مواجهة حملات الإساءة للنص .. نحو معيارية اكاديمية للمعرفة الاسلامية

نايف عبوش

New member
إنضم
12/01/2013
المشاركات
18
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
79
الإقامة
العراق
نحو معيارية اكاديمية للمعرفة الاسلامية
نايف عبوش

الحملة المسعورة التي يتعرض لها القران الكريم بشكل خاص، والعلوم الإسلامية بشكل عام هذه الأيام تندرج في إطار فوبيا مزعومة، مستولدة عن نظرة مستعلية، وسلوك متغطرس، ونهج مادي أفرزته الحضارة الغربية المعاصرة، إزاء تعاملها التجريدي مع الحقائق الغيبية، ومنها بالطبع الوحي الإلهي للنص القرآني، وما ترتب على هذه المنهجية المادية التجريدية،من استهجان لمنهج النقل في تناول العلوم والمعارف،باعتباره يعطل حرية المنهج العقلي في الاستدلال.

ويأتي هذا الاستهجان المنفلت،في اطار نشاط معاصر تمارسه نخب حداثوية في الغرب، يؤازره هوس ملحوظ من بعض الدارسين العرب في الغرب، وانبهارهم بما أبدعته الحضارة الغربية من وسائل، وأدوات بحثية تفكيكية، حيث بدأ هذا المنحنى يأخذ مسلك دراسات نقدية هدامة غير منصفة، في محاولة بائسة لأنسنة النص القرآني الكريم،والحديث النبوي الشريف، بتوظيف تلك المنهجيات الحداثوية المعاصرة،التي لا تتفق أصلاً مع منهجية البحث في العلوم الإسلامية، وإقحام العلم المعاصر بكل أدواتياته، وبشكل غير محايد في هذه العملية الاستهدافية، وهو أمر غير مقبول أخلاقياً، ولا مستساغ حضارياً بتاتاً، ويعتبر تعدياً صارخاً على قدسيات النصوص الدينية، ناهيك عن كونه خروجاً مقرفاً على مبدأ الحياد الأخلاقي في البحث العلمي المنصف، حيث يفترض أن تتطابق أداة البحث ومنهجيته، مع غرض البحث، وصولاً إلى الحقيقة المنشودة بسلامة قصد،تمشيا مع ذات القاعدة المعاصرة التي تقول(اذا سمحت لي ان اضع الضوابط، فلا يهمني عندئذ من يتخذ القرار).

على أن من الضروري التصدي لهذا النهج المشبوه، بالتأكيد ابتداءً، على أن الباحث ،او الناقد،هو قارئ نص،وليس مبدعا له،وبالتالي فأن عليه عندما يريد التنقيب في النص الديني القرآني،او الحديث النبوي،او القواعد الاصولية الفقهية،أن يحاول الاقتراب من مرادات تلك النصوص على حقيقة ما اراد منها منشؤها بشكل محايد، توخياً للموضوعية، وذلك بأن يتدبر مغزى تلك النصوص بشيء من التأمل المتطلع،تمشيا مع سياقاتها، ومراعاة لأخلاقيات منهج البحث في المعرفة الاسلامية، حتى قبل أن يلجأ إلى ما بحوزته من أدوات، لا مندوحة له من الرجوع إليها، إن كان لا بد له من ذلك، لاسيما إذا تعسر عليه التدبر، وشق عليه فهم مدلولات النص، بعد أن يكون قد قام بالإطلاع على ما تراكم أمامه من معرفة شاملة متاحة في هذا الجانب، لتوسيع دائرة الإلمام اللازم للتطلع، والتدبر، والاستنتاج الرشيد، وزيادة القدرة على الترجيح إذا لزم الأمر، من دون غرض يعطل طاقاته الذاتية في استكناه مدلولات النص قيد البحث، وما يزخر به من معاني، بالانسياق المتهافت إلى توظيف تكنيك التفكيك المجرد، الذي قد يحول دون الوصول إلى الفهم اللغوي العربي الفصيح للنص الديني الاسلامي بهدم قواعده، مما يفسد على الباحث، والناقد ذائقة التأمل، ويختزل فيهم قدرة التمكن من الفهم الصحيح للنص، واستكشاف الصور الزاخرة، والدلالات الكامنة في ثناياه، التي تنساب رؤى متجددة مع كل قراءة واعية، تتواصل مع تقاليد نهج التدبر المستمر للنص ، المحكوم بضوابطه المعتمدة نقلا وعقلا في منهج المعرفة الاسلامية وبشكل خلاق حتى تقوم الساعة، فيحرم نفسه عندئذ، ويحرم الآخرين معه، من فيض العطاء الإلهي اللامحدود، الذي يختزنه النص المجيد، الذي يفترض أن المخاطب به مستخلف في الأرض ابتداء، لإدامة تفجير مكنوناته بالتدبر المتطلع، المؤطر بما هو متراكم أمام الباحث من معرفة إسلامية كلية، تضمن تأمين تدفق النص بتجليات مستمرة من فيض المعاني الزاخرة، التي تقتضيها متطلبات التطور على الأرض، ملامسة بذلك الاستكناه السليم، اقتراباً متجسداً من مرادات النص الاسلامي على أكمل وجه،وعدم مصادرة سلطة النص، ولي عنقه باستنطاق متعسف،وفقا لغرض الباحث او مارب الناقد،بذريعة وجوب مطاوعة النص لأكثر من قراءة.

ولمواجهة حملات كتابات الإساءة المعاصرة إلى منهج المعرفة الإسلامية، سواءً بالتعرض المتعمد للنص القرآني بالنقد بغير منهجيات علومه، أو بالإساءة إلى المتراكم من ابداعات رموز المعرفة الإسلامية مرة أخرى، فإن المطلوب من المهتمين بالمعرفة الاسلامية، من المؤسسات، والجامعات، ومراكز البحوث،والمجامع الفقهية،ومؤسسات الفتوى، والدعاة والمفكرين،والكتاب المختصين بالعلوم الإسلامية، التصدي الحازم لهذه الإساءة، وفضح مقاصد القائمين بها بالحجة العلمية المقابلة،وذلك من خلال ترسيخ معايير اكاديمية صارمة لمنهجيات التناول للمعرفة الإسلامية، والعلوم الشرعية،واعتمادها كاستراتيجية عامة في الدراسات الاسلامية المعاصرة في الجامعات، والمعاهد الاسلامية،من دون تردد، ورفض أسلوب تناول النصوص الدينية الاسلامية بأدوات غريبة عن علومها، ومنهجيات طارئة في دراستها، لاسيما وان الموروث العلمي للمعرفة الاسلامية زاخر بإبداعات رصينة،لا يقلل من قيمتها العلمية، افتراءات المناهج المادية للعلوم المعاصرة،بأنها منهجيتها غير حركية ،وانها ذات صفحة واحدة في الحساب بزعم ان قاعدتها نقلية،وتحد من ابداعات العقل في الاستنتاج.
 
أشكر الأستاذنايف على مشاركته هذه، وحميته على المعرفة الإٍلامية وموجهة حملات التكشيك، وكما ذكر فالدارسات الأكاديمية المتخصصة لدنيا بحاجة إلى أن تسير وفق رؤية ومعيارية أصيلة ومتينة ومنضبطة لتحقق النتائج المرجوة تجاه التشكك ومحاولات أنسنة النص القرآني.
 
شكر الله لكم.
ما هي المشكلة مع أو في (أنسنة النص القرآني) ؟
لنعرف هذا يجب أن نسأل: ما غاية الأنسنة؟
الهدف هو: رفع عائق القدسيّة.

القدسيّة تعيق الحداثوية، وهذه غير الحداثة إذن الأنسنة في الأولى غير الأنسنة في الثانية فأنسنة الأولى تقوم على مسخ الشخصيّة الإسلامية بينما الأنسنة في الحداثة بتطبيقها الإسلامي تقوم على مبدأ تكريم الإنسان مسلما كان أم غير مسلم لأن الإنسان بما هو إنسان كائن مكرّم، وعليه فإن الأنسنة في الفكر الإسلامي تأخذ بيد الإنسان من ضيق الحداثويّة (وكونيّتها المزعومة) إلى سعة التكريم، وهذه السعة تتضمن حق الإختلاف {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} وهو إختلاف حقيقي وليس وهمي بسبب المقدّسات أو أن الإنسان لا يكون عصريا ومتقدّما إلا إذا تخلى عن المقدّس - وغير ذلك مما تستلزمه الكونيّة المزعومة - بل {مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} ومحيط الإنسان ببره وبحره وطيّباته مذلل له بما هو إنسان مكرم يتمتّع بحقه في الإختلاف.

النتيجة: الأنسنة الحداثوية بكونيّتها المزعومة ضد الإنسان، إذن لا مشكلة معها أو فيها بل هي مشكلة في ذاتها، فما هي المشكلة في هذه المشكلة؟ لابد من إعادة صياغة السؤال الأول:

ما هي المشكلة في مشكلة الأنسنة الحداثوية للنص القرآني؟
الغاية؟ رفع القدسيّة عن النص.

الإنسان بلغة علمية طبيعية (باللاتينية: homo sapiens) بشر عاقل، وباللغة العلمية النفسية الإجتماعية بشر ديني (homo religiosus) أي أنه بحاجة إلى دين ومقدّس ليكون لإنسانيّته معنى وقيمة كإنسان، فهو بشر إجتماعي، وعليه: الأنسنة الحداثوية بكونيتها المزعومة ضد الإنسان.

وقد يقول قائل: إن العائق الذي نقصده بالقدسية هو تدخل المقدس في حياة الإنسان أما ما يحدث في نفسه ومع ضميره فهذا شأنه.
قلنا: الإنسان كائن ناطق عاقل ديني إجتماعي، كل لا يتجزأ.

الخلاصة:
هذا هو أساس الحوار مع الحداثويين: بيان ما في الحداثوية من رفع للأنسنة عن البشر. وليس حقيقة المقدّس هل هو مقدس حقيقي أو وهمي لأن هذا النوع من الحوار يكون مع أهل المقدّسات لأن الكونيّة الحقيقة وهي كونيّة الحداثة، والحداثة تتسع لكل التطبيقات الإسلامية وغير الإسلامية بمقتضى حق الإختلاف ومبدأ التكريم، من منظور إسلامي تقوم على الإعتراف بالمقدس ولا يمكن رفع القدسية عن مقدّسات الآخرين جملة وتفصيلا بمقتضى الإنحراف والإنحراف غير القطيعة {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}. وهذا حوار لا يصلح مع الحداثوي لأن العقلنة عنده ضد الغيبيّة وهذه مجرد مسلّمة لما في محاولة الإستدلال عليها من وقوع في التسلسل والدور، ولذلك تُواجه المسلّمة بمسلّمة أخرى، لينحاز النقد إلى (أنسنة البشر) فيكون نقدا دفاعيا وهجوميا في الوقت ذاته.

هذا ما أظن.

للتعرف على الفرق بين الحداثة والحداثوية أنصح بقراءة روح الحداثة للدكتور طه عبد الرحمن.
 
شكر الله لك وإن كان في مسألة إقرار القرآن لما سميته ( حق الاختلاف ) نظر ؛ فقد كثر النهي عن الاختلاف في القرآن والسنة وذم أهله قال تعالى ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ..) وقال صلى الله عليه وسلم " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم "
 
عودة
أعلى