محمد عمر الضرير
New member
- إنضم
- 23/07/2007
- المشاركات
- 522
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
عبرت بي مواكب الذكريات لمرحلة صباي المبكر، وحلَّت بمسقط رأسي ببلدي الحبيب، فتتابعت الصور تترى في دهاليز الذاكرة المتخمة بالمواقف والأحداث، توقفت مليَّا أشاهد استيقاظي باكرا، وقبل أن تفتح عيني انساب صوت المذياع بترتيلٍ رقراقٍ امتزج ندى صوته بنسمات الصباح العليل، فتنفس الفؤاد بهجة الاطمئنان ولمَّا يعرف حلاوة الإيمان.
نهضت كعادتي حينها في كل رمضان افتح باب بيتنا مسرعا بالركض إلى بيت جدتي رحمها الله لإنال ما تحفظه لي وأحفادها من أطعمة لا نجدها إلا في الشهر الكريم، وجدتها كعادتها في هذا الوقت تفترش سجادتها ممسكة بكتاب الله تتلوه وهي الأمية التي ما عرفت القراءة ولا الكتابة، ولا زلت حتى اللحظة أحن لشجي صوتها وكل ما انحفر في جدار الذاكرة من تلك الأيام الرمضانية المباركة، فأينما حللت أو توجهت فيها لا يفارق سمعك الأنداء القرآنية صباح مساء، ببيتك، ببيوت الجيران، بالمحلات المجاورة، وفي الطرقات، تمر سيارة ما فتسمع الترتيل، تذهب إلى الدكاكين فتسمعه، تدخل السوق فتسمعه، تمر أو تدخل مساء إلى مجالس سمر الكبار فتجد الرجال يتناوبون القراءة، أما بيوت الله فهي وعاؤه، ولا زلت اتحسر على نومي أحيانا وعدم تمكني من سماع تراتيل التراويح من المسجد القريب من بيتي لعادتهم في ذلك الوقت بتأخير صلاة العشاء إلى قرب منتصف الليل.
شعرت في طفولتي أن رمضان -بالإضافة إلى تميزه بحسب العادات في توفير مأكولات خاصة متنوعة- شهر القرآن بامتياز، وبقيت ردحا من الزمن على ذلك حتى أُكرمت منًا بوعي [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮘ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮙ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮚ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮛ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮜ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮝ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ [/FONT]مدركا قول ابن عباس رضي الله عنهما ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَارَضُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ وَإِنِّي عَرَضْتُ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ). .. وكيف وقد صفدت الشياطين، وغلقت أبواب النار، وفتحت أبواب الجنة.
ثم كان تأسفي اليوم- وإن وُجِدَ الخير- أن الامتياز القرآني في رمضان عند الكثير: هو مجرد عادة لا محض عبادة، فترى بعضهم يشغل التسجيل القرآني ولا يستمع إليه، ومن يقرأه لا يدري ما قرأ؛ فالأول يستمع إلى صوتٍ مطرب، والآخر تناول مصحفا لا روح فيه. ولكن الأكثر إيلاما: أن تجد طالب العلم ممن التزم وردا ثابتا يتعامل في تلاوته للوحي بمفهوم الإنزال لا التنزيل، ولعلَّه نفسه تيعجب في كثير من الأحيان من وصوله لنهاية ورده ولمَّا يتذكر ما مرَّ عليه.
تلك حقيقة مؤلمة أن نقطع الطرف الممدود من الله جل وعلا، فلا يستنير القلب بضياء الوحي، ولا يتشرب الفؤاد النور المنسكب من السماء، فتكون (الكلمات) مجرد رسم تلوكه الألسن ولكنها غائبة عن الروح المحكمة قلوبها أقفالها.
إذ يغيب عنا أننا نتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، ولو حضر في ذواتنا مفهوم التلقي ومِنْ مَنْ مِنَ المهيمن العظيم سبحانه، لحُمِدَ حالنا مع الوحي، فتخيل الآن أن أحب مخلوق إلى قلبك، أو حاكم دولتك المحبوب ملكا أو أميرا أو سلطانا أو رئيسا ... خاطبك في مناجة خاصة بك، حريصا عليك، أتلاحظ بؤبؤ عينك وبؤرة أذنك وكل جوارحك في تفاعلها بهذا اللقاء، فكيف بملك الملوك، وحبيب القلوب، وخالق الوجود، الصمد الودود. إن هذا الاستشعار هو بداية السير في معراج [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯜ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯝ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯞ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ [/FONT]وإذا دلفت إليه ظهر لك طرف السبب الممسوك بيد الله، فتشرفت بمسك طرفه الممدود إليك، فارتقت روحك، وسمت نفسك، وسرت الطمأنينة في أوصالك، وملأت الروحانية خلاياك، واضاءت الأنوار بصيرتك ومحياك.
نهضت كعادتي حينها في كل رمضان افتح باب بيتنا مسرعا بالركض إلى بيت جدتي رحمها الله لإنال ما تحفظه لي وأحفادها من أطعمة لا نجدها إلا في الشهر الكريم، وجدتها كعادتها في هذا الوقت تفترش سجادتها ممسكة بكتاب الله تتلوه وهي الأمية التي ما عرفت القراءة ولا الكتابة، ولا زلت حتى اللحظة أحن لشجي صوتها وكل ما انحفر في جدار الذاكرة من تلك الأيام الرمضانية المباركة، فأينما حللت أو توجهت فيها لا يفارق سمعك الأنداء القرآنية صباح مساء، ببيتك، ببيوت الجيران، بالمحلات المجاورة، وفي الطرقات، تمر سيارة ما فتسمع الترتيل، تذهب إلى الدكاكين فتسمعه، تدخل السوق فتسمعه، تمر أو تدخل مساء إلى مجالس سمر الكبار فتجد الرجال يتناوبون القراءة، أما بيوت الله فهي وعاؤه، ولا زلت اتحسر على نومي أحيانا وعدم تمكني من سماع تراتيل التراويح من المسجد القريب من بيتي لعادتهم في ذلك الوقت بتأخير صلاة العشاء إلى قرب منتصف الليل.
شعرت في طفولتي أن رمضان -بالإضافة إلى تميزه بحسب العادات في توفير مأكولات خاصة متنوعة- شهر القرآن بامتياز، وبقيت ردحا من الزمن على ذلك حتى أُكرمت منًا بوعي [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮘ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮙ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮚ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮛ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮜ[/FONT][FONT=QCF_P028]ﮝ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ [/FONT]مدركا قول ابن عباس رضي الله عنهما ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَارَضُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ وَإِنِّي عَرَضْتُ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ). .. وكيف وقد صفدت الشياطين، وغلقت أبواب النار، وفتحت أبواب الجنة.
ثم كان تأسفي اليوم- وإن وُجِدَ الخير- أن الامتياز القرآني في رمضان عند الكثير: هو مجرد عادة لا محض عبادة، فترى بعضهم يشغل التسجيل القرآني ولا يستمع إليه، ومن يقرأه لا يدري ما قرأ؛ فالأول يستمع إلى صوتٍ مطرب، والآخر تناول مصحفا لا روح فيه. ولكن الأكثر إيلاما: أن تجد طالب العلم ممن التزم وردا ثابتا يتعامل في تلاوته للوحي بمفهوم الإنزال لا التنزيل، ولعلَّه نفسه تيعجب في كثير من الأحيان من وصوله لنهاية ورده ولمَّا يتذكر ما مرَّ عليه.
تلك حقيقة مؤلمة أن نقطع الطرف الممدود من الله جل وعلا، فلا يستنير القلب بضياء الوحي، ولا يتشرب الفؤاد النور المنسكب من السماء، فتكون (الكلمات) مجرد رسم تلوكه الألسن ولكنها غائبة عن الروح المحكمة قلوبها أقفالها.
إذ يغيب عنا أننا نتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، ولو حضر في ذواتنا مفهوم التلقي ومِنْ مَنْ مِنَ المهيمن العظيم سبحانه، لحُمِدَ حالنا مع الوحي، فتخيل الآن أن أحب مخلوق إلى قلبك، أو حاكم دولتك المحبوب ملكا أو أميرا أو سلطانا أو رئيسا ... خاطبك في مناجة خاصة بك، حريصا عليك، أتلاحظ بؤبؤ عينك وبؤرة أذنك وكل جوارحك في تفاعلها بهذا اللقاء، فكيف بملك الملوك، وحبيب القلوب، وخالق الوجود، الصمد الودود. إن هذا الاستشعار هو بداية السير في معراج [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯜ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯝ[/FONT][FONT=QCF_P176]ﯞ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ [/FONT]وإذا دلفت إليه ظهر لك طرف السبب الممسوك بيد الله، فتشرفت بمسك طرفه الممدود إليك، فارتقت روحك، وسمت نفسك، وسرت الطمأنينة في أوصالك، وملأت الروحانية خلاياك، واضاءت الأنوار بصيرتك ومحياك.
يتبع...