من ينصف التفسير من الإعجاز العلمي ؟

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
هذا شجنٌ من شجون, اعتمل في نفسي بعد أن شاهدت كامل حلقة "ساعة حوار" في ليلة الأحد 7/4/1426هـ, وكانت مع الأستاذ الدكتور: زغلول النجار وفقه الله وسدده, بعنوان: شبهات حول الأعجاز العلمي في القرآن الكريم, وبعد استماعي لحديث الدكتور زغلول في النصف ساعة الأولى أطلَّ الدكتور: مساعد الطيار حفظه الله بأول مشاركة هاتفية حول الموضوع, واستمرت قرابة ربع ساعة في اثني عشر نقطة واضحة, وأقف هنا لأنتقل إلى بضع وقفات حول هذا الموضوع:

الوقفة الأولى:
كرر الدكتور النجار عبارة: (لا يمكن فهم الآيات الكونية في القرآن الكريم باللغة وحدها) أكثر من خمس مرات, وقال أخرى: (اللغة وحدها ليست كافية لفهم النص القرآني في الآيات الكونية), وهنا أتسائل:
- هل الآيات الكونية في القرآن من كلام الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين؟ الجواب: نعم - ولا شك-.
- فإن كانت كذلك فهل نستطيع فهم ما عدا الآيات الكونية في القرآن الكريم بلغة العرب؟ الجواب: نعم - ولا شك-.
:: فإذا كانت الآيات الكونية نزلت بلسان عربي مبين,
وما عداها من القرآن نزل بلسان عربي مبين,
والذين نزل عليهم القرآن هم أهل هذا اللسان العربي المبين,
فكيف ينفي الدكتور فهم من نزل عليهم القرآن, وبلسانهم خاطبهم الله, لهذه الآيات القرآنية الكونية؟
هذا التفريق بين الآيات الكونية في القرآن وبين غيرها تحكمٌ لا يخفى اختلاله, ويُطَرِّقُ لأهل الرأي - ولأمرٍ ما سمَّاهُم السلف: أهل الأهواء- تناول هذه الآيات بعيداً عن منهاج التفسير القويم من لدن الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من أهل التفسير.

الوقفة الثانية:
أخشى أن يكون أحد دوافع هذا الإطلاق السابق: أن تفاسير السلف لهذه الآيات القرآنية الكونية بحسب لغتهم وفهمهم, لا تتناسب مع الحقائق العلمية التي يُرَاد تنزيل الآيات القرآنية عليها, فبقي القائل لهذا الأمر بين أمرين عسيرين:
- إما أن يتناول هذه الحقيقة العلمية بعيداً عن القرآن الكريم, وهذا ما لا يريده أبداً, لأنه سماه (الإعجاز العلمي في القرآن), ولديه خطوات مهمة بعد إثبات هذه الحقيقة في القرآن.
- وإما أن يعيد فهم هذه الآيات القرآنية الكونية بما يتوافق مع الحقيقة التي تنتظر عنده استخراجها من القرآن, ولن يكون ذلك عندما يبقى مُحاصَراً - في نظره - بين فهم السلف وأقوالهم التي لا تخرج عن لسان العرب الذي نزل به القرآن, فيتعين عليه إعلان هذه القاعدة الممهدة للإعجاز المزعوم.
ثم لا أدري لماذا يُصِر الدكتور حفظه الله على جعل الإعجاز العلمي شيئاً آخر غير التفسير؟
لعل لعلم التفسير شروطاً وضوابط تعيق سَيْلَ الحقائق العلمية التي لا بد من استخراجها من القرآن الكريم, فليكن الإعجاز العلمي شيئاً آخرَ غير التفسير, ينطلق من قاعدة أن القرآن كتاب هداية وإعجاز, ولا يعول على اللغة كثيراً, ولا إشكال عنده في العبث بالسياق أو الإعراض عنه بالكلية, وغير ذلك مما سافر فيه الإعجاز العلمي عن مناهج التفسير مسافة أعوام.

الوقفة الثالثة:
قد لا ندرك خطورة تجاوز الأصول المنهجية الشرعية عند تفسيرنا للآيات القرآنية, فنسارع في فَرَحٍ بتنزيل الآيات القرآنية بصورة أو بأخرى على الحقائق العلمية لتحقيق مصالح شرعية لا يعجزنا عدها, ولكن ما النتيجة؟
لو قلت لكم:
(يوجد في القرآن الكريم- أي من الآيات الكونية- ما لم يُفَسر تفسيراً صحيحاً إلى الآن), و قلت: (حتى نفهم هذه الآيات فهماً صحيحاً لا بد من مراجعة الحقائق العلمية الحديثة), لاستعظمتم قولي ونسبتموه إلى الجهل بعلم التفسير وقلة الفقه فيه, وحق لكم ذلك, غيرَ أني لا أجرؤ على التفوه بذلك لمَا فيه من تجهيل الصحابة, ومن بعدهم من علماء الأمة ومفسريها.
وللأسف فإن العبارة الأولى نص كلام الدكتور النجار, والثانية معناه الذي يشبه النص.
فإن سألتم عن الأصل الشرعي المنهجي الذي تجاوزه الدكتور هنا, فالجواب هو: ما أجمع عليه العلماء والأئمة من أنه:
لا يجوز إحداثُ قول ثالث في تفسير آية اختلف السلف فيها على قولين. لما في ذلك من نسبة الجهل العام إليهم, وزعم خروج الحق عنهم, وأن الأمة عملت في تلك القرون بخلاف الصواب, وغير ذلك من المحاذير الظاهرة.
وهنا أسأل الشيخ بأدب وأقول: هل يخرج الصواب عن أقوال السلف في تفسير آية قرآنية كونية أو غير كونية؟

الوقفة الرابعة:
قال الدكتور وفقه الله: (لم يشأ الله أن يفزع العقلية البدوية بما لا تحتمله من القضايا الكونية).
وهل سيتحدى الله أبا جهل والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف بما لم يسمعوا به من هذه الحقائق؟
لو كان ذلك لوجدوا خير سبيل للطعن في القرآن وتكذيبه؛ لما فيه مما لم يسمع به أحد من العالمين في وقتهم.
فالمسألة إذاً ليست رأفة بالعقلية البدوية, وإنما ليقوم التحدي على أصل عادل صحيح.

والذي يفهم من عبارة الدكتور هذه أن الله لم يشأ أن يتحدى المشركين زمن نزول القرآن بهذه القضايا الكونية؛ لأنهم لا يعرفونها. أقول: ما زال أكثر المسلمين والمشركين اليوم جاهلين بهذه القضايا الكونية, ولا يعلمها إلا القلة من المتخصصين فيها, فكيف يقع الإعجاز والتحدي في هذا الزمان بما لا يعرفه أكثر أهله؟ إن عبارة "الإعجاز" التي تذكر في هذا المقام أكبر بكثير من استخدام الدكتور لها, والواقع أن هذا النوع من الإعجاز الذي يسميه الدكتور" الإعجاز العلمي" في حقيقته إعجاز غيبي يظهر فيه مع الأيام ما كان غائباً عن الإنسان في زمن من الأزمان.

الوقفة الخامسة:
قال الدكتور: (القرآن معجز في كل زمان ومكان).
وهي عبارة جليلة محترمة, غير أني أقول لشيخي الكريم:

ما لم يكن معجزاً في ذلك الزمان لا يكون معجزاً الآن,

والذي أعجزهم في ذلك الزمان هو ما نبغوا فيه إلى الغاية, وتاهوا فيه على الأمم, وهو هذا اللسان والبيان, فنزل القرآن بالبيان المعجز, على أمة بلغت الغاية في التفنن في خطابها, فبهرها وأعجزها, وأسلمت إليه واستسلمت, ورأت هذا الإعجاز مبثوثاً في كل سورة منه.

فإن قيل: أبا بيان: هل تنفي هذه الحقائق العلمية الموجودة في القرآن؟
قلت: وهل يلزم أن نستخرجها من القرآن حتى تكون حقائق علمية؟
وهل كل حقيقة علمية ذكرت في القرآن مُعجزة؟
وهل أتجاوز فهم السلف لكلام الله لأفسر الآية تفسيراً عصرياً أستخرج منه حقيقة علمية؟

وأزيدك فائدة فأقول:
إن من يُحِس همساً, أو يسمع ركزاً, ليدرك أن من وراء هذا السؤال نفساً مهزومةً, رأت كيف أخذت الأمم بحظها من هذه العلوم, فارتقت بها وتصدرت, وأمته قابعة تدور في مكانها إن كانت تدور, فرجع يائساً من نيل تلك الحقائق كما ينبغي أن تُنال, وكما نالها أولئك الذي أخذوا بسنة الله فيها, وأخذ في انتزاعها من القرآن بحق وبدون حق, ليقول للعالم: لا جديد عندكم عَمَّا في القرآن. ولو صدق لقال: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا ما دامت في القرآن؟!
أخي الكريم, لقد أخطأنا الطريق, فحين كان الواجب أن نفهم القرآن كما فهمه أهل العلم من سلف الأمة وأتباعهم, ثم نأخذ بأسباب القوة حيثما كانت وبكل سبيل, تركنا أسباب القوة وسُنَنَها الحسية, وخالفنا فهم الأوائل لكلام الله؛ لنستخرج منه - بعد لَأيٍ شديد- حقيقةً علمية أبلاها الزمان, وصارت من سقط متاع القوم, ومُباح حديثهم.
لماذا يُصِرَُ البعض على إخراج كُلّ شيء بكُلّ سبيل من القرآن؟
هذه مسألة أخرى ذاتُ شجون, وطريقها طويل, ولست لها الآن وقد:

[align=center]شكى إليَّ جملي طول السُّرى ** يا جملي ليس إلي المشتكى
صبراً جميلاً فكلانا مُبتلى[/align]

الوقفة السادسة:
يصر الدكتوركثيراً على عدم التعارض بين الآيات القرآنية, والحقائق الكونية, ويقترح ويرجوا من علماء التفسير أن يشاركوا ويحضروا مؤتمرات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
وأقول: لاعلاقة لكلا الأمرين السابقين بموقف علماء التفسير المخالفين لهذا التجاوز في تفسير الآيات, فأهل التفسير أكثر الناس إدراكاً لتوافق الآيات القرآنية مع الحقائق الكونية, كما أنهم يعرفون أين يضعون دراسات هذه المؤتمرات؟ ومتى يأتي دورها؟ وكيف يستفيدون منها؟
ولم يغب عنهم بحمد الله فهم شيء من كلام الله حتى ينتظروا فهمه من هذه المؤتمرات.

الوقفة السابعة:
للأسف لم يُجِب الدكتور على اثني عشر إيراداً وملاحظة على هذا الموضوع ذكرها الدكتور مساعد وفقه الله, وقد تعرض لأول فقرة منها إجمالاً, ثم أراد المقدم استعراضها واحدا واحدا فأراحه الدكتور بقوله: أنا أخالف الدكتور مساعد ولا أوافقه في كل ما قال. فتركها المقدم ومضى. وكنت أتمنى من الدكتور الإجابة عليها تقديراً لتساؤلات أهل التفسير في هذا الموضوع, والتي أجاد الدكتور مساعد في عرضها.

الوقفة الثامنة:
من العبارات الجميلة التي ذكرها الدكتور النجار عبارتين:
الأولى قوله: (المقصد الأهم من الإعجاز العلمي حُسن فهم الآيات), وأقول: ما أجمل الغاية لو عرفنا السبيل, وأي فهم لكتاب الله أحسن من فهم من نزل عليهم القرآن, وبلسانهم, ورسول الله بين أظهرهم يبين لهم, وقد عرفوا قصة الآية, وسببها, وحال من نزل عليهم القرآن؟

والعبارة الثانية: شروط التفسير العلمي العشرة التي ذكرها الدكتور وفقه الله, وهي في مجملها شروط صحيحة مطلوبة في التعامل مع الآيات, غير أنه ينقصها التدقيق, فبعضها يرجع لبعض, كما أنها تقعيد بلا تطبيق صحيح في أغلب صورها, وما فعله الدكتور جزاه الله خيراً في آية التكوير التي ذكرها في الحلقة: {فلا أقسم بالخنس(15) الجوار الكنس} خيرُ دليل على فساد التطبيق, وأكبر تجاوز في تناوله ذلك هو تجاوزه لأقوال المفسرين بكل بساطة, ليذكر حقيقة علمية عنده, لم تكن لتتحملها العقول البدوية, وقد ذكرها أحد الباحثين الغربيين المتخصصين.

وأعتذر للدكتور النجار وفقه الله إن نَدَّ لفظ, أو تجاوز معنى, فلم أرتَض نقص العرض للموضوع الذي اعترى الحلقة, ولا سبيل لبعض الاستدراك والتصحيح فيه إلا بنحو هذا المقال, على قِلَّة قارئيه, والله المستعان.
والله يعلم أني لم أقصد من سماع الحلقة الرد أو الانتقاد, ولكن رجوت أن تكون الفائدة به أكثر, وأرجوا ممَّن يقرأه من الإخوة أن يعلم أن باعثه النصح, والفائدة العلمية, وحماية هذا العلم من جور الزمان, وقلة الأعوان, والله الموفق والمعين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وآله وصحبه.
 
[align=center]شكر الله لكم أخي أبا بيان
وأحب أن أضيف الى ماكتبتم هذه المجموعة من فتاوى علمائنا الاجلاء رحم الله من مات وحفظ من بقي فيما يتعلق بموضوع الاعجاز العلمي


أقوال العلماء في تفسير القرآن بالإعجاز العلمي والنظريات التجريبية

السؤال : ماحكم الشرع في التفاسير التي تسمى بالتفاسير العلمية؟ ومامدى مشروعية ربط آيات القرآن ببعض الامور العلمية التجريبية فقد كثر الجدل حول هذه المسائل ؟؟

الجواب : إذا كانت من جنس التفاسير التي تفسر قوله تعالى (أو لم يرى الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي ) بأن الأرض كانت متصلة بالشمس وجزءً منها ومن شدة دوران الشمس انفصلت عنها الأرض ثم برد سطحها وبقي جوفها حاراً وصارت من الكواكب التي تدور حول الشمس – إذا كانت التفاسير من هذا النوع فلا ينبغي التعويل ولا الاعتماد عليها .
وكذلك التفاسير التي يستدل مؤلفوها بقوله تعالى ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) على دوران الأرض وذلك أن هذه التفاسير تحرف الكلم عن مواضعه وتخضع القران الكريم لما يسمونه نظريات علمية وانما هي ظنيات أو وهميات وخيالات .
وهكذا جميع التفاسير التي تعتمد على آراء جديدة ليس لها اصل في الكتاب والسنة ولا في كلام سلف الأمة لما فيها من القول على الله بلا علم .
و بالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عضو عضو نائب رئيس اللجنة رئيس اللجنة
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة : 4\145.



49ـ سئل فضيلة الشيخ محمد العثيمين : هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات العلمية الحديثة؟
فأجاب بقوله: تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته، وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتلك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام؛ أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك، لكن أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر، ولهذا أنا أحذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ولندع هذا الأمر للواقع، إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول القرآن قد أثبته، فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق، والتدبر، يقول الله ـ عز وجل (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) وليس لمثل هذه الأمور التي تدرك بالتجارب ويدركها الناس بعلومهم، ثم إنه قد يكون خطراً عظيماً فادحاً في تنزل القرآن عليها، أضرب لهذا مثلاً قوله تعالى:( )يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (الرحمن:33) لما حصل صعود الناس إلى القمر ذهب بعض الناس ليفسر هذه الآية ونزلها على ما حدث وقال: إن المراد بالسلطان العلم، وأنهم بعلمهم نفذوا من أقطار الأرض وتعدوا الجاذبية وهذا خطأ ولا يجوز أن يفسر القرآن به وذلك لأنك إذا فسرت القرآن بمعنى فمقتضى ذلك أنك شهدت بأن الله أراده وهذه شهادة عظيمة ستسأل عنها.
ومن تدبر الآية وجد أن هذا التفسير باطل لأن الآية سيقت في بيان أحوال الناس وما يؤول إليه أمرهم، اقرأ سورة الرحمن تجد أن هذه الآية ذُكرت بعد قوله تعالى: : ()كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)( الرحمن الايات 26 - 28 )
فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السموات؟
الجواب: لا، والله يقول: (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض) .
ثانياً: هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس؟
والجواب: لا. إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء، ونقول: إن وصول هؤلاء إلى ما وصولوا إليه هو من العلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم، أما أن نُحرِّف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا فهذا ليس بصحيح ولا يجوز.
المرجع : كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين رحمه الله .
* * *


وقال العلامة ابن عثيمين عند المسائل في كتاب التوحيد :
باب قول ماشاء الله وشئت .

الثانية : فهم الإنسان إذا كان له هوى . أي : إذا كان له هوى فهم شيئاً ، وإن كان هو يرتكب مثله أو أشد منه ، فاليهود مثلاً أنكروا على المسلمين قولهم : " ما شاء الله وشئت " وهم يقولون أعظم من هذا ، يقولون : عزير ابن الله ، ويصفون الله تعالى بالنقائض والعيوب .
ومن ذلك بعض المقلدين يفهم النصوص على ما يوافق هواء ، فتجده يحمل النصوص من الدلالات ما لا تحتمل .
كذلك أيضاً بعض العصريين يحملون النصوص ما لا تحمله حتى توافق ما اكتشفه العلم الحديث في الطب والفلك وغير ذلك .
كل هذا من الأمور التي لا يحمد الإنسان عليها ، فالإنسان يجب أن يفهم النصوص على ما هي عليه ، ثم يكون فهمه تابعاً لها ، لا أن يخضع النصوص لفهمه أو لما يعتقده ، ولهذا يقولون : استدل ثم اعتقد ، ولا تعتقد ثم تستدل ، لأنك إذا اعتقدت ثم أستدللت ربما يحملك اعتقادك على أن تحرف النصوص إلى ما تعتقده كما هو ظاهر في جميع الملل والمذاهب المخالفة لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، تجدهم يحرفون هذه النصوص لتوافق ما هم عليه ، والحاصل أن الإنسان إذا كان له هوى ، فإنه يحمل النصوص ما لا تحتمله من أجل أن توافق هواه .
القول المفيد2/347.


الشيخ صالح بن فوزان الفوزان :
(( حكم تفسير القران .. بنظريات علمية حديثة .)).
..تحت هذا العنوان كتب فضيلته بمجلة الدعوة [ العدد 1447 الخميس 21 محرم 1415هـ الموافق 30 يونيو 1994] صـ 23 ، وبعد أن لخّص كلاما لشيخ الإسلام ابن تيميه في التفسير :
انتهى ملخص كلام الشيخ في الرد على من فسّر آية في القران بتفسير لم يرد في الكتاب والسنة ،وأنه تفسيرٌ باطلٌ ..
.. وهذا ينطبق اليوم على كثيرٍ من جهّال الكتبة الذين يفسرون القران حسب أفهامهم وآرائهم ..
أو يفسرون القرآن بنظريات حديثة من نظريات الطب أو علم الفلك أو نظريات روّاد الفضاء ويسمّون ذلك: بالإعجاز العلميّ للقرآن الكريم ..
؛ وفي هذا من الخطورة والكذب على الله الشيء الكثير؛ وإن كان بعض أصحابه فعلوه عن حسن نيّة وإظهاراً لمكانة القرآن ..إلاّ أنّ هذا عملٌ لا يجوز ..
قال صلى الله عليه وسلّم : ( من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار .)
.. والقرآن لا يُفسّر إلاّ بالقرآن أو بالسنة أو بقول الصّحابيّ كما هو معلوم عند العلماء المحققين ..
والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل
وصلّى الله وسلّم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه .
وكذلك للعلامة الفوزان في كتابه ( التبيان في بيان أخطاء بعض الكتاب ) ص27 كلاما جميلا حول هذا الموضوع وردا على المنادين بهذا النوع من التفسير فليرجع اليه .[/align]
 
أخشى أن يفهم القارئ لما سطره الأستاذ أبو بيان معارضة المتخصصين في التفسير والدراسات القرآنية بعامة للتفسير العلمي أو الإعجاز العلمي أو ما شئت من تسمية إذا فهم المقصود. لأنه قد يقول قائل : كيف يدعو أمثال الدكتور زغلول النجار إلى الله إذا قيل لهم توقفوا عن فهم القرآن كما تشاءون أو كما تظنون. لأن هناك قواعد للتفسير أغفلتموها لعدم اطلاعكم عليها ، أو نسيانها. وهم يرون أنهم باطلاعهم على هذه الحقائق العلمية التي تتعلق بعلم الأرض أو الفيزياء أو الطب أو غير ذلك من العلوم التجريبية يملكون أدوات فعالة للدعوة إلى الله ، وخاصة في أوساط غير المسلمين من طبقة العلماء والباحثين ، ولهم في ذلك قصص وشواهد تؤيد موقفهم .
ولذلك فإنني أقترح على القائمين على هذا الموقع تخصيص حلقة علمية لنقاش موضوع التفسير العلمي ، ويا حبذا لو تفضل الدكتور مساعد الطيار ببسط النقاط التي أشار إليها الأخ أبو بيان حيث لم يظفر بعضنا باستماعها ، وفي رأيي أن الحاجة إلى تقريب وجهات النظر في هذا الموضوع أولى من تنافرها واختلافها ، إذا الغرض النبيل يجمع الأراء ، وشقة الخلاف ليست بعيدة فيما يبدو لي. وإن كان للقرآن جناب ينبغي أن يصان من أن يقول فيه كل أحد بغير علم ، وأما صاحب العلم والدليل فحيا هلا به. والله أعلم.
 
أرى أن كل طرف قد بالغ في التحمس لرأيه ، مع أنّ الحق بينهما ، ولا حاجة لافتعال تناقض واختلاف بين الطرفين

فكلام الشيخ مساعد في مداخلته فيه بعض المبالغات ، كما أن حكم الدكتور زغلول على كلامه [ كلام الشيخ مساعد ] بأنه كله غير صحيح مبالغة واضحة .

وهذه فتوى جيدة للشيخ عطية صقر ، فيها نظرة معتدلة لكلا الرأيين :

السؤال : ما هى الشروط التى وضعها العلماء لتفسير القرآن تفسيرا علميا يتناسب مع روح العصر والمكتشفات العلمية الحديثة ؟

الجواب : هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش ، وانقسم الناس فيها فريقين :‏
(‏ أ )‏ فريق يقول :‏ نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة .‏
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى ، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن ، وحمل الألفاظ عليها .‏ واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى :‏
‏1ـ أن الله تعالى قال {‏ ما فرطنا فى الكتاب من شىء }‏ [‏ ا لأنعا م :‏ ‏38 ]‏ .‏
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن .‏ فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها .‏
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق ، ما كان منها وما يكون ، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية .‏ أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم ، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه ، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين ، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن ، فالعموم فى كل شئ بحسبه .‏

‏2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه ، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها .‏
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك ، فأصول الهداية فيه ، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور .‏
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود .‏

(‏ ب )‏ والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها ، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه .‏ وحجتهم فى ذلك :‏
‏1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها ، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها .‏ وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق .‏
‏2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب ، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون ، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها ، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال ، وحاشاه أن يكون كذلك ، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص ، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم ، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج ‏2 ص ‏52 " :‏ ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد ، منها :‏ أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين ، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها .‏ وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح ، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه ، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام .‏.‏.‏وما يلى ذلك .‏ ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة ، إلا أن ذلك لم يكن ، فدل على أنه غير موجود عندهم ، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا .‏
‏3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب .‏
وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن ، ، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح ، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق ، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول ، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {‏ سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }‏[‏فصلت :‏ ‏53 ]‏وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب ، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {‏ أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد}‏ .‏
ويناقش الدليل الثالث ، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا ، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة ، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق ، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت ، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل ، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث .‏

‏7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى :‏ـ
(‏ أ )‏ أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية ، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل ، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم ، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز .‏
وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله ، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها ، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن ، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته ، مهما كان مستواه العلمى .‏

(‏ ب )‏ أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه و سلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها ، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل ، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير.‏ وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها ، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين ، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن ، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه ، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع .‏ حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تعب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية .‏ وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله ، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن ، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة ، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة .‏
وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه ، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية .‏

(‏ ج )‏ أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء ، على خلاف الكلام العادى للناس ، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة ، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام ، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا ، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم ، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء .‏ كما قال سبحانه {‏ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر }‏[‏ القمر:‏ ‏17 ، ‏22 ، ‏32 ، ‏40 ]‏ .‏
يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره :‏ أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق ؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة ؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء ، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل ، ومرة إلى أولى العلم ؛ ومرة إلى السامعين ، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها .

(‏ د )‏ أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه .‏ ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {‏ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين .‏ ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين .‏ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }‏[‏المؤمنون :‏ ‏12 -‏‏13 ]‏ وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {‏ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن }‏[‏ البقرة :‏ ‏222]‏ ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به ، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب .‏
وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة ، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء .‏ وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها ، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد .‏
‏8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسير بالرأى المحض ، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله .‏ وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة ، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام ، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين ، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به .‏
والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه ، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون .‏ قال إبراهيم التيمى :‏ سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال :‏ أى سماء تظلنى ، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم .‏ وقال أنس .‏ سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال :‏ كل هذا قد عرفناه ، فما الأبُّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال :‏ هذا لعمرو الله التكلف ، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ .‏ ثم قال :‏ اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه "القرطبى ج ‏9 ‏1 ص ‏223 " وذلك كله من وحى قوله صلى الله عليه و سلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم ، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس .‏ قال ابن عطية :‏ ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء ، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول ، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه ، والفقهاء معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج ‏1 ص ‏32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة ، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه ، فكفى بالله شهيدًا على صدقه .‏
‏9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا ، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى ، وهكذا ، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية .‏ والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن -‏ وكثير منهم غير أهل للتفسير-‏ أساسه عدم مراعاة هذا المنهج ، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون ، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها ، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون .‏ روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى :‏ {‏ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }‏[‏الأنعام :‏ ‏82 ]‏ قال بعض الصحابة :‏
يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ليس بذلك ، ألا تسمع إلى قول لقمان {‏ إن الشرك لظلم عظيم }‏ .‏ فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك .‏
ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين -‏ ولا أقول المفسرين -‏ أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته ، فأورد قوله تعالى :‏ {‏وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب }‏[‏النمل :‏ ‏88 ]‏ فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك ، هكذا يقول .‏ وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم ، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا .‏ وليس ذلك فى عالم الدنيا .‏ ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى :‏{‏يوم تمور السماء مورا .‏
وتسير الجبال سيرا .‏ فويل يومئذ للمكذبين }‏[‏ الطور:‏ ‏9 -‏ ‏11 ]‏ وقال {‏ إذا الشمس كوِّرت .‏ وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت.‏.‏}‏ [‏التكوير:‏ ‏1 ـ ‏3 ]‏ والمقام كله فى يوم القيامة .‏
‏10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن :‏
‏1 ـ فى غزو الفضاء قالوا :‏ يدل عليه قوله تعالى:‏ {‏يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }‏[‏ الرحمن :‏ ‏33 ]‏ فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار.‏ ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة ، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان ، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله .‏ أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان ، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه .‏
وقال ابن عباس فى تفسيرها :‏ إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله ، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله ، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده .‏ فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس ، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون .‏ وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم ، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم ، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا ، أو نفذوا فقط -‏ إلى الآن -‏ من أقطار الأرض وجاذبيتها ، وبقيت السموات حجرًا محجوراً ؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا ، الشمس تبعد عن الأرض ‏93 مليون ميل كما قال تعالى :‏ {‏ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب }‏[‏ الصافات :‏ ‏6 ]‏ فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية ا لسموا ت ؟ على أن المقام ، كما ذكرت ، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق ، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به ، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن ، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم ، ولا ضير فى ذلك أبدًا ، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز .‏

استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات ، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة ، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية .‏ ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون .‏
إن كروية الأرض حقيقة ثابتة ، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها ، والدليل على ذلك ليس من القرآن ، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا ، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس .‏

(‏ ج )‏ دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب ، على ما هو مقرر فى علم النبات .‏ استدل عليه البعض بقوله تعالى :‏ {‏وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه }‏[‏ الحجر:‏ ‏22 ]‏ فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح ، أو ملقحة لغيرها بما تحمله ، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف ، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف ؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا:‏ فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى:‏ {‏فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه }‏وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء ؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء ، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس .‏ فأولى أن تحمل الآية عليه ، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات ، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه .‏

(‏ د )‏ قالوا :‏ إن حدود الكون تتسع وتمتد ؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :‏{‏ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون }‏[‏ الذاريات :‏ ‏47 ]‏ ؛ لكن العلماء قالوا :‏ إن لفظ {‏ موسعون }‏ مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى ؛ ومنه قوله تعالى {‏ ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره }‏[‏البقرة :‏ ‏236]‏ فالآية تدل على قدرة الله ، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون ، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه .‏ فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة .‏

(‏ هـ )‏ قالوا :‏ إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول ، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان ، حتى يحصل على توازنه الدائم ، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة ، ويدل عليه قوله تعالى {‏ فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين }‏[‏الدخان :‏ ‏10 ]‏ قال المفسرون :‏ إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم ، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه و سلم عليهم ؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه :‏ فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {‏فارتقب.‏.‏.‏}‏وجاء فيه :‏ أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى :‏{‏يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون }‏ يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة .

(‏ و )‏ قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى :‏{‏ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء }‏[‏الأنعام :‏ ‏125 ]‏ وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا ، ومثل هذا واضح لا شك فيه ، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن .‏
كما قالوا :‏ إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى {‏ فلا أقسم بمواقع النجوم }‏ [‏الواقعة :‏ ‏75 ]‏ فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو ‏700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو ‏88, ‏5 مليون ميل أى نحو ‏6 مليون ميل (‏ مجلة العربى يوليو ‏1970 م )‏(‏ الضوء يقطع فى الثانية‏186000 ميل )‏ ‏000 ، ‏300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها ، فالآية شاملة وعامة .‏
وقالوا أيضًا :‏ مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى :‏{‏بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه }‏ [‏القيامة :‏ ‏4 ]‏ لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان ، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها .‏
مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا ، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات ، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم .‏

وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا ، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه و سلم .‏ والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا ، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين ، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {‏سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد}‏ فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه ، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم ، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة ، ، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {‏ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط}‏[‏ فصلت :‏ ‏54 ]‏ .‏
تتمة :‏
وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء ، وأحاديث أخرى واردة فى الطب .‏
ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه و سلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم .‏ وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه و سلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا .‏ لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور والله أعلم .

http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=14694
 
أشكر الإخوة الكرام على مداخلاتهم المفيدة,
وأود التنبيه على أن هذا الموضوع ليس في الحديث عن التفسير العلمي من حيث هو, فقد تكلم الكثير في موضوع التفسير العلمي, وعسى أن تخرج له كتابة واضحة مستقلة في هذا الملتقى من أهل الذكر فيه.
وأرجو أن لا يُفهَمَ من كلامي قبوله بإطلاق ولا ردّه بإطلاق, وما كتبته هنا إنما هو انطباع ووقفات علمية مع الدكتور النجار وفقه الله ونفع به, من خلال حديثه في المسائل السابقة, وليس فيما كتبت- فيما يبدوا لي- تجنٍّ أو تحامل على شيء, ومثل هذا الظن إنما يُمليه حديث العاطفة لا العلم, وأتمنى ممَّن ذكر ذلك من الإخوة المشاركين إيضاح وجه التحامل وموضعه لأكشف عن وجهه باسماً, أو أرجع عنه راغماً , وقد تركت جُملاً من حديث الدكتور في ذلك اللقاء لا تليق بمثله, وآثرت تجاوزها إلى ما هو أولى منها.

وأشير هنا إلى مسألة: الفائدة العظيمة لهذا النوع من الدراسات في دعوة غير المسلمين, وتقوية إيمان المؤمنين.
وهذه فائدة لا تخفى وهي من واجب أهل العلم في كل زمان, ولكنها ليست خارجة عن الأصول الشرعية والمنهجية في فهم كلام الله تعالى والدعوة إليه, فالعلم قبل القول والعمل, ولا يكون العلم علماً ما لم يكن على منهج أهل العلم في كل فنّ, وهذه الغاية النبيلة لا تبرر لنا التجاوز في تفسير الآيات والأحاديث على غير أصلٍ صحيح. ثم إن حملنا للآيات على هذه المسائل العلمية الحديثة بغير الضوابط الشرعية ولو حصل منه مصلحة ففيه تفويت مصالح, وحصول مفاسد لا تُحمَد معها هذه السبيل.
 
عودة
أعلى