من هو الشارح اليمني؟
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد؛ فالشارح اليمني هو أحد شراح الجزرية قطعا، وقد ذكره الشيخ علي القاري سبع عشرة مرة، واصفا إياه باليمني ثنتا عشرة مرة، وباليماني خمس مرات.
وكان يظن كثيرون(1) أنه بحرق المتقدمة ترجمته، إلى أن من الله علي بالحصول على شرحي بحرق؛ الصغير والكبير، فعرضت نقولات الشيخ القاري عليهما؛ فإذا هي غير موجودة، بل مختلفة عما فيهما، وتوصلت إلى أن الشيخ القاري إذا نقل عن الشيخ بحرق سماه باسمه (بحرق)، وهو ينقل من شرحه الكبير الذي تقدم أن اسمه «تحفة القاري والمقري».
تيقنت أن هذا اليمني ليس بحرقا، وطفقت كلما عثرت على شرح للجزرية مخطوط أو مطبوع عرضت عليه نقولات الشيخ القاري عن الشارح اليمني، إلى أن عثرت بمكتبة الملك عبدالعزيز على شرح منسوب لمجهول؛ فإذا هو شرح صاحبنا.
بيد أن المشكلة لم تُحلَّ بعد، فاستأنفت البحث عن نسخ أخرى لهذا الشرح؛ فوجدت نسخة في مكتبة الملك عبد العزيز أيضا، ثم أخرى في مكتبة الحرم المدني، ثم أخرى وجدتها ضمن مخطوطات عندي، مصدرها معهد الثقافة والدراسات الشرقية بجامعة طوكيو، ثم أخرى في مكتبة المسجد الأقصى(2)، والغريب أنها كلها مجهولة المؤلف، وكلها تبدأ بالبسملة ثم شرح البيت الأول دون أي مقدمة.
تصفحت النسخ الأربع على أمل العثور فيها، أو في طُررها، على ما يرشد إلى مؤلفها، أو إلى عصر تأليفها، فلم أظفر بشيء من ذلك.
ثم خضت رحلة أخرى في تراجم اليمنيين؛ عَلِّي أظفر فيهم بمن شرح المقدمة الجزرية، وبدأت بتلامذة الإمام ابن الجزري فمن بعدهم، ثم ركزت على من عاصر الشيخ القاري، ثم من أقام بمكة منهم، فلم أجد غير بحرق.
ثم نظرت في كثير من الشروح؛ بغية الوقوف على من نقل عن هذا الشارح غير الشيخ القاري، فلم أجد أيضا.
وقد ساورني - لفترة - احتمالُ أن يكون هذا اليمني هو الشيخُ شحاذةُ اليمني المتردِّدُ اسمه كثيرا في أسانيد القراءات، وواجهني عدم وجود ترجمة له رغم شهرته، إلا أن هذا الاحتمال كاد يرتفع لَمَّا وقفت على شرح أحد تلامذته، وهو سراج الدين المستكاوي(3)، الذي أخذ عنه الجزرية، وذكره في كتابه مرارا(4)، ونقل من لفظه فوائد، وكان يعظمه كثيرا، ويدعو له بالرحمة والمغفرة، لكنه لم يذكر له شرحا على الجزرية، وأتوقع أن لو كان له لنقل عنه كما نقل عن غيره؛ أمثالِ عبدِ الدائم الأزهري الذي سلخ شرحه سلخا، وطاش كبري زاده.
ولعل الأيام القادمة تحمل بشرى رفع الإبهام عن هذا الشارح الهام؛ فتسرع أيدي الباحثين إلى إخراج شرحه محققا. يسر الله ذلك قريبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهم شيخنا الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد في شرح المقدمة الجزرية: 127، وأخوه الدكتور سالم في تحقيقه لجهد المقل: 203، ومحققو المنح الفكرية - على كثرتهم - في تعليقهم على ذكر الشيخ القاري للشارح اليمني.
(2) وهذه لم أحصل عليها، إنما رأيتها في فهرس المكتبة منذ مدة، ونسبت فيه لمجهول، لكن الفهرس تميز بذكره لمطلع المخطوطات وخاتمتها، فكانا موافقين تماما لما في النسخ الأربع التي لدي. ومع الأسف ضاع مني هذا الفهرس.
(3) لم أعثر له على ترجمة رغم بحثي الحثيث، وقد سمى نفسه في مقدمة كتابه (ص 105): محمود بن عمر بن علي الشهير بالمستكاوي الخانكي، وذكر هناك (ص 107) إجازة شيخه شحاذة اليمني له بالجزرية، وفيها نص الشيخ شحاذة أنه أجازه بها في اثني جمادى الأول سنة سبع وسبعين وتسع مئة. وهذا كل ما يعرف عنه حتى الآن.
(4) ينظر: شرح المقدمة الجزرية له: 105، 109، 133، 171، 181، 188، 205.
تنبيه: هذا جزء من مبحث كنت كتبته في بحثي للماجستير.