عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة
New member
قوله تعالى
{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[التوبة:91]
بعد أن ذكر الله عز وجل طائفة من الذين تخلفوا عن رسول الله، وما توعدهم به؛ رخص لطائفة من الناس في القعود، والتخلف عنه؛ شريطة أن ينصحوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هدي القرآن؛ إن ذكر الوعد يذكر الوعيد، والعكس؛ يذكر ما أعد الله لأهل الجنان ويذكر ما أعد لأهل النيران؛ إن ذكر نعيم الجنة، ذكر عذاب النار.ودواليك،
وهو التنزيل كثير؛ وسيأتي في ثنايا تفسيرنا ( إن شاء الله ).
وكذا كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله عز وجل؛ ولا غرو؛ «فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وعن أبيها.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» رواه مسلم (1732) من طريق زيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى. ورواه البخاري (3038) بلفظ: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا».
انتهى
*قوله {ليس على الضعفاء}:* يعني العجزة الذين لا قوة لهم.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه.
وحكاه ابن أبي زمنين عن السدي.
قال الواحدي في الوجيز: كالشيوخ.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ): إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ: أي: قال الطبري: وهم العجزة عن الهجرة؛ بالعُسْرة، وقلّة الحيلة، وسوء البصر والمعرفة بالطريق من أرضهم أرضِ الشرك إلى أرض الإسلام.
*قوله {ولا على المرضى}:* يعني: من كان به مرض.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
قال الواحدي في الوجيز: كالعمي والزَّمنى.(1)
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي المرض في التنزيل على عدة معان:
الأول: مرض الشك:
وهو أعظم الأمراض؛ إذ به يخلد صاحبه في النار؛ أعني مرض الشك؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ): "مَرَضٌ":
قال الشوكاني في فتح القدير، والثعلبي في الكشف: شك.
قال الطبري في تفسيره: أحسبهؤلاء المنافقونالذينفيقلوبهمشكفيدينهم.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: أيظن أهل النفاق، والشك،أنلنيخرج الله أضغانهم يعني: لم يظهر الله نفاقهم.
قال الألوسي في روح المعاني:المنافقون فانالنفاقمرضقلبى كالشك ونحوه.
وقوله ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ): "مَرَضٌ":
قال الواحدي في الوجيز: شك.
قال البغوي في تفسيره، والثعلبي في الكشف، والقرطبي في تفسيره: شك، ونفاق.
وزاد الثعلبي: قاله أكثر المفسرين.
ومنه ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ): "مَرَضٌ":
قال الواحدي في البسيط، والسمرقندي في البحر: أي شك.
وزاد الواحدي: ونفاق.
ومنه ( فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ): قال القرطبي في تفسيره: شك ونفاق.
قال الطبري: رأيت الذين في قلوبهمشكفي دين الله وضعف.
ومنه ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ): قال ابن أبي زمنين: شك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: قال أبو عيدة: معناهشكونفاق، والمرضفي
القلب يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين.
ومنه ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ):قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أيشكوهم المنافقون.
ومنه ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ): قال الواحدي في الوجيز، والثعلبي في الكشف:: شكونفاق.
وزاد الثعلبي: ومنه يقال: فلان يمرضفي الوعد إذا لم يصححه، وأصل المرض: الضعف والفتور. فسمي الشكفي الدين والنفاق [مرضبه] يضعف البدن وينقص قواه ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب، كما أن المرضفي البدن يؤدي إلى الهلاك والموت.
{فزادهماللهمرضا}: شكا ونفاقا وهلاكا.
الثاني: مرض البدن؛ ومنه قوله تعالى ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ).
ومنه ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ).
ومنه (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ).
ومنه ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ).
ومنه ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ).
الثالث: مرض الفجور؛ ومنه قوله تعالى (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ): قال السمرقندي في البحر: يعني: فجوز. وقال عكرمة هو شهوة الزنى.
انتهى
قوله {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون}: في الجهاد.
قاله الواحدي في الوجيز.
*قوله {حرج}:* إثم.
قال ابن أبي زمنين: إثم في التخلف عن الغزو.
قال الواحدي في الوجيز. إثم في التخلف عنه.
وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره: في القعود.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لا إثم عليهم.
قلت ( عبدالرحيم ): فمعنى قوله تعالى (حرج ): أي إثم؛ أي ليس على هؤلاء المذكورين في قعودهم عن الجهاد إثم في تخلفهم.
والحرج: يأتي في التنزيل على معان عدة:
ومن هذه المعاني: الضيق:
ومنه قوله تعالى ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ): قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: بخذلانه إياه، وغلبة الكفر عليه.
والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذه من شدة ضيقه شيء "، وهو - هنا - الصدر الذي لا تصل إليه موعظة، ولا يدخله نور الإيمان، وأصل (حرجا) أنه جمع " حرجة " وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء من شدة التفافها.
ومنه ( ما يريد الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ): قال ابن أبي زمنين: أي:منضيق.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ضيق في أمر دينكم إذ رخص لكم فى التيمم.
ومنه ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ): قال يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معانيه: من ضيق.
ومن معاني " الحرج" الإثم:
كما في الآية التي نحن بصددها، وقوله ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ): حَرَجٌ:
قال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره: أي إثم.
ومنه ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ): قال الطبري: منإثم.
ومنه ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ... ):
ومن معاني "الحرج": الشك:
ومنه قوله تعالى (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ): يعني الشك. بلغة قريش.
ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات.
وهو قول ابن قتيبة في غريب القرآن.
ومنه ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لايجدونفِيقلوبهم شكا مما قضيت أَنَّهُ الحق.
وقيل: ضيقا.
انتهى
*قوله {إذا نصحوا لله ورسوله}:* في مغيبهم.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والثعلبي في الكشف والبيان.
وزاد مكي: عن الجهاد.
قال الواحدي في الوجيز: في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة.
قال السيوطي: أخلصوا أعمالهم من الغش لهما.
وقيل: إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل.
حكاه الماوردي في النكت والعيون.
قال القشيري في لطائف الإشارات: وإنّما رفع الحرج عن أولئك بشرط وهو قوله: «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» فإذا لم يوجد هذا الشرط فالحرج غير مرتفع عنهم.
قلت ( عبدالرحيم ): وكذلك يرفع الحرج عن من تخلف بأمر الإمام كما تخلف علي رضي الله عنه عن الغزو بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد خرج مسلم من طريق مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خَلَّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي»
انتهى
*قوله {ما على المحسنين}:* بذلك.
قاله الواحدي في الوجيز.
*قوله {من سبيل}:* طريق بالمؤاخذة.
قاله الواحدي في الوجيز.
قال القشيري: المحسن الذي لا تكون للشرع منه مطالبة لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق.
قلت ( عبدالرحيم ): وهذا كلام في غاية الحسن والدقة؛ من القشيري - رحمه الله - ( أحسب )؛ فقوله "لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق " لأن المرء إذا تخلف عن الغزو وبقي؛ قد يفسد فسادا عظيما؛ كأن يدل على عورة الجيش، أو يؤذي المجاهدين في نساءهم، وأولادهم، وأموالهم، وإذاعة الكذب . إلى غير ذلك مما يقع ممن لا خلاق لهم؛ من أعداء الإسلام، وأهله؛ من منافقي هذه الامة – قاتلهم الله -.
سيما إذا لم يبقى بالقرى أحد، أو قلة ؛ وما غزوة أحد عنا ببعيد؛ فقد خرج النبي واستخلف ابن أم مكتوم، وليس بالمدينة أحد. وقيل: غير ابن أم مكتوم. كما هو معلوم في موضعه.
ونظير ذلك لما خرج موسى لميقات ربه، وخلف هارون في قومه؛ كما قال تعالى ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ): فالشاهد قوله" وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ": قال الزمخشري في الكشاف: كن خليفتي فيهم وأصلح وكن مصلحا. أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بنى إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.انتهى
قال السمرقندي: يعني: ليس على الموحدين المطيعين من حرج، إذا تخلفوا بالعذر.
قال السيوطي: من طريق بالعقاب لأنه قد سد طريقه بإحسانه.
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي السبيل في القرآن على وجوه؛ أذكر طرفا منها:
يأتي بمعنى الطريق:
ومنه قوله تعالى ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )قال ابن الجوزي في زادالمسير إلى علم التفسير: أي:منطريق
إلى لوم ولا حد، ( إنماالسبيلعلى الذين يظلمون الناس ): أي يبتدئون بالظلم.
ومنه قوله تعالى على لسان موسى ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ): قال التستري في تفسيره: أي يرشدني قصدالطريقإليه.
ويأتي بمعنى المسلك:
ومنه قوله تعالى (تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاًوَساءَسَبِيلاً): قال القاسمي في محاسن التأويل: وَساءَسَبِيلًاأي بئسمسلكا.
ونظيرتها في الإسراء.
ويأتي بمعنى المخرج:
ومنه قوله تعالى ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعنيمخرجامن الحبس وَهُوَ الرجم.
وبنحوه الطبري: يعنىمخرجامن الحبس باقامة الحد.
... إلخ. لأنه ثم معاني أخرى للحرج في التنزيل؛ لم أذكرها لضعف الهمة_ يغفر الله لي ولكم؛ إنه سميع مجيب_.
انتهى
*قوله {والله غفور}:* لهم بتخلفهم.
قاله السمرقندي.
وَاللَّهُ غَفُورٌ لهم بتخلفهم، رَحِيمٌ بهم.
*قوله {رحيم}:* بهم.
قاله السمرقندي.
قال السيوطي: لمن كان على هذه الخصال.
........................
(1): الزَّمنى: الزّمن من الناس: من به علة باقية مع الزمان قد أبطلت جوارحه أو جارحة من جوارحه وجمعه زمني مثل مريض ومرضى.
قاله الجُبّي في شرح غريب ألفاظ المدونة.
وقال ابن سيده في " المحكم والمحيط الأعظم ":والزَّمانَةُ: العاهَةُ: زَمِنَ زَمَنَاً وزُمْنَةً وزَمَانَةً، فهو زَمِنٌ، والجَمْعُ: زَمِنُونَ، وهو زَمينٌ، والجَمْعُ: زَمْنَى؛ لأَنَّه جِنْسٌ للبلاَيا التي يُصابُونَ بها.
.......................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424*
{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[التوبة:91]
بعد أن ذكر الله عز وجل طائفة من الذين تخلفوا عن رسول الله، وما توعدهم به؛ رخص لطائفة من الناس في القعود، والتخلف عنه؛ شريطة أن ينصحوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هدي القرآن؛ إن ذكر الوعد يذكر الوعيد، والعكس؛ يذكر ما أعد الله لأهل الجنان ويذكر ما أعد لأهل النيران؛ إن ذكر نعيم الجنة، ذكر عذاب النار.ودواليك،
وهو التنزيل كثير؛ وسيأتي في ثنايا تفسيرنا ( إن شاء الله ).
وكذا كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله عز وجل؛ ولا غرو؛ «فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وعن أبيها.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» رواه مسلم (1732) من طريق زيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى. ورواه البخاري (3038) بلفظ: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا».
انتهى
*قوله {ليس على الضعفاء}:* يعني العجزة الذين لا قوة لهم.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه.
وحكاه ابن أبي زمنين عن السدي.
قال الواحدي في الوجيز: كالشيوخ.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ): إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ: أي: قال الطبري: وهم العجزة عن الهجرة؛ بالعُسْرة، وقلّة الحيلة، وسوء البصر والمعرفة بالطريق من أرضهم أرضِ الشرك إلى أرض الإسلام.
*قوله {ولا على المرضى}:* يعني: من كان به مرض.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.
قال الواحدي في الوجيز: كالعمي والزَّمنى.(1)
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي المرض في التنزيل على عدة معان:
الأول: مرض الشك:
وهو أعظم الأمراض؛ إذ به يخلد صاحبه في النار؛ أعني مرض الشك؛ ومنه قوله تعالى ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ): "مَرَضٌ":
قال الشوكاني في فتح القدير، والثعلبي في الكشف: شك.
قال الطبري في تفسيره: أحسبهؤلاء المنافقونالذينفيقلوبهمشكفيدينهم.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: أيظن أهل النفاق، والشك،أنلنيخرج الله أضغانهم يعني: لم يظهر الله نفاقهم.
قال الألوسي في روح المعاني:المنافقون فانالنفاقمرضقلبى كالشك ونحوه.
وقوله ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ): "مَرَضٌ":
قال الواحدي في الوجيز: شك.
قال البغوي في تفسيره، والثعلبي في الكشف، والقرطبي في تفسيره: شك، ونفاق.
وزاد الثعلبي: قاله أكثر المفسرين.
ومنه ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ): "مَرَضٌ":
قال الواحدي في البسيط، والسمرقندي في البحر: أي شك.
وزاد الواحدي: ونفاق.
ومنه ( فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ): قال القرطبي في تفسيره: شك ونفاق.
قال الطبري: رأيت الذين في قلوبهمشكفي دين الله وضعف.
ومنه ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ): قال ابن أبي زمنين: شك.
قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: قال أبو عيدة: معناهشكونفاق، والمرضفي
القلب يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين.
ومنه ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ):قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أيشكوهم المنافقون.
ومنه ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ): قال الواحدي في الوجيز، والثعلبي في الكشف:: شكونفاق.
وزاد الثعلبي: ومنه يقال: فلان يمرضفي الوعد إذا لم يصححه، وأصل المرض: الضعف والفتور. فسمي الشكفي الدين والنفاق [مرضبه] يضعف البدن وينقص قواه ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب، كما أن المرضفي البدن يؤدي إلى الهلاك والموت.
{فزادهماللهمرضا}: شكا ونفاقا وهلاكا.
الثاني: مرض البدن؛ ومنه قوله تعالى ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ).
ومنه ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ).
ومنه (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ ).
ومنه ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ).
ومنه ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ).
الثالث: مرض الفجور؛ ومنه قوله تعالى (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ): قال السمرقندي في البحر: يعني: فجوز. وقال عكرمة هو شهوة الزنى.
انتهى
قوله {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون}: في الجهاد.
قاله الواحدي في الوجيز.
*قوله {حرج}:* إثم.
قال ابن أبي زمنين: إثم في التخلف عن الغزو.
قال الواحدي في الوجيز. إثم في التخلف عنه.
وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره: في القعود.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لا إثم عليهم.
قلت ( عبدالرحيم ): فمعنى قوله تعالى (حرج ): أي إثم؛ أي ليس على هؤلاء المذكورين في قعودهم عن الجهاد إثم في تخلفهم.
والحرج: يأتي في التنزيل على معان عدة:
ومن هذه المعاني: الضيق:
ومنه قوله تعالى ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ): قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: بخذلانه إياه، وغلبة الكفر عليه.
والحرج: أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذه من شدة ضيقه شيء "، وهو - هنا - الصدر الذي لا تصل إليه موعظة، ولا يدخله نور الإيمان، وأصل (حرجا) أنه جمع " حرجة " وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء من شدة التفافها.
ومنه ( ما يريد الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ): قال ابن أبي زمنين: أي:منضيق.
قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ضيق في أمر دينكم إذ رخص لكم فى التيمم.
ومنه ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ): قال يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معانيه: من ضيق.
ومن معاني " الحرج" الإثم:
كما في الآية التي نحن بصددها، وقوله ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ): حَرَجٌ:
قال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره: أي إثم.
ومنه ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ): قال الطبري: منإثم.
ومنه ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ... ):
ومن معاني "الحرج": الشك:
ومنه قوله تعالى (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ): يعني الشك. بلغة قريش.
ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات.
وهو قول ابن قتيبة في غريب القرآن.
ومنه ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لايجدونفِيقلوبهم شكا مما قضيت أَنَّهُ الحق.
وقيل: ضيقا.
انتهى
*قوله {إذا نصحوا لله ورسوله}:* في مغيبهم.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والثعلبي في الكشف والبيان.
وزاد مكي: عن الجهاد.
قال الواحدي في الوجيز: في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة.
قال السيوطي: أخلصوا أعمالهم من الغش لهما.
وقيل: إذا قاموا بحفظ المخلفين من الذراري والمنازل.
حكاه الماوردي في النكت والعيون.
قال القشيري في لطائف الإشارات: وإنّما رفع الحرج عن أولئك بشرط وهو قوله: «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» فإذا لم يوجد هذا الشرط فالحرج غير مرتفع عنهم.
قلت ( عبدالرحيم ): وكذلك يرفع الحرج عن من تخلف بأمر الإمام كما تخلف علي رضي الله عنه عن الغزو بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد خرج مسلم من طريق مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خَلَّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي»
انتهى
*قوله {ما على المحسنين}:* بذلك.
قاله الواحدي في الوجيز.
*قوله {من سبيل}:* طريق بالمؤاخذة.
قاله الواحدي في الوجيز.
قال القشيري: المحسن الذي لا تكون للشرع منه مطالبة لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق.
قلت ( عبدالرحيم ): وهذا كلام في غاية الحسن والدقة؛ من القشيري - رحمه الله - ( أحسب )؛ فقوله "لا في حقّ الله ولا في حقّ الخلق " لأن المرء إذا تخلف عن الغزو وبقي؛ قد يفسد فسادا عظيما؛ كأن يدل على عورة الجيش، أو يؤذي المجاهدين في نساءهم، وأولادهم، وأموالهم، وإذاعة الكذب . إلى غير ذلك مما يقع ممن لا خلاق لهم؛ من أعداء الإسلام، وأهله؛ من منافقي هذه الامة – قاتلهم الله -.
سيما إذا لم يبقى بالقرى أحد، أو قلة ؛ وما غزوة أحد عنا ببعيد؛ فقد خرج النبي واستخلف ابن أم مكتوم، وليس بالمدينة أحد. وقيل: غير ابن أم مكتوم. كما هو معلوم في موضعه.
ونظير ذلك لما خرج موسى لميقات ربه، وخلف هارون في قومه؛ كما قال تعالى ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ): فالشاهد قوله" وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ": قال الزمخشري في الكشاف: كن خليفتي فيهم وأصلح وكن مصلحا. أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بنى إسرائيل، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.انتهى
قال السمرقندي: يعني: ليس على الموحدين المطيعين من حرج، إذا تخلفوا بالعذر.
قال السيوطي: من طريق بالعقاب لأنه قد سد طريقه بإحسانه.
قلت ( عبدالرحيم ): ويأتي السبيل في القرآن على وجوه؛ أذكر طرفا منها:
يأتي بمعنى الطريق:
ومنه قوله تعالى ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )قال ابن الجوزي في زادالمسير إلى علم التفسير: أي:منطريق
إلى لوم ولا حد، ( إنماالسبيلعلى الذين يظلمون الناس ): أي يبتدئون بالظلم.
ومنه قوله تعالى على لسان موسى ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ): قال التستري في تفسيره: أي يرشدني قصدالطريقإليه.
ويأتي بمعنى المسلك:
ومنه قوله تعالى (تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاًوَساءَسَبِيلاً): قال القاسمي في محاسن التأويل: وَساءَسَبِيلًاأي بئسمسلكا.
ونظيرتها في الإسراء.
ويأتي بمعنى المخرج:
ومنه قوله تعالى ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعنيمخرجامن الحبس وَهُوَ الرجم.
وبنحوه الطبري: يعنىمخرجامن الحبس باقامة الحد.
... إلخ. لأنه ثم معاني أخرى للحرج في التنزيل؛ لم أذكرها لضعف الهمة_ يغفر الله لي ولكم؛ إنه سميع مجيب_.
انتهى
*قوله {والله غفور}:* لهم بتخلفهم.
قاله السمرقندي.
وَاللَّهُ غَفُورٌ لهم بتخلفهم، رَحِيمٌ بهم.
*قوله {رحيم}:* بهم.
قاله السمرقندي.
قال السيوطي: لمن كان على هذه الخصال.
........................
(1): الزَّمنى: الزّمن من الناس: من به علة باقية مع الزمان قد أبطلت جوارحه أو جارحة من جوارحه وجمعه زمني مثل مريض ومرضى.
قاله الجُبّي في شرح غريب ألفاظ المدونة.
وقال ابن سيده في " المحكم والمحيط الأعظم ":والزَّمانَةُ: العاهَةُ: زَمِنَ زَمَنَاً وزُمْنَةً وزَمَانَةً، فهو زَمِنٌ، والجَمْعُ: زَمِنُونَ، وهو زَمينٌ، والجَمْعُ: زَمْنَى؛ لأَنَّه جِنْسٌ للبلاَيا التي يُصابُونَ بها.
.......................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ 00966509006424*