وللآخرة خير لك من الأولى
سورة الضحى نزلت في أشد الأيام ضيقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزاد من شدة تلك الأيام عليه أن انقطع الوحي. فجاءت السورة للتسرية عنه وتطييب خاطره. وفيها هذه الآية التي تقول له إن غدك سيكون أفضل من يومك الحالي، ومستقبلك سيكون أفضل من حاضرك. فلفظة الآخرة تعني في أصلها الغد بالنسبة لليوم، والحال القادمة بالنسبة للحال الحاضرة. هذه الآية تخبر النبي صلى الله عليه وسلم أو تعده بأن أيام نبوته الأولى في مكة التي اتسمت بالضيق ستفرج نوعًا مافي المدينة، وأن المشاكل والصعاب الظاهرية والشكلية ستنقلب إلى نعمة. والتاريخ يشهد بأن هذا هو ماحصل فعلا. ففي كل يوم كان نجمه يرتفع، ودعوته تتوسع، وكان كل يوم أفضل من سابقه. وفي مقابل صورة الضيق والقلق الذي كان يعانيه الرسول في الواقع جاءت الآية بصورة المستقبل المشرق. وكانت بشارة بالرحمة الشاملة واللطف الواسع القادم بالنسبة للضيق الحالي واللطف النسبي الحالي، كل ذلك ابتداء من المستقبل القريب في هذه الدنيا وانتهاء بالمستقبل الأبدي في الحياة الأخرى.
وهذه البشارة التي خوطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست خاصة به، وإنما هي بشارة عامة تشمل كل من اقتدى به واهتدى بهديه. إنها بشارة له أولا باعتباره رسولا، ثم هي بشارة لأصحابه والمنتسبين الأوفياء لدعوته ثانيًا. فكأنها تقول لكل واحد منهم أيضا (وللآخرة خير لك من الأولى)، وتبشره بأنه سينقلب إلى حال أفضل، ومن الخير النسبي إلى الخير الحقيقي، ومن الضيق إلى الفرج، وأخيرا تبشره بأن الآخرة الحقيقية المتمثلة في الجنة والمنتهية برؤية الله تعالى ستكون أفضل من كل ماعداها. فيا لها من آية تبث في المسلم روح اليقين المتفائل بالمستقبل، وتبعث فيه همة العمل بموجب ذلك اليقين !
فاللهم إنا نسألك الرضا بالقضاء، واليقين فيما عندك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم. وصل اللهم على المبعوث رحمة للعالمين.[1]
[1] أضواء قرآنية في سماء الوجدان، محمد فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1426 هـ - 2006 م، ص 345 – 347. بتصرف.