إبراهيم الحميضي
Member
هذا مقال خطير للكاتب يوسف أبا الخيل حول القرآن الكريم وتفسيره ، نشر في صحيفة الرياض يوم أمس الثلاثاء 17/11/14228 تضمن كلاما قبيحا ودعاوى باطلة واتهامات جائرة لعل أحد الإخوة ينشط للرد عليه.
الثلاثاء 17 ذي القعدة 1428 هـ - 27 نوفمبر 2007م - العدد 14400
[align=center]لكي لا نُسقِط على القرآن وزر تمذهبنا[/align]
يوسف أبا الخيل
كان الصحابة والتابعون الأوائل يقرأون نصوص القرآن وفقاً لما يعتقدون أنه مراد الله تعالى منها، إما بالفهم المباشر المستنبط للمعنى من خلال التفاعل الحي مع مفردات لغة النص، كما هي حال الصحابة الذين عايشوا نزول القرآن باللغة التي كانوا يتعايشون معها وبها يومياً، وإما باستخدام آليات التأويل الإيجابية التي لا تقفز على معهود العرب اللغوي والحضاري الذي نزل القرآن بلغتهم، كما هي حال التابعين الأوائل، بعيداً عن أن يسقط أحدٌ منهم رغباته الأيديولوجية على القرآن ذاته. واستمر الأمر على هذه النحو من التفاعل الإيجابي المثمر مع النص القرآني، حتى بذر الخوارج بذرة الانحراف عن القراءة (العلمية) للقرآن، لصالح القراءة (الأيديولوجية) له مع تعليلهم رفضهم التحكيم الذي جرى بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وخصومه من أهل الشام، بأن "الحكم لله وحده" بتفريغ الآيات التي تتحدث عن حكم الله تعالى من سياقها التاريخي الذي لا يستنبط معناها الحقيقي إلا بمراعاته.
إلا أن بداية الانحراف الحقيقي عن القراءة العلمية للقرآن جاء على أيدي الأمويين عندما التفوا على شرعية الحكم الإسلامي آنذاك، مما حدى بهم إلى أن يصطنعوا "شرعية" جبرية، مضمونها ما ادعوه من أن الله تعالى هو الذي ساق لهم الحكم بسابق قدره، وأنه بالتالي هو من قدَّر عليهم غشيان المحرمات وسفك الدماء وانتهاك حرمة المقدسات، ولأجل "شرعنة" هذا الجبر، فقد عمدوا إلى (توظيف) الوعاظ والقصاص، يؤولون نصوص القرآن - خاصة منها ما يوهم ظاهرها الجبر - لتكون داعمة لرؤيتهم بالإدعاء بأنهم كانوا واقعين تحت جبرية إلهية عندما ظلموا الناس وانتهكوا حرمة المقدسات.
ولأن مثل هذه البذرة لا بد وأن تؤتي ثمارها إذا كان ثمة توطئة فقهية/رسمية لها - وهو ما عمل له الأمويون بكل ما أوتوا من قوة - فقد أتت أكلها عندما أثار القدرية - الذين كانوا على الضد من الجبرية - مسألة (خلق الأفعال) التي أرادوا من خلال القول بها تحميل حكام بني أمية مسؤولية ما اقترفته أيديهم من الظلم، فتصدى لهم خصومهم من الجبرية المحسوبين على الأمويين، وفيما بعد تطور الصراع ليكون بين المعتزلة الذين قالوا ب "خلق القرآن" من زاوية ضمان عدم تعدد القدماء في رأيهم، وبين الحنابلة الذين قالوا بأنه "منزل غير مخلوق". وكلا النظريتين لم تكن لتثير أيٌّ منهما أية مشكلة فيما يتعلق بالاستنباط من القرآن في البداية، إلا أن ظهور الآراء المتأرجحة بينهما، وتكاثر الأنصار والخصوم لكليي الرأيين، أتاحا مجالاً واسعاً لتدشين التفسير الأيديولوجي للقرآن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
ولأن طبائع العمران البشري (بلغة ابن خلدون) تقتضي بأن تتطرف النظرية المسيطرة على الساحة - لا بإقصاء منافستها فحسب - بل ويفرض أيديولوجية تذهب إلى أٍقصى اليمين فيما يتعلق بالتبشير بأدبيات الفكرة أو النظرية التي تتبناها، فقد أيَّدت النظرة التقليدية، التي أقصت النظرة الاعتزالية من الساحة، نسخة غير قابلة لتطوير مفهوم تفسير النص القرآني ليتوأم مع مستجدات العصر، من خلال أعمال معيارها المشهور (القرآن منزل غير مخلوق) وهو قول حق في عمومه، إلا أنه أنتج فيما بعد تفسيراً للقرآن غير قادر على التفريق بين محاور النص القرآني، ليأتي الاستشهاد في أغلب الأحيان - خاصة فيما يتعلق بنصوص السلوك والعلاقات والحرية الإنسانية - معاكساً تماماً لمراد الله تعالى منها، وسيتضح الأمر أكثر عند عرض نماذج من تلك الاستشهادات المضطربة.
إلا أن الأمر يستلزم قبل ذلك، الإشارة إلى أن القرآن الكريم عبارة عن نص مركزي تتوزع نصوصه على ثلاثة محاور رئيسية: محور المتكلم ومحور المستقبل ومحور الغائب المتكلم عنه. فما قد يأتي من نصوصه على لسان المستقبل مثلاً، فليس هو من كلام المتكلم تعالى، وإنما هو كلام ساقه الله تعالى على لسان المستقبل (الرسول) لغرض رئيسي في وظيفة النص، مثلما أن ما تحمله النصوص من كلام على ألسنة الغائبين المتكلم عنهم في القرآن، أو ما تحمله من أخبار عنهم، لا يمثل في حقيقته كلام الله تعالى، لأن ما تحمله من مضامين قد يخالف أمر الله وحكمته، والله تعالى يسوقها لتؤدي هي الأخرى وظيفة محددة في النص القرآني.
والمشكلة الكبرى التي أورثتها النظرية التقليدية - في كيفية قراءة القرآن - للأجيال اللاحقة من المسلمين، هي عدم الفصل بين محاور النص القرآني عند الاستشهاد به، حيث تقرأ كافة النصوص على أنها من كلام الله تعالى، مما مهد الطريق أمام "شرعنة" كثير من مظاهر الظلم والإجحاف - خاصة فيما يتعلق بالمرأة - كما "شرعَّت" للتفاوت الاجتماعي بين الناس على اعتبار أنه مراد لله تعالى، بالإضافة إلى تجريد النصوص التي هي من كلام الله تعالى وحده، من سياقاتها المختلفة، والتي لا ينتصب لها المعنى إلا بمراعاتها، وكل ذلك، إما بذريعة أن الكل كلام الله تعالى، وإما انسياقاً مع مصطلح (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).
سأعرض هنا نماذج من بعض النصوص القرآنية التي هي محسوبة على محور الغائب، والتي نقرؤها عادة على أنها من كلام الله تعالى ومرادة له سبحانه، والتي تأبدت في المنهج السلفي، كنتيجة نهائية لما أسفرت عنه المعرفة الفكرية والعملية بين (الصفاتية) و(المنزهة) في بدايات التاريخ الإسلامي. فعندما يريد الوعاظ والقصاص - وما أكثرهم في مجتمعنا - إسقاط نزواتهم الذكورية على المرأة، بصفتها مسؤولة وحدها عن إغواء الرجل، لا يتأخرون عن الاستشهاد بعجز الآية رقم 28من سورة يوسف وهي: (إن كيدكن عظيم)، رغم أنه في حقيقته كلام يحكيه الله تعالى عن غائب معين هو عزيز مصر (رئيس وزرائها) أيام الهكسوس، عندما تأكد من براءة يوسف وتورط زوجته بالذنب، وليس هو بالتالي حكم الله تعالى على المرأة، والغريب أن هؤلاء القصاص لا يجدون حرجاً في أن يصفوا المرأة بنقصان العقل والدين في معرض تأكيدهم تفوق وسيطرة الرجل عليها، وهو قول يتناقض مع القول بعظم كيدها الذي لا يكون عظيماً إلا مع قوة عقلها.
وبالمثل عندما يريدون تشريع العنصرية الذكورية قبل المرأة، فإنهم لا يترددون عن استصحاب ما جاء في الآية 36من سورة آل عمران (وليس الذكر كالأنثى) وينسبون هذه التفرقة العنصرية لله تعالى، مع أنه معيار عنصري ذكوري إسرائيلي يسوقه الله تعالى في معرض نعيه تلك التفرقة، على هامش سوقه لقصة أم مريم بنت عمران مع نذرها تحرير ما في بطنها ليكون في خدمة المعبد الإسرائيلي الذي لا يقبل في شرف خدمته إلا الذكور.
وفي سياق آخر، يريد هؤلاء إثبات أن التفاوت الاجتماعي بين البشر مراد لله تعالى لكي يسخر الناس بعضهم من بعض، وحاشا رب العزة والجلال عن ذلك، فيأتون بقوله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً). بينما أن هذه الآيات في حقيقتها نعي من الله تعالى على تلك المجتمعات التي اتخذت التفاوت الاجتماعي، والذي هو من صنع البشر أنفسهم، ذريعة للتفاخر والكبر والبطر والسخرية ممن هم أقل مستوى منهم، بدليل أنه تعالى عقّب على هذا المعنى بقوله في نهاية الآية (ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون).
وهكذا هي القراءة الأيديولوجية للقرآن، لا تكتفي بتغيب القرآن عن العصر ومشكلاته، بل تزيد على ذلك "شرعنة" الظلم والقهر الاجتماعي والتفاوت الطبقي، بالإدعاء بأنه قضاء الله تعالى وقدره مراده وإرادته، في تخريج جديد/قديم لنظرية الجبر الأموي على حساب الرضا بالقرآن ليكون حاكماً فعلياً في حياة الناس.
وقال في تعقيبه على بعض التعليقات على هذا المقال
شكرا لكل من تداخل على الموضوع. شكرا لكل انتقد أوعنف أو اتهم أو أيد , فنحن في النهاية نتحاور , وعندما نتحاور فنحن نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق التقدم. أريد من الجميع أن تتسع صدرورهم لبعض كلمات أقولها على هامش مداخلاتكم.
لماذا , وأكرر لماذا نصر على استدعاء أناس ماتوا قبل مئات السنين ليفكروا بالنيابة عنا ؟ قتادة أو السدي أو ابن كثير أو الطبري أو القرطبي أو الزركشي أو السيوطي فسروا القرآن وفقا لمعهود عصرهم المعلوماتي والحضاري والمعرفي , وتركوا لنا فرصة الإستفادة من منتجات عصرنا لنفكر من خلالها. القرآن كنص حرفي مقدس لا يجوز لأي منا أن يقفز على قدسية نصوصه بحرفيتها , أما تفسيرها ومعانيها فلكل قارئ وفقا لعصره أن يخضعها لأفق عصره. كان السلف في السابق موقنين بأنه لا يمكن معرفة الجنين قبل الولادة. وعندما تقدمت تكنولوجيا السونار واستطعنا من خلالنا تحديد جنس المولود بسهولة اضطررنا لإعادة تفسير آية ( إن الله عنده علم الساعة ,,, الخ) وفقا لمعهود عصرنا. أما أن يصل الغرب إلى تفكيك الشفرة الوراثية ونحن ننادي السدي أوعكرمة أو ابن تيمية ليفسروا لنا نصوص القرآن العلمية أو الطبيعية فتلك كارثة ما بعدها كارثة.
بوسف أبا الخيل
11:13 مساءً 2007/11/27
الثلاثاء 17 ذي القعدة 1428 هـ - 27 نوفمبر 2007م - العدد 14400
[align=center]لكي لا نُسقِط على القرآن وزر تمذهبنا[/align]
يوسف أبا الخيل
كان الصحابة والتابعون الأوائل يقرأون نصوص القرآن وفقاً لما يعتقدون أنه مراد الله تعالى منها، إما بالفهم المباشر المستنبط للمعنى من خلال التفاعل الحي مع مفردات لغة النص، كما هي حال الصحابة الذين عايشوا نزول القرآن باللغة التي كانوا يتعايشون معها وبها يومياً، وإما باستخدام آليات التأويل الإيجابية التي لا تقفز على معهود العرب اللغوي والحضاري الذي نزل القرآن بلغتهم، كما هي حال التابعين الأوائل، بعيداً عن أن يسقط أحدٌ منهم رغباته الأيديولوجية على القرآن ذاته. واستمر الأمر على هذه النحو من التفاعل الإيجابي المثمر مع النص القرآني، حتى بذر الخوارج بذرة الانحراف عن القراءة (العلمية) للقرآن، لصالح القراءة (الأيديولوجية) له مع تعليلهم رفضهم التحكيم الذي جرى بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وخصومه من أهل الشام، بأن "الحكم لله وحده" بتفريغ الآيات التي تتحدث عن حكم الله تعالى من سياقها التاريخي الذي لا يستنبط معناها الحقيقي إلا بمراعاته.
إلا أن بداية الانحراف الحقيقي عن القراءة العلمية للقرآن جاء على أيدي الأمويين عندما التفوا على شرعية الحكم الإسلامي آنذاك، مما حدى بهم إلى أن يصطنعوا "شرعية" جبرية، مضمونها ما ادعوه من أن الله تعالى هو الذي ساق لهم الحكم بسابق قدره، وأنه بالتالي هو من قدَّر عليهم غشيان المحرمات وسفك الدماء وانتهاك حرمة المقدسات، ولأجل "شرعنة" هذا الجبر، فقد عمدوا إلى (توظيف) الوعاظ والقصاص، يؤولون نصوص القرآن - خاصة منها ما يوهم ظاهرها الجبر - لتكون داعمة لرؤيتهم بالإدعاء بأنهم كانوا واقعين تحت جبرية إلهية عندما ظلموا الناس وانتهكوا حرمة المقدسات.
ولأن مثل هذه البذرة لا بد وأن تؤتي ثمارها إذا كان ثمة توطئة فقهية/رسمية لها - وهو ما عمل له الأمويون بكل ما أوتوا من قوة - فقد أتت أكلها عندما أثار القدرية - الذين كانوا على الضد من الجبرية - مسألة (خلق الأفعال) التي أرادوا من خلال القول بها تحميل حكام بني أمية مسؤولية ما اقترفته أيديهم من الظلم، فتصدى لهم خصومهم من الجبرية المحسوبين على الأمويين، وفيما بعد تطور الصراع ليكون بين المعتزلة الذين قالوا ب "خلق القرآن" من زاوية ضمان عدم تعدد القدماء في رأيهم، وبين الحنابلة الذين قالوا بأنه "منزل غير مخلوق". وكلا النظريتين لم تكن لتثير أيٌّ منهما أية مشكلة فيما يتعلق بالاستنباط من القرآن في البداية، إلا أن ظهور الآراء المتأرجحة بينهما، وتكاثر الأنصار والخصوم لكليي الرأيين، أتاحا مجالاً واسعاً لتدشين التفسير الأيديولوجي للقرآن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
ولأن طبائع العمران البشري (بلغة ابن خلدون) تقتضي بأن تتطرف النظرية المسيطرة على الساحة - لا بإقصاء منافستها فحسب - بل ويفرض أيديولوجية تذهب إلى أٍقصى اليمين فيما يتعلق بالتبشير بأدبيات الفكرة أو النظرية التي تتبناها، فقد أيَّدت النظرة التقليدية، التي أقصت النظرة الاعتزالية من الساحة، نسخة غير قابلة لتطوير مفهوم تفسير النص القرآني ليتوأم مع مستجدات العصر، من خلال أعمال معيارها المشهور (القرآن منزل غير مخلوق) وهو قول حق في عمومه، إلا أنه أنتج فيما بعد تفسيراً للقرآن غير قادر على التفريق بين محاور النص القرآني، ليأتي الاستشهاد في أغلب الأحيان - خاصة فيما يتعلق بنصوص السلوك والعلاقات والحرية الإنسانية - معاكساً تماماً لمراد الله تعالى منها، وسيتضح الأمر أكثر عند عرض نماذج من تلك الاستشهادات المضطربة.
إلا أن الأمر يستلزم قبل ذلك، الإشارة إلى أن القرآن الكريم عبارة عن نص مركزي تتوزع نصوصه على ثلاثة محاور رئيسية: محور المتكلم ومحور المستقبل ومحور الغائب المتكلم عنه. فما قد يأتي من نصوصه على لسان المستقبل مثلاً، فليس هو من كلام المتكلم تعالى، وإنما هو كلام ساقه الله تعالى على لسان المستقبل (الرسول) لغرض رئيسي في وظيفة النص، مثلما أن ما تحمله النصوص من كلام على ألسنة الغائبين المتكلم عنهم في القرآن، أو ما تحمله من أخبار عنهم، لا يمثل في حقيقته كلام الله تعالى، لأن ما تحمله من مضامين قد يخالف أمر الله وحكمته، والله تعالى يسوقها لتؤدي هي الأخرى وظيفة محددة في النص القرآني.
والمشكلة الكبرى التي أورثتها النظرية التقليدية - في كيفية قراءة القرآن - للأجيال اللاحقة من المسلمين، هي عدم الفصل بين محاور النص القرآني عند الاستشهاد به، حيث تقرأ كافة النصوص على أنها من كلام الله تعالى، مما مهد الطريق أمام "شرعنة" كثير من مظاهر الظلم والإجحاف - خاصة فيما يتعلق بالمرأة - كما "شرعَّت" للتفاوت الاجتماعي بين الناس على اعتبار أنه مراد لله تعالى، بالإضافة إلى تجريد النصوص التي هي من كلام الله تعالى وحده، من سياقاتها المختلفة، والتي لا ينتصب لها المعنى إلا بمراعاتها، وكل ذلك، إما بذريعة أن الكل كلام الله تعالى، وإما انسياقاً مع مصطلح (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).
سأعرض هنا نماذج من بعض النصوص القرآنية التي هي محسوبة على محور الغائب، والتي نقرؤها عادة على أنها من كلام الله تعالى ومرادة له سبحانه، والتي تأبدت في المنهج السلفي، كنتيجة نهائية لما أسفرت عنه المعرفة الفكرية والعملية بين (الصفاتية) و(المنزهة) في بدايات التاريخ الإسلامي. فعندما يريد الوعاظ والقصاص - وما أكثرهم في مجتمعنا - إسقاط نزواتهم الذكورية على المرأة، بصفتها مسؤولة وحدها عن إغواء الرجل، لا يتأخرون عن الاستشهاد بعجز الآية رقم 28من سورة يوسف وهي: (إن كيدكن عظيم)، رغم أنه في حقيقته كلام يحكيه الله تعالى عن غائب معين هو عزيز مصر (رئيس وزرائها) أيام الهكسوس، عندما تأكد من براءة يوسف وتورط زوجته بالذنب، وليس هو بالتالي حكم الله تعالى على المرأة، والغريب أن هؤلاء القصاص لا يجدون حرجاً في أن يصفوا المرأة بنقصان العقل والدين في معرض تأكيدهم تفوق وسيطرة الرجل عليها، وهو قول يتناقض مع القول بعظم كيدها الذي لا يكون عظيماً إلا مع قوة عقلها.
وبالمثل عندما يريدون تشريع العنصرية الذكورية قبل المرأة، فإنهم لا يترددون عن استصحاب ما جاء في الآية 36من سورة آل عمران (وليس الذكر كالأنثى) وينسبون هذه التفرقة العنصرية لله تعالى، مع أنه معيار عنصري ذكوري إسرائيلي يسوقه الله تعالى في معرض نعيه تلك التفرقة، على هامش سوقه لقصة أم مريم بنت عمران مع نذرها تحرير ما في بطنها ليكون في خدمة المعبد الإسرائيلي الذي لا يقبل في شرف خدمته إلا الذكور.
وفي سياق آخر، يريد هؤلاء إثبات أن التفاوت الاجتماعي بين البشر مراد لله تعالى لكي يسخر الناس بعضهم من بعض، وحاشا رب العزة والجلال عن ذلك، فيأتون بقوله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً). بينما أن هذه الآيات في حقيقتها نعي من الله تعالى على تلك المجتمعات التي اتخذت التفاوت الاجتماعي، والذي هو من صنع البشر أنفسهم، ذريعة للتفاخر والكبر والبطر والسخرية ممن هم أقل مستوى منهم، بدليل أنه تعالى عقّب على هذا المعنى بقوله في نهاية الآية (ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون).
وهكذا هي القراءة الأيديولوجية للقرآن، لا تكتفي بتغيب القرآن عن العصر ومشكلاته، بل تزيد على ذلك "شرعنة" الظلم والقهر الاجتماعي والتفاوت الطبقي، بالإدعاء بأنه قضاء الله تعالى وقدره مراده وإرادته، في تخريج جديد/قديم لنظرية الجبر الأموي على حساب الرضا بالقرآن ليكون حاكماً فعلياً في حياة الناس.
وقال في تعقيبه على بعض التعليقات على هذا المقال
شكرا لكل من تداخل على الموضوع. شكرا لكل انتقد أوعنف أو اتهم أو أيد , فنحن في النهاية نتحاور , وعندما نتحاور فنحن نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق التقدم. أريد من الجميع أن تتسع صدرورهم لبعض كلمات أقولها على هامش مداخلاتكم.
لماذا , وأكرر لماذا نصر على استدعاء أناس ماتوا قبل مئات السنين ليفكروا بالنيابة عنا ؟ قتادة أو السدي أو ابن كثير أو الطبري أو القرطبي أو الزركشي أو السيوطي فسروا القرآن وفقا لمعهود عصرهم المعلوماتي والحضاري والمعرفي , وتركوا لنا فرصة الإستفادة من منتجات عصرنا لنفكر من خلالها. القرآن كنص حرفي مقدس لا يجوز لأي منا أن يقفز على قدسية نصوصه بحرفيتها , أما تفسيرها ومعانيها فلكل قارئ وفقا لعصره أن يخضعها لأفق عصره. كان السلف في السابق موقنين بأنه لا يمكن معرفة الجنين قبل الولادة. وعندما تقدمت تكنولوجيا السونار واستطعنا من خلالنا تحديد جنس المولود بسهولة اضطررنا لإعادة تفسير آية ( إن الله عنده علم الساعة ,,, الخ) وفقا لمعهود عصرنا. أما أن يصل الغرب إلى تفكيك الشفرة الوراثية ونحن ننادي السدي أوعكرمة أو ابن تيمية ليفسروا لنا نصوص القرآن العلمية أو الطبيعية فتلك كارثة ما بعدها كارثة.
بوسف أبا الخيل
11:13 مساءً 2007/11/27