكره ابن الجزري في النشر عن مكي وقال عنه:هو ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف.
ثم قال عن حكمه: فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين:
إحداهما- أنه لم يؤخذ بإجماع إنما أخذ بأخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد، والعلة الثانية- أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ولا يكفر من جحده.
2- وأكثر هذا النوع لم تصح فيه الرواية، وأكثر ما يعبر به المفسرون تجاهه أن يقولوا: وهذه القراءة على فرض صحتها فهي تفسير لا قرآن أو: لا تلاوة.
وما من شك في أن اعتبار ما صح سنده منها في التفسير هو أمر له وجاهته وقيمته. قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "فضائل القرآن":
فأما ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمها إلا بالإسناد والروايات التي يعرفها الخاصة من العلماء دون عوام الناس، فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين، وتكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه.
وذلك كقراءة حفصة وعائشة " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر " وكقراءة ابن مسعود " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " ومثل قراءة أبي بن كعب " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة اشهر ، فإن فاءوا فيهن " وكقراءة سعد " فإن كان له أخ أو أخت من أمه " وكما قرأ ابن عباس " لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " وكذلك قراءة جابر " فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم" فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسرة للقرآن أ.هـ
ومن هذه المواضع التي تعرض فيها المفسرون لهذا اللون ما ذكره أبو حيان في البحر المحيط عند تفسير قوله تعالى:{وما ننزله إلا بقدر معلوم} قال: وقرأ الأعمش: وما نرسله مكان وما ننزله، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير معنى، لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف.
وعند تفسيره لقول الله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} قال أبو حيان: قراءة عبد الله: "وقلنا إنّ دابر ... "وهي قراءة تفسير لا قرآن، لمخالفتها السواد.
وكذا ذكرها الآلوسي وقال: هي قراءة تفسير لا قرآن لمخالفتها لسواد المصحف.
عند تفسيره لقوله تعالى: {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه} قال الآلوسي: وقرأ ابن مسعود وعد ذلك قراءة تفسير " وَجَاء البشير مِن بَيْنِ يَدَيْهِ العير "
وعلى هذا فضابط القراءة التفسيرية أن يتوافر فيها ما يلي:
1- أن تنقل عن السلف على أنها قراءة لا تفسير.
2- أن تكون مخالفة لرسم المصحف.
3- أن يحتمل النص الكريم كونها تفسيرا له.
* وقد ذكر السيوطي في الإتقان هذا النوع وسماه السيوطي المدرج وقد مضى الكلام عنه (انظر: الإدراج)
وقد يقال للقراءة التفسيرية قراءة مفسِّرة – بكسر السين- وسيأتي الكلام عنها (انظر: القراءة المفسِّرة)
 
عودة
أعلى