الحسن محمد ماديك
New member
الأسماء الحسنى
إن الوعد غير المكذوب كما في قوله } فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب { هود 65 هو الوعد الحسن كما في قوله } أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه { القصص 61 وكما في قوله } قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا { طه 86 .
وإن قوله } ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون { القصص 5 ـ 6 لمن الوعد الحسن أي غير المكذوب ، وقد وقع لما وافق الأجل الذي جعل الله له كما في قوله } وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون { الأعراف 137 ويعني أن كلمة ربنا الحسنى التي تمت أي نفذت هي وعده المذكور في سورة القصص .
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الأسماء الحسنى حيث وقعت في الكتاب والقرآن فإنما لبيان وعد وعده الله سيتم إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وهو الميعاد ، ولو عقل الناس لانتظروا الميعاد وسيلاقون وعد الله ويجدونه وعدا حسنا غير مكذوب ، وهكذا فلم يأت في الكتاب والقرآن ذكر أسماء الله الحسنى في سياق ما مضى وانقضى من القدر وإنما في سياق المنتظر منه ، وما وجدته كذلك في سياق الماضي المنقضي فهو وعد أن يقع مثله بعد نزول القرآن وإن من تفصيل الكتاب أنه مسبوق بقوله } وكان { وكما سيأتي بيانه مفصلا .
الرحمان الرحيم
ومن الأسماء الحسنى اسمه "الرحمان الرحيم" ويعني حيث وقع في القرآن أن وعدا حسنا غير مكذوب سيلاقيه في الدنيا المرحوم من الرحمان الرحيم فلا يعذب أو سيكشف عنه الضر ، ويعني حيث وقع في الكتاب أن وعدا حسنا غير مكذوب سيلاقيه المرحوم من الرحمان الرحيم فينجيه من العذاب الموعود في اليوم الآخر برحمته كما في قوله :
• قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين { الأنعام 15 ـ 16
• وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم { غافر 9
ويعني حرف الأنعام أن المرحوم في اليوم الآخر هو من صرف عنه العذاب .
ويعني حرف غافر أن المرحوم في يوم القيامة هو من وقاه الله السيئات فلم تعرض عليه ولم يحاسب بها .
وكما في قوله :
• قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين { هود 43
• ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم { الإسراء 54
• يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون { العنكبوت 21
• قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي { الأعراف 156 ـ 157
• قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا { الملك 28
ويعني حرف هود أن الطوفان الذي عذّب به قوم نوح إنما نجا منه من رحمه الله ، أي أن المغرقين به لم يرحمهم الرحمان بل عذّبهم ولن يقدر أحد من العالمين أن يصيب برحمة من لم يرحمه الرحمان كما في قوله } أمّن هـذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان إن الكافرون إلا في غرور { الملك 20 .
ويعني حرف الإسراء والعنكبوت والأعراف أن الرحمان إنما يصيب بعذابه من لم يدخله في رحمته بل حرمه منها وأن المرحوم برحمة الرحمان هو الذي يسلم من عذابه .
ويعني حرف الملك أن الإهلاك وهو بالتعدية العذاب المحيط بصاحبه فلا ينجو منه إنما يقع على من حرم من الرحمة وكذلك دلالة قوله :
• يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا { مريم 45
• وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون { يـس 22 ـ 24
ويعني حرف مريم أن المحروم هو من لم يرحمه الرحمان وعذبه .
ويعني حرف يـس أن من أراده الرحمان بضر لن يغني عنه أحد كائنا من كان ولن ينقذه مما أراده به الرحمان من الضر والعذاب .
ولن يحرم من رحمة الرحمان إلا من لا خير فيه ممن هم أضل من الأنعام لهم قلوب لا يفقهون بها ما جاء به النبيون من العلم والهدى والبينات ، ولهم أعين لا يبصرون بها الهدى ، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات الله وهي تتلى عليهم كما في قوله :
• بسم الله الرحمان الرحيم {
• وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين { الشعراء 5
• ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين { الزخرف 36
• وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهـذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمان هم كافرون { الأنبياء 36
وتعني البسملة في أوائل السور أن من لم ينتفع بقراء القرآن فهو محروم من رحمة الرحمان كما هي دلالة قوله } وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون { الأعراف 204 ويعني أن قراءة القرآن والاستماع له والإنصات هي أسباب تعقل الذكر ، ومن عقل الذكر فهو حري أن يخشى الرحمان بالغيب لينجو برحمته من العذاب الموعود في الدنيا وفي الآخرة .
وتعني البسملة في ابتداء الطاعات أن من لم ينتفع بطاعته فهو محروم من رحمة الرحمان الرحيم .
ويعني حرف الشعراء تخويف الناس من الإعراض عن ذكر الرحمان الذي يؤدي إلى تكذيب موعودات الكتاب المنزل يوم تقع ويومئذ لن يرحم الرحمان المعرضين المكذبين بل سيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون أي سيعذبون في الدنيا والآخرة ولا يرحمون .
ويعني حرف الزخرف أن من لم يبصر الحق والهدى في ذكر الرحمان وهو الكتاب المنزل فهو محروم من رحمة الرحمان ، ووليه الشيطان .
ويعني حرف الأنبياء أن الكافرين بذكر الرحمان لن يرحمهم من دونه أحد .
القادر القدير المقتدر
وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن اسمه "القادر القدير المقتدر" حيث وقع في الكتاب فإنما لبيان وعد حسن غير مكذوب سيتم نفاذه بعد نزول القرآن وكذلك دلالة قوله :
• أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا { الإسراء 99
• أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم { يـس 81
• ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير { العنكبوت 20
• وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير { النحل 77
ويعني أن الله سيفني السماوات والأرض وما فيهما ويعدمهما حتى كأن لم يخلقا من قبل وينشئهما النشأة الآخرة بعد الأولى وهي خلق مثلهم يوم تقوم الساعة كما في المثاني معه في قوله } يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات { إبراهيم 48 .
وإن قوله :
• ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير { الحج 6
• ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير { فصلت 39
• فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير { الروم 50
• أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير { الشورى 9
• أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير { الأحقاف 33
• أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوّى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى { خاتمة القيامة
• أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هـذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على أعلم أن الله على كل شيء قدير { البقرة 259
وشبهه ليعني أن إحياء الموتى وعد حسن من الله في الكتاب سيتم نفاذه يوم البعث .
وإن قوله :
• أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إنه على كل شيء قدير { البقرة 148
• ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير { الشورى 29
• إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير { هود 4
• إنه على رجعه لقادر { الطارق 8
وشبهه ليعني أن جمع من في السماوات والأرض في يوم الجمع هو وعد حسن من الله في الكتاب .
وإن قوله :
• ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير { المائدة 40
• لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير { البقرة 284
• إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر { خاتمة القمر
وشبهه ليعني أن الحساب والمغفرة والعذاب وعد حسن من الله في الكتاب سيتم نفاذه في يوم يقوم الحساب وفي اليوم الآخر .
وإن قوله :
• والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير { النور 45
• وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا { الفرقان 54
• ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير { المائدة 17
• الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما { خاتمة الطلاق
وشبهه ليعني أن قد وقع من ذلك ما شاء الله ولا يزال خلق كل دابة من ماء وخلق ما يشاء الله وتنزل الأمر بين سبع سماوات ومن الأرض مثلهن مستمرا لم ينقطع حتى يعلمه الناس رأي العين بعد نزول القرآن ليقع في الدنيا نفاذ وعد حسن من الله في الكتاب .
وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن اسمه "القادر القدير المقتدر" حيث وقع في القرآن فإنما لبيان وعد حسن غير مكذوب سيتم نفاذه قبل انقضاء الحياة الدنيا وكذلك دلالة قوله :
• فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير { البقرة 109
• إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا { النساء 133
• ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير { البقرة 106
• إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير { التوبة 39
• الحمد لله فاطر السماوات جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير { فاطر
وسيأتي بيانه في "بيان القرآن" .
الغفور الغفار
ومن الأسماء الحسنى اسمه "الغفور الغفار" فهو غافر الذنب أي يستره يوم القيامة فلا يعرض على صاحبه بل يغفره الغفور ، وما ستره الله يومئذ من السيئات فلن يكتبه الملائكة الكرام الكاتبون يوم يقوم الحساب ولن يعذب به العبد ، كما هي دلالة قوله :
• قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم { القصص 16
• يوم لا يخزي الله النبيّ والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا { التحريم 8
• إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم { القتال 34
• والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين { الشعراء 82
• ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب { إبراهيم 41
• مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم { القتال 15
وتعني أن يوم الحساب هو يوم مغفرة الذنوب ، وحرف القصص صريح في أن الله غفر ذنب موسى ولا يخفى انتشار خبر قتله القبطي في الدنيا وخروجه هربا من القصاص ، وإنما سأل موسى ربه أن يستر ذنبه في الآخرة وأجيبت دعوته فلن يعرض عليه يوم الحساب قتله القبطي ولن يكتبه الكاتبون ولن يؤاخذ به .
وحرف التحريم صريح في وصف يوم القيامة ، وكذلك حرف القتال لأنه بعد الموت ، وذكر بصيغة المستقبل ، وإبراهيم يطمع أن يستر الله خطيئته يوم الدين فلا تعرض عليه ، ودعاؤه صريح في أن محل المغفرة إنما هو يوم يقوم الحساب .
ويعني حرف القتال أن للمتقين في الجنة مغفرة من ربهم أي أن أعمالهم السيئة في الدنيا لن تعرض عليهم بل قد غفرها الله لهم وسترها عنهم فلا يضيقون بها ذرعا ولا تنغّص عليهم ما هم فيه من الكرامة ودار الخلود خلافا لأهل النار الذين تعرض عليهم سيئاتهم وهم في النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الرحمة كما في قوله } كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار { البقرة 167 .
وإن قوله :
• ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم { هود 52
• هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب { هود 61
• واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود { هود 90
ليعني أن كلا من هود وصالح وشعيب أمر قومه أن يسألوا ربهم أن يغفر لهم في يوم الحساب ما سلف من كفرهم إذ الإيمان بالله واليوم الآخر هو الخطوة الأولى من الإيمان ثم يتبعون ذلك بالتوبة إلى ربهم أي الرجوع إليه بالعمل الصالح في الدنيا ، ومن المثاني معهما قوله } وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله { هود 3 في خطاب المخاطبين بالقرآن وسيأتي بيانه في كلية خلافة على منهاج النبوة ، وكلية الكتاب .
بيان قوله } إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم {
إن من العجب أن من الكتاب ما لم تفهمه البشرية بعد ومنه قوله :
• إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين { يس 12
• أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا { مريم 77 ـ 79
• لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق { عمران 181
• وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون { الزخرف 19
• ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون { الأنبياء 94
• وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون { الانفطار 10 ـ 12
وتعني هـذه المثاني وغيرها أن أعمال المكلفين لن تكتب في حياتهم الدنيا وإنما بعد البعث حين يقوم الحساب كما هو صريح حرف يس أن كتابة أعمال المكلفين هي مما يستقبل بعد نفاذ الوعد بإحياء الموتى .
ويعني حرف مريم أن الذي كفر بآيات ربه وزعم أن لو بعث فسيؤتى مالا وولدا ـ وهو مما مضى يوم نزل الكتاب على خاتم النبيين r ـ لم تقع بعد كتابة ما قال وإنما سيكتب ما يقول بصيغة المستقبل إذ سيعرض عليه يوم الحساب فيراه بأم عينيه فيكتبه الحفظة الكرام الكاتبون وهم الشهود عليه في الدنيا ويعذب ويمدّ له العذاب مدّا .
ويعني حرف عمران أن الذين قالوا إن الله فقير ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء وقتلوا النبيين بغير حق ـ ولا يخفى أنهم كانوا قبل خاتم النبيين r بعدة قرون ـ لم يكتب قولهم ولا قتلهم الأنبياء بعد ، وإنما سيكتب يوم الحساب وهم يرون أعمالهم تعرض عليهم ويقول ذوقوا عذاب الحريق أي يعذبهم في نار جهنم ولا يظلم ربنا أحدا .
ويعني حرف الزخرف أن الله وعد أن تكتب يوم القيامة شهادة الذين جعلوا الملائكة إناثا ويسألون عنها حينئذ ، وكانوا من المشركين قبل النبي الأمي r ومن معاصريه .
ويعني حرف الانفطار أن الملائكة الذين يحفظون العبد في الدنيا هم الشهود عليه يوم الحساب لأنهم يعلمون ما يفعل في الدنيا أي يرونه لا يغيب عنهم منه شيء ، ولا يعني علمهم ما يفعله العباد كتابته في الدنيا .
إن الله أحكم الحاكين لم يأمر الملائكة الكرام الكاتبين بكتابة أعمال المكلفين إلا قبيل الجزاء بها ، وهكذا أخّر عن أكثر الناس كتابة أعمالهم إلى يوم الحساب لتعرض عليهم والملائكة الشهود حاضرون فإن أقرّ كتبت وإن أنكر ختم على فمه وينطق الله الذي أنطق كل شيء جلودهم وتشهد أيديهم وأرجلهم ، ثم يوبق بما عرض عليه من أعماله السيئة أي بما لم يغفره الله منها .
ولهـذا الإطلاق استثناء كما في قوله :
• ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون { النساء 81
• أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون { الزخرف 79 ـ 80
• ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون { يونس 20 ـ 21
ويعني حرف النساء أن المنافقين الذين يخادعون نبيه r لن يغفر لهم وأن الله الذي سيحاسبهم يوم القيامة سيكتب ما يبيتون من المكر والنفاق ، ولن يمحى ما كتب الله ولن يغفر ويلهم ما أصبرهم على النار .
وسيأتي بيان حرف الزخرف ويونس في كلية النصر في ليلة القدر أي أن ما كتبه الملائكة من أعمال العباد في الدنيا فلن يؤخر عنهم العذاب به إلى يوم الحساب بل سيعذبون به في الدنيا .
الغفور الرحيم
إن من تفصيل الكتاب أن الاسمين } الغفور الرحيم { حيث وقعا في الكتاب المنزل مسندين إلى الله فإنما للدلالة على ذنب سيغفره } الغفور { فلا يعرضه على صاحبه ولا يعذب به بل سيرحمه الله } الرحيم { كما في قوله :
• ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم { النور 30
• إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم { البقرة 173
• قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم { الزمر 53
• فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم { البقرة 182
ويعني حرف النور أن المكرهة على الزنا سيغفر الله في يوم الحساب لها زناها في الدنيا فلا يعرضه عليها بل يستره وسيرحمها فلا يعذبها به ، ويعني أن زنا المكرهة لا ينقلب إلى مباح ولكنّ الله لا يؤاخذ المكره بصيغة اسم المفعول .
ويعني حرف البقرة أن الجائع الذي لم يجد غير الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله فاضطر إلى الأكل منها سيغفر الله له ذنب الأكل منها فلا يعرضه عليه في يوم الحساب وسيرحمه فلا يعذبه به إن كان غير متلبس بنية البغي والعدوان كالذي يأكل منها ليحيا ويقوى فيبغي على الناس ويعدو عليهم كقطاع الطرق واللصوص المقيمين في الفيافي والصحاري فلا يرخص لهم أكل المحرمات المفصلات في سورة النحل والبقرة والمائدة لأنهم يبغون ويعتدون .
وإن من تفصيل الكتاب أن الاسمين } الغفور الرحيم { حيث وقعا في الكتاب المنزل مسندين إلى رب العالمين فإنما للدلالة على أن ما قبلهما هو أمر خارق معجز لا يقدر العالمون على مثله وأن رب العالمين قد أذن لعباده بدعائه أن يبلّغهم ما عجزوا عن مثله لأنفسهم فيغفر لهم عجزهم ويرحمهم مما هم فيه من القصور والضعف كما في قوله :
• قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهلّ لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم { الأنعام 145
• وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم { يوسف 53
• وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي غفور رحيم { هود 41
• وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم { الأعراف 167
• وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا { الكهف 58
ويعني حرف الأنعام أمر المضطر إلى أكل المحرمات غير باغ ولا عاد بدعاء ربه الغفور الرحيم ليرزقه رزقا حسنا غير الميتة والدم ولحم الخنزير والفسق الذي أهلّ به لغير الله .
ويعني حرف يوسف أن يوسف لم يزكّ نفسه ولم يبرئها وإنما كان ما كان منه من إيثار السجن على الشهوة الحرام بما بلّغه ربه الغفور الرحيم ما لم يكن قادرا على مثله لنفسه فربه الغفور غفر له عجزه وستره ورحم ضعفه فبلّغه من الزكاة ما شاء الله .
ويعني حرف هود أن جريان السفينة على الطوفان لم يكن بجهد نوح والذين آمنوا معه وإنما كان بمغفرة ربهم ورحمته التي بلغوا بها ما لم يقدروا على مثله لأنفسهم .
ويعني حرف الأعراف أن الذي سيبعثه رب العالمين ليسوم بني إسرائيل سوء العذاب هو رجل من عامة الناس سيبلغه ربه الغفور الرحيم من الأسباب والتمكين ما يبلغ به من الملك أكثر وأكبر مما أوتيه بنو إسرائيل من قبل وما لم يكن يقدر على مثله لنفسه ، كما بينت في كلية الآيات وكلية النصر في القتال في سبيل الله .
ويعني حرف الكهف أن تأخير العذاب عن المكذبين الذين عاصروا نزول القرآن وعن أهل الأرض بما كسبوا من الظلم إنما بمغفرة ربنا ورحمته ولا يقدر على مثله أهل الأرض لأنفسهم .
العزيز الحكيم
وإن اسم الله "العزيز" حيث وقع الكتاب المنزل في سياق ما كلّف الله به العباد فإنما للدلالة على قضاء قضى الله به وحكم حكم به كرهه كثير من الناس ، رغم ما فيه من الحكمة البالغة كما هي دلالة اسمه "الحكيم" بعد اسمه "العزيز" وإنما هو تكليف قضى به الله فمن شاء أطاع ومن شاء عصى كما في قوله :
• ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم { البقرة 220
• ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم { البقرة 228
• والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم { البقرة 240
• والسارقة والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم { المائدة 38
ولقد كره كثير من الناس صيانة الشرع أموال اليتامى .
وكرهوا درجة الرجال على النساء .
وكرهوا أن تتزوج امرأة سيدهم بعد موته ولو كانت دون سن العشرين .
وكرهوا قطع يد السارق وعدوه تجاوزا في حقه .
وإن اسم الله "العزيز" حيث وقع بعد في الكتاب والقرآن فإنما لبيان قضاء قضى به بين الفريقين وعد بإنفاذه ، ودلالة اسمه "الحكيم" بعده تعني أن لإنفاذ القضاء الموعود ميعادا متأخرا لحكمة بالغة ، ومنه قوله :
• إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم { لقمان 8 ـ 9
• ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم { غافر 8
• إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم { المائدة 118
• ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم { البقرة 129
• وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم { التوبة 40
• يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم { النمل 9
ويعني دعاء حملة العرش ومن حوله وعيسى وكلهم من المقربين أنهم تعلقوا بقضاء الله يوم القيامة ووعده أن يغفر للمؤمنين ، وإنما سألوا الله ما علموا منه أنه من قضائه ووعده وكذلك كان دعاء إبراهيم وإسماعيل إذ علما بالوحي إليهما أن الله سيبعث في مكة رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم فتعلقا بقضاء الله ووعده الذي كرهه المشركون من قريش وقالوا كما في قوله } وقالوا لولا نزّل هـذا القرآن على رجل من القريتين عظيم { الزخرف 31 .
وكره أهل الكتاب كذلك أن يكون خاتم النبيين r من غيرهم .
ولما سأل نوح ما لم يعلم من قبل أنه من قضاء الله ووعده أوحي إليه كما في قوله } فلا تسألنّ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين { هود 46 وكما بينته مفصلا في الدعاء من تفصيل الكتاب .
ويعني حرف التوبة أن الله قضى ووعد أن تكون كلمته هي العليا ، وهو وعد سيتم بقوّة الله لا بجهود المؤمنين كما في قوله } كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز { المجادلة 21 .
ويعني حرف النمل أن الله وعد نبيا قبل موسى ـ ولعله والله أعلم يوسف الذي أدخل بني إسرائيل مصر ـ أن سيرسل رسولا من بني إسرائيل في مصر ليخرجهم منها إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، وقد تم ذلك الوعد بعزة الله رغم تأخره حتى ذاق بنو إسرائيل سوء العذاب من فرعون ، وإنما تأخر لحكمة بالغة ، وهكذا كان إخراج بني إسرائيل من مصر هو أول ما أمر به موسى فرعون لما جاءه وهو رسول من رب العالمين كما في قوله } فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم { طـه 47 وقوله } فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل { الشعراء 16 ـ 17 وقوله } وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل { الأعراف 104 ـ 105 .
إن الوعد غير المكذوب كما في قوله } فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب { هود 65 هو الوعد الحسن كما في قوله } أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه { القصص 61 وكما في قوله } قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا { طه 86 .
وإن قوله } ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون { القصص 5 ـ 6 لمن الوعد الحسن أي غير المكذوب ، وقد وقع لما وافق الأجل الذي جعل الله له كما في قوله } وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون { الأعراف 137 ويعني أن كلمة ربنا الحسنى التي تمت أي نفذت هي وعده المذكور في سورة القصص .
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن الأسماء الحسنى حيث وقعت في الكتاب والقرآن فإنما لبيان وعد وعده الله سيتم إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وهو الميعاد ، ولو عقل الناس لانتظروا الميعاد وسيلاقون وعد الله ويجدونه وعدا حسنا غير مكذوب ، وهكذا فلم يأت في الكتاب والقرآن ذكر أسماء الله الحسنى في سياق ما مضى وانقضى من القدر وإنما في سياق المنتظر منه ، وما وجدته كذلك في سياق الماضي المنقضي فهو وعد أن يقع مثله بعد نزول القرآن وإن من تفصيل الكتاب أنه مسبوق بقوله } وكان { وكما سيأتي بيانه مفصلا .
الرحمان الرحيم
ومن الأسماء الحسنى اسمه "الرحمان الرحيم" ويعني حيث وقع في القرآن أن وعدا حسنا غير مكذوب سيلاقيه في الدنيا المرحوم من الرحمان الرحيم فلا يعذب أو سيكشف عنه الضر ، ويعني حيث وقع في الكتاب أن وعدا حسنا غير مكذوب سيلاقيه المرحوم من الرحمان الرحيم فينجيه من العذاب الموعود في اليوم الآخر برحمته كما في قوله :
• قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين { الأنعام 15 ـ 16
• وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم { غافر 9
ويعني حرف الأنعام أن المرحوم في اليوم الآخر هو من صرف عنه العذاب .
ويعني حرف غافر أن المرحوم في يوم القيامة هو من وقاه الله السيئات فلم تعرض عليه ولم يحاسب بها .
وكما في قوله :
• قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين { هود 43
• ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم { الإسراء 54
• يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون { العنكبوت 21
• قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي { الأعراف 156 ـ 157
• قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا { الملك 28
ويعني حرف هود أن الطوفان الذي عذّب به قوم نوح إنما نجا منه من رحمه الله ، أي أن المغرقين به لم يرحمهم الرحمان بل عذّبهم ولن يقدر أحد من العالمين أن يصيب برحمة من لم يرحمه الرحمان كما في قوله } أمّن هـذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان إن الكافرون إلا في غرور { الملك 20 .
ويعني حرف الإسراء والعنكبوت والأعراف أن الرحمان إنما يصيب بعذابه من لم يدخله في رحمته بل حرمه منها وأن المرحوم برحمة الرحمان هو الذي يسلم من عذابه .
ويعني حرف الملك أن الإهلاك وهو بالتعدية العذاب المحيط بصاحبه فلا ينجو منه إنما يقع على من حرم من الرحمة وكذلك دلالة قوله :
• يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا { مريم 45
• وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون { يـس 22 ـ 24
ويعني حرف مريم أن المحروم هو من لم يرحمه الرحمان وعذبه .
ويعني حرف يـس أن من أراده الرحمان بضر لن يغني عنه أحد كائنا من كان ولن ينقذه مما أراده به الرحمان من الضر والعذاب .
ولن يحرم من رحمة الرحمان إلا من لا خير فيه ممن هم أضل من الأنعام لهم قلوب لا يفقهون بها ما جاء به النبيون من العلم والهدى والبينات ، ولهم أعين لا يبصرون بها الهدى ، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات الله وهي تتلى عليهم كما في قوله :
• بسم الله الرحمان الرحيم {
• وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين { الشعراء 5
• ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين { الزخرف 36
• وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهـذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمان هم كافرون { الأنبياء 36
وتعني البسملة في أوائل السور أن من لم ينتفع بقراء القرآن فهو محروم من رحمة الرحمان كما هي دلالة قوله } وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون { الأعراف 204 ويعني أن قراءة القرآن والاستماع له والإنصات هي أسباب تعقل الذكر ، ومن عقل الذكر فهو حري أن يخشى الرحمان بالغيب لينجو برحمته من العذاب الموعود في الدنيا وفي الآخرة .
وتعني البسملة في ابتداء الطاعات أن من لم ينتفع بطاعته فهو محروم من رحمة الرحمان الرحيم .
ويعني حرف الشعراء تخويف الناس من الإعراض عن ذكر الرحمان الذي يؤدي إلى تكذيب موعودات الكتاب المنزل يوم تقع ويومئذ لن يرحم الرحمان المعرضين المكذبين بل سيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون أي سيعذبون في الدنيا والآخرة ولا يرحمون .
ويعني حرف الزخرف أن من لم يبصر الحق والهدى في ذكر الرحمان وهو الكتاب المنزل فهو محروم من رحمة الرحمان ، ووليه الشيطان .
ويعني حرف الأنبياء أن الكافرين بذكر الرحمان لن يرحمهم من دونه أحد .
القادر القدير المقتدر
وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن اسمه "القادر القدير المقتدر" حيث وقع في الكتاب فإنما لبيان وعد حسن غير مكذوب سيتم نفاذه بعد نزول القرآن وكذلك دلالة قوله :
• أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا { الإسراء 99
• أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم { يـس 81
• ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير { العنكبوت 20
• وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير { النحل 77
ويعني أن الله سيفني السماوات والأرض وما فيهما ويعدمهما حتى كأن لم يخلقا من قبل وينشئهما النشأة الآخرة بعد الأولى وهي خلق مثلهم يوم تقوم الساعة كما في المثاني معه في قوله } يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات { إبراهيم 48 .
وإن قوله :
• ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير { الحج 6
• ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير { فصلت 39
• فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير { الروم 50
• أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير { الشورى 9
• أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير { الأحقاف 33
• أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوّى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى { خاتمة القيامة
• أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هـذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على أعلم أن الله على كل شيء قدير { البقرة 259
وشبهه ليعني أن إحياء الموتى وعد حسن من الله في الكتاب سيتم نفاذه يوم البعث .
وإن قوله :
• أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إنه على كل شيء قدير { البقرة 148
• ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير { الشورى 29
• إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير { هود 4
• إنه على رجعه لقادر { الطارق 8
وشبهه ليعني أن جمع من في السماوات والأرض في يوم الجمع هو وعد حسن من الله في الكتاب .
وإن قوله :
• ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير { المائدة 40
• لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير { البقرة 284
• إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر { خاتمة القمر
وشبهه ليعني أن الحساب والمغفرة والعذاب وعد حسن من الله في الكتاب سيتم نفاذه في يوم يقوم الحساب وفي اليوم الآخر .
وإن قوله :
• والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير { النور 45
• وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا { الفرقان 54
• ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير { المائدة 17
• الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما { خاتمة الطلاق
وشبهه ليعني أن قد وقع من ذلك ما شاء الله ولا يزال خلق كل دابة من ماء وخلق ما يشاء الله وتنزل الأمر بين سبع سماوات ومن الأرض مثلهن مستمرا لم ينقطع حتى يعلمه الناس رأي العين بعد نزول القرآن ليقع في الدنيا نفاذ وعد حسن من الله في الكتاب .
وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن اسمه "القادر القدير المقتدر" حيث وقع في القرآن فإنما لبيان وعد حسن غير مكذوب سيتم نفاذه قبل انقضاء الحياة الدنيا وكذلك دلالة قوله :
• فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير { البقرة 109
• إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا { النساء 133
• ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير { البقرة 106
• إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير { التوبة 39
• الحمد لله فاطر السماوات جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير { فاطر
وسيأتي بيانه في "بيان القرآن" .
الغفور الغفار
ومن الأسماء الحسنى اسمه "الغفور الغفار" فهو غافر الذنب أي يستره يوم القيامة فلا يعرض على صاحبه بل يغفره الغفور ، وما ستره الله يومئذ من السيئات فلن يكتبه الملائكة الكرام الكاتبون يوم يقوم الحساب ولن يعذب به العبد ، كما هي دلالة قوله :
• قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم { القصص 16
• يوم لا يخزي الله النبيّ والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا { التحريم 8
• إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم { القتال 34
• والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين { الشعراء 82
• ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب { إبراهيم 41
• مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم { القتال 15
وتعني أن يوم الحساب هو يوم مغفرة الذنوب ، وحرف القصص صريح في أن الله غفر ذنب موسى ولا يخفى انتشار خبر قتله القبطي في الدنيا وخروجه هربا من القصاص ، وإنما سأل موسى ربه أن يستر ذنبه في الآخرة وأجيبت دعوته فلن يعرض عليه يوم الحساب قتله القبطي ولن يكتبه الكاتبون ولن يؤاخذ به .
وحرف التحريم صريح في وصف يوم القيامة ، وكذلك حرف القتال لأنه بعد الموت ، وذكر بصيغة المستقبل ، وإبراهيم يطمع أن يستر الله خطيئته يوم الدين فلا تعرض عليه ، ودعاؤه صريح في أن محل المغفرة إنما هو يوم يقوم الحساب .
ويعني حرف القتال أن للمتقين في الجنة مغفرة من ربهم أي أن أعمالهم السيئة في الدنيا لن تعرض عليهم بل قد غفرها الله لهم وسترها عنهم فلا يضيقون بها ذرعا ولا تنغّص عليهم ما هم فيه من الكرامة ودار الخلود خلافا لأهل النار الذين تعرض عليهم سيئاتهم وهم في النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الرحمة كما في قوله } كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار { البقرة 167 .
وإن قوله :
• ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم { هود 52
• هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب { هود 61
• واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود { هود 90
ليعني أن كلا من هود وصالح وشعيب أمر قومه أن يسألوا ربهم أن يغفر لهم في يوم الحساب ما سلف من كفرهم إذ الإيمان بالله واليوم الآخر هو الخطوة الأولى من الإيمان ثم يتبعون ذلك بالتوبة إلى ربهم أي الرجوع إليه بالعمل الصالح في الدنيا ، ومن المثاني معهما قوله } وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله { هود 3 في خطاب المخاطبين بالقرآن وسيأتي بيانه في كلية خلافة على منهاج النبوة ، وكلية الكتاب .
بيان قوله } إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم {
إن من العجب أن من الكتاب ما لم تفهمه البشرية بعد ومنه قوله :
• إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين { يس 12
• أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا { مريم 77 ـ 79
• لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق { عمران 181
• وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون { الزخرف 19
• ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون { الأنبياء 94
• وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون { الانفطار 10 ـ 12
وتعني هـذه المثاني وغيرها أن أعمال المكلفين لن تكتب في حياتهم الدنيا وإنما بعد البعث حين يقوم الحساب كما هو صريح حرف يس أن كتابة أعمال المكلفين هي مما يستقبل بعد نفاذ الوعد بإحياء الموتى .
ويعني حرف مريم أن الذي كفر بآيات ربه وزعم أن لو بعث فسيؤتى مالا وولدا ـ وهو مما مضى يوم نزل الكتاب على خاتم النبيين r ـ لم تقع بعد كتابة ما قال وإنما سيكتب ما يقول بصيغة المستقبل إذ سيعرض عليه يوم الحساب فيراه بأم عينيه فيكتبه الحفظة الكرام الكاتبون وهم الشهود عليه في الدنيا ويعذب ويمدّ له العذاب مدّا .
ويعني حرف عمران أن الذين قالوا إن الله فقير ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء وقتلوا النبيين بغير حق ـ ولا يخفى أنهم كانوا قبل خاتم النبيين r بعدة قرون ـ لم يكتب قولهم ولا قتلهم الأنبياء بعد ، وإنما سيكتب يوم الحساب وهم يرون أعمالهم تعرض عليهم ويقول ذوقوا عذاب الحريق أي يعذبهم في نار جهنم ولا يظلم ربنا أحدا .
ويعني حرف الزخرف أن الله وعد أن تكتب يوم القيامة شهادة الذين جعلوا الملائكة إناثا ويسألون عنها حينئذ ، وكانوا من المشركين قبل النبي الأمي r ومن معاصريه .
ويعني حرف الانفطار أن الملائكة الذين يحفظون العبد في الدنيا هم الشهود عليه يوم الحساب لأنهم يعلمون ما يفعل في الدنيا أي يرونه لا يغيب عنهم منه شيء ، ولا يعني علمهم ما يفعله العباد كتابته في الدنيا .
إن الله أحكم الحاكين لم يأمر الملائكة الكرام الكاتبين بكتابة أعمال المكلفين إلا قبيل الجزاء بها ، وهكذا أخّر عن أكثر الناس كتابة أعمالهم إلى يوم الحساب لتعرض عليهم والملائكة الشهود حاضرون فإن أقرّ كتبت وإن أنكر ختم على فمه وينطق الله الذي أنطق كل شيء جلودهم وتشهد أيديهم وأرجلهم ، ثم يوبق بما عرض عليه من أعماله السيئة أي بما لم يغفره الله منها .
ولهـذا الإطلاق استثناء كما في قوله :
• ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون { النساء 81
• أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون { الزخرف 79 ـ 80
• ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون { يونس 20 ـ 21
ويعني حرف النساء أن المنافقين الذين يخادعون نبيه r لن يغفر لهم وأن الله الذي سيحاسبهم يوم القيامة سيكتب ما يبيتون من المكر والنفاق ، ولن يمحى ما كتب الله ولن يغفر ويلهم ما أصبرهم على النار .
وسيأتي بيان حرف الزخرف ويونس في كلية النصر في ليلة القدر أي أن ما كتبه الملائكة من أعمال العباد في الدنيا فلن يؤخر عنهم العذاب به إلى يوم الحساب بل سيعذبون به في الدنيا .
الغفور الرحيم
إن من تفصيل الكتاب أن الاسمين } الغفور الرحيم { حيث وقعا في الكتاب المنزل مسندين إلى الله فإنما للدلالة على ذنب سيغفره } الغفور { فلا يعرضه على صاحبه ولا يعذب به بل سيرحمه الله } الرحيم { كما في قوله :
• ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم { النور 30
• إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم { البقرة 173
• قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم { الزمر 53
• فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم { البقرة 182
ويعني حرف النور أن المكرهة على الزنا سيغفر الله في يوم الحساب لها زناها في الدنيا فلا يعرضه عليها بل يستره وسيرحمها فلا يعذبها به ، ويعني أن زنا المكرهة لا ينقلب إلى مباح ولكنّ الله لا يؤاخذ المكره بصيغة اسم المفعول .
ويعني حرف البقرة أن الجائع الذي لم يجد غير الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله فاضطر إلى الأكل منها سيغفر الله له ذنب الأكل منها فلا يعرضه عليه في يوم الحساب وسيرحمه فلا يعذبه به إن كان غير متلبس بنية البغي والعدوان كالذي يأكل منها ليحيا ويقوى فيبغي على الناس ويعدو عليهم كقطاع الطرق واللصوص المقيمين في الفيافي والصحاري فلا يرخص لهم أكل المحرمات المفصلات في سورة النحل والبقرة والمائدة لأنهم يبغون ويعتدون .
وإن من تفصيل الكتاب أن الاسمين } الغفور الرحيم { حيث وقعا في الكتاب المنزل مسندين إلى رب العالمين فإنما للدلالة على أن ما قبلهما هو أمر خارق معجز لا يقدر العالمون على مثله وأن رب العالمين قد أذن لعباده بدعائه أن يبلّغهم ما عجزوا عن مثله لأنفسهم فيغفر لهم عجزهم ويرحمهم مما هم فيه من القصور والضعف كما في قوله :
• قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهلّ لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم { الأنعام 145
• وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم { يوسف 53
• وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي غفور رحيم { هود 41
• وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم { الأعراف 167
• وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا { الكهف 58
ويعني حرف الأنعام أمر المضطر إلى أكل المحرمات غير باغ ولا عاد بدعاء ربه الغفور الرحيم ليرزقه رزقا حسنا غير الميتة والدم ولحم الخنزير والفسق الذي أهلّ به لغير الله .
ويعني حرف يوسف أن يوسف لم يزكّ نفسه ولم يبرئها وإنما كان ما كان منه من إيثار السجن على الشهوة الحرام بما بلّغه ربه الغفور الرحيم ما لم يكن قادرا على مثله لنفسه فربه الغفور غفر له عجزه وستره ورحم ضعفه فبلّغه من الزكاة ما شاء الله .
ويعني حرف هود أن جريان السفينة على الطوفان لم يكن بجهد نوح والذين آمنوا معه وإنما كان بمغفرة ربهم ورحمته التي بلغوا بها ما لم يقدروا على مثله لأنفسهم .
ويعني حرف الأعراف أن الذي سيبعثه رب العالمين ليسوم بني إسرائيل سوء العذاب هو رجل من عامة الناس سيبلغه ربه الغفور الرحيم من الأسباب والتمكين ما يبلغ به من الملك أكثر وأكبر مما أوتيه بنو إسرائيل من قبل وما لم يكن يقدر على مثله لنفسه ، كما بينت في كلية الآيات وكلية النصر في القتال في سبيل الله .
ويعني حرف الكهف أن تأخير العذاب عن المكذبين الذين عاصروا نزول القرآن وعن أهل الأرض بما كسبوا من الظلم إنما بمغفرة ربنا ورحمته ولا يقدر على مثله أهل الأرض لأنفسهم .
العزيز الحكيم
وإن اسم الله "العزيز" حيث وقع الكتاب المنزل في سياق ما كلّف الله به العباد فإنما للدلالة على قضاء قضى الله به وحكم حكم به كرهه كثير من الناس ، رغم ما فيه من الحكمة البالغة كما هي دلالة اسمه "الحكيم" بعد اسمه "العزيز" وإنما هو تكليف قضى به الله فمن شاء أطاع ومن شاء عصى كما في قوله :
• ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم { البقرة 220
• ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم { البقرة 228
• والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم { البقرة 240
• والسارقة والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم { المائدة 38
ولقد كره كثير من الناس صيانة الشرع أموال اليتامى .
وكرهوا درجة الرجال على النساء .
وكرهوا أن تتزوج امرأة سيدهم بعد موته ولو كانت دون سن العشرين .
وكرهوا قطع يد السارق وعدوه تجاوزا في حقه .
وإن اسم الله "العزيز" حيث وقع بعد في الكتاب والقرآن فإنما لبيان قضاء قضى به بين الفريقين وعد بإنفاذه ، ودلالة اسمه "الحكيم" بعده تعني أن لإنفاذ القضاء الموعود ميعادا متأخرا لحكمة بالغة ، ومنه قوله :
• إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم { لقمان 8 ـ 9
• ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم { غافر 8
• إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم { المائدة 118
• ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم { البقرة 129
• وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم { التوبة 40
• يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم { النمل 9
ويعني دعاء حملة العرش ومن حوله وعيسى وكلهم من المقربين أنهم تعلقوا بقضاء الله يوم القيامة ووعده أن يغفر للمؤمنين ، وإنما سألوا الله ما علموا منه أنه من قضائه ووعده وكذلك كان دعاء إبراهيم وإسماعيل إذ علما بالوحي إليهما أن الله سيبعث في مكة رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم فتعلقا بقضاء الله ووعده الذي كرهه المشركون من قريش وقالوا كما في قوله } وقالوا لولا نزّل هـذا القرآن على رجل من القريتين عظيم { الزخرف 31 .
وكره أهل الكتاب كذلك أن يكون خاتم النبيين r من غيرهم .
ولما سأل نوح ما لم يعلم من قبل أنه من قضاء الله ووعده أوحي إليه كما في قوله } فلا تسألنّ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين { هود 46 وكما بينته مفصلا في الدعاء من تفصيل الكتاب .
ويعني حرف التوبة أن الله قضى ووعد أن تكون كلمته هي العليا ، وهو وعد سيتم بقوّة الله لا بجهود المؤمنين كما في قوله } كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز { المجادلة 21 .
ويعني حرف النمل أن الله وعد نبيا قبل موسى ـ ولعله والله أعلم يوسف الذي أدخل بني إسرائيل مصر ـ أن سيرسل رسولا من بني إسرائيل في مصر ليخرجهم منها إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، وقد تم ذلك الوعد بعزة الله رغم تأخره حتى ذاق بنو إسرائيل سوء العذاب من فرعون ، وإنما تأخر لحكمة بالغة ، وهكذا كان إخراج بني إسرائيل من مصر هو أول ما أمر به موسى فرعون لما جاءه وهو رسول من رب العالمين كما في قوله } فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم { طـه 47 وقوله } فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل { الشعراء 16 ـ 17 وقوله } وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل { الأعراف 104 ـ 105 .