مواعظ المفسرين (2/12)

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الموعظة الثانية


قال العلامة الشنقيطي : في تفسيره (3/9) لقوله تعالى : "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ" [هود:6- 8].
(اعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظاً أكبر، ولا زاجراً أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرآن، من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه، رقيب عليهم، ليس بغائب عما يفعلون.

وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر، والزاجر الأعظم مثلاً؛ ليصير به كالمحسوس، فقالوا: لو فرضنا أن ملكاً قتّالا للرجال، سفّاكاَ للدماء شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً، وسيافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط للقتل، والسيف يقطر دماً، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحداً من الحاضرين يهتم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه، عالم بأنه مطلع عليه؟! لا، وكلا! بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم خوفاً من بطش ذلك الملك.

ولا شك -ولله المثل الأعلى- أن رب السموات والأرض جل وعلا أشد علماً، وأعظم مراقبة، وأشد بطشاً، وأعظم نكالا وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه. فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه، خشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا.

ومن أسرار هذه الموعظة الكبرى، أن الله تبارك وتعالى صرح بأن الحكمة التي خلق الخلق من أجلها، هي: أن يبتليهم أيهم أحسن عملاً، ولم يقل: أيهم أكثر عملاً، فالابتلاء في إحسان العلم، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة: "وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" [هود:7] الآية.

وقال في الملك: "الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العزيز الغفور" [الملك:2].
ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خلق من أجلها هي أن يبتلي، أي: يختبر: بإحسان العمل فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصلة لنجاحه في هذا الاختبار، ولهذه الحكمة الكبرى سأل جبريل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، ليعلمه لأصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أخبرني عن الإحسان"، أي وهو الذي خلق لأجل الاختبار فيه، فبين النَّبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق إلى ذلك هي هذا الواعظ ، والزاجر الأكبر الذي هو مراقبة الله تعالى ، والعلم بأنه لا يخفى عليه شيء مما يفعل خلقه ، فقال له: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" انتهى كلامه.
 
نسأل الله أن يوفقنا لمراقبته في السر والعلانية .
فكرة جمع مواعظ المفسرين فكرة إبداعية من إبداعاتك يا أبا عبدالله ، ونحن نعود إليها بين الحين والآخر للتأمل والاتعاظ جزاك الله خيراً . وأظن أنه يمكن تتبع مواعظ بقية العلماء بطريقة ينتفع بها القارئ الذي لا يرتاد كتب الوعظ إلا نادراً بحجة أنها ليست كتب علم ، وإنما كتب وعظ . في حين أن الاشتغال بالعلم دون تدبر وتفكر قد يورث القسوة والله المستعان .
 
وأظن أنه يمكن تتبع مواعظ بقية العلماء بطريقة ينتفع بها القارئ الذي لا يرتاد كتب الوعظ إلا نادراً بحجة أنها ليست كتب علم ، وإنما كتب وعظ . في حين أن الاشتغال بالعلم دون تدبر وتفكر قد يورث القسوة والله المستعان .

جزاك الله خيراً، وما دوري إلا الجمع والترتيب فحسب .
وتتبع بقية المواضع في البال، وأرجو أن أتمكن من ذلك قريباً.

وما اشرت إليه من التقسيم المقيت بين العلم والوعظ يأباه تسمية القرآن بأنه موعظة وذكرى ..
ومن تتبع أحوال السلف الصالح أدرك أن من أسباب تميزهم جمعهم بين العلم والعمل ، ولذا لما بدأ هذا الفصام النكد بين العلم والعمل ظهرت آثاره السيئة في الأمة ..

وواهمٌ ومخطئ من يفصل بينهما، وهل يراد من العلم إلا التعبد لله على بصيرة، ونفع الخلق؟ وأنّى لشخص أن يذوق لذة التعبد وقلبه قاسٍ؟
تأمل في كثرة نعي الله على بني إسرائيل قسوة قلوبهم التي حملتهم على التحريف والكتمان والكذب؟!

وكلمات ابن الجوزي في "صيد الخاطر" أشهر من أن تذكر ههنا .. والله المستعان.

نعوذ بالله من قسوة القلوب، ونسأل الله تعالى أن يعفو عن تقصيرنا وتفريطنا في شأن قلوبنا.
 
عودة
أعلى