مهارات القيادة النسائية في ضوء القرآن الكريم

إنضم
07/03/2012
المشاركات
71
مستوى التفاعل
1
النقاط
8
الإقامة
مكة المكرمة
مهارات القيادة النسائية
في ضوء
الآيات القرآنية
أ.د.ابتسام بنت بدر الجابري

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وبعد:
إن المجتمعات البشرية لابد لها من قيادة لتنظيم شؤونها, وتوجيه سلوكها,
وإقامة العدل فيها, والقيادة تكليف عظيم قبل أن يكون تشريفا.
ولقد ساهمت المرأة ومارست القيادة على مر التاريخ, وقد كان لها شأن عظيم فيه, وليس هذا بمستغرب ولا بعيد, فالدور الأساس للمرأة والأصل فيها أنها مربية وراعية, وهي ذات تأثير بالغ في التنشئة والصيانة.
وإلى جانب هذا الدور القيادي العظيم كانت لها أدوار قيادية عظيمة أخرى
في العلم و الفقه والجهاد والدعوة وغيرها كثير على مر الأزمنة.
ولو استعرضنا التاريخ لوجدنا أن أول من أسلمت امرأة ،وأول من استشهدت امرأة.
وهكذا تولت المرأة مناصب قيادية عظيمة، وتحملت صعوبات جسيمة، في مسيرتها المشرقة للقيام بدورها الريادي بالقول والعمل حتى تصل إلى أعظم الثمرات الإيمانية .
ولقد قدم لنا القرآن الكريم عناصر القيادة النسائية ، وضرب لنا أمثلة جليلة ، ونماذج رائعة، وأساليب مثالية ، ومهارات أساسية يقتدي بها من أراد السير على هديه لنيل رضاه سبحانه.
وهذا البحث حول هذه العناصر القيادية ، والمناهج الريادية في ضوء الآيات القرآنية.
خطة البحث:
• . قسمت البحث إلى تمهيد وفصلين و تحتهما مباحث
• التمهيد (تعريف القيادة وعناصرها وخصائصها)
• المطلب الأول:تعريف القيادة.
• المطلب الثاني:تعريف القيادة الإدارية.
• المطلب الثالث:عناصر القيادة.
• المطلب الرابع:خصائص القيادة ومهاراته.
• الفصل الأول: صور القيادة النسائية وضوابطها
وتحته مباحث:
المبحث الأول: صور القيادة التي تميز المرأة.
المبحث الثاني:صور القيادة النسائية الممنوعة.
المبحث الثالث:ضوابط عمل المرأة.
• الفصل الثاني: المهارات الأساسية للقيادة النسائية.
وتحته مباحث:
1- مهارة إدارة الذات.
2- مهارة الاتصال والتفاعل مع الآخرين.
3- مهارة التفويض.
4- القوة وفن التأثير على الآخرين.
5- مهارة إدارة الوقت.
6- المبادرة والابتكار والإبداع.
7- بناء فريق العمل.
8- حل النزاعات والصراعات.
9- إدارة ضغوط التوتر والإجهاد في العمل.
10- مهارة إدارة الأزمات.
.- إذا تكرر ذكر المرجع لنفس المؤلف ،أكتفي بذكر اسم المؤلف ورقم الصفحة دون ذكر اسم المرجع.
• الخاتمة وتشمل أهم النتائج.
• الفهارس.
وقد احتوى البحث على ما يلي:
• صور القيادة النسائية الممنوعة، واللاتي لا تناسب المرأة، والتي تطالب بها بعض النسوة الآتي جهلن أن الخالق أعلم بما هو أهل لخلقه فلم يكلف المرأة إلا ما هي أهل له .
• ضوابط عمل المرأة، فيكون عمل المرأة نافعا مؤثرا صالحا لها، ومصلحا للأمة.
• المهارات الأساسية للقيادة النسائية، واستشهدت لكل منها بآية قرآنية, أو موضع شاهد من آية على هذه المهارة لدى قائدة من القائدات العظيمات المذكورات في الآيات البينة ، ثم عرفت كل مهارة وذكرت أسسها، وضربت أمثلة قرآنية لقائدات تمثلن هذه المهارات ، فذكرهن الله في كتابه الكريم الذي يتلى إلى قيام الساعة فيكون تذكرة للأمة، وهو منهج حياة لكل زمان ومكان وحال لمن أراد الفوز والفلاح والنجاح.
• القائدات والرائدات المذكورات في القرآن اللاتي يتسمن بالمهارات القيادية الأساسية العديدة ، وقد استلزم ذلك تكرار بعض الأمثلة في عدة مواضع، مع بيان وجه المطابقة، والاستشهاد مما يجعل القارئ يلحظ هذا الأمر لذا أحببت التنويه عليه للبيان.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تمهيد
تعريف القيادة وعناصرها

المطلب الأول : تعريف القيادة
القيادة لغة:مأخوذة من الفعل (قاد) كما في: قاد الرجل بعيره، فهو يقوده قودا،ومنها ينقاد القاتل فيقتل بالذي قتل به.
للقيادة اصطلاحا تعريفات عديدة منها: هي صفة تغلب عليها القدرة على تطوير الذات لتصبح قادرة على إدارة وتوجيه المجموعة وهي في ذلك شأنها مثل الزعامة تحتاج إلى بعض المواهب ولكن هذه المواهب لا تكون هي الأساس في إبراز صفات القائد، بل إن العلم والخبرة والممارسة والتدرج في الرقي بالعلاقات والسلوكيات الإنسانية تساعد القائد على أن يتولى دوره القيادي في مجموعته بنجاح .
التعريف الثاني:هي سمة من سمات الشخص يستطيع من خلالها القائد التأثير على الآخرين ، والتحكم فيهم وتوجيههم والسيطرة عليهم وهو تعريف (هارتلي).
التعريف الثالث:هي تأثير على الآخرين وتوجيه وإرشاد وضبط يهدف لتحقيق غاية جماعية وهو تعريف(هيمان)..
وهذه التعريفات تتضمن عنصرين أساسين هما:
1- قدرة القائد على التأثير في الآخرين وإقناعهم.
2- تحقيق أهداف الجماعة بكفاءة وفعالية.
- فالقيادة لا تعني بالضرورة شغل مراكز وظيفية في المنظمات التي يعمل بها الأشخاص ، كما أن الأشخاص الذين يحملون مسميات قيادية بحكم مسميات وظائفهم ليس بالضرورة أن يكونوا قادة .
- لذا فإن الآباء والأمهات والأزواج والزوجات وأعضاء الفرق والأصدقاء .. من الممكن أن يكونوا جميعهم قادة إذا كانوا مؤثرين إيجابيين.
المطلب الثاني: تعريف القيادة الإدارية :
لقد ذكر في تعريف القيادة الإدارية عدة تعريفات منها:هي قيام القائد بتوجيه وتنسيق ورقابة أعمال الآخرين في الإدارة.
- هي الوسيلة المناسبة التي يتمكن بواسطتها المدير من بث روح التآلف والتعاون المثمر بين الموظفين في المنظمة من أجل تحقيق الأهداف المشروعة .
- هي القدرة على التخطيط والتنظيم والتوجيه والتنسيق والرقابة لتحقيق هدف معين، وذلك باستعمال السلطة الرسمية عند الضرورة .
- والخلاصة : أن القيادة الإدارية هي الدور الذي يتقمصه الشخص المكلف بإدارة المنظمة عندما يقوم بالتأثير على المرؤوسين – أفراد وجماعات- ودفعهم لتحقيق أهداف المنظمة المشتركة .
المطلب الثالث: عناصر القيادة :
القيادة لكي تقوم لابد أن تشتمل على عناصر عدة وهي:
1- وجود مجموعة من الأفراد .
2- الاتفاق على أهداف للمجموعة تسعى للوصول إليها.
3- وجود قائد من المجموعة ذي تأثير وفكر صائب وقدرة على التأثير الإيجابي في سلوك المجموعة.
المطلب الرابع :خصائص القائد ومهاراته :
للقائد خصائص مختلفة ينبغي أن تتوفر فيه وهي:
1- خصائص ذاتية: كالتفكير والتخطيط والإبداع والقدرة على التصور والثقة بالنفس والرقابة.
2- مهارات إنسانية (اجتماعية): تتمثل في حث العاملين، وشحذ الهمم، ومعالجة العلاقات، والاتصال ،والتحفيز.
3- مهارات فنية (تخصصية):كحل المشكلات واتخاذ القرارات.

الفصل الأول
صور القيادة النسائية وضوابطها

للقيادة النسائية صور وضوابط عديدة وهي على النحو الآتي:
المبحث الأول: (الصفات القيادية التي تميز المرأة ):للمرأة طبيعتها التي ميزها الله بها عن الرجل وتشير الدراسات الحديثة إلى مجموعة من الصفات التي تتميز بها المرأة في القيادة وأهمها:
- تفهم حاجات النساء : فالمرأة أقدر على تفهم حاجات النساء أكثر من الرجال لكونها امرأة مثلهم .
- التعاطف: الشعور بالرحمة وتقدير احتياجات الآخرين وظروفهم.
- العلاقات : المرأة أسرع من الرجل وأعمق في تكوين العلاقات مع الآخرين.
وهذان الأمران يظهران تميز المرأة و بهما ارتقت في قضية التربية ، فهي بحكم عاطفتها البالغة وقرب علاقتها كانت أقوى تأثيرا وأسرع أثرا، ولذا كان كثيرا من قادة الأمة وعلماؤها كان المربي الأساس لهم الأم .
- الإبداع: فالدراسات تشير إلى أن المرأة تتميز بقدرتها البالغة على الإبداع، ولعل هذا لما تتميز به المرأة من اهتمام بالغ بالزينة والكماليات ونحوها مما يجعل لها اهتمامات بالغة بالأمور الإبداعية ﴿أَوَمَن يُنَشَّؤُا فِي ٱلْحِلْيَةِ﴾ الزخرف 18.قال الزمخشري(أي يتربى في الزينة والنعمة وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ...وفيه أنه جعل النشء في الزينة والنعومة من المعايب و المذام وانه من صفات ربات الحجال ، فعلى الرجل أن يتجنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه).
- المبحث الثاني: صور القيادة النسائية الممنوعة: هناك صورتان ممنوعتان للقيادة النسائية عند الفقهاء وهما:
أولًا: الإمامة العظمى :
فلا يجوز للمرأة تولي منصب الإمامة العظمى، والذكورة شرط فيمن يتولى هذا المنصب .
ويدل على عدم جواز تولي المرأة الإمامة العظمى أدلة منها:
1- قوله تعالى:﴿ٱلرجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ النساء:34 يعني ذلك أن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم، بما فضلوا عليهن من سوقهم لهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قواما عليهن، ولهذا كانت الإمامة مختصة بالرجال.
2- قوله تعالى:﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ البقرة:228
أخرج الطبري عن سفيان عن زيد بن أسلم رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَلِلرجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ قال :( إمارة ).
3- قوله تعالى ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ﴾ الأحزاب :33 هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي r ونساء الأمة تبع لهن في ذلك؛ أي أقررن فيها والزمنها فلا تخرجن لغير حاجة، لأنه أسلم وأحفظ لكن، ولا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه .
والإمام لا يستغني عن الاختلاط بالرجال والتشاور معهم في الأمور، والمرأة ممنوعة من الاختلاط بالرجال والخلوة بهم، لأن حالها بني على الستر والقرار في البيوت.
4- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله r أيام الجمل فأقاتل معهم. قال: لما بلغ رسول الله عليه الصلاة والسلام أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى. قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
قال الخطابي: (في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وفيه أنها لا تزوج نفسها ولاتلي العقد على غيرها).
5- إجماع الأمة على عدم جواز تولي المرأة للإمامة الكبرى.
6- إن المرأة لا تلي الإمامة الخاصة بالرجال فكيف تلي الإمامة العامة لهم؟ كما أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى منصب القضاء ولا منصب الشهادة عند أكثر أهل العلم، فكيف يجوز أن تتولى منصب الإمامة العظمى؟ .
وفي هذا رد على ما يحصل في عصرنا الحالي من مطالبة المرأة بتولي منصب الإمامة العظمى غير المقبول شرعًا و لاعقلًا.
ثانيًا:القضاء:
وهو الأمر الثاني الذي لم يجوز الفقهاء والعلماء على الراجح توليه للمرأة .
واختلاف العلماء رحمهم الله في جواز أن تكون المرأة قاضية وفي كون الذكورة شرط فيمن يتولى القضاء على عدة آراء :
الرأي الأول : يرى أصحابه عدم جواز ولاية المرأة للقضاء مطلقا، وإذا وليت يأثم المولي وتكون ولايتها باطلة وقضاؤها غير نافذ، هذا ما يراه جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية.
أدلة أصحاب هذا الرأي:
1- قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء ...) النساء :34 .
2- قول النبي r ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) .
قال الخطابي :( في الحديث أن المرأة لا تلي الأمارة ولا القضاء..). .
وقال ابن حجر في الفتح:(احتج بحديث أبي بكرة من قال لا يجوز أن تولى المرأة القضاء، وهو قول الجمهور).
3- أن النبي r وخلفاءه الراشدين رضي الله عنهم ومن بعدهم لم يولوا امرأة قضاء ولا ولاية، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا .
4- أن الإجماع كان قائما على بطلان ولاية المرأة القضاء وإثم موليها، فلا يعتد برأي من قال بجواز توليتها بعد انقراض عصر الإجماع، من غير دليل شرعي .
5- من حيث القياس: فالقضاء كالإمامة العظمى بجامع الولاية في كل، فكما أن الولاية العظمى لا يصح أن تتولاها المرأة لمكان أنوثتها، فكذلك لا تصح للقضاء للعلة نفسها.
الرأي الثاني:
يرى أصحابه أن المرأة لها أن تلي القضاء فيما عدا الحدود والقصاص، أي أن ما تجوز شهادتها فيه يجوز لها أن تكون قاضية فيه.
وقد استدل الحنفية على قولهم بجواز ولاية المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص: بأن القضاء من باب الولاية كالشهادة، والمرأة أهل للشهادة في غير الحدود والقصاص، فتكون أهلا للقضاء في غير الحدود والقصاص.
الرأي الثالث :
ويرى أصحابه أن الذكورة ليست شرط جواز ولا صحة، فيجوز أن تتولى القضاء مطلقا، وإذا وليت لا يأثم المولي، وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة ، سواء كان القضاء في الحدود أو في غيرها، وسواء مما تجوز فيه شهادة المرأة أم لا، وسواء أكان مما لا يطلع الرجال أم لا.
هذا ما يراه ابن جرير الطبري، وابن حزم، وانفرد ابن قاسم من المالكية :
فقد قصر قضاء المرأة على الأموال، وما لا يطلع عليه الرجال: كولادة، واستهلال مولود، وعيب نساء باطن.
والرأي الأول هو الراجح لقوة أدلته وصراحتها _والله أعلم_.
المبحث السابع: ضوابط تتعلق بعمل المرأة:
إن عمل المرأة خارج بيتها له ضوابط معينة لابد من الالتزام بها حتى تكون قائدة ناجحة ورائدة صالحة، تتقدم بها هذه الأمة ،وتتحصل بها الهداية في الدنيا والآخرة.
وهذه الضوابط منها ما يتعلق بالمرأة القائدة نفسها، وأخرى بالبيت والأسرة، وثالثة بطبيعة العمل .
أولا: الضوابط المتعلقة بالمرأة القائدة العاملة في نفسها :
أباح الإسلام للمرأة العمل خارج بيتها بشروط هي :
1- أن تخرج في وقار وحشمة .
2- أن تخرج في صورة بعيدة عن مظان الفتنة.
3- ألا تخرج متبرجة بزيها وزينتها.
4- أن تلتزم بالحجاب الشرعي الخاص بالمرأة المسلمة وهو: ما كان ساتر للبدن كله، ألا يكون زينة في نفسه، و لا يجذب انتباه الرجال، أن يكون صفيقا لا يشف، وفضفاضا غير ضيق، غير مبخر أو مطيب، لا يشبه ثياب الرجال أو لباس الكافرات.
وهذه الضوابط الأربعة يدل عليه قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)الأحزاب :59 وقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)النور:31و قال تعالى (يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ منَ ٱلنسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ.......)الأحزاب:32 في هذه الآيات آداب أمر الله بها نساء النبي r ونساء الأمة تبع لهن، وعدم الخضوع بالقول يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال وترخيم الصوت, والقول المعروف هو القول الحسن المعروف في الخير.
وتبرج الجاهلية الأولى قال قتادة:( كانت لهن مشية وتكسر وتغنج ).
وقال مقاتل بن حيان: (التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ) .
وكذا من التبرج الخروج متطيبات أو متجملات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه وأبعد عن الفتنة وموجباتها، وعلى المرأة التحلي به حتى تسعد في الدنيا والآخرة.
5- إذن زوجها أو أبيها أو ولي أمرها ،وإذا كان الإذن مطلوبا في بعض نوافل العبادات فهنا من باب أولى قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)النساء:34.
6- أن لا تختلط بالرجال، ولا تختلي بهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يخلون رجل بامرأة ) وفي سنن أبي داوود أن النبي r منع من الاختلاط بالرجال فقال آمرا النساء ( إستأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق) .
فيلزم المرأة مراعاة هذا الأمر الخطير وخاصة حينما تتعالى الصيحات المطالبة بحرية المرأة وخروج المرأة ، وتتفهم خطورة هذه الدعاوى وما ينجم عنها من فسق وفجور وانحلال_والله المستعان_.
ثانيا: ضوابط تتعلق بالبيت والأسرة:
بما أنه من المتقرر أن المرأة المربية هي الأساس والأصل في القيادة النسائية، وللمرأة المربية الصالحة دور عظيم في تقدم الأمة، وإصلاح الأجيال، وبقيادتها الرائدة تصلح الأمة والمجتمعات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرنه أو يمجسانه ) .
ودور الأم في التربية أعظم لقربها من أولادها، ولقرارها في بيتها، ولحنانها وعطفها، وما تمتاز به أمومتها .
فقرار الأم القائدة مهم حتى تؤدي هذا الدور الريادي ، ولا يمنع ذلك أن تكون لها أدوار قيادية أخرى لكن ليس على حساب هذا الدور الأصل ، وكم تأسى النفس حين تكون بعض النسوة قائدات ورائدات مؤثرات خارج بيوتهن، وأبعد ما يكن عن القيادة والريادة الإيجابية في بيوتهن. والله المستعان
بالإضافة إلى ذلك دور المرأة القائدة كزوجة أو ابنة أو أخت أو غير ذلك كل هذه الأمور القيادية لا بد من مراعاتها وعدم إهمالها قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ الأحزاب:33 ، قرن أي :إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، واعتياد المرأة على الخروج وعدم القرار يصرفها عن أداء واجباتها ورسائلها الأسرية المهمة.
وكذا على المرأة القيادية الحرص على كل ما من شانه الرقي بالأسرة والتكفل بحاجاته والعناية بأفراده وعدم التقصير في واجبها الأساس من حسن تربية لأولادها ورعاية لزوجها وبر بوالديها وصلة لأرحامها.
ثالثا: ضوابط تتعلق بطبيعة العمل :
للعمل ذاته ضوابط حتى تتناسب وقدرة المرأة ونجاحها في عملها .
1- أن يكون العمل مباحا في أصله مشروعا وهو ما كان متفقا مع كتاب الله وسنة رسوله r ومن الأعمال المشروعة التي تحسن المرأة آداءها: التعليم والتمريض والخياطة ..أما غير العمل المشروع والذي ورد النهي عنه بخصوصه في الشريعة فيحرم على المرأة مزاولته كالغناء والرقص والتمثيل المحرم وأي عمل يكون فيه خلوة أو اختلاط أو شيء محرم يجب على المرأة اجتنابه .
2- ألا يتنافى العمل مع طبيعتها الأنثوية، وخصائصها البدنية والنفسية ،فلا تعمل الأعمال التي تختص بالرجال كالتي تحتاج إلى محض القوة العضلية ونحو ذلك كأن تعمل حاملة أثقال أو عاملة في الشوارع والطرقات ..وغيرها من الأعمال الشاقة .
3- أن يكون العمل في حدود طاقتها الجسدية؛ فلا يكلفها ما لا تطيقه.
4- ألا يؤدي هذا العمل إلى ضرر اجتماعي أو خلقي، فيؤثر سلبا على الأمة.
5- ألا يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى نحو زوجها وأولادها .

الفصل الثاني
المهارات الأساسية للقيادة النسائية

للمرأة القائدة مهارات عديدة حتى تنجح في قيادتها ومن أهمها ما يلي:
المبحث الأول: مهارة إدارة الذات
وهو قدرة القائد الشخصية على التعامل مع نفسه بما يتعامل به مع الآخرين، ومعرفته بقدراته ومهاراته واستغلالها بفعالية، وبناء شخصيته من خلال السيطرة التامة على عواطفه ومشاعره الذاتية، والقدرة على ضبط النفس والشهوات بمختلف أنواعها ومستوياتها المادية والمعنوية .
أسس إدارة الذات:
إذا أرادت المرأة أن تكون قائدة وإدارية ناجحة لا بد أن تكون أكثر تأثيرا على إدارة الذات، وبالتالي فعليها مراعاة أسس من أهمها ما يلي :
1- لديها رسالة واضحة للحياة الشخصية تحدد من خلالها التطلعات الشخصية التي تطمح إلى تحقيقها في حياتها، لتوجه جميع جهودها نحو تلك التطلعات وتكون بعيدة عن التخبطات في الحياة دون رسالة.
والمرأة المسلمة لها رسالة واضحة ولله الحمد والمنة على الهداية، فالإسلام عني بالقيادة من حيث القواعد العامة والأساسية، وربط أهداف القيادة من إدارة للشؤون العامة أو إدارة لتحقيق أهداف التنظيم والإنتاج والنمو، والقيام بالمسؤوليات والواجبات تجاه الله تعالى والدين والجماعات والأفراد، وبالتالي إخلاص النية لله وحده.
فيكون الهدف الأساس هو تقوى الله تعالى ورضاه ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الأنعام :162 .
وهذا الأساس يتمثل في القائدات العظيمات المذكورات في القرآن الكريم فها هي ذي مريم عليها السلام يقول الله فيها ﴿ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً ﴾ آل عمران:37 أي ربيت تربية عجيبة، دينية، أخلاقية، أدبية، كملت بها أحوالها، وصلحت بها أقوالها وأفعالها ونما فيها كمالها، ويسر الله لها زكريا كافلا وهذا من منة الله على العبد، أن يجعل من يتولى تربيته من الصالحين المصلحين .
وكذا ربى الله قائدات الأمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وزكاهن وأدبهن فقال تعالى: ﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا.وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله ورسوله والدار الآخرة فإن اللَّهَ أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما.يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ........﴾ الأحزاب:28-34 وبهذا كن لسن كأحد من النساء، وفقن سائر النساء حين كملن بالتقوى والتزمن بجميع وسائلها ومقاصدها رضي الله عنهن وجمعنا بهن في جناته.
2- أن تلتزم القائدة الإدارية بوضع وتحديد الأهداف الذاتية لتحقيق تطلعاتها التي تعبر عنها الرسالة، مع ضرورة التأكد من وجود حاجة حالية إلى تلك الأهداف، ومعرفة صريحة بما سيتحقق للقائدة تماما عند تحقيقها لأهدافها. والقائدة المسلمة لا بد أن تحدد أهدافها الذاتية، لتحقيق تطلعاتها التي تعبر عن الرسالة السامية التي تحملها في جوفها، وإذا اختلفت عليها الأمور ترجعها إلى الله ورسوله r ، وتبدأ بأقربها مرضاة لله ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ...﴾النساء 59 .
3- يجب أن يتميز تعامل القائدة الإدارية مع نفسها بدرجة عالية من الانضباط الشخصي في كافة التعاملات، ويأتي الانضباط الشخصي على أشكال عديدة منها: الالتزام بمعايير الأخلاقيات في كافة التعاملات والمعاملات، وضبط النفس في جميع الحالات.
فالقائدة إنسانة تتعامل مع الأخريات على وفق ما أمر الله تعالى وسن نبيه r ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ ٱوالْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بعض﴾التوبة :71, ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ ﴾العصر:3. فهي غير مستبدة ولا متسلطة، بل خلوقة متعاونة متفاهمة.........
4- التعهد بالالتزامات والوفاء بها، فالقائدة مكلفة بأمور كثيرة عليها التعهد بالقيام بها، كما أن عليها أن تفي بتلك التعهدات حق الوفاء.
وعندما تتعهد القائدة وتحافظ على التزاماتها – وإن كانت صغيرة- فإنها تكون قد بدأت في تأسيس التكامل الذاتي لديها، والذي يتيح لها إمكانية الوعي بضبط النفس لتقبل المزيد من المسؤولية تجاه حياتها.
فالقائدة المؤمنة تفي بكل تعهداتها و تلتزمها امتثالا لأمر الله تعالى:﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئولاً﴾الإسراء :34 ﴿ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ..﴾الأنعام152 ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ..﴾المائدة1.
5- التواضع في التعامل مع الآخرين، والبعد عن التكبر واحتقار الآخرين، أو التقليل من قيمتهم الإنسانية أو الوظيفية. قال تعالى:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾الحجرات:13 ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً ﴾الإسراء:37 ﴿...وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ...﴾ لقمان: 19, وهذا أمر لازم ينبغي أن يكون الأساس في تعامل القائدة مع غيرها؛ وهذا التواضع يزيدهن رفعة وشرفا، وليس إهانة وضعفا.
فبعض القائدات تظن أن في احتقار الآخرين وازدرائهم، رفعة ومهابة وليس ذاك بصحيح قال r (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) .
6-أن تكون القائدة قدوة حسنة للآخرين في كافة تصرفاتها وسلوكياتها المتعلقة بالجهة أو المتعلقة بحياتها بوجه عام.
وأعمال الأئمة والولاة الصالحين تتضح في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا...)الأنبياء:72.
أي يهدون الناس بالدين، لا يأمرون بأهواء أنفسهم، بل بأمر الله ودينه، واتباع مرضاته، ولا يكون العبد إمامًا حتى يدعو إلى أمر الله ودينه.
القائدة في موقعها هي القدوة للآخرين التزامًا بتعاليم الدين، وفي التعامل مع الآخرين وأداء واجب العمل التزامًا وانضباطًا وسلوكًا ولذا على القائدات تقوى الله وتجنب تضليل الناس بفعل المعاصي والبدع وخاصة في مجتمعات الناس ومن يتعاملن معه, قال الشاطبي: في التلبس بالمعاصي والبدع في مجتمعات الناس(لا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو المواضع التي تقام فيها السنن وتظهر فيها أعلام الشريعة, فأما إظهارها في المجتمعات ممن يقتدى به أو بمن يحسن به الظن فذلك من أضر الأشياء على سنة الإسلام, فإنها لا تعدو أمرين إما أن يقتدى بها أو يقتدى بصاحبها فيها فإن العوام أتباع كل ناعق لا سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها والتي في تحسينها هوى وهذا بعينه موجود في صغائر المعاصي فإن العالم مثلاً إذا أظهر المعصية وإن صغرت سهل على الناس ارتكابها, فإن الجاهل يقول: لو كان هذا الفعل كما قال أنه ذنب لم يرتكبه وإنما أرتكبه لأمر علمه دوننا).
وقد لوحظ على بعض القائدات المربيات في واقعنا المعاصر تفريط وتساهل في هذا الجانب كبير، وعدم ظهور سمت أهل الصلاح والتقى عليهن غفلة منهن لجانب الإقتداء بهن, والله المستعان.

المبحث الثاني:مهارة الاتصال والتفاعل مع الآخرين
تعد مهارة الاتصال أهم مهارة على الإطلاق، فمعها يتمكن المرء الاتصال والتواصل الفكري والأدبي، والعلمي والفني،وتبادل المشاعر والأحاسيس.
وبدون مهارة اتصال فعالة وجيدة لا يمكن للقيادية إيصال أهدافها وأهداف خططها للعاملين بل لا يمكن لها إعداد خطط جيدة بدون تبادل الآراء والحوار، ولا يمكنها توجيه العاملين للقيام بمهامهم على الوجه الأكمل بدون أن تتمكن وبشكل كافٍ من الاتصال معهم.
وكافة مهام ووظائف القيادية والمديرة تبنى على كفاءة و فعالية اتصالها.
*وتعريف الاتصال الفعال) effective communication)
الاتصال هو الخطوات المتضمنة نقل معلومات ما من المرسل إلى المرسل إليه، وبحيث تكون المعلومات واضحة ومفهومة لكلا الطرفين، وباستخدام عدة وسائل مقروءة أو مسموعة، وذلك لتحقيق هدف معين من خلال الاتصال.
وأيًا كان الأمر فإن الاتصال الجيد هو الاتصال المبني على الحوار الصريح والثقة المتبادلة بين الطرفين سواءً أكان ذلك في مجال التحدث أو الإصغاء .
ومن وسائل الاتصال:
1-التعبير عن الأفكار بوضوح.
يتوجب على القائدة الإدارية، إذا ما أرادت النجاح في الاتصال، أن تعبر عن أفكارها بوضوح، وهذا يتطلب أن تفكر وتخطط لما تريد أن تقول قبل أن تتسرع في الحديث. هذا المبدأ يتطلب منها أن تختار الكلمات واللغة الملائمة التي سوف تكون أفضل وسيلة لإيصال أفكارها للمستمع والتحدث مهارة شخصية تشتمل على ثلاث مهارات فرعية تضم عناصر اللفظ ونبرة الصوت والحركة المرئية لما تقوله.
ومن هذا المنطلق توجد علاقة وثيقة بين مهارات التكلم, وبين المهارات القيادية وإذا تحدث القائد بطريقة جيدة وواضحة فإنه يستطيع أن ينتزع الانتباه وينقل آراءه وأن يوفر لمستمعيه النظام والتوجيه ويحل المشكلات ويقنع الآخرين ويكسب ثقتهم.
فهاهي ذي ملكة سبأ تتحدث مع قومها بوضوح تام مع غاية الإيجاز قال تعالى: ﴿قَالَتْ يأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (30)﴾ النمل (أي:جليل المقدار من أكبر ملوك الأرض.ثم بيّنت مضمونه، أي لا تكونوا فوقي، بل اخضعوا لسلطاني، وانقادوا لأوامري، وأقبلوا إلي مسلمين. وهذا في غاية الإيجاز مع الوضوح التام).
2-الاستعداد والقدرة على التعبير عن المشاعر بدون تردد.
إن الشخص الذي يتمتع بالقدرة على التعبير عن مشاعرهم هم من أكثر الأشخاص مغالبة في الاتصال مقارنة بالأشخاص الذين لا يملكون القدرة على التعبير عن مشاعرهم، إن الموظفين لا يرغبون في أن تقتصر علاقاتهم مع رؤسائهم على مجرد العلاقات الرسمية وتبادل المعلومات فقط، إنهم يودّون أن يعرفوا وجهات نظر قيادتهم الإدارية ومشاعرهم تجاه القضايا والمشكلات التي يتعرضون لها.
فهاهي ذي ملكة سبأ تعبر عن مشاعرها بدون تردد قائلة ﴿قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴾ النمل: 32(أي: أجيبوني في أمري الذي حزبني وذكرت لكم خلاصته، وعبرت عن الجواب بالفتوى التي هي الجواب في الحوادث المشكلة غالبًا تهويلًا للأمر، ورفعًا لمحلهم بالإشعار بأنهم قادرون على حل المشكلات الملمة).
3-وضع الشخص نفسه في موقف الآخرين:
إن القائدة الإدارية غالبًا ما توصف بأنها القادرة على التعاطف مع الآخرين وذلك من خلال قدرتها على مشاركة الآخرين في مشاعرهم و مرئياتهم.
وقول ملكة سبأ﴿.. مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ﴾ يقول الزمخشري: (وقصدت بالانقطاع إليهم، والرجوع إلى استشارتهم، واستطلاع آرائهم استعطافهم وتطييب نفوسهم ليمالئوها ويقوموا معها) .
وأكّدت ذلك بقولها ﴿ مَا كُنتُ..﴾ أي ما أقطع أمرًا من الأمور المتعلقة بالملك إلّا بحضوركم و بموجب آرائكم، والإتيان بكان للإيذان بأنها استمرت على ذلك ولم يقع منها غيره في الزمن الماضي غيره فكذا في هذا.
4-التعوّد على الاستماع إلى الآخرين بصورة جيدة (الإصغاء):
ينبغي على القائدة الإدارية أن تعود نفسها على الإصغاء الجيد للآخرين. وهذا يعني أنه يجب عليها أن تسأل المتحدث معها الأسئلة الملائمة للاستيضاح، كما أن عليها أن تعمد من حين إلى آخر إلى إعادة النقاط الرئيسية في حديث المتكلم لتشعره بإصغائها إليه.
يقول القرطبي عن ملكة سبأ(فأخذت في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض بقولها: ﴿.. مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ﴾ فكيف في هذه النازلة الكبرى فراجعها الملأ بما يقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس ثم سلموا الأمر إلى نظرها وهذه محاورة حسنة من الجميع).
5-عدم التسرع في الحكم على أفكار الآخرين:
على القائدة الإدارية أن تتجنب الاستعجال في الحكم على أفكار الآخرين حتى تستوعبها وتتعرف على جوانب القوة والضعف فيها لأن ذلك سوف يكون أكثر جدوى وفعالية في عملية الاتصال.
وملكة سبأ سمعت كلام قومها حين ﴿قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ..﴾ وأحست منهم الميل إلى المحاربة ورأت الميل إلى الصلح والابتداء بما هو أحسن ورتبت الجواب بالعدول أولًا عما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه﴿قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون.وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون.﴾النمل:34-35.
وكأنها أرادت: إن سليمان ملك الملوك وهذا شأنهم وغلبتنا عليهم غير محققة ولا اعتماد على العدد والعدة والشجاعة والنجدة فربما يغلبنا فيكون ما يكون فالصلح خير.
6-تجنب الظهور بمظهر الشخص العدواني عندما تكون وجهة نظر الطرف الآخر مختلفة عن وجهة نظرها.
فالقائدة الإدارية يتحتم عليها أن تعطي لنفسها الفرصة لمراجعة أفكار ومقترحات الآخرين حتى لو كانت تتعارض مع أفكارها وأن تتقبلها خاصة إذا ما وجدت الأدلة والشواهد التي تدعمها.
وهذا ما يقرره القرآن من موقف ملكة سبأ فهي تقول لقومها حينما شعرت بميلهم للمحاربة مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم، ومبينة سوء مغبة القتال ﴿..إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا..﴾ قتلًا، وأسرًا، ونهبًا لأموالها، وتخريبًا لديارها.
﴿..وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً..﴾ أي جعل الرؤساء السادة وأشراف الناس من الأذلين، أي:فهذا رأي غير سديد ، وأيضًا فلست مطيعةً له،قبل الاحتيال،وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها وحينئذٍ نكون على بصيرةٍ من أمرنا.
فلم تعاديهم ولم تعارضهم معارضة شديدة، بل تقبلت وجهة نظرهم، وبيّنت الصواب، وأقنعتهم بالعدول عن رأيهم، وبيّنت لهم وجهة نظرها بأُسلوب حسن.
7- استخدام كلمات قصيرة ومفهومة بدلًا من الكلمات الطويلة الغامضة، والتخلص من الكلمات الزائدة وغير الضرورية.
كقول زوجة موسى عليه السلام﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾ القصص:26 كلام حكيم جامع لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت عليه هاتان الخصلتان (الكفاية والأمانة) في القائم بأمرك، فقد فرغ بالك وتم مرادك.

المبحث الثالث:مهارة التفويض
تعريف التفويض((delegation:الاستعانة بالآخرين ممن تثق فيهم وفي قدراتهم لمساعدتك على القيام ببعض مهامك على خير وجه ممكن مع دعمك وعونك لما فيه كل الخير.
- ولها أسس رئيسية وهي :
أولًا: تحديد المهمة التي ترغب في تفويضها..
﴿.. يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾القصص:26, فهذا تحديد للمهمة المرغوب التفويض فيها. أي اجعله أجيرًا عندك، يرعى الغنم ويسقيها.
ثانيًا: اختيار الشخص المناسب أو الأفضل.
﴿..إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾ القصص:26
أي أن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمع القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة بعدم الخيانة. وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملًا، بإجارة أو غيرها.
ثالثًا:التمهيد للقيام بالمهمة:
فلابد من القيام بتحديد الصلاحيات التي ستمنحها له لإنجاز هذه المهمة بالنيابة أو القيام بالتمهيد له مع الشخص الذي لديه المعلومات.
قال تعالى:﴿.. إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ فهنا لم تطلبه طلبًا مطلقًا لئلا يوهم ريبة، بل قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، يعني ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا.
فكلامها هذا تمهيد منها للقيام بالمهمة وكذا دعوتها له للقاء أبيها فقد قال له: إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تكون أجيراً لي ثمان سنوات, وإن أتممت عشراً فذلك تفضل منك وليس بواجب عليك وما أريد أن أشق عليك في العشر وستجدني حسن الصحبة والوفاء بما قلت.
وما في هذا اللقاء من تحديد المهمة وصلاحياتها دلالة على مهارة التفويض.

رابعًا: الإعداد النفسي..
ومن ذلك تشجيعهم بإبداء الثقة في قدراتهم، وتقديم المساندة لهم بإظهار تواجدك معهم وقدرتك على مساندتهم عند اللزوم.
والتخفيف من التوتر: إذا كانت هذه المهمة تستدعي مرؤوسيك الاجتماع بأشخاص جدد لا يعرفونهم أو أعلى منهم درجة في التنظيم، فقد يسبب لهم ذلك الشعور بالانقباض والتوتر. لذا ربما من الأفضل أن تقوم أنت بالوصل بين الطرفين وتعريفهما ببعض. قال تعالى: ﴿ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾القصص:25
فمجيؤها إليه مشيًا مع غاية الاستحياء في حالتي المشي والمجيء معًا ،وتنكير استحياء للتفخيم،ثم إسناد الدعوة إلى أبيها لئلا يوهم ريبة، واستدعاؤها له لأبيها ثم الطلب من أبيها استعماله أجيرًا عندهم، يرعى الغنم ويسقيها، وقول أبيها له ﴿ ..لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أي ليذهب خوفك وروعك، فإن الله أنجاك منهم، حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان، ومن ثم عرض أبيها عليه العمل وترغيبه فيه ﴿..سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ و تطمينه بحسن المعاملة، ويسر العمل، وكل ذلك من الإعداد النفسي المطلوب في القادة .
المبحث الرابع: القوة وفن التأثير على الآخرين
ارتبط مفهوم القوة بشكل عام والقوة الإدارية بشكل خاص للتأثير على الآخرين، والتأثير لا يتم بالطبع إلا بوجود قدر معين من القوة والنفوذ، والقائدة الإدارية بحكم شخصيتها أو بحكم مركزها الوظيفي أو بكلتيهما معًا يفترض أن تكون لديها القوة التي تمكنها من تحقيق أهداف إدارتها أو منظمتها. وفي الحقيقة أن القوة أو قوة التأثير على الآخرين تمثل أحد المهارات التي تحتاج إليها القائدة الإدارية في عملها.
تعريف القوة: هي القدرة على التأثير في الآخرين سواء أكان ذلك بطريقة رسمية أم غير رسمية، وهي تمثل حق القائدة الإدارية في اتخاذ القرارات وتوجيه وطلب الآخرين بالقيام بأداء عمل من الأعمال وذلك من اجل إنجاز الأهداف وتحقيق الأهداف المرسومة بقدرة من الفاعلية والكفاية.
والأشخاص الأقوياء لهم بعض الخصائص التي تميزهم كالشهرة، الموثوقية، التأثير، الحماس، الشمولية، الاستقلالية.
مصادر القوة:
1-القوة الشرعية أو قوة المنصب:هي القوة التي تستمدها القائدة الإدارية من موقعها في بنية المنظمة كأن تكون مديرة أو مشرفة أو نحو ذلك من مسميات أو ألقاب تصادق عليها المنظمة والقوة الشرعية هي نقطة البداية لمناقشة بقية أنواع مصادر القوة الأخرى وذلك لأنها من أكثر مصادر القوة وضوحًا لدى الآخرين.
هذا النوع من القوة يبدأ من اللحظة الأولى التي يتم فيها تعيين الفرد في دور الأمارة بمسمى مديرة أو مدير في الإدارة أو المنظمة التي تعمل بها. لذا يتوجب عليها كمديرة أن تستثمر هذه القوة ليس من أجل حماية ذاتها أو إيقاع الأذى بالآخرين وإنما من أجل إنجاز المهام المكلفة بها لتحقيق أفضل النتائج من الأشخاص الذين تشرف عليهم أو تتعامل معهم, قال تعالى: ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً...) آل عمران: 37-38, هاهي ذي مريم كان لها دور عظيم مع زكريا عليه السلام, فكلما دخل عليها المحراب وهو محل العبادة وفيه إشارة إلى كثرة صلاتها, وملازمتها لمحرابها وجد عندها رزقاً هنيئاً, قال يا مريم : أنى لك هذا؟ أي من أين لك هذا؟ قالت: هو من عند الله, إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فلما رأى حسن حالها ومعرفتها بالله, وإضافتها الأشياء إليه، دعا ربه متمنياً أن يكون له ولد صالح...
2- قوة الإكراه أو القوة القسرية: تستند على التهديد أو إيقاع العقاب على الآخرين، وذلك لضمان استجابتهم وامتثالهم لتوجيهات وطلبات القائدة الإدارية.
وهذا النوع من القوة يحمل مضامين سلبية سواء أكان ذلك للقيادات الإدارية أو للمرؤوسين، مما يجعل كلا الطرفين لا يفضل اللجوء إليه.
لكن يمكن الرجوع إليه في بعض الأحوال مع الموظفات اللاتي لا يلتزمن بتوجيهات القائدة الإدارية، واللاتي يكثرن من المخالفات بدون مبرر مما يجعل إجبارهن على الالتزام والطاعة أمرًا حتميًا. والقائدة الربانية تستشعر الأخوة ومنة الله في التسخير دومًا في تعاملها مع موظفيها فلا تستغل منصبها في الإيذاء والاستبداد وسوء المعاملة. والعياذ بالله.
3- قوة الاتصال أو العلاقة مع الآخرين: يستند هذا النوع من القوة على علاقة مستمرة من الإجراءات القوية أو المؤثرة. ذلك أن الشخص قد يلجأ إلى إيجاد علاقات وصداقات مع الأطراف الذين يعتقد أن لهم تأثيرًا في القرار سواء أكان هؤلاء الأطراف من داخل المنظمة أومن خارجها. لهذا فإن الأشخاص الآخرين إذا ما عرفوا عن القائدة الإدارية على سبيل المثال أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الإدارة العليا أو ممن لهم تأثير على قرارات المنظمة فإنهم سيعمدون غالبًا إلى تنفيذ توجيهاتها.
وهذا ما كان من ملكة سبأ إذ سارعت إلى الإسلام وإتباع سليمان عليه السلام، وهذا موطن قوة عظيم مما لاشك فيه ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ النمل:44 فأسلمت وحسُن إسلامها واتبعت سليمان عليه السلام.
4- قوة المكافأة: يستند هذا النوع من القوة على قدرة القائدة الإدارية في التأثير على الآخرين من خلال شيء ما ذي قيمة بالنسبة لهم.
وبشكل عام يمكن القول بأن القائدة الإدارية تحتاج في الإدارة إلى توظيف الحوافز الإيجابية مع الموظفين ومع نظرائها في العمل سواء بالمديح والتقدير، والاعتراف بجهود الآخرين أو الترقية أو غير ذلك وفي قصة ملكة سبأ ما يدل على ذلك قال تعالى (وإني مرسلة إليهم بهدية..)أي سأبعث إليه بهدية تليق بمثله،وانظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك ، فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجًا نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا. قال قتادة رحمه الله:ما كان أعقلها في إسلامها وشركها، علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس.
5- قوة الخبرة: ويعتمد هذا النوع من القوة على مهارات ومعارف القائدة الإدارية. فتستطيع بعض القيادات الاعتماد على إمكاناتها الشخصية المستمدة من خبرتها في مجال من مجالات العمل إما بحكم تخصصها أو طول مدة عملها في هذا المجال، لشرح بعض القضايا التي تعزز مكانتها لدى الآخرين.إن كون الشخص خبيرًا يعني أن لديه فرصة كبيرة لأن يكون مصدرًا للمعلومات في جانب خبرته أو مهارته.
وهذا ما كان من ملكة سبأ فقولها ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً..﴾34النمل, أي إذا دخلوا قرية عنوةً وقهرًا خربوها وأذلوا أعزتها وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا فذكرت لهم عاقبة الحرب وسوء مغبتها ثم قالت ﴿وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ أرادت وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير، لأنها كانت في بيت الملك القديم، فسمعت نحو ذلك ورأت، ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد، وقيل:هو تصديق من الله لقولها.
فكانت هي أحزم رأيًا منهم وأعلم بأمر سليمان وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس و الطير، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرًا عجيبًا بديعًا.
وهذه كلها فيها دلالة على قوة المعلومات والخبرة في تلك القائدة الإدارية ملكة سبأ.
وكذا إحدى ابنتي صاحب مدين ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ فلابد لمن أراد أن يعمل في رعي الغنم من القوة والأمانة، وهذا كذلك نابع من خبرة وفهم.
المبحث الخامس: مهارة إدارة الوقت
الوقت الذي يعيشه المرء لابد من الاعتبار به وبما يمضي منه، فلا يعيش الإنسان كالأنعام التي لا تعتبر بانقضاء الأعمار, قال تعالى:﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾النور: 44، وفي هذا يقول السعدي: فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكير وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل, نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم .
فحياة المؤمن بثوانيها ودقائقها وساعاتها وليلها ونهارها وأعوامها هو مسؤول عنها ؛ والقادة العظام هم الذين يتنبهون لهذا الأمر فيرعون أيام وليالي أعمارهم حتى يرتقون بها في الدنيا والآخرة.
وواقعنا اليوم مليء بالكثير من المغريات والشهوات والملهيات، فلابد من التنبه وعدم الانحراف و الانغماس فيما لا مرضاة فيه للرحمن.
__ مفهوم إدارة الوقت : هي تخطيط استخدام الوقت وأساليب استخدامه بكفاءة و بفاعلية مع توجيه الجهود نحو زيادة الكفاءات والإنتاجية ورفع معدلات الأداء.
_ سبل إدارة الوقت بفعالية:
1- تحديد الأهداف والأوليات: إن تحديد الأهداف وبيان الغايات التي تتمنى أن تحققها القائدة الإدارية أمر مهم لنجاحها وحصول النتائج المطلوبة. وأعظم هدف ينبغي أن يكون نصب عين القائدة الإدارية هو مرضاة الله تعالى، وبعده تأتي باقي الأهداف والغايات، ومتى ما تحقق الهدف الأسمى فازت وإن لم يتحقق سواه لأن هذا الهدف هو أساس صلاح العمل.
ثم بعد ذلك تكون الأهداف والغايات الأخرى تبعًا لهذا الهدف الأسمى، وهو الطريق إليها. وبعد تحديد الأهداف والأوليات يتم توزيع الوقت حسب ما يحتاج كل منها من الوقت وحسب أهميته.
ومريم ابنة عمران مع عملها في الخدمة في الكنيسة كان حالها المداومة على طاعة الله (وكانت من القانتين)التحريم :12قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا)آل عمران:35( فإن معناه أني جعلت لك يا رب نذرا أن لك الذي في بطني محررا لعبادتك يعني بذلك حبسته على خدمتك وخدمة قدسك في الكنيسة عتيقة من خدمة كل شيء سواك مفرغة لك خاصة....) .
2- وضع الخطط من أجل تحقيق الأهداف: بمجرد أن يتم تحديد
أهداف العمل وترتيبها حسب الأولوية، فإن الخطوة التالية هي القيام بإعداد خطط ترمي إلى تحقيق هذه الأهداف؛ فعمل ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام بإرسال الهدية خطة لتحقيق هدف الأمن والسلامة.
3- جعل التسهيلات الضرورية لأداء العمل متاحة بيسر وسهولة:
ينبغي على القائدة الإدارية عندما تضع أهدافها وتخطط لها أن تدون نوع التسهيلات التي سوف تساعدها على تحقيق هذه الأهداف، وتبين للأشخاص المعنيين الوقت الذي من الممكن أن يتوفر نتيجة لهذه التسهيلات وخاصة المادية منها. فإرسال ملكة سبأ الهدية لسليمان عليه السلام تليق بمثله, وقول إحدى ابنتي صاحب مدين: ﴿ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ فبعد أن استأجره بيّن له التسهيلات ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ القصص :27, فرغّبه في العمل وبيّن له سهولته ويسره, فقال له: إنما استأجرتك لعملٍ سهلٍ يسير لا مشقة فيه. ثم قال له﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ في حسن الصحبة والوفاء وصلاح المعاملة في تلك الإجارة.
4- مقاومة الرغبة في تأجيل القرارات: إن التردد في اتخاذ القرارات لا يضيع عليها الفرص فقط، بل يبدد عليها الوقت أيضًا. ونلحظ سرعة اتخاذ القرارات عند القائدات فهاهي امرأة فرعون تسارع في اتخاذ القرارات ﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾قال ابن كثير :( يعني أن فرعون لما رآه هم بقتله خوفا من أن يكون من بني إسرائيل فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه وتذب دونه وتحببه إلى فرعون) وإحدى ابنتي صاحب مدين ﴿يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ﴾ مسارعة, وملكة سبأ ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ﴾، وقولها: ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كلها قرارات سريعة.

المبحث السادس: المبادرة والابتكار والإبداع
ها هي ذي هاجر زوج إبراهيم عليه السلام هذه المرأة المباركة التي جعلها الله سببا مباشرا في أن ينعم المسلمون بأطهر ماء وأكثره بركة وهو ماء زمزم قال تعالى: ﴿رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ....﴾إبراهيم: 27 وفي تفسير هذه الآية أورد البخاري قول ابن عباس رضي الله عنه ( أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل – وهي ترضعه – حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعها هنالك، ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال ﴿رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا اقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات . قال ابن عباس قال النبي r فذلك سعي الناس بينهما وفي حديث أبي جهم رضي الله عنه : وكان أول ما سعى بين الصفا والمروة. فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه- تريد نفسها – ثم تسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث (مستغيث)، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه (تجعله مثل الحوض) وتقول بيدها هكذا وفي رواية ابن نافع: فجعلت تحفر, وفي رواية عطاء: فجعلت تفحص الأرض بيديها، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس قال النبي عليه الصلاة والسلام يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء فكانت زمزم عينًا معينا. قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة ......فكذلك كانت حتى مرت رفقة من جرهم ..فنزلوا من في أسفل مكة ، فرأوا طائرًا عائفًا (هو الذي يحوم على الماء, ويتردد ولا يمضي عنه)، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جرياً (رسولاً) أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا – قال وأم إسماعيل عند الماء – فقالوا:أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت: ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي r : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم . وماتت أم إسماعيل..)
ومما سبق يتبين لنا العديد من المبادرات والإبداعات من هذه القائدة العظيمة :
-اتخاذها المنطق وهو ما يشد به الوسط لإخفاء أثرها على سارة، وهي أول من اتخذ المنطق من النساء .
- تفويضها أمرها وأمر ابنها لله ويقينها بالله وان الله خير حافظا ولن يضيعهم .
-اتخاذها الأسباب وعدم اليأس والاستسلام بل عمل كل ما يمكن عمله والسعي الحثيث بين الصفا والمروة وهو أول سعي فصار ذلك سعي الناس بينهما إلى قيام الساعة .
- كونها سببا في ماء زمزم المبارك ومن فمها أخذ اسمها، وجاء الجراهمة ليستأذنوها في الجوار فاشترطت عليهم أن ليس لهم حق في الماء وهذا يوقفنا على مدى إدراكها وذكائها ذلك أن بقاء الماء تحت ملكها ليس حبا للتملك, فما اشترطت أن يكون الماء ملكا لها ولابنها بعد موتها، إلا لضمان أن يكون الماء لكل المسلمين.
وهذا نموذج رائع للقيادة من قائدة عظيمة سطرت أعظم أنواع القيادة في الابتكار والصبر والتوكل والاستعانة بالله والسمع والطاعة للزوج.
﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً ﴾ يوسف:31
وقال الله في امرأت العزيز﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ..﴾ أي باغتيابهن وسوء مقالتهن، وتسمية ذلك مكرًا لشبهه له في الإخفاء، وقيل:كانت استكتمتهن سرها فأفشينه واطلعن على أمرها. وقيل: أنهن قصدن بتلك المقالة إغضابها حتى تعرض عليهن يوسف لتبدي عذرها فيفزن بمشاهدته،والمكر على هذين القولين حقيقة.
﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ تدعوهن وهيأت لهن متكئًا، ﴿ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً ﴾ قال بعض المحققين لا يبعد أن تسمى هذه الواو فصيحة، وإنما أعطت كل واحدة سكينا لتستعمله في قطع ما يعهد قطعه مما قدم بين أيديهن وقرب إليهن والظاهر أن مضيفتهن تعمدت جعلها مشحوذة فوق المعهود في سكاكين الطعام مبالغة في مكرها بهن، وغرضها من ذلك ما سيقع من تقطيع أيديهن لتكبتهن بالحجة وقيل غرضها ذاك والتهويل على يوسف عليه والسلام من مكرها إذا خرج على أربعين من النسوة مجتمعات في أيديهن الخناجر توهمه أنهن يثبن عليه فيكون خائفا من مكرها دائما فلعله يجيبها إلى مرادها. وقالت ليوسف أدخل عليهن وهن مشغولات بمعالجة السكاكين وإعمالها فيما بأيديهن ليتم غرضها بهن، فلما رأينه عظمنه ودهشن برؤية جماله الفائق الرائع وقطعن أيديهن وجرحنها بما في أيديهن من السكاكين لفرط دهشتهن وخروج حركات جوارحهن عن منهاج الاختيار حتى لم يعلمن بما عملن ولم يشعرن بألم ما نالهن.
وهذا نموذج من نماذج الابتكار.
وكذا من المبادرات ما فعلته امرأت عمران أم مريم عليها السلام وكانت لا تحمل، وحين حملت نذرت ما في بطنها لخدمة المسجد قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَةُ عِمْرَانَ..﴾آل عمران 35-37 والمعنى اذكر إذ قالت امرأة عمران أن يهبها ولدا وكانت امرأة لا تحمل فاستجاب الله دعاءها، فحملت فلما تحققت الحمل، نذرت أن يكون خالصا مفرغا للعبادة لخدمة بيت المقدس، فلما وضعت أنثى أسمتها مريم ودعت لها بالحفظ، فتقبلها ربنا من أمها نذيرة، وأنبتها نباتا حسنا، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين، ولهذا قال:﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...﴾آل عمران: 37 .
وكذا من الفراسة والإبداع فراسة آسية امرأة فرعون في موسى حيث كانت فراستها فيه صادقة حين قالت ﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ..﴾ القصص:9 .
وكذا اقتراح ملكة سبأ إرسال الهدية دلالة على حنكة وخبرة وذكاء وهذه كلها مبادرات وابتكارات من قائدات مبدعات و تاريخ الأمة الإسلامية مليء بالمبادرات العظيمة والإبداعات الرائعة من القائدات الرائدات والتي بلغت بالأمة الإسلامية شأنًا عظيمًا.

المبحث السابع: بناء فريق العمل
أمر الله ونبيه صلى الله عليه وسلم الأمة بالتآلف والتعاون وهو ضرورة لنجاح الأمة ونصرتها وعلو شانها ،وهو أساس لنجاح أي عمل ومشروع .
ومفهوم فريق العمل الفعال: هو مجموعة الأفراد الذين يجمع بينهم هدف مشترك يشعر كل منهم بضرورة التعاون مع الآخرين لتحقيقه، انطلاقًا من حقيقة أنهم يكملون بعضهم، وأنه يوجد بينهم علاقات تبادلية و تكاملية، وأنهم يعملون في ظل قيم و مبادئ متفق عليها بينهم سلفًا.
ولهذا الفريق العديد من المهارات اللازمة لبنائه ومن أهمها :
1- التأكيد على ضرورة أن تكون القائدة الإدارية قدوة للآخرين:
أفضل قائدة إدارية هي التي تجعل من نفسها قدوة لأعضاء جماعات العمل وذلك فيما يتصل بالالتزام والمشاركة والحماس لأداء المهام المطلوبة. بل يمكن القول بأن أعضاء جماعات العمل من الممكن أن يتعلموا من سلوك القائدة أكثر مما يتعلمون من التعليمات والتوجيهات الرسمية.
و هذا الأمر هو الذي ربى القرآن عليه المؤمنات الصالحات فيكنَّ قدوة صالحة للإقتداء بهنّ والسير على نهجهن، واقتفاء أثرهن على مر التاريخ.
وفريق العمل حين يجد القائدة قدوة صالحة يصبح أكثر استجابة لرأي القائدة القدوة.
2- الحرص على كسب مودة أعضاء فريق العمل:
الحب والمودة أساس بين القائد وأعضاء فريق العمل وبعضهم البعض لنجاح أي عمل جماعي، وهذه المحبة والمودة أساس الولاء للمؤمنين بعضهم البعض ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ... ﴾ التوبة:71.
وحين تكون هناك محبة ومودة و موالاة تكون هناك استجابة وتقدم و نجاح.
3- الاحترام المتبادل بين جماعات العمل والإدارة العليا ومديري الإدارات المماثلة.
وفي قصة ملكة سبأ يتجلى لنا احترام القائد للعاملين معه بعدة صور كاستشارتهم و كذا احترام العاملين لقائدتهم بالاستجابة لأمرها وكذا احترام القائدة لمدير إدارة أخرى ومثاله ملكة سبأ مع سليمان عليه السلام في تعاملها و من ثم بإسلامها و اتباعها له .قال ابن كثير(سمعت وأطاعت هي وقومها،وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة معظمة لسليمان عليه السلام) .
إذ أنه لا يُتوقع نجاح الفريق ما لم يكن هناك احترام متبادل بين جميع العاملين بعضهم البعض ، والاحترام الذي يبديه المرء نحو الأفراد والعلاقات يضم قيماً عديدة مثل المساءلة والمساواة والصبر والصدق فلا يمكن أن يدرك القادة قيمة وأهمية الاحترام دون أن يتقبل مسؤولياتها و واجباتها نحو غيرها ويقاس التجاوب الناجح مع الواجبات بمقدار ما تقدمه القائدة للآخرين .
4- إظهار الثقة في أعضاء فريق العمل و تشجيعهم على إبداء الرأي: لا بد من احترام و تقدير وجهات النظر المختلفة و الاستماع لها، و التأكد من عدم إظهار أي سلوك يدل على إهمال ما يدور في النقاش، والاعتراف بكافة الآراء المطروحة، وإبداء التفهم لكافة الأفكار و البناء عليها - إن أمكن- بشكل إبداعي لأن في ذلك كله احتواء لأعضاء الفريق و إشعارا لهم باهتمامها .
قال القرطبي في قصة ملكة سبأ ( فأخذت في حسن الأدب مع قومها و مشاورتهم في أمرها و أعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض بقولها: ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون فكيف في هذه النازلة الكبرى ؟ فراجعها الملأ بما يقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلموا الأمر إلى نظرها، و هذه محاورة حسنة من الجميع ) .
5- تطوير نماذج قيادية في العمل:
إن تطوير نماذج قيادية في العمل أمر مهم و إيجابي لنجاح العمل و من ذلك قول صاحبة موسى ﴿ يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾ أي لرعي الأغنام و القيام بأمرها..وهو قوي أمين وكل قوي أمين لائق بالاستئجار. وكلامها هذا كلام حكيم جامع لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت الخصلتان (الكفاية و الأمانة) في القائم بالأمر يتم المراد و يحصل النجاح وهو نموذج قيادي جديد يؤدي إلى تطوير العمل .
المبحث الثامن:حل النزاعات والصراعات
النزاع و الصراع سبب رئيسي لكثير من حالات الفشل لذا حث ديننا على حل النزاعات سريعا قبل تطورها وشيوع أثرها على المجتمع.
وتعريف الصراع: هو عملية يدرك فيها طرفان، أو أكثر، أن بينهما خلافًا أو نزاعًا سبب أو أسباب متعددة مما ينعكس بدوره على سلوكهما وتعاملهما مع بعضهم بعضًا .
وللنزاع أسباب عديدة ومن أهم أسباب النزاع و الصراع الإداري:
1- الموارد المالية و توزيعها.
2- وجود اختلافات قوية بين الأفراد في القيم الأخلاقية.
3- الاختلافات المتباينة بين الأفراد في المستوى الوظيفي الواحد (كالمدير مثلًا) في صلاحياتهم و مسؤلياتهم وقربهم أو بعدهم من القيادة و مسؤولياتهم التعليمية و الثقافية.
4- الضوابط والسياسات القائمة على عدم التدخل في شؤون الآخرين ومدى فعاليتها، أو وجود مقدار كبير من الانفلات مما يؤدي إلى التجسس و التدخل.
5- المبادئ و الأعراف والقيم التنظيمية وأساليب القيادة، هل تساعد على الحوار و التفاهم و الانفتاح والتعاون أم لا.
6- ومن الأسباب الأخرى العامة: الطبيعة العدوانية للإنسان، و سوء الاتصال وسوء فهم المعلومات والسعي وراء السلطة .
أساليب علاج إدارة الصراعات:
1- إنشاء و إرساء قواعد واضحة ومشتركة للتنظيم ومجموعاته، وإنشاء هدف أساسي مشترك ومنظور موحد، حتى يمكن قياس مدى اتجاه الأفراد و الإدارات نحو تحقيقه. قال تعالى ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ..﴾ (27- 28القصص ) من هنا استأجره مدة معلومة وهي ثمان سنوات وإما زيادة سنتين فهو بالخيار إما بالزيادة والإتمام يقول الزمخشري (و ذلك مبتدأ و(بيني و بينك) خبره وهو إشارة إلى ما عاهده عليه صاحب مدين يريد ذلك الذي قلته و عاهدتني فيه و شارطتني عليه قائم بيننا جميعًا لا نخرج كلانا عنه لا أنا على ما شرطت علي و لا أنت على ما شرطت على نفسك، ثم قال: أي أجل من الأجلين قضيت أطولهم الذي هوالعشر، أوأقصرهما الذي هوالثمان ﴿فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ أي: لا يُعتدى علي في طلب الزيادة عليه) .
2- توجيه و تصحيح الأخطاء بأسلوب الحوار الهادف.
وهذا الأمر واضح من حوار ملكة سبأ مع كبار دولتها، ورجال مملكتها حتى حين رأت منهم الميل للحرب قالت مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم، ومبينة سوء مغبة القتال بأسلوب مؤدب وحوار هادئ ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ قتلًا وأسرًا ونهًبا لأموالها وتخريبًا لديارها...) .
3- المواجهة البنّاءة :
مواجهة النزاعات بأسلوب بناء و فعال خاصة إذا اكتشفن أسباب النزاعات. و قد ربى الله القائدات الأول أمهات المؤمنين رضي الله عنهن على هذا الأمر إذ أمر نبيه r بمواجهتهن مواجهة بناءة تقررن بعده الاختيار الحقيقي الذي يعشن بعد ذلك على أساسه مع نبي الأمة عليه الصلاة والسلام.
﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ..﴾ (الأحزاب 29-28) قال ابن كثير(هذا أمر من الله تبارك و تعالى لرسوله r بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا و زينتها ؛ و بين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، و لهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل فاخترن رضي الله عنهن و أرضاهن اللهَ و رسولَهُ و الدارَ الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا و سعادة الآخرة) 448
و أخرج البخاري في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي r أخبرته أن رسول الله جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه، فبدأ بي رسول الله فقال إني ذاكرًا لكِ أمرًا، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت ثم قال: إن الله قال﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ...)إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا أستأمرُ أبويّ ؟ فإني أريدُ الله و رسوله و الدار الآخرة) .
و في رواية مسلم أنها قالت: لا تخبر أزواجك أنني اخترتك، فقال: إنما بعثني الله مبلغًا ولم يبعثني متعنتا ) .
4- التحكيم :
وهذا الأمر استخدمته قائدة من القائدات و هي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها وكانت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنه، قالت دخل علي ذات يوم فكلمني بشيء وهو فيه الضجر، فراددته فغضب، فقال : أنت علي كظهر أمي، ثم خرج في نادي قومه، ثم رجع إلي فراودني عن نفسي فامتنعت منه، فشادني فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف فقلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إلي حتى يحكم الله في وفيك بحكمه؛ ثم أتيت النبي r فقال: زوجك وابن عمك اتقي الله وأحسني صحبته .فما برحت حتى نزل القرآن (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ...) .
5- وضع طرف وسيط :
قد تحتاج القائدة في كثير من الأحوال لطرف وسيط معين على أداء العمل.
وهذا ماحدث وما كان من أمر أم موسى مع أخته حين قالت أم موسى لأخت موسى: قصيه، أي تتبعي أثره، و اعرفي خبره، وانظري أين وقع و إلى من صار؟ فأبصرته عن بعد دون أن يشعروا بها، و حين لم يقبل المراضع و قد كانت امرأة فرعون طلبت لموسى المرضعات ليرضعنه، فعند ذلك قالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يضمنون لكم القيام به وإرضاعه وهم مشفقون عليه لايقصرون في إرضاعه و تربيته؛ فدلتهم على أم موسى فدفعوه إليها، فقبل ثديها، و رضع منها. و هكذا أرجعت هذه الأم القائدة ابنها إليها بفضل ومنة من الله ومن ثمَّ بهذه الطريقة وهي اتخاذ الطرف الوسيط وهي الأخت.
و في قصة بلقيس ملكة سبأ دلالة على اتخاذ الوسطاء حيث أرسلت كبار رجالتها و سادة قومها بهدية إلى سليمان عليه السلام للمهادنة و المصالحة .

المبحث التاسع :إدارة ضغوط التوتر والإجهاد في العمل
فالله خلق الخلق لحكمة و هي ابتلاء و اختبار فلابد من ضغوط و إجهاد و توتر قال تعالى: ﴿ لقد خلقنا الانسان في كبد﴾ البلد:4، و لابد من مواجهة هذه الأمور بالصبر و الاحتساب و الحكمة و الصلاة.
ويجدر بنا تعريف إجهاد الضغوط و التوتر في الأعمال
فالتوتر: هو القلق و التردد بسبب عدم معرفة النتائج و الآثار المترتبة على القرارات أو المترتبة على الأزمات و الطوارئ مما يؤدي للضغوط النفسية و المادية والإدارية و كذلك يتطلّب بذل الكثير من الجهد من أجل تجنب الأضرار أو تحقيق النجاح.
أمور لازمة للتخفيف من آثار الضغوط والإجهاد :
1- الصلاة: وفي الصلاة راحة نفسية و جسدية كبيرة. و بهذا أوصى الله خير قائدات هذه الأمة زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ﴾ الأحزاب:33, ولا يخفى ما للصلاة من أثر بالغ في الاستعانة بها على الشدائد قال تعالى:﴿ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ﴾البقرة:153, فالصلاة عمود الدين وصلة بين العبد و ربه، يوجب للعبد في قلبه طمأنينة و أنسًا، ويزيل التوتر والقلق و سائر أشكال الإجهاد.
2- الإيمان بالقضاء و القدر: وذلك بأن يعلم الإنسان علم اليقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه، و أن لم يصيبه إلا ما كتب الله له؛ فذلك يحسم مادة القلق و التوتر، و يزيل أثرها من القلب. وهو ركن من أركان الإيمان الستة.
وها هي ذي مريم عليها السلام يأتيها الملك فيبشرها بالولد و هي ليست بذات زوج و هي العفيفة، فحين رأته خافت، واعتصمت بالله و لجأت إليه و قالت: أنى يكون لي ولد و أنا لست بذات زوج، فيطمئنها الملك و يخبرها بأن الله على ما يشاء قادر.
وهو أمر يدل على قدرة الله تعالى، و على أن الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله.
3- الإكثار من الذكر و قراءة القرآن :
و قد أوصى الله بهذا الأمر كذلك قائدات الأمة أمهات المؤمنين ﴿وَاذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَى فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْــمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾ 34الأحزاب, و قراءة القرآن الكريم من أهم الأمور التي تزيل القلق، و تريح النفس، ولا بد مع القراءة من التدبر و التأمل، فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده و أقرب إلى نجاته من ذلك. وكذا لابد من الإكثار من الذكر و قد امتدح الله الذاكرات له سبحانه كثيرًا فقال﴿وَالذَّاكِـرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾35 الأحزاب, قال رسول الله r : "سبق المفردون" قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال"الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات" و قال ابن تيمية رحمه الله(مما هو كالإجماع بين العلماء أن الذكر هو أفضل ما شغل به العبد نفسه في الجملة) و قراءة القرآن وسماعه و تدبره والإكثار من الذكر أمور تؤدي إلى الطمأنينة و السكينة والخشوع والتأثر الفاعل.
4- التعامل مع الضغوط و المتطلبات بصورة بسيطة، و أخذ الأمور ببساطة وعدم الإفراط في الحساسية تجاهها وتوجيه النفس باتجاه النجاح وإيجاد صورة لمستقبل إيجابي ثم اتخاذ الخطوات المناسبة التي تصل بها إليه .
قال تعالى:﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ...﴾ القصص:7, فيه نهي لها عن الخوف والحزن، و تطمينها برجوعها إليه بفضل الله ومنته .
5- الصوم فهو يساعد على كظم الغيظ، و هدوء النفس وقد امتدح الله الصائمات ووعدهن بالأجر قال تعالى ﴿..والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ..﴾ 35الأحزاب, والنفس ترغب في أشياء، و تنفر من أخرى، وفي النفوس طبيعة غضب تثور عند منعها مما ترغب فيه، أوعند ملاقاتها لما تنفر منه. والصيام يهدأ النفوس و يطفئ ثورة الغضب، لمن اتقى و امتثل.
6- حاول استخدام أبسط التعابير و الأساليب و استخدام الموضوع
والصراحة مع الالتزام بالهدوء و الموضوعية عند اتصالك بالآخرين ،والتحدث عن انجازاتهم ومشاركتهم في صنع القرار ومناقشتهم لو طرأ أي ظرف يعوق تنفيذه.
ويظهر ذلك في حوار ملكة سبأ مع رجال دولتها مستخدمة عبارات واضحة، و بكل صراحة و موضوعية وأدب، ومشاورتهم في صنع القرار في هذه الحالة الحرجة دلالة حكمة هذه القائدة ﴿..مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾
المبحث العاشر: مهارة إدارة الأزمات
وقوع الأزمات في حياة الإنسان أمر لا حياد عنه قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد ﴾البلد4, وفي حياة المؤمن حكم عظيمة لهذه الأزمات قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّة ..﴾214البقرة, ويقول ابن القيم في هذه الحكم (و إذا تأملت حكمته - سبحانه وتعالى - فيما ابتلى به عباده و صفوته، بما ساقهم به إلى أجل الغايات، و أكمل النهايات، التي لم يكونوا يعبرون إليها، إلا على جسر من الابتلاء و الامتحان، و كان ذلك الجسر لكماله، كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، و كان ذلك الابتلاء و الامتحان عين المنهج في حقهم، والكرامة، فصورته صورة ابتلاء و امتحان، وباطنه فيه الرحمة و النعمة، فكم لله من نعمة جسيمة و منة عظيمة، تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان..).
ويجدر بنا أن نعرف إدارة الأزمات أولا.
تعريف إدارة الأزمات :
هي الإعداد المسبق و الجيد لتلافي أو تفادي النوائب، أو أي أمر مما لم يكن في الحسبان، و بالتالي التقليل من المخاطر أو السلبيات التي يمكن وقوعها.
معالجة الأزمات :
أولًا: عزل الأزمة: إن أهم خطوة تسبق باقي خطوات معالجة الأزمة هي عزل الأزمة عن باقي العمليات والنشاطات والمشاريع وذلك حتى لا تنتشر عوارضها أو سلبياتها إلى باقي التنظيم و تعرضه بالتالي إلى مخاطر أكبر .
قال تعالى ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾10القصص, أي أنها كادت من شدة وجدها و حزنها و أسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، و تخبر بحالها، فأخفت ذلك واعتزلت هذه الأزمة.
ثانيًا : التحكم في الاتصالات: لا بد من تحديد نقاط الاتصال الأكثر كفاءة
و فاعلية في الاتصال و التفاعل، فيجب اختيار الأشخاص المعينين للاستجابة والتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة ومنحهم الصلاحيات المناسبة لأداء أدوارهم بفاعلية .
و أم موسى أرسلت أخت موسى لتتبع موسى والتنسيق مع من يأخذه ليرجع إليها. قال تعالى ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ..﴾(11-12القصص) أي تتبعي أثره، و خذي خبره، و تطلبي شأنه من نواحي البلد، فخرجت لذلك، و رأته من حيث لا يشعرون، و لأن الله حرم عليه المراضع حتى يكون ذلك سببًا لرجوعه إلى أمه و هي آمنة بعد أن كانت خائفة. و أخته لما رأتهم حائرين فيمن يرضعه ﴿َقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ قال ابن عبّاس: فلما قالت ذلك، أخذوها و شكوا في أمرها، وقالوا لها: وما يدريك بنصحهم له و شفقتهم عليه؟ فقالت لهم: نصحهم له وشفقتهم عليه، رغبتهم في سرور الملك و رجاء منفعته، فأرسلوها، فلما قالت لهم ذلك و خلصت من أذاهم، و ذهبوا معها إلى منزلهم فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فلتقمه، ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا، و ذهب البشير إلى امرأة الملك، فاستدعت أم موسى و أحسنت إليها، و أعطتها عطاءً جزيلًا، وهي لا تعرف أنها أمه الحقيقية، ولكن لكونه وافق ثديها، ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه، فأبت عليها، وقالت: إن لي بعلاً و أولادًا، ولا أقدر على المقام عندك، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت؛ فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجرت عليها النفقات والصلات و الكساوي و الإحسان الجزيل، فرجعت أم موسى إلى بيتها راضية مرضية، قد أبدلها الله بعد خوفها أمنًا، في عز وجاه و رزق دار، ولم يكن بين الشدة و الفرج إلا القليل، يوم و ليلة أو نحوه، والله أعلم، فسبحان من بيده الأمر، ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن، الذي جعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجًا، وبعد كل ضيق مخرجًا.
و نلحظ من القصة كيف كان اختيار أم موسى لأخته اختيارًا موفقًا، وكيف كانت هي حكيمة في أقوالها و أفعالها، ومتحكمة في سائر تصرفاتها حتى رجع موسى عليه السلام إلى أمه.
ثالثًا: معالجة الأزمة: ويتم من خلال اتخاذ القرارات المناسبة و الصحيحة و التي لن تتحقق إلا بالتعرف الصحيح على الأزمة الحقيقية و التعرف على آثارها. و في قصة أم موسى مثالاً على المعالجة الصحيحة للأزمة.
و الأزمة: أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفنى بني إسرائيل، فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم و غلمانهم يقتلون، ونساءهم لا يمكن أن يقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك؛ فأمر بقتل الولدان عامًا و تركهم عامًا، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى عليه السلام في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك، وقوابل يَدُرْن على النساء ،فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط، فإذا ولدت المرأة جارية تركنها و ذهبن، و إن ولدت غلامًا دخل أولئك الذباحون ومعهم الشفار المرهفة فقتلوه و مضوا. فلما حملت أم موسى به عليه السلام لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها، و لم تفطن لها الدايات و لكن لما وضعته ذكرًا، ضاقت به ذرعًا وخافت عليه خوفًا شديدًا، و أحبته حبًا زائدًا، وكان موسى عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه، قال تعالى﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾طه:39 وكانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتًا و مهدت فيه مهدًا، وجعلت ترضع وليدها، فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه، ذهبت فوضعته في ذلك التابوت وأرسلته في البحر، و ذهلت أن تربطه، فذهب مع الماء و احتمله حتى مر به على دار فرعون، فالتقطته الجواري وحملنه إلى امرأة فرعون التي أحبته ثم كان ما كان من عودته إلى أمه التي ماشت هذه الأزمة و فهمتها و تعاملت معها معاملة صحيحة سليمة فلم تكشف أمرها و صبرت ثم أرسلت أخته لتتبعه، و حين عاد إليها ابنها عاملته في تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا، و ذلك أن الله حين بشرها بعودته بشرها بأنه سيكون من المرسلين قال تعالى: ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾القصص:7, وهكذا كان التعامل مع الأزمة تعامل القائدة العظيمة .
و في قصة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك كذلك دلالة عظيمة على صبر هذه القائدة و حنكتها وتقديرها لهذه الأزمة التقدير السليم؛ قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾النور:11, وهذه الأزمة التي تعرضت لها هذه القائدة العظيمة ليست هينة، بل أزمة شنيعة ومع ذلك كما ذكر في الحديث الذي أخرجه البخاري في اتهامها رضي الله عنها فما كان منها حين علمت بالأمر إلا الصبر والاحتساب ولما جاءها النبي r و قد لبث شهرًا كاملاً لم يوحى إليه في شأنها شيء فقالت(فتشهد رسول الله حين جلس ثم قال: أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي أجب رسول الله فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمي أجيبي رسول الله قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله. قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن: إني و الله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرَّ في أنفسكم و صدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقوني. والله ما أجد لكم مثالاً إلا قول أبي يوسف، قال: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ يوسف:18 قالت: ثم تحولت فاضجعت على فراشي. قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئني ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يُتلى ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرؤني الله بها، قالت:فو الله فما رام رسول الله ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه .. قالت: فلما سُرِّيَ عن رسول الله سُرِّيَّ عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما الله عزَّ وجل فقد برَّأك. فقالت أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عزَّ وجلَّ. وأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ النور:11.
و هكذا كانت هذه القائدة حكيمة في تقديرها للأزمة و خطوات معالجتها،مع صدق لجوئها لله ويقينها به، حتى ظهرت براءتها بفضل الله ومنته وبقيت قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.

الخاتمة
__________

1- قرر القرآن الكريم مهارات أساسية عديدة للقيادة النسائية مما يدل على عظيم رعاية الله للنساء .
2- ذكر القرآن نماذج عظيمة من النساء القائد ت القدوة لكي تقتدي بهن النساء الصالحات في كل زمان ومكان.
3- الرد على افتراءات الضالين والملحدين ممن ادعوا ظلم الإسلام للنساء وإقصاؤه لهن عن القيادة .
4- بيان القرآن للقيادة المناسبة للنساء.
5- القيادة لا تقتصر على أصحاب الوظائف والإدارات بل كل شخص ذو تأثير طيب وهادف على الآخرين يعتبر قائد ولو لم يكن إداري او موظفاً.
6- القيادة الإدارية هي الدور الخاص بالأشخاص المكلفين بالإدارة .
7- عناصر القيادة تتعلق بوجود مجموعة لهم أهداف، ووجود قائد ذي تأثير صائب .
8- هناك صفات قيادية تميز المرأة تؤهلها لدورها الأساس والأصل كمربية للأجيال.
9- للقيادة النسائية صور ممنوعة كتولي الإمامة العظمى، والقضاء وغيرها من الأعمال التي تتعارض مع أنوثة المرأة وصيانتها .
10- لعمل المرأة القائدة الناجحة ضوابط عديدة في نفسها وبيتها وطبيعة عملها، لا بد من مراعاتها والتزامها.
11- القيادة النسائية الناجحة التى ذكرت في القرآن الكريم،حوت الكثير من المهارات الأساسية.
12- إدارة الذات مهارة أساسية للقائدة الناجحة فإذا أرادت أن تنجح لا بد من إصلاح ذاتها حتى تصلح من تحتها .
13- لا إصلاح للذات إلا بالتقوى وامتثال أمر الله عز وجل وحسن التأسي بخير القائدات أمهات المؤمنين زوجات الرسول r .
14- لا بد من حسن التعامل والاتصال بالآخرين بمهارة والوضوح والصدق للنجاح في القيادة.
15- يحتاج القائد إلى من يعينه بلا شك، فلا بد من حسن الاختيار والتفويض المناسب والأفضل لإنجاز المهام.
16- يلزم أن يكون القائد متصفا بالقوة ومقومات فن التأثير على الآخرين .
17- حياة المرء ولحظات عمره ثمينة وهي مهما طالت فهي قصيرة وهو بحاجة أن يستغل كل أوقاتها حتى يكون عمره هذا له لا عليه، والقائد لا يمكن أن يكون قائدا عظيما إذا كان مفرطا في لحظات عمره وساعاتها .
18- المبادرة والابتكار والإبداع ثمرات عقول القادة .
19- فريق العمل ليكون ناجحا وفعالا لابد من بنائه بناءا جيدا، وتطوير نماذج قيادية مستقبلية.
20- حدوث النزاعات والصراعات أمر لا محالة في الغالب فلا بد من حلها ووجود المهارة الكافية للتغلب عليها.
21- إدارة ضغوط العمل والتوتر والإجهاد في العمل أمر يتحتم على القائدة، فليس ثمة نجاح بدون كفاح.
22- الأزمات أمر لا حياد عنه في حياة المؤمنين، وحيث أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، على المؤمن أن يصبر ويحتسب، ويحسن معالجة الأزمات، ويمتثل حال القادة الصابرين المحتسبين خير البرية أجمعين، جمعنا الله بهم في جنانه آمين.

فهارس المراجع
م اسم الكتاب المؤلف الطبعة
1 PRICIPLE-CENTERED LEADERSHIP COVEY, STEPHEN R.1991,PUBLISHED BY SIMON AND SCHUSTER,NEW YORK
2 الاعتصام أبو إسحاق إبراهيم الشاطبي ط1-1408
3 الأحكام السلطانية الماوردي دار الكتب العلمية, بيروت
4 الإدارة وفن التعامل أحمد سعد الثبيتي ط3-1428 مطبعة الصلاح
5 الجامع لأحكام القرآن محمد أحمد القرطبي دار الكتاب العربي القاهرة
6 القائد بالمصادفة هارفي روبنز –مايكل فاينل نقله إلى العربية محمد شموط ط1-1426 مكتبة العبيكان
7 القيادة الإدارية التحول نحو نموذج القيادي العالمي د. سالم القحطاني الرياض, طبعة 1422
8 القيادة الإدارية النسائية ا.د عبد الرحمن هيجان دار المؤيد
9 القيادة للجميع بيترج-وين نقله للعربية وليد شحاذة ط1-1428 مكتبة العبيكان
10 الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم جار الله الزمخشري خرج أحاديثه خليل شحا دار المعرفة
11 المغني ابن قدامة المقدسي مكتبة الرياض الحديثة
12 المنار محمد رشيد رضا ط2 دار الفكر
13 الهداية شرح فتح القدير علي المرغناني مكتبة مصطفى البابي, مصر ط1-1386
14 أحكام القرآن
أبو بكر محمد بن العربي,تحقيق:محمد عطا دار الكتب العلمية
م اسم الكتاب المؤلف الطبعة
15 أسباب النزول أبو الحسن الواحدي ط11-1411دار الكتب العلمية
16 تفسير القرآن العظيم أبو الفداء إسماعيل بن كثير المكتبة العصرية, بيروت ط2006
17 تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ) أبو السعود بن محمود العمادي تحقيق عبد القادر عطا مكتبة الرياض الحديثة
18 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان عبد الرحمن السعدي مؤسسة الرسالة
19 جامع البيان في تفسير القرآن ابن جرير الطبري دار المعرفة, بيروت
20 جمهرة اللغة ابن دريد مكتبة المثنى بغداد
21 حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع عبد الرحمن بن محمد قاسم العاصمي ط9-1423
22 حقوق المرأة في الإسلام محمد عرفة ط1-1398
23 روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني محمود الألوسي ط2 إحياء التراث العربي
24 زاد المسير في علم التفسير أبو الفرج جمال الدين الجوزي المكتب الإسلامي.ط4-1417
25 شرح منتهى الإرادات منصور البهوتي دار الفكر بيروت
26 صحيح مسلم أبو الحسن مسلم النيسابوري دار السلام الرياض 1417
27 عون المعبود شرح سنن أبي داوود ابن قيم الجوزية دار الفكر
28 فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر مكتبة الرياض الحديثة
29 فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير محمد بن علي الشوكاني ط3- دار الوفاء
30 مبادئ ومهارات القيادة الإدارية د.عبدالعزيز محمد ملائكة مكة المكرمة 1427-1428 دار العلم .
31 مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم الإرادة ابن قيم الجوزية دار الفكر
32 مهارات القيادة وصفات القائد د. أحمد العساف الرياض 1423
33 نظام الحكم في الشريعة والتاريخ ظافر القاسمي دار النفائس ط5

فهرس الموضوعات
م الموضوع رقم الصفحة
1 المقدمة 1
2 تمهيد تعريف القيادة وعناصرها وخصائصها 4
3 تعريف القيادة ،القيادة الإدارية 5
4 عناصر القيادة 6
5 خصائص القائد ومهاراته 6
6 الفصل الأول صور القيادة النسائية وضوابطه
الصفات القيادية التي تميز المرأة 7
7 صور القيادة النسائية الممنوعة
الإمامة العظمى 8
8 القضاء 10
9 الضوابط المتعلقة بالقائدة العاملة في نفسها 11
10 الضوابط المتعلقة بالبيت والأسرة 13
11 الضوابط المتعلقة بطبيعة العمل 13
12 الفصل الثاني:المهارات الأساسية للقيادة النسائية 15
13 المبحث الأول : مهارة إدارة الذات 15
13 المبحث الثاني:مهارة الاتصال والتعامل بالآخرين 19
14 المبحث الثالث:مهارة التفويض 23
15 المبحث الرابع:القوة وفن التأثير على الآخرين 24
16 المبحث الخامس:مهارة إدارة الوقت 27
17 المبحث السادس:المبادرة والابتكار والإبداع 27
18 المبحث السابع:بناء فريق العمل 34
19 المبحث الثامن :حل النزاعات والصراعات 36
20 المبحث التاسع:إدارة ضغوط التوتر والإجهاد في العمل 40
21 المبحث العاشر :إدارة الأزمات 42
22 الخاتمة 47
23 فهرس المراجع 49
 
عودة
أعلى