أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
من الضوابط المهمة التي لابد منها للمفسر حتى يتمكن من تفسير القرآن والكشف عن معانيه بالطريقة الصحيحة :
معرفة عرف القرآن والمعهود من معانيه واستعمالاته ؛ فإن للقرآن عرفاً يختص به وطريقةً يتمّيز بها سواء كان ذلك في استعمال الألفاظ لمعانٍ معينة أو في التركيب والأساليب التي يتميّز بها . وسواء أكان الاستعمال استعمالاً أغلبياً – بأن كانت الكثرة الكاثرة من الاستعمال متفقةً في دلالتها على معنى واحد أو مطرداً بأن يكون الاستعمال في جميع المواد متفقاً على معنى واحد أو عادة في أسلوب القرآن ) [color=990000][من " قواعد الترجيح " للدكتور حسين الحربي بتصرف (1/172) ]..[/color]
ومما يدل على أهمية هذا الضابط في التفسير أن بعض العلماء جعله مرجعاً يرجع إليه لمعرفة الصحيح من الأقوال عند تعارضها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو يتكلم عن تفسير التابعين : ( فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجةً على بعض ، ولا على مَن بعدهم ، ويُرجع في ذلك على لغة القرآن أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك ) اهـ [color=990000][ من " مقدمة التفسير " (ص92) ].[/color]
وتبعه على هذا ابن كثير في " مقدمة التفسير " .
فمراد ابن تيمية بقوله : ( لغة القرآن ) أي المعاني الشرعية للألفاظ التي جاءت في القرآن مع أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب ، إلا أن وجدناه استعمل ألفاظاً عربية في معانٍ لم يعرفها العرب من قبل ، تصرّف فيها كما تصرف العرب فيها [color=990000].[ ينظر كتاب : " لغة القرآن الكريم " للدكتور عبد الجليل عبد الرحيم فقد عقد فصلاً فيه بعنوان : المعاني الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم مستعملاً لغة العرب ، ( من ص365-402) ..][/color]
ومن هنا تظهر أهمية معرفة عرف القرآن في استعماله للألفاظ والأساليب ، لأنها مقدمة على المعاني العرفية والمعاني اللغوية .
ولذلك ذكر العلماء هذه الأمور ، فذكروا أنواعاً ثلاثة من الحقائق للألفاظ :
الحقيقة الشرعية ، والحقيقة العرفية ، والحقائق اللغوية وجعلوا لها قواعد معروفة في كتب الأصول .
( والقاعدة في هذا : أن الأصل تقديم الحقيقة الشرعية في تفسير نصوص الشرع ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية أو العرفية .
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي ، قدمت الحقيقة العرفية في تفسيره وبيان المراد منه ، ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية .
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي ولا عرفي ، فسِّر بحسب اللغة ، ولا ينتقل عنه إلى المجاز إلا بقرينة – عند القائلين به ) [color=990000][ ينظر كتاب قيم في هذا للشيخ محمد بن عمر بازمول بعنوان : " الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية " .][/color]
جاء في الكتاب "الحقيقة الشرعية ..."ما مختصر: ( والقاعدة السابقة ركيزة أساسية لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، والإخلال بها يؤدي إلى تحريف الشرع ، والانحراف بنصوصه عن معانيها المرادة منها ، كما يؤدي الإخلال بهذه القاعدة إلى حدوث الاختلاف والتنازع في أمور ، لو عُرفت حقيقتها ، وروعي تنوع الاصطلاح فيها ، وعُرفت الحقيقة الشرعية لها – لو عرف ذلك ؛ لما حصل الاختلاف والتنازع ، إلا أن يشاء الله ..
لذلك ينبغي للناظر في القرآن الكريم والسنّة المطهرة أن لا يتسرع في الهجوم على المعنى المراد في النص الشرعي قبل أن تتميز له الحقيقة المرادة من النص الشرعي فعليه وظيفتان :
الأولى : النظر هل لهذا للفظ الوارد في النص الشرعي حقيقة شرعية أم لا ؟
فإن وجدت له حقيقة شرعية ، تأتي الوظيفة التالية .
الثانية : النظر هل هذه الحقيقة الشرعية مرادة في هذا النص أم أن هناك ما يمنع إرادتها ؟ فإن لم يجد ما يمنع من الحقيقة الشرعية في لفظ النص الذي بين يديه فسرّه بها ، وإلا ، صار بحسب القرينة إلى المعنى العرفي أو اللغوي ، كما سبق في القاعدة ) .
( ولكن كيف يتوصل إلى معرفة الحقيقة الشرعية للألفاظ ؟ يتوصل إلى معرفة المعنى الشرعي بإحدى طريقتين :
الأولى : استقراء النصوص الشرعية ، وتتبع استعمال اللفظ المراد .
الثانية : استعمال الصحابة وعرفهم للألفاظ ؛ إذ الشرع نزل بلغتهم وبعرفهم في الأصل ، وهو ما اصطلح عليه : بعرف زمن التشريع ) .
وقد ذكر المؤلف نقولات من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله عليه – تؤيد كلامه وتوضحه وتبينه . ومن ذلك ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله – كتاب الإيمان : ( اللفظ إنما يدّل إذا عرف لغة المتكلم التي بها يتكلم ، وهي عادته وعرفه الذي يعتاده في خطابه ، ودلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادية اختيارية ، فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى ، فإذا اعتاد أن يعبر اللفظ عن المعنى كانت تلك لغته ولهذا كل مَن كان لـه عناية بألفاظ الرسول ومرادِه بها عرف عادته في خطابه وتبيّن له من مراده ما لا يتبين لغيره .
ولهذا ؛ ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله ؟ فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث ، وسنَّة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده ، وهي العادة المعروفة من كلامه .
ثم إن كان لذلك نظائر في كلام غيره ، وكانت النظائر كثيرة ؛ عرف أن تلك العادة واللغة مشتركة عامة لا يختص بها هو - صلى الله عليه وسلم - بل هي لغة قومه، ولا يجوز أن يحمل كلامه على عادات حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه كما يفعله كثير من الناس ، وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه ) .
ثم ذكر كلاماً مهماً يتعلق بهذا في القياس في اللغة ، وذكر أن هذا هو سبب ضلال من ضل من المبتدعة فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدّعون أنه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك ، ويجعلون هذه الدلالة حقيقة وهذه مجاز ، كما أخطأ المرجئة في اسم الإيمان جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق ، وتناوله للأعمال مجازاً . اهـ [color=990000][ من كتاب الإيمان (ص110-112) ][/color]
.
ثم ذكر المؤلف أنه ينبني على ما سبق أمور مهمة :
منها : لا يجوز تفسير القرآن العظيم وحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – على غير تفسير الصحابة والتابعين [color=990000].[ أي بتفسير يأتي على تفسيرهم بالنقض ، ويكون مخالفاً له .][/color]
ومنها : تفسير النصوص الشرعية بغير المراد الشرعي فتح لباب الزندقة .
ومنها : أنه ليس كل ما جاز في الإعراب النحوي جاز تفسيراً !!
قال ابن قيم الجوزية – رحمة الله عليه - : ( وينبغي أن يفطن هنا لأمر لابد منه ، وهو أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله عز وجل ويفسّر بمجرّد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام ، ويكون كلام به له معنى ما ؛ فإن هذا مقام غلظ فيه أكثر المعربين للقرآن ؛ فإنهم يفسرون الآية ويعربونها بما يحتمله تركيب تلك الجملة ، ويُفهم من ذلك التركيب أي معنى اتفق ، وهذا غلط عظيم يقطع السامع بأن مراد القرآن غيره ... ) .
ثم ذكر أمثلة ، ثم قال : ( بل للقرآن عرف خاص ومعان معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها ، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ ، بل أعظم ، فكما أن ألفاظه ملوكُ الألفاظ وأجلها وأفصحها ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قُدر العالمين ، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها ؛ فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به ، بل غيرها أعظم منها وأجل وأفخم ، فلا يجوز حمله على المعاني القاصرة بمجرّد الاحتمال النحوي والإعرابي .
ثم قال ابن القيم : ( فتدبر هذه القاعدة ، ولتكن منك على بال فإنك تنفع بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها وتقطع أنها ليست مراد المتكلم تعالى بكلامه ) [color=990000][ من " بدائع الفوائد " بواسطة " بدائع التفسير " (2/248-249) .][/color]
ومنها : بطلان جعل تفسيرات الباطنية والصوفية مرادات في ألفاظ الشرع التي يوردونها مع أن اللفظ لا يدل عليها .
ومنها : ( أي الأمور التي تنبني على معرفة هذه القاعدة ؛ الحقيقة الشرعية) :
أهمية التفسير الموضوعي ، حيث يقوم على جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد من أجل بيان هذا الموضوع ، مع الاستعانة في ذلك بالأحاديث المتعلقة بالموضوع .
ومنها : أنّه ليس كل ما جاز لغة جاز تفسيراً وذلك مراعاة لهذه القاعدة ، فلا يجوز الهجوم على تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية بمجرّد المعاني اللغوية دون مراعاة كون هذا المعنى اللغوي مراداً شرعياً في النص المراد تفسيره .
ولذلك تجد العلماء – رحمهم الله - : يقولون عند بيانهم لمعنى لفظ شرعي : معناه في اللغة كذا ، وفي الشرع كذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ( ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث،إذا عرف تفسيرها وما اريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يُحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ، ولهذا قال الفقهاء : الأسماء ثلاثة أنواع : نوع يعرف حده بالشرع ، كالصلاة والزكاة ، ونوع يعرف باللغة ، كالشمس والقمر ، ونوع يُعرف بالعرف ، كلفظ القبض ، ولفظ المعروف في قوله : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .. } ونحو ذلك ...
فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله ، وكذلك لفظ الخمر وغيرها ، ومن هنا يعرف معناها،فلو أراد أحد أن يفسّرها بغير ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل.
أما الكلام في اشتقاقها ووجه دلالتها ، فذاك من جنس علم البيان وتعليل الأحكام ، وهو زيادة في العلم وبيان حكمة ألفاظ القرآن ، لكن معرفة المراد بها لا يتفق على هذا ) ا هـ [color=990000][ " مجموع الفتاوى " (7/286) ..][/color]
ومما يجدر التنبيه عليه أنه لا يُقال عن المعنى الشرعي إنه معنى اصطلاحي ؛ إذ الاصطلاح ما كان عن اجتماع بعض الناس فتصالحوا على معنى ما في لفظ ، والمعنى الشرعي ليس كذلك ، إنما هو ما نتج عن استقراء الاستعمال الشرعي لذلك اللفظ – وبالله التوفيق - ) .
أمثلة تدل على أهمية هذا الضابط في تفسير كلام الله ومعرفة الراجح من الأقوال عند تعددها في معنى لفظة أو آية :
1- الزينة في قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }.
قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله – في تفسيره :"أضواء البيان" ، بعد أن ساق أقوال العلماء في المراد بالزينة الظاهرة والزينة الباطنة : ( وجميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن اصل خلقتها ، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود ومن وافقه : إنها ظاهر الثياب ؛ لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها ، وهي ظاهرة بحكم الاضطرار كما ترى وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة .
القول الثاني : أن المراد بالزينة ، ما تتزين به ، وليس من أصل خلقتها أيضاً لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة ، وذلك كالخضاب والكحل ، ونحو ذلك لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث : أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل حلقتها ، كقول من قال : إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان ) ا هـ .
وأما سبب ترجيحه للقول الذي رجحه فهو ما أوضحه بقوله : ( وإيضاحه : أن لفظ الزينة يكثر تكراره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها ، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
وقوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }.
وقوله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا }.
وقوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ }. وقوله تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ }.
وقوله : {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ }.
فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد بها ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى ، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النـزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم .. وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نطر ) ا هـ [color=990000][ وانظر : " قواعد الترجيح " باختصار (1/179-181) .][/color]
2- ومن الأمثلة – أيضاً – التي تبين أهمية معرفة هذا الضابط وأنه يبطل بعض الأقوال لمخالفتها لمدلوله ، ما جاء في تفسير قوله تعالى : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ }.
رأى بعض من فسّرَها أنها تدل على أن الجبال الآن في الدنيا يحسبها رائيها جامدة : أي واقفة ساكنة غير متحركة وهي تمر مرّ السحاب ، وذلك دوران الأرض حول الشمس بل أشاروا إلى أن هذا التفسير هو المتناسب مع الإتقان المذكور بعده {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }وإلا فالقيامة تخريب للعالم لا يتناسب مع الإتقان [color=990000][ ينظر تقرير هذا الكلام في : " تفسير محاسن التأويل " للقاسمي (13/89-92) وفيه قوة من جهة الاستدلال ، فالمسألة تحتاج إلى نظر وتحرير .وقد سبق بحث هذا القول وذكر كلام القاسمي هنا :هل قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ...) في الدنيا أم في الآخرة ؟ أرجو التعليق[/color]
قال صاحب كتاب " قواعد الترجيح " : ( وهذا القول مردود بهذه القاعدة وذلك أن جميع الآيات التي في حركة كلها في يوم القيامة كقوله تعالى : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً }، وقوله : {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً } وقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }وقوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } .
فهذه الآيات ونحوها جاء الخبر فيها عن حركة الجبال في يوم القيامة بهذه الآية هي كذلك، كما جاء مطرداً في القرآن – فضلاً عن كونه غالباً ) إلخ كلامه (1/183).
4- المراد بالمسجد الحرام في القرآن :
يوجد بحث للدكتور إبراهيم الصبيحي عن هذه المسألة في كتابه : " المسائل المشكلة في مناسك الحج والعمرة " وهذا مختصرٌ لما ذكره فيها :
( ورد ذكر المسجد الحرام في كتاب الله تعالى خمس عشرة مرة وهو في جميع هذه الآيات معرفاً موصوفاً ، وقد اختلف العلماء في المراد به ، وهذه مجموعة من أقوال العلماء في ذلك :
قال الماوردي : كل موضوع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى : {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }فهو نفس الكعبة .
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ }: وهذا اللفظ يطلق على جميع الحرم ، وهو مذهب عطاء ، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع .
وقال ابن القيم – رحمه الله – في سياق كلام له عن غزوة الفتح : ( ... قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } الآية والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم كله ، كقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } فهو المراد به الحرم كله ، وقوله سبحانه : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى } وفي الصحيح : أنه أسرى به من بيت أم هانئ [color=990000][ في كلام ابن القيم هنا نظر في قوله : ( وفي صحيح ) ذكره محقق كتاب زاد المعاد ][/color] وقال تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وليس المراد به حضور نفس موضع الصلاة اتفاقاً ، وإنما هو حضور الحرم والقرب منه ) إلخ كلامه .
وقد أورد المؤلف نقولاً أخرى تتعلق بهذه المسألة ثم قال : ( قلت : هذه نصوص أهل العلم ، والمسألة خلافية كما ترى ، إلا أن الظاهر أن المراد به عموم الحرم ؛ لأن اسم المسجد الحرام إذا أطلق في القرآن فالظاهر أنه يراد به العموم كما سبق نقل ذلك عن العلامة ابن القيم – رحمه الله – وإن أصرح الآيات في ذلك قول الله تعالى :
1- { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ }.
2- وقال تعالى : {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ }.
3- وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.
فهذه الآيات دالة على أن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ، وممن ذهب إلى هذا – أيضاً – الإمام ابن حزم – رحمه الله – فقد أطال في الاستدلال على هذا (ثم ذكر المؤلف كلامه في هذا) وينبني على هذا أن الصلاة في الحرم كله مضاعفة وأنها بمائة ألف صلاة فيما سواه لما ثبت أن صلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي –صلى الله عليه سلم- (وفي هذه المسألة خلاف أيضاً) .
(ويدخل تحت هذا جلُّ ما ذكره المفسرون من الكليات ؛ لأن جلها أغلبي لا كلي مطرد إلا القليل منها . فيحكونها كلية لأجل ترجيحهم في موضع التنازع لما غلب استعماله في أكثر المواضع ومن ذلك قول ابن القيم مثلاً : النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب .اهـ مع أن الخلاف في آية الواقعة (75) معلوم وقد ذكره ابن القيم – أيضاً - .
وقد ذكر ابن فارس في كتابه " الأفراد" جملة من الكليات في التفسير نقلها عنه الزركشي والسيوطي وزاد عليها جملة وافرة .
وذكر الراغب الأصفهاني في " المفردات " جملة منها واهتم بالأسلوب أكثر من غيره (ذكرها المحقق صفوان داوودي في الفهارس : " فهرس القواعد الكلية في التفسير " .
واهتم بها – أيضاً – الكفوي في كلياته ، وذكر المفسرون في مواضع متناثرة جملة منها ) [color=990000][ من كتاب : " قواعد الترجيح " (1/184-185).][/color] ومن ذلك :
1- قول ابن عباس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار : كل شيء في القرآن أو كذا أو كذا فصاحبه بالخيار أيّ ذلك شاء فعل . ا هـ [color=990000][ " جامع البيان " (2/237 ].[/color]
2- ومنها قول ابن زيد : التزكي في القرآن كله : الإسلام . ا هـ [color=990000][ " جامع البيان " (30/39).][/color]
3- ومنها قول قتادة : حيثما ذكر الله الخير في القرآن فهو المال . ا هـ .
ولمعرفة المزيد من الأمثلة ينظر كتاب:"الحقيقة الشرعية" لمحمد بن عمر بازمول.
حرر عصر الخميس 5 جمادى الآخرة 1425هـ في مدينة الرياض .
من الضوابط المهمة التي لابد منها للمفسر حتى يتمكن من تفسير القرآن والكشف عن معانيه بالطريقة الصحيحة :
معرفة عرف القرآن والمعهود من معانيه واستعمالاته ؛ فإن للقرآن عرفاً يختص به وطريقةً يتمّيز بها سواء كان ذلك في استعمال الألفاظ لمعانٍ معينة أو في التركيب والأساليب التي يتميّز بها . وسواء أكان الاستعمال استعمالاً أغلبياً – بأن كانت الكثرة الكاثرة من الاستعمال متفقةً في دلالتها على معنى واحد أو مطرداً بأن يكون الاستعمال في جميع المواد متفقاً على معنى واحد أو عادة في أسلوب القرآن ) [color=990000][من " قواعد الترجيح " للدكتور حسين الحربي بتصرف (1/172) ]..[/color]
ومما يدل على أهمية هذا الضابط في التفسير أن بعض العلماء جعله مرجعاً يرجع إليه لمعرفة الصحيح من الأقوال عند تعارضها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو يتكلم عن تفسير التابعين : ( فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجةً على بعض ، ولا على مَن بعدهم ، ويُرجع في ذلك على لغة القرآن أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك ) اهـ [color=990000][ من " مقدمة التفسير " (ص92) ].[/color]
وتبعه على هذا ابن كثير في " مقدمة التفسير " .
فمراد ابن تيمية بقوله : ( لغة القرآن ) أي المعاني الشرعية للألفاظ التي جاءت في القرآن مع أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب ، إلا أن وجدناه استعمل ألفاظاً عربية في معانٍ لم يعرفها العرب من قبل ، تصرّف فيها كما تصرف العرب فيها [color=990000].[ ينظر كتاب : " لغة القرآن الكريم " للدكتور عبد الجليل عبد الرحيم فقد عقد فصلاً فيه بعنوان : المعاني الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم مستعملاً لغة العرب ، ( من ص365-402) ..][/color]
ومن هنا تظهر أهمية معرفة عرف القرآن في استعماله للألفاظ والأساليب ، لأنها مقدمة على المعاني العرفية والمعاني اللغوية .
ولذلك ذكر العلماء هذه الأمور ، فذكروا أنواعاً ثلاثة من الحقائق للألفاظ :
الحقيقة الشرعية ، والحقيقة العرفية ، والحقائق اللغوية وجعلوا لها قواعد معروفة في كتب الأصول .
( والقاعدة في هذا : أن الأصل تقديم الحقيقة الشرعية في تفسير نصوص الشرع ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية أو العرفية .
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي ، قدمت الحقيقة العرفية في تفسيره وبيان المراد منه ، ما لم يأت ما يدل على تقديم الحقيقة اللغوية .
فإن لم يكن للفظ معنى شرعي ولا عرفي ، فسِّر بحسب اللغة ، ولا ينتقل عنه إلى المجاز إلا بقرينة – عند القائلين به ) [color=990000][ ينظر كتاب قيم في هذا للشيخ محمد بن عمر بازمول بعنوان : " الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية " .][/color]
جاء في الكتاب "الحقيقة الشرعية ..."ما مختصر: ( والقاعدة السابقة ركيزة أساسية لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، والإخلال بها يؤدي إلى تحريف الشرع ، والانحراف بنصوصه عن معانيها المرادة منها ، كما يؤدي الإخلال بهذه القاعدة إلى حدوث الاختلاف والتنازع في أمور ، لو عُرفت حقيقتها ، وروعي تنوع الاصطلاح فيها ، وعُرفت الحقيقة الشرعية لها – لو عرف ذلك ؛ لما حصل الاختلاف والتنازع ، إلا أن يشاء الله ..
لذلك ينبغي للناظر في القرآن الكريم والسنّة المطهرة أن لا يتسرع في الهجوم على المعنى المراد في النص الشرعي قبل أن تتميز له الحقيقة المرادة من النص الشرعي فعليه وظيفتان :
الأولى : النظر هل لهذا للفظ الوارد في النص الشرعي حقيقة شرعية أم لا ؟
فإن وجدت له حقيقة شرعية ، تأتي الوظيفة التالية .
الثانية : النظر هل هذه الحقيقة الشرعية مرادة في هذا النص أم أن هناك ما يمنع إرادتها ؟ فإن لم يجد ما يمنع من الحقيقة الشرعية في لفظ النص الذي بين يديه فسرّه بها ، وإلا ، صار بحسب القرينة إلى المعنى العرفي أو اللغوي ، كما سبق في القاعدة ) .
( ولكن كيف يتوصل إلى معرفة الحقيقة الشرعية للألفاظ ؟ يتوصل إلى معرفة المعنى الشرعي بإحدى طريقتين :
الأولى : استقراء النصوص الشرعية ، وتتبع استعمال اللفظ المراد .
الثانية : استعمال الصحابة وعرفهم للألفاظ ؛ إذ الشرع نزل بلغتهم وبعرفهم في الأصل ، وهو ما اصطلح عليه : بعرف زمن التشريع ) .
وقد ذكر المؤلف نقولات من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله عليه – تؤيد كلامه وتوضحه وتبينه . ومن ذلك ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله – كتاب الإيمان : ( اللفظ إنما يدّل إذا عرف لغة المتكلم التي بها يتكلم ، وهي عادته وعرفه الذي يعتاده في خطابه ، ودلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادية اختيارية ، فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى ، فإذا اعتاد أن يعبر اللفظ عن المعنى كانت تلك لغته ولهذا كل مَن كان لـه عناية بألفاظ الرسول ومرادِه بها عرف عادته في خطابه وتبيّن له من مراده ما لا يتبين لغيره .
ولهذا ؛ ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله ؟ فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث ، وسنَّة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده ، وهي العادة المعروفة من كلامه .
ثم إن كان لذلك نظائر في كلام غيره ، وكانت النظائر كثيرة ؛ عرف أن تلك العادة واللغة مشتركة عامة لا يختص بها هو - صلى الله عليه وسلم - بل هي لغة قومه، ولا يجوز أن يحمل كلامه على عادات حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه كما يفعله كثير من الناس ، وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه ) .
ثم ذكر كلاماً مهماً يتعلق بهذا في القياس في اللغة ، وذكر أن هذا هو سبب ضلال من ضل من المبتدعة فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدّعون أنه دال عليه ولا يكون الأمر كذلك ، ويجعلون هذه الدلالة حقيقة وهذه مجاز ، كما أخطأ المرجئة في اسم الإيمان جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق ، وتناوله للأعمال مجازاً . اهـ [color=990000][ من كتاب الإيمان (ص110-112) ][/color]
.
ثم ذكر المؤلف أنه ينبني على ما سبق أمور مهمة :
منها : لا يجوز تفسير القرآن العظيم وحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – على غير تفسير الصحابة والتابعين [color=990000].[ أي بتفسير يأتي على تفسيرهم بالنقض ، ويكون مخالفاً له .][/color]
ومنها : تفسير النصوص الشرعية بغير المراد الشرعي فتح لباب الزندقة .
ومنها : أنه ليس كل ما جاز في الإعراب النحوي جاز تفسيراً !!
قال ابن قيم الجوزية – رحمة الله عليه - : ( وينبغي أن يفطن هنا لأمر لابد منه ، وهو أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله عز وجل ويفسّر بمجرّد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام ، ويكون كلام به له معنى ما ؛ فإن هذا مقام غلظ فيه أكثر المعربين للقرآن ؛ فإنهم يفسرون الآية ويعربونها بما يحتمله تركيب تلك الجملة ، ويُفهم من ذلك التركيب أي معنى اتفق ، وهذا غلط عظيم يقطع السامع بأن مراد القرآن غيره ... ) .
ثم ذكر أمثلة ، ثم قال : ( بل للقرآن عرف خاص ومعان معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها ، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ ، بل أعظم ، فكما أن ألفاظه ملوكُ الألفاظ وأجلها وأفصحها ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قُدر العالمين ، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها ؛ فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به ، بل غيرها أعظم منها وأجل وأفخم ، فلا يجوز حمله على المعاني القاصرة بمجرّد الاحتمال النحوي والإعرابي .
ثم قال ابن القيم : ( فتدبر هذه القاعدة ، ولتكن منك على بال فإنك تنفع بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها وتقطع أنها ليست مراد المتكلم تعالى بكلامه ) [color=990000][ من " بدائع الفوائد " بواسطة " بدائع التفسير " (2/248-249) .][/color]
ومنها : بطلان جعل تفسيرات الباطنية والصوفية مرادات في ألفاظ الشرع التي يوردونها مع أن اللفظ لا يدل عليها .
ومنها : ( أي الأمور التي تنبني على معرفة هذه القاعدة ؛ الحقيقة الشرعية) :
أهمية التفسير الموضوعي ، حيث يقوم على جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد من أجل بيان هذا الموضوع ، مع الاستعانة في ذلك بالأحاديث المتعلقة بالموضوع .
ومنها : أنّه ليس كل ما جاز لغة جاز تفسيراً وذلك مراعاة لهذه القاعدة ، فلا يجوز الهجوم على تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية بمجرّد المعاني اللغوية دون مراعاة كون هذا المعنى اللغوي مراداً شرعياً في النص المراد تفسيره .
ولذلك تجد العلماء – رحمهم الله - : يقولون عند بيانهم لمعنى لفظ شرعي : معناه في اللغة كذا ، وفي الشرع كذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ( ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث،إذا عرف تفسيرها وما اريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يُحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ، ولهذا قال الفقهاء : الأسماء ثلاثة أنواع : نوع يعرف حده بالشرع ، كالصلاة والزكاة ، ونوع يعرف باللغة ، كالشمس والقمر ، ونوع يُعرف بالعرف ، كلفظ القبض ، ولفظ المعروف في قوله : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .. } ونحو ذلك ...
فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله ، وكذلك لفظ الخمر وغيرها ، ومن هنا يعرف معناها،فلو أراد أحد أن يفسّرها بغير ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل.
أما الكلام في اشتقاقها ووجه دلالتها ، فذاك من جنس علم البيان وتعليل الأحكام ، وهو زيادة في العلم وبيان حكمة ألفاظ القرآن ، لكن معرفة المراد بها لا يتفق على هذا ) ا هـ [color=990000][ " مجموع الفتاوى " (7/286) ..][/color]
ومما يجدر التنبيه عليه أنه لا يُقال عن المعنى الشرعي إنه معنى اصطلاحي ؛ إذ الاصطلاح ما كان عن اجتماع بعض الناس فتصالحوا على معنى ما في لفظ ، والمعنى الشرعي ليس كذلك ، إنما هو ما نتج عن استقراء الاستعمال الشرعي لذلك اللفظ – وبالله التوفيق - ) .
أمثلة تدل على أهمية هذا الضابط في تفسير كلام الله ومعرفة الراجح من الأقوال عند تعددها في معنى لفظة أو آية :
1- الزينة في قوله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }.
قال العلامة الشنقيطي – رحمه الله – في تفسيره :"أضواء البيان" ، بعد أن ساق أقوال العلماء في المراد بالزينة الظاهرة والزينة الباطنة : ( وجميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن اصل خلقتها ، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود ومن وافقه : إنها ظاهر الثياب ؛ لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها ، وهي ظاهرة بحكم الاضطرار كما ترى وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة .
القول الثاني : أن المراد بالزينة ، ما تتزين به ، وليس من أصل خلقتها أيضاً لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة ، وذلك كالخضاب والكحل ، ونحو ذلك لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث : أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل حلقتها ، كقول من قال : إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان ) ا هـ .
وأما سبب ترجيحه للقول الذي رجحه فهو ما أوضحه بقوله : ( وإيضاحه : أن لفظ الزينة يكثر تكراره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها ، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
وقوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }.
وقوله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا }.
وقوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ }. وقوله تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ }.
وقوله : {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ }.
فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد بها ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى ، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النـزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم .. وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نطر ) ا هـ [color=990000][ وانظر : " قواعد الترجيح " باختصار (1/179-181) .][/color]
2- ومن الأمثلة – أيضاً – التي تبين أهمية معرفة هذا الضابط وأنه يبطل بعض الأقوال لمخالفتها لمدلوله ، ما جاء في تفسير قوله تعالى : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ }.
رأى بعض من فسّرَها أنها تدل على أن الجبال الآن في الدنيا يحسبها رائيها جامدة : أي واقفة ساكنة غير متحركة وهي تمر مرّ السحاب ، وذلك دوران الأرض حول الشمس بل أشاروا إلى أن هذا التفسير هو المتناسب مع الإتقان المذكور بعده {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }وإلا فالقيامة تخريب للعالم لا يتناسب مع الإتقان [color=990000][ ينظر تقرير هذا الكلام في : " تفسير محاسن التأويل " للقاسمي (13/89-92) وفيه قوة من جهة الاستدلال ، فالمسألة تحتاج إلى نظر وتحرير .وقد سبق بحث هذا القول وذكر كلام القاسمي هنا :هل قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ...) في الدنيا أم في الآخرة ؟ أرجو التعليق[/color]
قال صاحب كتاب " قواعد الترجيح " : ( وهذا القول مردود بهذه القاعدة وذلك أن جميع الآيات التي في حركة كلها في يوم القيامة كقوله تعالى : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً }، وقوله : {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً } وقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }وقوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } .
فهذه الآيات ونحوها جاء الخبر فيها عن حركة الجبال في يوم القيامة بهذه الآية هي كذلك، كما جاء مطرداً في القرآن – فضلاً عن كونه غالباً ) إلخ كلامه (1/183).
4- المراد بالمسجد الحرام في القرآن :
يوجد بحث للدكتور إبراهيم الصبيحي عن هذه المسألة في كتابه : " المسائل المشكلة في مناسك الحج والعمرة " وهذا مختصرٌ لما ذكره فيها :
( ورد ذكر المسجد الحرام في كتاب الله تعالى خمس عشرة مرة وهو في جميع هذه الآيات معرفاً موصوفاً ، وقد اختلف العلماء في المراد به ، وهذه مجموعة من أقوال العلماء في ذلك :
قال الماوردي : كل موضوع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى : {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }فهو نفس الكعبة .
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ }: وهذا اللفظ يطلق على جميع الحرم ، وهو مذهب عطاء ، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع .
وقال ابن القيم – رحمه الله – في سياق كلام له عن غزوة الفتح : ( ... قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } الآية والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم كله ، كقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } فهو المراد به الحرم كله ، وقوله سبحانه : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى } وفي الصحيح : أنه أسرى به من بيت أم هانئ [color=990000][ في كلام ابن القيم هنا نظر في قوله : ( وفي صحيح ) ذكره محقق كتاب زاد المعاد ][/color] وقال تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وليس المراد به حضور نفس موضع الصلاة اتفاقاً ، وإنما هو حضور الحرم والقرب منه ) إلخ كلامه .
وقد أورد المؤلف نقولاً أخرى تتعلق بهذه المسألة ثم قال : ( قلت : هذه نصوص أهل العلم ، والمسألة خلافية كما ترى ، إلا أن الظاهر أن المراد به عموم الحرم ؛ لأن اسم المسجد الحرام إذا أطلق في القرآن فالظاهر أنه يراد به العموم كما سبق نقل ذلك عن العلامة ابن القيم – رحمه الله – وإن أصرح الآيات في ذلك قول الله تعالى :
1- { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ }.
2- وقال تعالى : {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ }.
3- وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.
فهذه الآيات دالة على أن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ، وممن ذهب إلى هذا – أيضاً – الإمام ابن حزم – رحمه الله – فقد أطال في الاستدلال على هذا (ثم ذكر المؤلف كلامه في هذا) وينبني على هذا أن الصلاة في الحرم كله مضاعفة وأنها بمائة ألف صلاة فيما سواه لما ثبت أن صلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي –صلى الله عليه سلم- (وفي هذه المسألة خلاف أيضاً) .
(ويدخل تحت هذا جلُّ ما ذكره المفسرون من الكليات ؛ لأن جلها أغلبي لا كلي مطرد إلا القليل منها . فيحكونها كلية لأجل ترجيحهم في موضع التنازع لما غلب استعماله في أكثر المواضع ومن ذلك قول ابن القيم مثلاً : النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب .اهـ مع أن الخلاف في آية الواقعة (75) معلوم وقد ذكره ابن القيم – أيضاً - .
وقد ذكر ابن فارس في كتابه " الأفراد" جملة من الكليات في التفسير نقلها عنه الزركشي والسيوطي وزاد عليها جملة وافرة .
وذكر الراغب الأصفهاني في " المفردات " جملة منها واهتم بالأسلوب أكثر من غيره (ذكرها المحقق صفوان داوودي في الفهارس : " فهرس القواعد الكلية في التفسير " .
واهتم بها – أيضاً – الكفوي في كلياته ، وذكر المفسرون في مواضع متناثرة جملة منها ) [color=990000][ من كتاب : " قواعد الترجيح " (1/184-185).][/color] ومن ذلك :
1- قول ابن عباس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار : كل شيء في القرآن أو كذا أو كذا فصاحبه بالخيار أيّ ذلك شاء فعل . ا هـ [color=990000][ " جامع البيان " (2/237 ].[/color]
2- ومنها قول ابن زيد : التزكي في القرآن كله : الإسلام . ا هـ [color=990000][ " جامع البيان " (30/39).][/color]
3- ومنها قول قتادة : حيثما ذكر الله الخير في القرآن فهو المال . ا هـ .
ولمعرفة المزيد من الأمثلة ينظر كتاب:"الحقيقة الشرعية" لمحمد بن عمر بازمول.
حرر عصر الخميس 5 جمادى الآخرة 1425هـ في مدينة الرياض .