Follow along with the video below to see how to install our site as a web app on your home screen.
ملاحظة: This feature may not be available in some browsers.
ترد عند المفسرين عبارات تحتاج للتأمل ، وقد لايعرفها البعض منا ، مثل قولهم : هذه الآية على التخييل ، والفكرة تتلخص في جمع هذه العبارات مع التعليق عليها بالبيان والشرح .
وفق الله الجميع ،،،
أخي الحبيب أبا مجاهد حفظك الله ..
بالنسبة إلى مسألتي العلم والداعي التي نقلتَها عن الرازي، فلا بدّ من الإشارة إلى مسألة مهمة هي سبب الإشكال - في حِسباني -، وهي أن الرازي لم يُفسّر القرآن على الترتيب المصحفي، وإنما تخيّر من السور، فلذلك قد يُحيل في بداية تفسيره على مواضع متأخّرة؛ لأنه فسّرها زمنياً قبل تلك المتقدّمة في ترتيب المصحف، ومن هنا نشأ عدم فهم هذه الكلمة؛ إذ قد شرحها مراراً أثناء التفسير إلّا أنها لم تكن في الموضع الأوّل من مظانها حسب ترتيب المصحف أو الترتيب التقليدي للتفسير، فيحتاج القارئ إلى قراءة الكثير من التفسير حتى تتّضح له مثل هذه الاصطلاحات .
أما مسألتا العلم والداعي فهما من المسائل التي يوردها الرازي على المعتزلة، في سياق الاحتجاج على عقيدة الجبر والقدر، والرازي ينتصر في تفسيره بوضوح إلى عقيدة الجبر، والمعتزلة - كما هو معروفٌ - قدريّة في باب القدر .
فإذا أورد الرازي دليلاً للمعتزلة جارياً على مذهب القدريّة - في نفي القدر أو بعبارة المعتزلة : خلق أفعال العباد، وأنه ليس لله مشيئة في كفر الكافر وأشباهه - عارض دليلهم هذا بمسألتي العلم والداعي .
وحاصل المسألتين - كما أذكر الآن من دون العود إلى التفسير - أن العلم هو الاحتجاج عليهم بعلم الله المسبق للأحداث، الذي يعتبره حجّة في الجبر، ووجهه :
أن الله إذا علم من فلان الكفر، فهل يستطيع هذا الفلان أن يؤمن فيتخلّف علم الله، الجواب : لا، قطعاً، فيعتبر بهذا الوجه مسألة علم الله المسبق من أقوى أدلّة الجبر .
أما مسألة الداعي، فحاصلها : أنكم - أيها القدريّة - كما في عُرف الرازي - قد احتججتم على أنّ الفعل إنما كان بمشيئة العبد المجردة بالداعي، وهو أنّ ثمّة إرداة انطلقت من نفس العبد نحو الفعل، ففعله العبد، إلّا أننا نورد عليكم أن هذه الإرادة لما تحرّكت نحو الفعل احتاجت إلى محرّك، فمن الذي الذي حركها ؟ يلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا : الله حرّكها، وهو الذي نقول به - يقصد الرازي من القول بالجبر - أو أن تقولوا : حرّكتها إرادة أخرى، فإن قلتم ذلك؛ ورد عليكم أن هذه الإرادة الأخيرة احتاجت إلى محرّكٍ كذلك، ويلزمكم أحد اثنين : أن تقولوا حرّكتها إرادة اخرى، وهذا باطلٌ، لأنه يلزم منه التسلسلُ وهو ممنوع، وعليه، فلا مناص لكم من التسليم بأن الله حرّكها، وهو قولنا .
وهاتان المسألتان هما ما يحتجّ بهما الرازي لعقيدته الجبريّة، وليس المقام بمقام التحقيق فيهما، وإنما عرضتُ في هذه العجالة مقصود الرازي على ما طلبتم، وفقكم الله .
أما ما أورده أخي المنصور، فلا يفيد قطعاً في هذه المسألة، والكلام إنما أورده المقريزي - فيما أحسب - نقلاً عن فلاسفة الصوفية، لأجل الرّد إليهم، وإلا فالكلام المنقول - من حيث المعنى - باطلٌ ظاهر البطلان، وهو غير متعلّقٍ بالمسألة التي نحن بصدد الحديث عنها .
فأحسب موضوع (مصطلحات التفسير وعلوم القرآن) يختلف عما نحن بصدده هنا، فمصطلحات التفسير وعلوم القرآن تعنى بالمصطلحات العلمية التي تختص بهذين العلمين وقد كتب فيها عدد من المعاجم المعاصرة وهي فكرة في حاجة إلى إعادة التأليف فيها حتى تكتمل ، ولعل كتاب أستاذنا الدكتور أحمد سعد الخطيب يفي بهذه الحاجة إن شاء الله ، وليته يبالغ في تحريره ومراجعته والتأكد من مقاربته للاستيعاب وسد الحاجة التي أغفلتها المعاجم المطبوعة . والتفريق بين المصطلحات المختصة بعلوم القرآن والتفسير فقط ، والمصطلحات المشتركة بينها وبين علوم آلة المفسر كالبلاغة والنحو وغيرها . والتعمق في تحرير محل النزاع في المصطلحات وتتبع تاريخها ونشأتها وميدانها الذي تدور فيه وأكثر من يستعملها من المفسرين والمعاني الخاصة التي ينفرد بها بعض من يستعملها في استعماله لها ونحو هذه المسائل الدقيقة التي تعطي للمعجم قيمته العلمية الفريدة، فقد أحزنني بعض المعاجم المطبوعة التي لم يزد عمل صاحبها على الترتيب السهل لكلام الآخرين دون أن يضيف شيئاً ذا بال . بل رأيت بعض الباحثين قد تساهل في إخراج معجم للمصطلحات في أحد الفنون الدقيقة، فأنجزه في مدة وجيزة لا تكفي للقراءة فضلاً عن التأليف ، ولذلك خرج معجمه بارداً لا جديد فيه .الحمد لله ، وبعد ..
هذا موضوع شيق لكنه مضني ، ويصلح بكل جدارة لأطروحة عالية عالمية ، تكتب تحت عنوان : ( مصطلحات التفسير وعلوم القرآن ) أو قل ما شئت في العنوان .
أخي الدكتور عبد الرحمن الشهري، بوركت مساعيك وجميع إخوانك في خدمة القرآن الكريم وعلومه.
والله تعالى أسأل أن يكون ما كتبناه ملبيا للحاجة التي أشرتم إليها في كلامكم، وإن كنت أعترف - رغم أنه قد مرت على معالجته سنون بلغت تسعا ,ان مواده المعجمية قد جاوزت الألف وخمسمائة مادة - إلا أن المرجو منه أكبر مما تم تحقيقه، لكنه بالنسبة لي مشروع مفتوح ما أمدّ الله لي في العمر، وبنصائح الإخوان وإضافتهم واستدراكاتهم سيكون في صورة أفضل إن شاء الله.
ثم نعود إلى موضوعنا لنعرّج على مصطلح جديد مما يذكره المفسرون لإيضاحه والكشف عنه - وهو في ذات الوقت أنموذج لما طرحته في معجمي "مفاتيح التفسير" - وهومصطلح "الترجي" فنقول مستعينين به سبحانه :
الترجي:
هو انتظار حصول أمر مرغوب فيه، من غير وثوق بحصوله. ويكون بالحرف" لعلّ " أو " علّ " أو بالأفعال: ( أرجو، عسى، حرى، آمل، اخلولق )
* وقد ذكر السيوطي الترجي ضمن أقسام الإنشاء، ونقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء، وفرّق بينه وبين التمني بأمور منها ما يلي:
1. الترجي يكون في الممكن، والتمني يكون فيه وفي المستحيل.
2. الترجي يكون في القريب، والتمني يكون في البعيد.
3. الترجي يكون في المتوقَع، والتمني يكون في غيره.
* والترجي لا يكون إلا من الأدنى للأعلى ولهذا فسر سيبويه قوله تعالى آمرا موسى وهارون عليهما السلام: { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ( طه:44، 43 ) فسّره بأن معناه: اذهبا على رجائكما وطمعكما.قال الزركشي في البرهان: يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام لانهما لم يكونا جازمين بعدم ايمان فرعون أ.هـ
قلت:حمل الترجي على هذا هو الأصح لأن الترجي نتيجة الجهل بالعاقبة وهو محال على علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى.
وأيضا فإن حمل الترجي على غير هذا مخالفة للترتيب الطبيعي الذي عنونّا به هذه الفقرة وهي أن الترجي يكون من الأدنى للأعلى وليس العكس.
*فائدة:
قال الزركشي في البرهان:
كل ما جاء في القرآن العظيم من نحو قوله تعالى"لعلكم تفلحون" أو "تتقون" أو "تشكرون" فالمعتزلة يفسرونه بالإرادة لأن عندهم أنه تعالى لا يريد إلا الخير ووقوع الشر على خلاف إرادته. وأهل السنة يفسرونه بالطلب لما في الترجي من معنى الطلب والطلب غير الإرادة على ما تقرر في الأصول فكأنه قال: كونوا متقين. أو :مفلحين.
إذ يستحيل وقوع شئ في الوجود على خلاف إرادته تعالى بل كل الكائنات مخلوقة له تعالى ووقوعها بإرادته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. أ.هـ
والرأي هنا ما رآه أهل السنة لأن كل ما يقع في الكون من خير أو شر هو بإرادة الله ولا يقع شيء في الكون لا يريده سبحانه، فترجح أن يكون الرجاء في نحو ما ذكر بمعنى الطلب.أو باعتبار المخاطبين كما مضى عن سيبويه.
وقد رجعت إلى تفسير الكشاف لأتبين رأي المعتزلة في نحو هذه الآيات فوجدته يذكر أن "لعل" استعارة بمعنى الإرادة وهذه بعض مواضع كلامه في ذلك.
فعند تفسيره لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة:3) قال: { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } فيه وجهان :
1- أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [ طه : 44 ] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام.
2- أن يستعار لفظ الترجي للإرادة .
وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قال: و "لعل": مستعار لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها. ومعنى الترجي، أي: خلقناه عربياً غير عجمي: إرادة أن تعقله العرب.
* ونحو "لعل" في إفادة الترجي "عسى" إذ هي تفيد الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهوخير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهوشر لكم}
ومثل هذا لا إشكال فيه عندما يتعلق معنى الترجي فيها بالمخاطبين تماما كما ذكرنا في "لعل" لكن الإشكال في نسبة الترجي إلى الله تعالى من خلال "عسى" كما عرفناه من خلال "لعل" فأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال: كل عسى في القرآن فهي واجبة. وقال الشافعي: يقال عسى من الله واجبة. وقال ابن الأنباري: عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين. أحدهما – { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } (الإسراء:8) يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة.
والثاني – { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا} (التحريم:5) فلم يقع التبديل.
ومعنى كونها واجبة أي محققة الوقوع لا للتوقع كما هو الحال في كلام البشر.
وجعل بعض العلماء هذا المعنى قاعدة عامة لـ "عسى" إذا تعلقت بـ "الله" عز وجل كما قال السيوطي في الإتقان: وأبطلوا استثناء هاتين الآيتين لأن الرحمة – في الآية الأولى- كانت مشروطة بأن لا يعودوا كما قال: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} وقد عادوا فوجب عليهم العذاب. والتبديل – في الآية الثانية- كان مشروطاً بأن يُطلِّق ولم يُطلِّق فلا يجب.
وقد أجمل صاحب البرهان القول في "عسى ، ولعل" معًا من هذه الوجهة التي نتكلم عنها فقال:
"عسى ، ولعل" من الله تعالى واجبتان، وان كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين، لان الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون، والبارئ منزه عن ذلك.
والوجه في استعمال هذه الالفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها، ولا يقطعون على الكائن منها، وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة، صارت لها نسبتان:
1- نسبة إلى الله تعالى تسمى نسبة قطع ويقين.
2- ونسبة إلى المخلوق وتسمى نسبة شك وظن.
فصارت هذه الالفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله كقوله تعالى:{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } (المائدة:54) وتارة بلفظ الشك بحسب ماهي عليه عند المخلوقين كقوله:{ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (المائدة:52) وقوله: { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } (الإسراء:79) وقوله: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44) وقد علم الله حين ارسلهما ما يفضى إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع فكأنه قال: انهضا لا إليه وقولا في نفوسكما لعله يتذكر أو يخشى.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك، والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض: فتقول لا تتعرض لما يسخطني فلعلك إن تفعل ذلك ستندم. وانما مراده أنه يندم لا محالة ولكنه اخرجه مخرج الشك تحرير للمعنى ومبالغة فيه.
أي أن هذا الامر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له فكيف وهو كائن لا شك فيه. أ.هـ
ومن المواضع الرائعة التي خرّجت "عسى" المعنى فيها على صورة الشك مع أنه لا شك فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(التوبة:18) ففيه كما قال أبو السعود: إبرازُ اهتدائِهم مع ما بهم من الصفات السنيةِ في معرِض التوقعِ لقطع أطماعِ الكفرةِ عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاعِ بأعمالهم التي يحسَبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم بأنهم مهتدون، فإن المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالاتِ، إذا كان أمرُهم دائراً بين لعل وعسى، فما بالُ الكفرة وهم هُمْ، وأعمالهم أعمالُهم.
وفيه لطفٌ للمؤمنين وترغيبٌ لهم في ترجيح جانبِ الخوفِ على جانب الرجاءِ ورفض الاغترار بالله تعالى.