موضوع للمناقشة : من غرائب الحسن البصرى فى التفسير

إنضم
12/05/2014
المشاركات
160
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
أرض الكنانة
الأخوة الكرام رواد الملتقى هذه رواية أوردها الشيخ الكرمانى عن الحسن البصرى - رحمه الله تعالى - فى كتابه غرائب التفسير وعجائب التأويل ، وقد وصف كلام الحسن فيها بالغرابة ، وهذه مناقشة لهذه الرواية ، نرجو من الأخوة الكرام رواد الملتقى أن يدلى كل منهم بدلوه فى المناقشة ، وأن يضيف إليها بما يثريها ، وجزاكم الله خيرا :

قال الله تعالى :
} وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ { [SUP]([1])[/SUP] 0
قال العلامة الكرمانى : " ابنى آدم : هما قابيل وهابيل ، قابيل كان كافراً وقيل: فاجراً 0
الغريب : الحسن : كانا رجلين من بنى إسرائيل ، وقال : القربان لم يكن إلا لبنى إسرائيل ، واستدل أيضاً بقوله : } مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ { [SUP]([2])[/SUP] ، وغيره استدل بقوله : }فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً { [SUP]([3])[/SUP] لأنه لم يمتد جعل الناس بما يفعلون بموتاهم إلى زمن بنى إسرائيل "[SUP]([4])[/SUP] 0
الدراسة :
يستعرض العلامة الكرمانى هنا ما ورد فى المراد بـ"ابنى آدم" فيذكر قولين ويذكر حجة كل منهما ودليله ويرجح منهما ما قال به الجمهور من المفسرين وهو القول الأول ، ويسم القول الثانى بالغرابة وهى تعنى عنده الضعف ، وينسبه للحسن البصرى ـ رحمه الله تعالى.
القول الأول : ابنا آدم هما قابيل وهابيل، وهو قول جمهور المفسرين .
ويذكر دليل هذا القول وأنه يتمثل فى :
دلالة السياق ، وهو ما ورد فى قوله تعالى " فبعث الله غراباً يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه " وذلك دليل على جهل القاتل بالدفن حتى علمه إياه الغراب ، ولا شك أن ذلك فى بداية الخلق أيام آدم عليه السلام ، لأنه ليس بمعقول أن يمتد جهل الناس بدفن موتاهم إلى زمان بنى إسرائيل .
القول الثانى : أن ابنى آدم كانا رجلين من بنى إسرائيل "قاله الحسن البصرى " .
واستدل لهذا القولين بدليلين :
الأول : أن القربان لم يكن إلا فى بنى إسرائيل .
الثانى : أن سياق الآيات يدل على ذلك ، حيث قال تعالى بعد ذكر نبأ ابنى آدم } مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ {[SUP]([5])[/SUP] .
والباحث فيما ذكره العلامة الكرمانى يجد أن الحق فيما ذهب إليه جمهور المفسرين من أن ابنى آدم هما ابناه لصلبه وذلك لعدة أمور منها :
أولاً : عدم صحة نسبة هذا القول إلى الحسن البصرى وذلك لأمرين:
1 ـ ضعف سند الرواية التى نقل بها القول عن الحسن البصرى :
قال ابن جرير الطبرى : " حدثنا ابن وكيع ، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو ، عن الحسن ـ هو البصرى ـ قال : كان الرجلان اللذان فى القرآن ، اللذان قال الله " واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق" من بنى إسرائيل ، ولم يكونا ابنى آدم لصلبه ، وإنما كان القربان فى بنى إسرائيل ، وكان آدم أول من مات "[SUP]([6])[/SUP] .
ويأتى ضعف سند هذه الرواية من ناحيتين :
الأولى : أن سهل بن يوسف لم يسمع من عمرو بن عبيد، كما أن عمرو بن عبيد كان يكذب على الحسن البصرى وينسب إليه ما لم يقله، وذلك ما أثبته علماء الجرح والتعديل .
جاء فى الضعفاء والمتروكون لابن الجوزى : " عمرو بن عبيد ابن باب أبو عثمان البصرى ، يروى عن الحسن ، قال أيوب ويونس: كان يكذب فى الحديث ، وقال أحمد : كان يكذب على الحسن ، قال على: ليس حديثه بشئ ، ولا نرى الرواية عنه ، وقال يحيى : ليس بشئ لا يكتب حديثه ، وقال النسائى : متروك الحديث ، وقال الدارقطنى : ضعيف"[SUP]([7])[/SUP] .
وقال العلامة ابن حجر فى تهذيب التهذيب : " قال عمرو بن على : متروك الحديث صاحب بدعة ، وقال أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال النسائى : ليس بثقة ولا يكتب حديثه ، وقال الميمونى عن أحمد بن حنبل : ليس بأهل أن يحدث عنه ، وقال الدورى عن ابن معين : ليس بشئ ..." بتصرف[SUP]([8])[/SUP] .
2 ـ ما ورد عن الحسن البصرى مما يوافق قول الجمهور وأنهما ابنا آدم لصلبه :
أخرج عبد الرزاق فى تفسيره قال : قال معمر ، وقال الحسن: قال رسول الله r : " إن ابنى آدم ضربا لهذه الأمة مثلاً فخذوا بالخير منهما "[SUP]([9])[/SUP] .
وقد ساق العلامة الطبرى فى تفسيره ثلاث روايات منسوبة للحسن البصرى بنفس المضمون .
أقول وعند المقارنة بين هذه الروايات والرواية التى ذكرها الكرمانى ونسبها للحسن البصرى ـ رحمه الله تعالى ـ والتى تبين أن الذى نقلها عنه عمرو بن عبيد ، وأنه كان يكذب على الحسن البصرى وينسب إليه ما لم يقل ، كما ذكر ذلك علماء الجرح والتعديل ـ أقول إن الروايات التى يوافق فيها الحسن البصرى جمهور المفسرين هى الأولى بالقبول وخاصة إذا كان القرآن الكريم يشهد لها والسنة النبوية الصحيحة تشهد لها ، لا سيما إذا كانت الروايات والأقوال المتعارضة صادرة من مفسر واحد فللمتأخر منها اعتبار فى حال تماثلها فى الصحة وإلا قدم الصحيح منها[SUP]([10])[/SUP] .
ثانياً : مخالفة ما ذهب إليه الحسن للمعنى العام للآيات:
المتأمل للآية الكريمة والآيات بعدها يتبين له أن المراد بابنى آدم هنا هما ابناه لصلبه وذلك لأن السياق يؤيد ذلك ، فقد ذكر الله تعالى بعد هذه الآية قوله " } فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ { ومعلوم أن الجهل بدفن الموتى كان من أول الأمر ولم يتأخر إلى زمن بنى إسرائيل .
يقول الإمام القرطبى رحمه الله تعالى : " واختلف فى ابنى آدم فقال الحسن البصرى : ليسا لصلبه ، كانا رجلين من بنى إسرائيل ـ ضرب الله بهما المثل فى إبانة حسد اليهود ـ وكان بينهما خصومة، فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا فى بنى إسرائيل .
قال ابن عطية : " وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بنى إسرائيل حتى يقتدى بالغراب ؟ والصحيح أنهما ابناه لصلبه، هذا قول جمهور المفسرين ، وقاله ابن عباس وابن عمرو وغيرهما، وهما قابيل وهابيل "[SUP]([11])[/SUP] .
فالسياق يدل عليه وقال به حبر الأمة وابن عمر وغيرهم ، فظاهر القرآن يؤيده .
قال العلامة ابن كثير : " وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه ، كما هو ظاهر القرآن ، وكما نطق به الحديث فى قوله " إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل " وهذا ظاهر جلى "[SUP]([12])[/SUP] .
ويقول صاحب أضواء البيان : " قال جمهور العلماء : إنهما ابنا آدم لصلبه ، وهما هابيل وقابيل
وقال الحسن البصرى : هما رجلان من بنى إسرائيل ، ولكن القرآن يشهد لقول الجماعة ، ويدل على عدم صحة قول الحسن، وذلك فى قوله تعالى " } فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ { ولا يخفى على أحد أنه ليس فى بنى إسرائيل رجل يجهل الدفن حتى يدله عليه الغراب ، فقصة الاقتداء بالغراب فى الدفن ، ومعرفته منه تدل على أن الواقعة وقعت فى أول الأمر قبل أن يتمرن الناس على دفن الموتى كما هو واضح ، ونبه عليه غير واحد من العلماء ، والله تعالى أعلم "[SUP]([13])[/SUP] .
فظاهر القرآن ودلالة السياق تشهد لصحة قول الجمهور أنهما ابنا آدم لصلبه ، وعلى ضعف قول الحسن أنهما رجلان من بنى إسرائيل ، والقول الذى تؤيده قرائن السياق مرجح على ما خالفه، وفى الوقت نفسه كل تفسير ليس مأخوذاً من دلالة ألفاظ الآية وسياقها فهو رد على قائله[SUP]([14])[/SUP] .
ثالثاً : مخالفته للسنة النبوية الصحيحة :
عند عرض ما نسب إلى الحسن البصرى ـ رحمه الله تعالى ـ على السنة النبوية نجد أنه يخالف ما جاء فى السنة النبوية مخالفة صريحة فقد اخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله r : " لا تقتل نفس ظلماً، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل"[SUP]([15]).[/SUP]
قال ابن حجر : " قوله " على ابن آدم الأول " هو قابيل عند الأكثر، ... وعن الحسن : لم يكونا ولدى آدم لصلبه وإنما كانا من بنى إسرائيل " أخرجه الطبرى ، ومن طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد قال : كانا ولدى آدم لصلبه ، وهذا هو المشهور ويؤيده حديث الباب، لوصفه بأنه الأول ، أى أول ما ولد لآدم ....قوله : " كفل منها ، زاد فى الاعتصام : وربما قال سفيان : من دمها ، وزاد فى آخره : "لأنه أول من سن القتل .
والكفل: بكسر أول وسكون الفاء النصيب.... وقوله : " لأنه اول من سن القتل " فيه أن من سن شيئا كتب له أو عليه ، وهو أصل فى ان المعونة على مالا يحل حرام ، وقد أخرج مسلم من حديث جرير " من سن فى الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "
[SUP]([16])[/SUP] اهـ[SUP]([17])[/SUP] .
فقوله : " وهذا هو المشهور ، ويؤيده حديث الباب لوصفه بأنه الأول ، أى أول ما ولد آدم دليل على أن السنة ترد قول الحسن وتشهد بخلافه .
وقال العلامة بدر الدين العينى : " قوله " على ابن آدم الأول هو : قابيل قتل هابيل ، قوله : كفل بكسر الكاف أى نصيب ، قال عليه الصلاة والسلام ـ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "[SUP]([18])[/SUP] .
" ويؤكد شيخ المفسرين خطأ قول الحسن البصرى لمخالفته السنة فيقول :" وهذا الخبر الذى ذكرنا عن رسول الله r مبين عن أن القول الذى قاله الحسن فى ابنى آدم إنهما ليسا بابنى آدم لصلبه، ولكنهما رجلان من بنى إسرائيل خطأ ، لأن رسول الله r قد أخبر عن القاتل الذى قتل أخاه أنه أول من سن القتل ، وقد كان لا شك القتل قبل إسرائيل ، فكيف قبل ذريته ، فخطأ من القول أن يقال : أول من سن القتل رجل من بنى إسرائيل "[SUP]([19])[/SUP] .
مما تقدم يتضح مخالفة ما نسب للحسن البصرى لما جاء فى السنة ، ومعلوم انه إذا ثبت الحديث وكان نصاً فى تفسير الآية فلا يصار إلى غيره ، كما أنه إذا ثبت الحديث وكان فى معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه[SUP]([20])[/SUP] .
رابعاً : مخالفة ما نسب للحسن لإجماع المفسرين :
المطالع لكتب التفسير يتبين له مخالفة ما نسب إلى الحسن البصرى لما قال به جمهور المفسرين ، وهذا ولا شك دليل ضعفه وسقوطه ، وذلك ما حدا بالكرمانى لوصفه بالغرابة والضعف .
يقول شيخ المفسرين العلامة الطبرى مبيناً مخالفته لجمهور المفسرين : " وأولى القولين فى ذلك عندى بالصواب أن اللذين قربا القربان كانا ابنى آدم لصلبه ، لا من ذريته من بنى إسرائيل ، وذلك أن الله ـ عز وجل ـ يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة، والمخاطبون بهذه الآية كانوا عالمين أن تقريب القربان لله لم يكن إلا فى ولد آدم ، دون الملائكة والشياطين وسائر الخلق غيرهم، مع إجماع أهل الأخبار والسير والعلم بالتأويل على أنهما كانا ابنى آدم لصلبه ، وفى عهد آدم وزمانه ، وكفى بذلك شاهداً "[SUP]([21])[/SUP] .
فأهل التاريخ والسير والعلم بالتأويل على خلاف ما قال به الحسن أو نسب إليه ، مما يدل على ضعفه وسقوطه ، وذلك ما يؤكده العلامة الواحدى فيقول :
" وهذا قول جميع أهل التفسير إلا الحسن والضحاك فإنهما قالا: إن ابنى آدم اللذين قربا قرباناً لم يكونا ابنى آدم لصلبه ، إنما كان رجلين من بنى إسرائيل "[SUP]([22])[/SUP] .
ويقول الحافظ ابن كثير : " وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه ، كما هو ظاهر القرآن ، وكما نطق به الحديث ، وهذا ظاهر جلى "[SUP]([23])[/SUP] .
ولا شك أن التفسير إذا خالف ما أجمعت عليه الأمة فهو رد على صاحبه .
خامساً : انتقاد المفسرين لما نسب إلي الحسن واعتراضهم عليه:
لمخالفة ما ذهب إليه الحسن البصرى لظاهر القرآن والسياق العام للآيات ، والسنة النبوية وإجماع المفسرين انتقده واعترض عليه عدد كبير من المفسرين .
ومن هؤلاء ابن عطية وأبو حيان وأبو جعفر النحاس فى إعرابه والحافظ ابن كثير وغيرهم .
قال العلامة ابن عطية " وابنا آدم " هما فى قول جمهور المفسرين لصلبه ، وهما قابيل وهابيل ، وقال الحسن بن أبى الحسن البصرى " ابنا آدم " ليسا لصلبه ، ولم تكن القرابين إلا فى بنى إسرائيل ، قال القاضى أبو محمد : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بنى إسرائيل حتى يقتدى بالغراب ، والصحيح قول الجمهور "[SUP]([24])[/SUP] .
فقوله : " وهذا وهم " اعتراض منه على ما نسب للحسن وانتقاد له ، وإقامة للحجة على قائله بدلالة السياق ، وأنه قول الجمهور .
وقال صاحب البحر المحيط : " وابنا آدم " فى قول الجمهور ابن عمر وابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم : هما قابيل وهابيل، وهما ابناه لصلبه ، وقال الحسن : لم يكونا ولديه لصلبه ، وإنما هما أخوان من بنى إسرائيل ، قال : لأن القربان إنما كان مشروعاً فى بنى إسرائيل ولم يكن قبل ، ووهم الحسن فى ذلك ، وقيل عليه : كيف يجهل الدفن فى بنى إسرائيل حتى يقتدى فيه بالغراب ، وأيضاً فقد قال الرسول عنه : " إنه أول من سن القتل " وقد كان القتل قبل بنى إسرائيل "[SUP]([25])[/SUP] .
وممن حكم عليه بالغلط أبو جعفر النحاس فى إعراب القرآن فقال : " وأما قول الحسن إن اللذين قربا قربانا من بنى إسرائيل فغلط، يدل على ذلك قوله عز وجل : " ليريه كيف يوارى سوءة أخيه"اهـ[SUP]([26]).[/SUP]
كما استغربه الحافظ ابن كثير وحكم بضعف إسناده إلى الحسن فقال: " وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه كما هو ظاهر القرآن، وكما نطق به الحديث فى قوله : " إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل " وهذا ظاهر جلى ، ولكن قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن ـ هو البصرى ـ قال : كان الرجلان فى القرآن ، اللذان قال الله : " واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق " من بنى إسرائيل ، ولم يكونا ابنى آدم لصلبه ، وإنما كان القربان فى بنى إسرائيل ، وكان آدم اول من مات ، وهذا غريب جداً ، وفى إسناده نظر "
وقد قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال : " قال رسول الله r : " إن ابنى آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما "[SUP]([27])([28])[/SUP] .
فقد انتقد كلام الحسن هنا بعدة أمور :
1 ـ مخالفته لإجماع المفسرين .
2 ـ مخالفته لظاهر القرآن الكريم .
3 ـ مخالفته لصريح السنة وصحيحها .
4 ـ كونه غريباً جداً لا يوافق المشهور المعروف من أقوال العلماء.
5 ـ ضعف إسناده لأن فيه عمرو بن عبيد ، وقد اتهم بالكذب على الحسن.
6 ـ أنه قد ورد عن الحسن ما يوافق قول الجمهور .
فمن خلال ما تقدم يظهر جلياً ضعف ما نسب إلى الحسن البصرى رحمه الله تعالى

نرجو من الأحباب رواد الملتقى إضافة لمساتهم الرائعة على هذا الموضوع ، وجزاكم الله خيرا .


([1]) سورة المائدة آية : 27 0

([2]) سورة المائدة آية : 32 0

([3]) سورة المائدة آية : 31 0

([4]) غرائب التفسير وعجائب التأويل 1/328 0

([5]) سورة المائدة آية : 32 0

([6]) تفسير الطبرى 10/230 0

([7]) الضعفاء والمتروكون 2/229 ، لابن الجوزى ت 597 ، تحقيق عبد الله القاضى ، ط دار الكتب العلمية ، الأولى 1406هـ 0

([8]) تهذيب التهذيب 8/70 ، لأحمد بن على بن حجر العسقلانى ت 850 ـ ط دائرة المعارف النظامية ، الهند ، الأولى 1226هـ 0

([9]) تفسير عبد الرزاق 2/14 بن همام الصنعانى ت 261هـ ، تحقيق محمود محمد عبده ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1419هـ ويراجع تفسير الطبرى 10/230 ، فقد ذكر ثلاث روايات إحداهما بنفس اللفظ والأخيرتين بلفظ " إن الله جل وعز ضرب لكم ابنى آدم مثلا فخذوا خيرهما ودعوا شرهما ، أو فخذوا من خيرهم ودعوا الشر 0

([10]) يراجع البرهان فى علوم القرآن 2/160 للزركشى 0

([11]) تفسير القرطبى 6/133 ، ويراجع تفسير المحرر الوجيز 2/178، زاد المسير 1/536 ، تفسير الرازى 11/338 0

([12]) تفسير القرآن العظيم 3/90 0

([13]) أضواء البيان 1/372 0

([14]) يراجع مختصر قواعد الترجيح ص117 ، 135 0

([15]) أخرجه البخارى كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته 4/133 ط دار طوق النجاة ، ومسلم كتاب القسامة باب بيان إثم من سن القتل 3/1303 تحقيق فؤاد عبد الباقى ط دار إحياء التراث 0

([16]) أخرجه مسلم كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة 2/704 ، النسائى فى سننه كتاب الزكاة ، باب التحريض على الصدقة 5/75 ، الإمام أحمد فى المسند 31/415 ، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم 0

([17]) فتح البارى شرح صحيح البخارى 12/193 ، لأحمد بن على بن حجر العسقلانى الشافعى ، رقم أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقى ، ط دار المعرفة ، بيروت ، 1379هـ وراجع شرح صحيح البخارى لابن بطال 8/497 ، تحقيق ياسر بن إبراهيم ، ط : مكتبة الرشد، الرياض، الثانية 1423هـ ـ 2003م ، الكواكب الدرارى فى شرح صحيح البخارى 24/5 لمحمد بن يوسف الكرمانى ت 786هـ ، ط دار إحياء التراث العربى ، بيروت ، الأولى 1359هـ ـ 1937م التوضيح لشرح الجامع الصحيح 31/303 لابن الملقن ط دار النوادر، دمشق ، الأولى 1429هـ ـ 2008م 0

([18]) عمدة القارى شرح صحيح البخارى 24/34 ، لأبى محمد محمود بن أحمد بن موسى الغيثانى بدر الدين ت 855 هـ ، ط دار إحياء التراث العربى بيروت د/ت 0

([19]) تفسير الطبرى 10/219، 220 بتصرف 0

([20]) يراجع مختصر قواعد الترجيح 74 ، 81 0

([21]) تفسير الطبرى 10/208 ، 209 ت شاكر بتصرف 0

([22]) التفسير البسيط 7/335 للواحدى 0

([23]) تفسير ابن كثير ت سلامة 3/90 ، ويراجع زاد المسير فى التفسير 1/536 ، المحرر الوجيز لابن عطية 2/178 ، تفسير القرطبى 6/123، فتح القدير للشوكانى 2/36 ، فتح البيان 3/395 ، تفسير المنار 6/283 ، أضواء البيان 1/371 0

([24]) المحرر الوجيز لابن عطية 2/178 0

([25]) البحر المحيط فى التفسير 4/227 0

([26]) إعراب القرآن للنحاس 1/264 0

([27]) تفسير عبد الرزاق 2/14 ، للإمام عبد الرزاق بن همام الصنعانى ت211 هـ ، تحقيق د/ محمود محمد عبده ، ط دار الكتب العلمية، بيروت ، الأولى 1419هـ 0

([28]) تفسير ابن كثير 3/82 ، ط العلمية ، ويراجع الدر المنثور فى التفسير بالمأثور 3/59 ، وعزاه إلى عبد الرزاق وابن جرير الطبرى وعبد بن حميد 0
 
تبارك الله. جزاك الله خيرا أستاذنا د علي.

ليس لدي ما أضيفه في الموضوع إذ أجدت فابدعت فاحسنت فافدت؛ أكتفي بتعليق صغير فيما يتعلق بالسياق.

قرأت: ويذكر دليل هذا القول وأنه يتمثل فى :
دلالة السياق ، وهو ما ورد فى قوله تعالى " فبعث الله غراباً يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه " وذلك دليل على جهل القاتل بالدفن حتى علمه إياه الغراب ، ولا شك أن ذلك فى بداية الخلق أيام آدم ، لأنه ليس بمعقول أن يمتد جهل الناس بدفن موتاهم إلى زمان بنى إسرائيل .

دلالة السياق
الظاهر أنه في بني إسرائيل قبل وبعد هذه الآية فأين دليل إنقطاعه؟

الإعتراض العقلي (المجرد وإلا فالحكم على السند أيضا فعل عقلي) في كيفية الدفن ضعيف لورود إحتمالات أخرى وهي واقعية كما أننا نقرأ ليريه وهذا الفعل بهذه الصيغة جاء في آية أخرى {لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} الأعراف 27؛ فهل كان الإنسان يجهل ذاته الجسمانية إلى أن كانت الفتنة الشيطانية؟

من الإحتمالات الواردة أنه أصيب بصدمة وحيرة أدت به إلى نوع من التردد المغلق لا يدري ماذا يفعل وهي حالة نفسية معروفة تجعل الإنسان في غيبوبة نسبية فيجهل أظهر الأشياء بل وفقدان وقتي للإحساس فهو أحس بالندم بعد أن فاق منها وتم الدفن. أو لماذا نعمم جهله بالدفن إن صح ونقول جهل الناس بدل جهله؟

مجرد تساؤل لتنشيط الموضوع.
 
أخى الكريم : ما ذكرته من أن (هذا الفعل بهذه الصيغة جاء في آية أخرى
qos1.png
لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا
qos2.png
الأعراف 27؛ فهل كان الإنسان يجهل ذاته الجسمانية إلى أن كانت الفتنة الشيطانية؟) قياس مع الفارق ، لاختلاف مورد الدليلين ، والسؤال الذى ذكرته أخى الكريم يجيب عليه ما فسرت به الآية الكريمة وانظر إلى ما أورده العلامة الماوردى فقال : ( {ينزع عنهما لباسهما} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن لباسهما كان أظفارا تستر البدن فنزعت عنهما وتركت زينة وتبصرة , قاله ابن عباس. الثاني: أن لباسهما كان نورا , قاله وهب بن منبه. والثالث: أن نزع عنهما لباسهما من تقوى الله وطاعته , قاله مجاهد. {ليريهما سوءاتهما} فيه قولان: أحدهما: أجسادهما من العورة حين خرجا من لباسهما , وهو مقتضى قول ابن عباس. والثاني: سوأة معصيتهما حتى خرجا من تقوى الله وطاعته , وهو معنى قول مجاهد.)
فالذات الجسمانية لم تكن مجهولة كما ذكرت ، وإنما كانت العورات مستورة بما ذكرت فلما وقعت المعصية ظهرت .
وأما قولك : (من الإحتمالات الواردة أنه أصيب بصدمة وحيرة أدت به إلى نوع من التردد المغلق لا يدري ماذا يفعل وهي حالة نفسية معروفة تجعل الإنسان في غيبوبة نسبية فيجهل أظهر الأشياء بل وفقدان وقتي للإحساس فهو أحس بالندم بعد أن فاق منها وتم الدفن. ) فيرد عليه
بقاعدة :
(أنه إذا تعارضت الحقيقة والمجاز؛ يحمل اللفظ على الحقيقة)
وما ورد فى قصص الأمم السابقة يتعين حمله على الحقيقة دون المجاز

وشكر الله لك تفاعلكم مع الموضوع ، جزاكم الله خيرا
 
عودة
أعلى