عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
الموعظة الثالثة
قال ابن القيم: في تعليقه على قوله تعالى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [الحشر:19] :
(وإذا نسي العبد نفسه، أعرض عن مصالحها ونسيها، واشتغل عنها، فهلكت وفسدت ولا بد، كمن له زرع أو بستان، أو ماشية، أو غير ذلك، مما صلاحه وفلاحه بتعاهده، والقيام عليه، فأهمله ونسيه، واشتغل عنه بغيره، وضيع مصالحه، فإنه يفسد ولابد، هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه، فكيف الظن بفساد نفسه، وهلاكها، وشقائها إذا أهملها ونسيها، واشتغل عن مصالحها، وعطل مراعاتها، وترك القيام عليها بما يصلحها، فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان!.
وهذا هو الذي صار أمره كله فرطاً، فانفرط عليه أمره، وضاعت مصالحه، وأحاطت به أسباب القُطُوعِ، والخيبة، والهلاك.
ولا سبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى، واللهج به، وأن لا يزال اللسان رطباً به، وأن ينزله منزلة حياته ـ التي لا غنى له عنها ـ و منزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمه، وهلك، وبمنزلة الماء عند شدة العطش، وبمنزلة اللباس في الحر والبرد، وبمنزلة الكِنّ في شدة الشتاء، والسموم.
فحقيق بالعبد أن ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة وأعظم، فأين هلاك الروح والقلب، وفسادهما من هلاك البدن وفساده؟! هذا هلاك لا بد منه، وقد يعقبه صلاح لا بد، وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفى بها، فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة ،قال تعالى : "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى" [طه:124- 126] انتهى.