من هنا تبدأ

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
لا ينجو من يريد النجاة إلا بعقيدة صحيحة تشتمل على أصول الإيمان الستة :​

1 - الإيمان بالله ؛ ومعناه التصديق الجازم بأن الله أحد لا شريك له في ألوهيته ، ولا شريك له في ربوبيته ؛ ولا شريك له في أسمائه وصفاته .​

ومعنى لا شريك له في ألوهيته أنه سبحانه هو الإله وحده ، فلا يتوجه بالعبادة إلا له ، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ؛ فالظاهرة كالصلاة والصيام والزكاة .. ونحو ذلك ؛ والباطنة كاليقين والمحبة والإخلاص والتوكل .. ونحو ذلك .​

ومعنى لا شريك له في ربوبيته أنه لا خالق ولا رزاق ولا مالك ولا مدبر لأمور الدنيا والآخرة إلا الله وحده ، لا شريك له .​

فالألوهية تتعلق بتوحيد العبادة ؛ والربوبية تتعلق بالخلق والرزق والملك والتدبير .​

ومعنى لا شريك له في أسمائه وصفاته أن لله تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى ؛ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [ الشورى : 11 ] ؛ فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ؛ وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ؛ من غير تأويل ، ولا تعطيل ، ولا تشبيه ، ولا تمثيل ولا تكييف ؛ كما قال السلف في الاستواء : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .... وللحديث صلة .​


 
من هنا تبدأ ( 2 )
2- الإيمان بالملائكة :
هم خلق من خلق الله تعالى ، خلقهم لعبادته والقيام بما يأمرهم به ؛ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ؛ خلقهم الله من نور ؛ لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ؛ لا يأكلون ولا يتناسلون ، وهم بأمر ربهم يعملون ؛ وعددهم لا يعلمه إلى الله تعالى .
والإيمان بهم إجمالا ، وتفصيلا ؛ فالإجمال معناه : التصديق الجازم بأن الله خلق ملائكة على الصفة التي ذكرنا .
والتفصيل أن نؤمن بكل من ذكرهم الله منهم ، أو ذكرهم رسوله e بأسماء أو بأعمال : جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك خازن النار ، ورضوان خازن الجنة ، وملك الموت ؛ وأعوان ملك الموت ؛ والحفظة ، والكتبة .... إلى غير ذلك مما ذكر باسم أو عمل ، فلابد من الإيمان به على ما جاء .
واعلموا – علمني الله وإياكم الخير – أن إنكار ملك واحد ، أو اتخاذه عدوًا كما فعلت يهود ؛ فهذا كفر ؛ قال الله تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِين } [ البقرة : 97 ، 98 ] .
فائدة مهمة :
مما عرفنا من مادة خلق الملائكة : النور ؛ وهذا دليل على أن إبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين ؛ وقد قال الله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَل } [الكهف: 50] .
وهذه الآية فيها أربعة أدلة على ما ذكرنا :
الأول : التصريح بأنه من الجن .
الثاني : أهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقد عصى إبليس .
الثالث : أن له ذرية ؛ والملائكة لا يتناسلون .
الرابع : لا تكون الذرية إلا من زوجة ، والملائكة لا يتزاوجون .
فمجوع ذلك خمسة أدلة ؛ وأما الاستثناء الموجود في آيات ذكر معصية إبليس : { إِلَّا إِبْلِيسَ } فهو استثناء منقطع ؛ ومثاله كثير من ذلك قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29] ؛ فالتجارة ليست من أكل المال بالباطل ؛ فهو استثناء منقطع ... وهذا معروف في اللغة ... والعلم عند الله تعالى ... وللحديث صلة .
 
3 – الإيمان بالكتب ؛ ومعناه أن تصدق تصديقا جازمًا ، بأن الله تعالى أنزل كتبًا على رسله ليحكموا بها بين الناس ؛ قال الله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } [ البقرة : 213 ] ؛ فعدد هذه الكتب لا يعلمه إلا الله ؛ فإن عدد الرسل جم غفير ؛ فنؤمن بذلك على الإجمال .
وأما التفصيل ، فتؤمن بما ذكره الله تعالى من أسماء هذه الكتب ، وهي : التوراة ، والزبور ، والإنجيل ، والقرآن ، وصحف إبراهيم وموسى .
فنؤمن بالتوراة التي أنزلت على موسى ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى ؛ فأما التوراة والإنجيل اللذان بين اليهود والنصارى اليوم ، فهما محرفان ، كما أخبر الله تعالى في قرآنه .... وللحديث صلة .
 
4 - الإيمان بالرسل ؛ هذا الأصل الرابع من أصول الإيمان ، ومعناه : التصديق الجازم بأن الله تعالى أرسل رسلا مبشرين ومنذرين ، وهم جم غفير ؛ منهم من قصه الله تعالى في كتابه ، ومنهم من لم يقصصهم ؛ قال الله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } [ غافر : 78 ] ؛ وقال تعالى : { وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [ النساء : 164 ، 165 ] .
فالواجب الإيمان بذلك إجمالا ؛ والإيمان تفصيلا بما ذكرهم الله تعالى في كتابه منهم ؛ وعدد المذكورين في القرآن خمسة وعشرون ، نعرفهم بأسمائهم ، جمعهم الناظم في قوله :
فِي { تِلْكَ حُجَّتُنَا } مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَهُمُو
إِدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وَكَذَا ... ذُو الْكِفْلِ آدَمُ بِالْمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا
وحقيقة الإيمان بالرسل ما جاء في قوله تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير } [البقرة: 285] ؛ فالمسلم يصدق تصديقا جازمًا بجميع رسل الله تعالى ، لأن الكفر برسول واحد كفر بالله العظيم ؛ قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151] ؛ ومن هنا تفهم قول الله تعالى في سورة الشعراء : {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] ، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141] ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِين} [الشعراء: 160] ، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176] .
فكل قوم من هؤلاء لم يرسل إليهم إلا رسول واحد ، ولكن التكذيب بالرسول معناه تكذيب بالرسالة ، فهو تكذيب بجميع الرسل ، وكفر بالله العظيم ، لأن الله تعالى هو الذي أرسل الرسل .... وللحديث صلة .
 
5 - الإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بقيام الساعة والبعث من القبور وحشر الناس لرب العالمين ليحاسبهم على أعمالهم .​

وهذا يقتضي الإيمان بمقدمات يوم القيامة من أشراط الساعة ؛ والإيمان بمشتملات يوم القامة .​

وأشراط الساعة منها ما ظهر وانقضى ؛ ومنها ما ظهر ويزداد ، ومنها ما لم يظهر بعد .​

فلم يظهر بعد علامة كبرى ؛ كما لم يظهر بعض العلامات الصغرى .​

ولا تقوم الساعة حتى تظهر جميع العلامات التي أخبر الله بها أو أخبر منها نبيه صلى الله عليه وسلم .​

ومشتملات يوم القيامة هي الأمور التي تحدث بعد نفخة البعث ، من جمع الناس وحشرهم ووقوفهم على أرض غير الأرض ، تظلهم سماء غير السماء ، وتدنو الشمس من الرؤوس حتى تكون بمقدار ميل ؛ ويعرق الناس بقدر أعمالهم ، ويظل الله في ظله من أصحاب الأعمال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ثم يذهب الناس إلى آدم ليشفع لهم ، فيردهم إلى نوح ، ويردهم نوح إلى إبراهيم ، وإبراهيم إلى موسى ، وموسى إلى عيسى ؛ وعيسى إلى محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ؛ كل يقول : لست لها ؛ ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول أنا لها ؛ فيشفع الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق ؛ وتنشر الكتب فمن آخذ بيمينه ، ومن آخذ بشماله من وراء ظهره ؛ ويوضع الميزان ؛ وينصب الصراط على جنبتي جهنم ، ويمر عليه الناس ؛ فمنهم من يمر كالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، ومنهم من ينكب ؛ ومنهم من تخطفه كلاليب إلى جهنم ... أعاذنا الله تعالى .​

فليكن همك عبد الله أن تنجو ؛ قال الله جل ذكره : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 1 ، 2 ] ... وللحديث صلة .​



 
6 - الإيمان بالقدر ؛ لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، كلٌّ من عند الله تعالى ؛ قال الله تعالى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] ؛ وفي مسند أحمد عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَتَخَايَلُ فِيهِ الْمَوْتَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ أَوْصِنِي وَاجْتَهِدْ لِي ؛ فَقَالَ : أَجْلِسُونِي ؛ فَلَمَّا أَجْلَسُوهُ قَالَ : يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ ، وَلَنْ تَبْلُغْ حَقَّ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ؛ قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ ، وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ مَا خَيْرُ الْقَدَرِ مِنْ شَرِّهِ ؟ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ؛ يَا بُنَيَّ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمُ ، ثُمَّ قَالَ : اكْتُبْ ؛ فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ، يَا بُنَيَّ إِنْ مِتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ .
وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما – قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ " قَالَ : " وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " ... وللحديث صلة .
 
مسائل في الإيمان بالقدر :​

الأولى : يتذاكى البعض فيقول : إذا كان كل شيء بقدر ، فلم العمل إذًا ؟​

ويُرد على هؤلاء بأسئلة : لماذا تحمل هذا على الطاعة فقط ؛ ولماذا لا تجريه على بقية الأعمال ؟​

فإنه إذا قدر لك الشبع ، فلماذا تأكل ؟ وإذا قدر لك الري ، فلماذا تشرب ؟ وإذا قدر لك الولد ، فلماذا تتزوج ؟​

إن الله تعالى الذي قدر الأقدار قدر أسبابها ؛ فكما تُجري الأسباب على هذه الأمور ونحوها ، أجرها على أمور الطاعة والآخرة ؛ ولهذا قال ربنا جل ذكره : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل: 5 - 10] .​

وبهذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ ، فَقَالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا ، وَنَدَعُ العَمَلَ ؟ قَالَ : " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ، فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ " ، ثُمَّ قَرَأَ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى } الآيَات .... وللحديث صلة .​



 
الثانية : ومن هؤلاء المتذاكين من يقول : إذا كان الله كتب علينا كل شيء ، فلماذا يحاسبنا ؟
وهم يظنون أنهم لا قدرة لهم ولا اختيار على أفعالهم ، حتى قال قائلهم
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال ... إياك إياك أن تبتل بالماء
فهل هذا يقوله عاقل ؟
هل ليس للإنسان إرادة واختيار على أفعاله الاختيارية ؛ ألم يقل الله تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر } [ الكهف : 29 ] ، أليس إذا أراد الطعام ذهب إليه بقصده وإرادته ، فيقضي منه حاجته ، وكذا إذا أراد شيئًا من أمور حياته .
هل رأينا أحدا نظيفا لم يغتسل ؟ هل رأينا زارعا لا يراعي زراعته ؟ هل رأينا طبيبا لم يدرس الطب ؟ وهل كان كل ذلك بإرادة وقدرة ، أم أنه قال : إذ قدر لي فلم أجهد نفسي ؟
إن الأعمال الاختيارية هي تلك الأعمال المتعلقة بـ ( افعل ، ولا تفعل ) أي الأوامر والنواهي ، وقد جعل الله تعالى للإنسان على ذلك قدرة وإرادة ، فإذا فعل الطاعة فله على ذلك قدرة وإرادة ، وإذا لم يفعلها فبقدرته وإرادته أيضًا ؛ ولذلك يحاسبه الله تعالى .
ثم لم يطلع أحد على ألواح القدر فيعلم أنه كتب له أو عليه كذا ! وإنما الذي خلقه سبحانه وتعالى أمره ونهاه ، ورتب على ذلك الجزاء ، فلا يتعلل بقدر - لم يطلع عليه - على تقصيره ومعاصيه .
وإنما يتعلل بالقدر على ما لا دخل له فيه ، من الأقدار العامة أو الخاصة بالابتلاءات ؛ فيقول عندها : " قدر الله وما شاء فعل " ؛ وهكذا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ؛ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ، فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " .
ففي هذا الحديث بيان واضح جدًّ لهذه المسألة ، فقوله : " احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ " دليل على الاجتهاد في العمل ، وعدم الاتكال على القدر أو التعلل به ؛ ولكن إذا لم يكن له فيه نصيب ، وسبق القدر بأمر الله ، فعندها يقول : " قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ " .
وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين ، فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ردوا علي الرجل ". فقال : " ما قلت ؟ ". قال : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يلوم على العجز ، ولكن عليك بالكيس ، فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل " .
فليفهم المسلم ذلك ، ويجتهد في العمل الصالح ، وليعلم أن الله تعالى أعد الجنة لمن أطاعه ، وأعد النار لمن عصاه ؛ ولا يتعلل أحد بالقدر على العمل أو المحاسبة ، فإنه لم يطلع على ألواح القدر.
 
عودة
أعلى