المعتزبالله محمد
New member
هل يمكنك بدون الرجوع للمراجع أن تتدبر سورة الفاتحة، وتعدد موضوعاتها؟
في موضوع سابق تحدثنا عن مناجاة العبد لربه وهو يقرأ القرآن، وفضل ذلك، (http://vb.tafsir.net/tafsir41261/).
ولسورة الفاتحة ميزات عن باقي سور القرآن، ومنها ميزة المناجاة العكسية، ذلك أننا إذا قرأنا القرآن، فإنه يحسن بنا إذا ناسب المقام أن نقف بعد قراءة الآية نناجي ربنا، بالذكر المناسب أو السؤال، أما في سورة الفاتحة، فإن الله سبحانه وتعالى قد علمنا هذه السورة، وكلما وقفنا عند آية فإنه سبحانه يرد علينا، ويباهي بنا ملائكته، فهنيئا لمن فاز بهذه المناجاة، ففي الحديث القدسي قال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قالَ اللهُ تعالى: ((قسمتُ الصَّلاةَ بيني وبينَ عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سألَ))، فإذا قالَ العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قالَ اللهُ تعالى: ((حمدني عبدي))، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالَ اللهُ تعالى: ((أثنى عليَّ عبدي))، وإذا قالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قالَ: ((مجَّدني عبدي))، وقالَ مرَّةً: ((فوَّضَ إليَّ عبدي))، فإذا قالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قالَ: ((هذا بيني وبينَ عبدي ولعبدي ما سألَ))، فإذا قالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قالَ: ((هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))، رواه مسلم.
فهنيئا لمن جاهد نفسه فقرأ بدون عجلة وأنصت وتدبر هذه السورة العظيمة، فهنيئا له بهذه المناجاة الجليلة التي لا يعدلها شيء.
لكن ماذا نتدبر في هذه السورة العظيمة التي تتكرر كل ركعة؟
موضوعات سورة الفاتحة تتكرر في القرآن كله ولا تخلو سورة إلا عن موضوع أو أكثر منها، قال الله تعالى عن الفاتحة: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر:87)، فهي سبع آيات، ومثاني أي موضوعاتها تتكرر في السور، والقرآن العظيم أي أعظم سورة في القرآن، وأن موضوعاتها أعظم موضوعات القرآن.
وكل موضوع يأتي في القرآن فإنه يرجع ويؤول إلى موضوعات هذه السورة، ولذلك قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسبعُ المثاني))، صحيح الترمذي.
قال الزمخشري رحمه الله: (وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهى، ومن الوعد والوعيد).
قال سيد قطب رحمه الله: (إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية, وكليات التصور الإسلامي, وكليات المشاعر والتوجيهات, ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة, وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها).
قال ابن عاشور رحمه الله: (أنها تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن... أنها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحِكَم النظرية والأحكام العملية).
يقول العثيمين رحمه الله: (إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد، والأحكام، والجزاء، وطرق بني آدم، وغير ذلك).
وقد ظن البعض أن أم الكتاب هي أم القرآن وأن ذلك من إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا لا يليق برسول الله الذي لا ينطق عن الهوى والذي أوتي جوامع الكلم، بل هو من إضافة الخاص إلى العام، فالكتاب هنا هو كتاب عن الله اسمه أم الكتاب، والفاتحة اسمها أيضا أم الكتاب، قال تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد:39)، وقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الزخرف:4)، فالمعنى أن موضوعات سورة الفاتحة محكمة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عمران:7). فكل آيات الفاتحة آيات محكمة، أما آيات باقي سور القرآن فمنها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه، فإن رددنا المتشابه إلى المحكم صار القرآن كله محكم، والله أعلم.
والسؤال الآن:
هل يمكنك بدون الرجوع للمراجع أن تتدبر سورة الفاتحة، وتعدد موضوعاتها؟
شاركونا، بارك الله فيكم،،،
شاركونا، بارك الله فيكم،،،