من مقدمة تفسير الشعراوي

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
من مقدمة تفسير الشعراوي (ت:1419 هـ) هذا المقطع الذي يحيلنا إلى قضية دار حولها النقاش قديما وحديثا ، والتي تتجلى في السؤال المحوري : هل الرسول صلى الله عليه وسلم فسر القرآن يقول :
" الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد ، فقد عُرِفْتُ بين إخواني المؤمنين بخواطري حول القرآن الكريم . وخواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيرا للقرآن . وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب المؤمن في آية أو بعض آية . ولو أن القرآن كان من الممكن أن يُفسر ، لكان صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسير هذا القرآن ، لأنه عليه نزل وبه انفعل . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ للناس على قدر حاجتهم في البيان . فبَيَّنَ لهم الأحكام التكليفية التي يثاب المرء إن فعلها ويعاقب إن تركها . أما كل ما يتعلق بكونيات الوجود وأسرار القرآن حول ذلك الوجود ، فقد اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عَلِم هو نفسه ، واكتفى بأن علم منها ما وجد عنده استشرافا للفهم . ولكنه لم يُشِعْ ذلك ولم يعممه ، لأن العقول قد لا تتقبله . والقرآن لم يأت ليعلمنا كيف نوجد أسرار الوجود ، وإنما جاء القرآن ليكنز أسرار الوجود حتى تجيء العقول ذوات الاستعداد لأن تفهم السر لأنها حامت حوله بحركة الحياة ، حينئذ يكون عطاء القرآن للسر عطاء مجذوبا إليه ؛ لأن الذي يبحث فيه له نشاط فكري حوله .
ولذلك لا نجد أن صحابيا من صحابة رسول الله سأله عن شيء ، كما لم يسأله عن {ألم} ولا عن {حمعسق} مع أن رسول الله استقبل أناسا كثيرين يؤمنون بكتاب الله واستقبل أناسا كثيرين يكفرون بما أنزل الله . وكانوا يريدون أن يقيموا الحجة على رسول الله في أنه أتى بشيء هُراء (كلام مجانين) . فهل سمعنا أن كافرا من الكفار العُتاة قال للقوم ـ وهم بلغاء فصحاء يجيدون العربية ملكة لا صناعة ـ ماذا يعنى {ألم} وما تعني {حمعسق} . كيف يمر على المُكابر المُنكر مثل هذه الفواتح للسور ولا يجد فيها ما ينقد على رسول الله شيئا من أمره . لا شك أنه انفعل لها ، وإن لم يؤمن بها ولم يجد فيها أي شيء يمكن أن ينقضَّ به على رسول الله ليهدم قرآنه هذا . إذن ، فلا المؤمنون به سألوه عنها ، ولا الكافرون به سألوه عنها ، مع أنهم كانوا حريصين على أن ينقُدُوا رسول الله لأي شيء من الأشياء . فلو كان في ذلك شيء مما يريدون لقالوا للناس ما هذا ؟ ولكنهم كانوا يقولون : {لا تسمعوا لهذا القرآن } . ومعنى {لا تسمعوا لهذا القرآن} أنهم يعتقدون ـ مع أنهم كافرون به ـ أن الذي يسمع القرآن سيجد له الأخذ وسيجد له الأسر وسيجد له الحلاوة وسيجد له التأثير . فالكفار يخافون إن سمع الكفار القرآن أن يميلوا إلى القرآن . ولو كان القرآن لا يعطي شيئا من هذا ، لما همهم أن يسمعوا لهذا القرآن أو لا يسمعوا . ولا يكتفون بأن يمنعوا السماع للقرآن ، بل يقولون {والغوا فيه} يعني شوشروا عليه . لا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا كانوا أصحاب ملكة يفهمون تأثير القرآن في الملكة العربية .
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك القرآن فيما يتعلق بغير التكليف للزمن . لماذا ؟ لأن القرآن كلام الله ، والكون خلق الله . وفي الكون آيات ، يسميها الله آيات {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[فصلت:37] . كل هذه آيات ، يسميها الله آيات . ويسمي ما ينزل من القرآن آيات . إذن ففي الكون آيات وفي القرآن آيات . الكون آياته تفسر آيات القرآن . إذن ما زاد عن الأحكام المطلوبة فالزمن هو الكفيل بتفسيره ، وكل ما يعطيه الله لبعض خلقه ، أن يعطيهم الشفافية لاستنباط الموجود في سر من أسرار القرآن عند استعداد الكون والعقول لتقبل ما في القرآن .
نريد أن نقول لو أن القرآن ساعة نزل تكلم عن كروية الأرض كلاما واضحا ... فهل انتفاعي بالأرض وبما على الأرض مرهون بأن أعلم أنها كروية ؟ لا ، أنا أستفيد منها سواء علمت أنها كروية أو غير كروية ، وأستفيد من الدورة سواء عرفت الدورة أو لم أعرف . الاستفادة من الشيء لا تتوقف على معرفة كنه الشيء . والكون موجود بكل خواصه ليفيد الناس .
أنا ضربت مثلا مرة ، فقلت : القروي الذي لم يعرف ثقافة كهربائية ، يأتي ليُشعل المصباح بضغطه على زر خاص . هو ينتفع بهذا ، لكنه ، أيعلم لماذا تأتي الكهرباء ؟ لا يعلم . إذن ، فعدم علمنا بالكروية وعدم علمنا بالدورة لا ينقض شيئا من فائدتنا من هذه المسألة . فلو أن النبي تعرض لهذه المسألة تعريضا لا يناسب استعداد العقول في شيء ، ربما صرفهم عن الأصل الفكري والمنهجي للقرآن ، وقالوا تخريف . فيترك الحق سبحانه وتعالى منافذ لوثبات العقول في العلم ، حتى إذا وثبت العقول في العلم ، أمكنها أن تجد الخيط الذي يمكن أن يربطها بالكون كما خُلق ، ويجعل للعقول المعاصرة لنزول القرآن عطاء يفيدهم أيضا ، ولا ضرر . فلو أن رسول الله فسر القرآن ـ وأُريدُ به الكونيات فيه ـ لجمد القرآن . لأن ، مَنْ منا يستطيع أن يفسر القرآن بعد أن يفسره رسول الله ؟ سيقف الأمر . وما دام يقف الأمر تأتي المعطيات الجديدة ولا تجد في القرآن عطاءً لها . إذن فعدم تفسير رسول الله لكونيات القرآن هي التفسير لكونيات القرآن . لأنه وسع عطاء العقول ، وكل من يستطيع أن يأخذ شيئا من الممكن أن يقوله . إذن ، فقد يكون في المنع عين العطاء . "
 
وإنما جاء القرآن ليكنز أسرار الوجود حتى تجيء العقول ذوات الاستعداد لأن تفهم السر لأنها حامت حوله بحركة الحياة ، حينئذ يكون عطاء القرآن للسر عطاء مجذوبا إليه ؛ لأن الذي يبحث فيه له نشاط فكري حوله .
. .
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك القرآن فيما يتعلق بغير التكليف للزمن . لماذا ؟ لأن القرآن كلام الله ، والكون خلق الله . وفي الكون آيات ، يسميها الله آيات . . ويسمي ما ينزل من
القرآن آيات . إذن ففي الكون آيات وفي القرآن آيات . الكون آياته تفسر آيات القرآن . إذن ما زاد عن الأحكام المطلوبة فالزمن هو الكفيل بتفسيره ، وكل ما يعطيه الله لبعض خلقه ، أن يعطيهم الشفافية لاستنباط الموجود في سر من أسرار القرآن عند استعداد الكون والعقول لتقبل ما في القرآن . "
بارك الله فيك على هذا النقل المفيد
ورحم الله شيخنا الإمام محمد متولى الشعراوى وأسكنه الفردوس الأعلى ، لقد كان عبقريأ متوقد الذكاء دقيق الفهم ، واسع الأفق إلى حد لا يستطيع كل أحد بلوغه
 
عودة
أعلى