قال عنه الدكتور حازم حيدر : بقي منه - فيما نعلم - قطعة مخطوطة متضمنة ( شرح حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف ) بالمكتبة الأحمدية بحلب برقم ( 884 ) .
قد نُشرت مؤخرا بتحقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر رحمه الله بعنوان ( معاني الأحرف السبعة ) [ انظروا
هنا ] ، وقد قال في مقدمة تحقيقه ، في مبحث تسمية الكتاب ( ص 144 فما بعدها ) :
" أولاً : يتبدى للباحث جلياً العنوان المرسوم في وجه هذا المخطوط هكذا : « كتاب معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) تأليف الشيخ أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن المقرئ الرازي رحمه الله تعالى آمين » .
وتتبادر للبال أسئلة كثيرة :
1- هل هذا يتضمن عنوان الكتاب وكأن الإمام الرازي سمى كتابه : « معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم : أُنزل القرآن على سبعة أحرف » ؟
2- هل هذا العنوان كتبه الإمام المؤلف ، ونقله الناسخ من النسخة الموثوقة ... للمقرئ الهمداني ؟
أم أن هذا الناسخ أو غيره لم يقف على الاسم في ذلك المخطوط ، فاستخلص عنوانه من موضوعه لدى مطالعته مضامين الكتاب أو مما أورده في مطلع مقدمته ؟
ثانيا : يسترعي اهتمامك في الصفحة الأولى من تقديم الكتاب قولُ المصنف : « هذا كتاب جمعتُ فيه ما جاء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: أُنزل القرآن على سبعة أحرف»؛ فهل قصد المؤلف بهذا إيرادَ اسم الكتاب، أم التعبير عن موضوعه ومضامينه؟؟
أو لعل عنوانه الأساسي قبل أن يلحقه تطوير في النسخ ( لوائح حديث الأحرف السبعة ) ، وهو مجرد احتمال أيضاً .
ثالثاً : أورد الحافظ ابن حجر اسم الإمام المؤلف باختصار مرتين ؛ فقال : « وقال أبو الفضل الرازي : الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه ... ونحو ذلك » [ فتح الباري ، 9 / 29 ] .
ثم قال : « وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح ... واقتفيت أثرهم لأجل ذلك . وأقول : لو اختار إمام من أئمة القراءة حروفاً ، وجرّد طريقاً في القراءة بشرط الاختيار = لم يكن ذلك خارجاً عن الأحرف السبعة » [ فتح الباري ، 9 / 32 ] .
فأفاد ابن حجرٍ صراحةً بوجود كتاب للإمام أبي الفضل الرازي باسم ( اللوائح ) بالهمزة ، لا بحرف آخر .
رابعاً : أورد الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، في النوع السادس عشر - المسألة الثانية - قوَله : « وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح : الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف ... » [ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي / 125 ، ط دار الكتاب العربي ] .
فأفادك أن هذا النص مأخوذ حسب علمه من كتاب اسمه ( اللوائح ) للإمام أبي الفضل الرازي . علماً بأن تاريخ وفاة السيوطي 911 ﻫ ، بينما تاريخ وفاة الحافظ أحمد بن حجر 852 ﻫ .
فيستبعد العقل أن يحصل تصحيف أو تحريف لاسم الكتاب عندهما معاً، خاصة وأن السيوطي لم يصرح بنقله هذا عن ابن حجر.
خامساً : تجد في كتاب ( مناهل العرفان ) في طبعاته الأوسع انتشاراً ( ط عيسى البابي الحلبي ، وفي ط دار الفكر العربي ) تجد المؤلف العلامة الزرقاني قد نقل النص عن الإمام أبي الفضل الرازي في ( اللوائح ) بالهمزة أيضا . وهذا يفيدك أنه نقله عن الإتقان غالباً أو عن فتح الباري احتمالاً قوياً .
بينما تجد في مناهل العرفان ط دار قتيبة ، بتحقيق الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور بديع السيد اللحام : « أبو الفضل الرازي في اللوامح » بالميم . وأكّد ذلك في التعليق بأن اسم الكتاب ( اللوامح في القراءة ) [ مناهل العرفان للزرقاني / 199 ] .
سادساً : تتبعتُ مواطن ورود اسم الكتاب واسم مؤلفه ( أبو الفضل عبد الرحمن الرازي ) في كتاب ( الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ) للإمام أحمد بن يوسف ؛ المعروف بالسمين الحلبي ، المتوفى سنة 756 ﻫ ، فوقفتُ على ما يلي :
1- رأيتُ الإمام أحمد بن يوسف السمين الحلبي يورد اسم الكتاب والمؤلف عند أول مناسبة هكذا : « ... ذكره أبو الفضل الرازي في كتاب اللوائح على شاذ القراءة » ، فأورد ( اللوائح ) بالهمزة وليس بالميم ، وذلك عند توجيه أيِّ قراءة شاذة ، نحواً أو صرفاً أو تفسيراً .
ولكنه تابع إيراد اسم الكتاب بعد ذلك هكذا ( اللوامح ) بالميم في مواطن كثيرة ، وكلها عند نقل توجيه منه لشواذ القراءة .
وهذا يعطيك حكما قطعياً أن كتاب ( اللوامح ) الذي اقتبس منه ليس هو الكتاب المخطوط الذي بين أيدينا ، بل هو كتاب آخر قطعاً ؛ لأن مضامينه ليست واردة في المخطوط ، اللهم إلا أن يكون أدرج في كتابه الواسع عن القراءات الشاذة معلومات يسيرة مما أورده في كتابه المخطوط هذا ، فكان قدراً مشتركاً بين الكتابين ، فيكون ذلك قد أدى إلى التباس عند العلماء بين الكتابين . ولكن هذا الحكم غير ميسور لنا التأكد منه ؛ لأننا لم نقف على كتاب ( اللوائح في القراءة الشاذة ) لنعرف محتوياته أو مضامينه .
فلا يمكننا أن نحكم بوجود قدر مشترك بينه وبين المخطوط عن أحاديث الأحرف السبعة .
2- واستمراراً في التتبع والاستقصاء لمعظم مواطن ورود اسم كتاب الإمام الرازي ، مع الاستفادة التامة من فهرس المحقق الأستاذ الدكتور أحمد محمد الخراط في ذلك ، فإنك ستجد أن اسم الكتاب في باقي أجزاء الكتاب ورد بالميم في معظم المواطن ( اللوامح ) .
3- ليس يبعد أن يكون وقع تحريف أو تصحيف في كل أنحاء كتاب ( الدر المصون ) لدى ذكره كتاب ( اللوامح ) باستثناء وروده في الجزء الخامس باسم ( اللوائح ) بالهمزة وليس بالميم .
علماً بأن الإمام السمين الحلبي أورد اسم الكتاب مضافاً إلى ضمير الغائب ( أبو الفضل الرازي في لوامحه ) ، أورده بالميم لا بالهمزة .
4- نقف عند هذا الحد إلى أن نمسك بدليل قوي يرجح لنا أحد الاحتمالين في اسم كتاب الرازي ، أهو ( اللوائح في القراءة الشاذة ) بالهمزة ؟ أم ( اللوامح في القراءات الشاذة ) بالميم وبالجمع ( القراءات ) ؟ والله أعلم .
5- وتجد في تفسير ( البحر المحيط ) لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي هكذا : « وقال صاحب اللوامح » بالميم [ 5 / 496 ] ، ثم في [ 6 / 405 ] بنفس اللفظ ، ثم في [ 7 / 89 ] : « وقال أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح له » ، ثم في [ 7 / 124 ] : « وقال صاحب اللوامح : ولا أعرف وجهه » بالميم . وفي كل هذه المواضع التي وقفت عليها بنفسي في ( البحر المحيط ) لأبي حيان نجد اسم الكتاب : ( اللوامح ) بالميم .
أقول : يتأكد لك من هذا وجود كتاب واسع في القراءات للإمام الجليل المقرئ المحدث أبي الفضل عبد الرحمن الرازي ، وأن اسمه ( اللوامح ) بالميم ؛ فإن هذه اللفظة لم ترد إلا مع نقل عن هذا الكتاب في القراءات ، وليس خاصّاً في الأحرف السبعة ، ولا بما يتعلق بها مباشرة ، باستثناء ما ورد لأول مرة في كتاب ( الدر المصون ، 5 / 372 ) فإنه ورد بلفظ ( اللوائح ) بالهمزة ، ولعله تصحيف ، أو أن المحقق الفاضل قد أنفذ ما عرفه من كتاب ( الإتقان ) وكتاب ( فتح الباري ) قبل أن يمعن النظر مليًاً في مخطوط ( الدر المصون ) للسمين الحلبي . والله أعلم .
وأقول : يتبقى أمامك الشاهد قويّاً ماثلاً للعيان يثبت أن هذا المخطوط كتاب آخر ، وموضوعه خاص بأحاديث الأحرف السبعة وما يتصل بها من أبحاث ، وليس موضوعه في تفاصيل القراءات الشاذة ولا المتواترة .
ونحن الآن بمنأى عن الحكم على اسم ذلك الكتاب أهو ( اللوامح ) أم ( اللوائح في القراءات ) , ولكن يشكل عليك أن الإمام الحافظ ابن حجر والإمام السيوطي قد نسبا نصّاً أو أكثر من أبحاث الأحرف السبعة إلى كتاب اسمه ( اللوائح ) للإمام الرازي ، ويرجع هذا إلى أحد احتمالين :
أحدهما : وقوع التباس حالَ دون التمييز بين الكتابين ، فنسبا النص إلى المشهور منهما ، وهو ( اللوائح ) .
ثانيهما : أن كتاب ( اللوائح في القراءات ) قد ضمنه المصنف في أوائله بعضاً من كتابنا المخطوط ( كتاب في معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنزل القرآن على سبعة أحرف ) ، فيصبح عندئذ عزو تلك المعلومات إلى كل من الكتابين أمراً سليماً " .