عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[align=center]مواعظ المفسرين [1/12] [/align]
الحمد لله الذي أنزل الكتاب موعظةً ونوراً، وصلى الله وسلم وبارك على من جعله ربه ـ بالقرآن ـ هادياً ومبشراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على قلب محمد –صلى الله عليه وسلم- ووصفه بصفات كثيرة تربو على الأربعين، ومن هذه الأوصاف وصفه بأنه (موعظة)، وقريب من هذا المعنى وصفه بأنه (ذكرى)، وهذا أمرٌ يلمسه كلُّ من قرأ القرآن، ويعظم وقع هذه المواعظ على النفس حينما تُقرأُ بقلب حاضر، وسمع متصل بقلب شاهد: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" [ق:37].
بل قيل في تفسير قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" [النحل:125]: إن الموعظة الحسنة هي مواعظ القرآن، وكذا قيل في تفسير قوله سبحانه: "فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ" [المدثر:49] أي: عن مواعظ القرآن.
قال ابن جرير: في مقدمة تفسيره (1/62) معلقاً على قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" [يونس:57] : (جعله الله للمؤمنين شفاءً، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وَساوس الشيطان وَخطراته، فيَكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ ببيان آياته).
ولما كان كتاب الله تعالى من العظمة بحيث لا يمكن الإحاطة ببيان معانيه، نزع المفسرون في بيان معانيه مناحٍ شتى، فمنهم الذي قصد بيان الأحكام، ومنهم من رام بيان المعاني، وآخرون اتجهوا إلى إيضاح أوجه البلاغة، في ضروب كثيرة من التفسير التي تدل ـ في النهاية ـ على علوّ شأن هذا الكتاب، ولا أعلم من الله بكتابه حيث يقول: "وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" [الزخرف : 4 ].
إلا أنها ـ في الجملة ـ ومن خلال النظر في جملة من التفاسير ـ على اختلاف مشارب مؤلفيها ومقاصدهم في التفسير ـ لم تخل كثير من هذه التفاسير من مواعظ يسطرها المفسر عند آيةٍ ما، يهتز لها القارئ، ويشعر بعمق أثرها في نفسه، كيف لا؟! وهي موعظة متصلة بنور الوحي، ومنبثقة منه!
لذا أحببت أن أنقل بعض هذه المواعظ لأحبتي القراء، وخصوصاً أننا في هذا الشهر العظيم بحاجة ماسةٍ إلى ما يرقق قلوبنا، ويبل صداها، ويروي ظمأها من هذا الكتاب العظيم، وهي مادة مقترحة للحديث على جماعة المسجد بعد صلاة العصر، أو بعد التراويح.
إن برود العاطفة تجاه مواعظ القرآن أمارة على ضعف الخشية، وقلة التأثر، واقرأ إن شئت قوله تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد"ٍ [الزمر:23]، فتأمل وصف الله تعالى لقلوب أهل الإيمان عند سماع الوعد والوعيد، فهي تقشعر خوفاً من الوعيد، ثم تلين وترجو عند الوعد.
ويزداد خوف المؤمن القارئ للقرآن حينما يقرأ الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [الزمر:22]، فيضع يده على قلبه خوفاً من أن يكون له نصيب من هذه الآية ـ والعياذ بالله ـ.
وتأمل قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" [الإسراء: 106 - 109].
قال ابن القيم : : (لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعيةً، وشفت مواعظ القران لو وافقت قلوباً من غيها خالية، ولكن عصفت على القلوب أهوية الشبهات والشهوات، فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة، فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها، فلم ينفع فيها الكلام، وسكرت بشهوات الغي، وشهبات الباطل، فلم تصغ بعده إلى الملام، ووعظت بمواعظ أنكى فيها من الأسنة والسهام، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأسر الهوى والشهوة، وما لجرح بميت إيلام) اهـ.
وغني عن القول أن من أراد أن يقرأ في هذه التفاسير من العامة أو المبتدئين في طلب العلم، فعليه أن يستشير أهل العلم ليرشدوه إلى المناسب له؛ إذ أن هذه التفاسير تتفاوت في لغتها وأسلوبها، وتحقيق مؤلفيها، وكذا سلامتهم من بعض المخالفات العقدية، عفا الله عن الجميع وغفر لهم، وجزاهم عما خدموا به كتاب الله خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.
[align=center]الموعظة الأولى[/align]
قال القرطبي: في تفسيره لسورة التكاثر (20/117):
(قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وموتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين.
فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت، وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه، واستحكمت فيه دواعي الذنب، فإن مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين، تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول، لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
وفي مشاهدة من احتضر، وزيارة قبر من مات من المسلمين معاينة ومشاهدة، فلذلك كان أبلغ من الأول ...
فأما الاعتبار بحال المحتضرين، فغير ممكن في كل الأوقات، وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات.
وأما زيارة القبور فوجودها أسرع، والانتفاع بها أليق وأجدر.
فينبغي لمن عزم على الزيارة، أن يتأدب بآدابها، ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط، فإن هذه حاله تشاركه فيها بهيمة ـ ونعوذ بالله من ذلك ـ بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، أو نفع الميت ...
ثم يعتبر بمن صار تحت التراب، وانقطع عن الأهل والأحباب، بعد أن قاد الجيوش والعساكر، ونافس الأصحاب والعشائر، وجمع الأموال والذخائر، فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه، وهول لم يرتقبه.
فليتأمل الزائر حال من مضي من إخوانه، ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال، وجمعوا الأموال، كيف انقطعت آمالهم، ولم تغن عنهم أموالهم، ومحا التراب محاسن وجوههم، وافترقت في القبور أجزاؤهم، وترمل من بعدهم نساؤهم، وشمل ذل اليتم أولادهم، واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم.
وليتذكر ترددهم في المآرب، وحرصهم على نيل المطالب، وانخداعهم لمواتاة الأسباب، وركونهم إلى الصحة والشباب.
وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم، وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع، والهلاك السريع، كغفلتهم، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددا في أغراضه، وكيف تهدمت رجلاه.
وكان يتلذذ بالنظر إلى ما خوله وقد سالت عيناه، ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه، ويضحك لمواتاة دهره وقد أبلى التراب أسنانه، وليتحقق أن حاله كحاله، ومآله كمآله.
وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية، ويقبل على الأعمال الأخروية، فيزهد في دنياه، ويقبل على طاعة مولاه، ويلين قلبه، وتخشع جوارحه) انتهى كلامه رحمه الله.
يتبع ـ إن شاء الله تعالى ـ ...
الرابط : http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=24&catid=202&artid=7884
الحمد لله الذي أنزل الكتاب موعظةً ونوراً، وصلى الله وسلم وبارك على من جعله ربه ـ بالقرآن ـ هادياً ومبشراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على قلب محمد –صلى الله عليه وسلم- ووصفه بصفات كثيرة تربو على الأربعين، ومن هذه الأوصاف وصفه بأنه (موعظة)، وقريب من هذا المعنى وصفه بأنه (ذكرى)، وهذا أمرٌ يلمسه كلُّ من قرأ القرآن، ويعظم وقع هذه المواعظ على النفس حينما تُقرأُ بقلب حاضر، وسمع متصل بقلب شاهد: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" [ق:37].
بل قيل في تفسير قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" [النحل:125]: إن الموعظة الحسنة هي مواعظ القرآن، وكذا قيل في تفسير قوله سبحانه: "فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ" [المدثر:49] أي: عن مواعظ القرآن.
قال ابن جرير: في مقدمة تفسيره (1/62) معلقاً على قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" [يونس:57] : (جعله الله للمؤمنين شفاءً، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وَساوس الشيطان وَخطراته، فيَكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ ببيان آياته).
ولما كان كتاب الله تعالى من العظمة بحيث لا يمكن الإحاطة ببيان معانيه، نزع المفسرون في بيان معانيه مناحٍ شتى، فمنهم الذي قصد بيان الأحكام، ومنهم من رام بيان المعاني، وآخرون اتجهوا إلى إيضاح أوجه البلاغة، في ضروب كثيرة من التفسير التي تدل ـ في النهاية ـ على علوّ شأن هذا الكتاب، ولا أعلم من الله بكتابه حيث يقول: "وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" [الزخرف : 4 ].
إلا أنها ـ في الجملة ـ ومن خلال النظر في جملة من التفاسير ـ على اختلاف مشارب مؤلفيها ومقاصدهم في التفسير ـ لم تخل كثير من هذه التفاسير من مواعظ يسطرها المفسر عند آيةٍ ما، يهتز لها القارئ، ويشعر بعمق أثرها في نفسه، كيف لا؟! وهي موعظة متصلة بنور الوحي، ومنبثقة منه!
لذا أحببت أن أنقل بعض هذه المواعظ لأحبتي القراء، وخصوصاً أننا في هذا الشهر العظيم بحاجة ماسةٍ إلى ما يرقق قلوبنا، ويبل صداها، ويروي ظمأها من هذا الكتاب العظيم، وهي مادة مقترحة للحديث على جماعة المسجد بعد صلاة العصر، أو بعد التراويح.
إن برود العاطفة تجاه مواعظ القرآن أمارة على ضعف الخشية، وقلة التأثر، واقرأ إن شئت قوله تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد"ٍ [الزمر:23]، فتأمل وصف الله تعالى لقلوب أهل الإيمان عند سماع الوعد والوعيد، فهي تقشعر خوفاً من الوعيد، ثم تلين وترجو عند الوعد.
ويزداد خوف المؤمن القارئ للقرآن حينما يقرأ الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [الزمر:22]، فيضع يده على قلبه خوفاً من أن يكون له نصيب من هذه الآية ـ والعياذ بالله ـ.
وتأمل قوله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" [الإسراء: 106 - 109].
قال ابن القيم : : (لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعيةً، وشفت مواعظ القران لو وافقت قلوباً من غيها خالية، ولكن عصفت على القلوب أهوية الشبهات والشهوات، فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة، فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها، فلم ينفع فيها الكلام، وسكرت بشهوات الغي، وشهبات الباطل، فلم تصغ بعده إلى الملام، ووعظت بمواعظ أنكى فيها من الأسنة والسهام، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأسر الهوى والشهوة، وما لجرح بميت إيلام) اهـ.
وغني عن القول أن من أراد أن يقرأ في هذه التفاسير من العامة أو المبتدئين في طلب العلم، فعليه أن يستشير أهل العلم ليرشدوه إلى المناسب له؛ إذ أن هذه التفاسير تتفاوت في لغتها وأسلوبها، وتحقيق مؤلفيها، وكذا سلامتهم من بعض المخالفات العقدية، عفا الله عن الجميع وغفر لهم، وجزاهم عما خدموا به كتاب الله خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.
[align=center]الموعظة الأولى[/align]
قال القرطبي: في تفسيره لسورة التكاثر (20/117):
(قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وموتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين.
فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت، وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه، واستحكمت فيه دواعي الذنب، فإن مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين، تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول، لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
وفي مشاهدة من احتضر، وزيارة قبر من مات من المسلمين معاينة ومشاهدة، فلذلك كان أبلغ من الأول ...
فأما الاعتبار بحال المحتضرين، فغير ممكن في كل الأوقات، وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات.
وأما زيارة القبور فوجودها أسرع، والانتفاع بها أليق وأجدر.
فينبغي لمن عزم على الزيارة، أن يتأدب بآدابها، ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط، فإن هذه حاله تشاركه فيها بهيمة ـ ونعوذ بالله من ذلك ـ بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، أو نفع الميت ...
ثم يعتبر بمن صار تحت التراب، وانقطع عن الأهل والأحباب، بعد أن قاد الجيوش والعساكر، ونافس الأصحاب والعشائر، وجمع الأموال والذخائر، فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه، وهول لم يرتقبه.
فليتأمل الزائر حال من مضي من إخوانه، ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال، وجمعوا الأموال، كيف انقطعت آمالهم، ولم تغن عنهم أموالهم، ومحا التراب محاسن وجوههم، وافترقت في القبور أجزاؤهم، وترمل من بعدهم نساؤهم، وشمل ذل اليتم أولادهم، واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم.
وليتذكر ترددهم في المآرب، وحرصهم على نيل المطالب، وانخداعهم لمواتاة الأسباب، وركونهم إلى الصحة والشباب.
وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم، وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع، والهلاك السريع، كغفلتهم، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددا في أغراضه، وكيف تهدمت رجلاه.
وكان يتلذذ بالنظر إلى ما خوله وقد سالت عيناه، ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه، ويضحك لمواتاة دهره وقد أبلى التراب أسنانه، وليتحقق أن حاله كحاله، ومآله كمآله.
وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية، ويقبل على الأعمال الأخروية، فيزهد في دنياه، ويقبل على طاعة مولاه، ويلين قلبه، وتخشع جوارحه) انتهى كلامه رحمه الله.
يتبع ـ إن شاء الله تعالى ـ ...
الرابط : http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=24&catid=202&artid=7884