محمد عبد المعطي محمد
New member
[h=2][FONT="]﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً[/FONT][FONT="]... ﴾. الآية[/FONT][/h] يمتد السياق القرآني في محاربة جريمة الزنا التي تفتك بالأفراد والمجتمعات فبعد التقرير العاجل للأحكام القاطعة في علاج وقوع تلك الجريمة من المتماجنين على نحوٍ سافرٍ يستدعي عقوبةً علنيةً رادعةً تساوي حجم ما اقترفوه من الجرم؛ بعد ذلك تمتد الحملة على هذه الفاحشة بخطابٍ له دلالاته العميقة في الاستنكار والتشنيع على أولئك الذين استهانوا بحرمات المجتمع، ليؤكد أنهم لم يعودوا يستحقوا دعم هذا المجتمع ما داموا مصرين على فواحشهم فيه؛ بل إن المجتمع المؤمن يجب أن يتبرأ منهم ويعزلهم عن طريقه الذي ارتضاه في عفته وطهارته حتى لا يلوثوه.
هذه الآية من مشكلات القرآن في معناها وقد أسهبت في الكتاب الآخر لتفسير السورة في ذكر الأقوال فيها والترجيح بينها.
والتحقيق أن هذه الآية وإن كانت نزلت على سبب، فإن صورة هذا السبب داخلة دخولا أولياً في عموم الآية، ثم يمتد حكمها إلى كل الصور والحوادث التي تشبه صورة سبب النزول. كما هو مقرر في علوم التفسير وأصول الفقه. فمعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بعموم المعنى الذي يُساق من أجله الكلام، إذا كان مثالا له.
فهؤلاء نفرٌ من الصحابة ضيَّق عليهم الفقرُ، ورأوا في بعض النساء ملجأً يتزوجوهن فينفقْن عليهم، ولكن القرآن يعلِّم المؤمن عزة النفس والطهارة والتعالي عن مواضع الريبة والشبهة والوحل، فإذ كن أولئك النسوة من المشهورات بالفاحشة نهاهم القرآن عن نكاحهن، وشنَّع بذلك حرمةً عليهم.
جاء ذلك في لفظٍ عام ممهد يمتلأ بالتشنيع على الزنا وأهله ووجوب إقصائهم بعيدا عن المجتمع المؤمن ما داموا مصرين على الفاحشة وتعاطيها.
العجيب أن هذا اللفظ جاء بين الخبر المحض، وبين النهى الصريح، وهو ما يستلزم الجمع بين الأقوال في الآية [SUP]([FONT="][1]https://vb.tafsir.net/#_ftn1)[/SUP] من أجل تأطير منهج اجتماعي متكامل الأبعاد في تقبيح الزنا ونزع فتيله من المجتمع، والحفاظ على سلالة المؤمنين نقيةً خالصةً من كل شائبةٍ لوحل الرذيلة.[/FONT]
وتتجلى ههنا عبقرية الأسلوب القرآني المشترك بين الخبر والنهى ليوسِّع الإطار الدلالي للآية لتفرز هذا المنهج الفريد في البيان والتعبير.
فالزاني حين يزني لا يطاوعه في فاحشته إلا زانيةً أو أخس منها مشركة لا تؤمن بالله، وكذلك الزانية لا يطاوعها في فسادها إلا زانٍ او أخس منه مشرك، وكما يقال: (الطيور على أشكالها تقع).
وكذلك فإن الزاني لا ينبغي أن يرضى به زوجا أو يرغب فيه إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا ينبغي أن يرغب فيها أو يتزوجها إلا زانٍ مثلها. والرغبة في النكاح من زانيةٍ من مؤمن عالمٍ بالتحريم يجعله من أهل الزنا اعتباراً لميله للنجس، وكذلك الرغبة في نكاح الزاني من مؤمنةٍ يجعلها في خانة الزواني، وحُرِّم نكاح أهل الزنا المصرين عليه على المؤمنين.
وكل ذلك فهو في حق المصرين على هذه الفاحشة، أما من تاب منها أو ستره الله وأقلع عنها، فهو عموم قوله تعالى:﴿وأنكحوا الأيامي منكم ﴾.
هذا هو منهج التنقية للمجتمع المسلم من وباء الزنا بقطع كل الوشائج بين المصرين على هذه الفاحشة وبين المجتمع المؤمن الطاهر.
[h=2][FONT="]بحثٌ وتحقيق في تفسير الآية.[/FONT][/h] قال ابن العربي ما مختصره: هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ الْخَبَرِ، فإن كان عَلَى مَعْنَاهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. وَنَحْنُ نَرَى الزَّانِيَ يَنْكِحُ الْعَفِيفَةَ، ونَرَى الزَّانِيَةَ يَنْكِحُهَا الْعَفِيفُ، فَكَيْفَ يُوجَدُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ؟ وَخَبَرُهُ صِدْقٌ، وَقَوْلُهُ حق؛ وَلِهَذَا أَخَذَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا مَآخِذَ مُتَبَايِنَةً ا.ه.[SUP]([SUP][FONT="][2][/SUP])[/SUP][/FONT]
قال ابن قيم الجوزية: فإنهم أشكل عليهم قوله: {الزاني لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] هل هو خبرٌ أو نهىٌ، أو إباحةٌ؟
فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة، وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزاني عن نكاح المؤمنات العفائف، وإباحةٌ له في نكاح المشركات والزواني، والله سبحانه لم يرد ذلك قطعاً، فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][3][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ- مُفصِلاً: ولم يذكر ابن العربي الوجه الآخر ولعله أراد: إشكالها إن كانت خبرا بمعنى الأمر أي لا تُزوجوا الزاني إلا زانية أو مشركة، ولا تزوجوا الزانية إلا زانيا أو مشرك. وهذا يعارضه عموم قوله تعالى في نفس السورة:﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾. [النور: 32].
ووجه الإشكال هنا يعود إلى عدة أمور: -
1- سبب نزول الآية وهو مستفيض على صورةٍ حدثت في عهد الصحابة وأوَّل بعضهم معنى هذه الآية على هذه الصورة الخاصة.
2- صيغة الخبر في الآية وهل تفيد مجرد الخبر أم أتت للنهى. كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾. [البقرة: 197] فالخبر فيها للنهى قطعا.
3- استشكال لفظ النكاح هنا، وهو لفظ مشترك بين معنى الوطء ومعنى الزواج (العقد الشرعي)، فأيهما قُصد في الآية.
ولذلك اختلف العلماء في تأويل الآية على وجوه: -
(القول الأول): أنها نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة ٍكنّ معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب راياتٍ (فيما يسمى بالمواخير للزنا)، يكرين أنفسهنّ، فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين، فقال: الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك مثلها، لأنهن كن مشركات. (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فحرَّم الله نكاحهن بهذه الآية. ا.ه[SUP]([SUP][FONT="][4][/SUP])[/SUP][/FONT]
وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي، ورواية العوفي عن ابن عباس.
وقد أخرج الترمذي وأبو داود والنَّسَائِي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: كان رجل يُقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي من المؤمنين، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغيٌ بمكة يُقال لها عناق، وكانت صديقة له... الحديث حتى قال مرثد: فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فقلت: يا رسول اللَّه أنكح عناقاً؟ مرتين، فأمسك رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فلم يردَّ عليَّ شيئاً حتى نزلت:﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾. فقال رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك فلا تنكحها). وإسناده حسن أو صحيح.
وأخرج النَّسَائِي وأحمد عن عبد اللَّه بن عمرو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: كانت امرأة يُقال لها أم مهزول، وكانت بجيادٍ وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أن يتزوجها، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ – هذه الآية. وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات". فهو حديث حسن أو صحيح.
ويمكن أن تكون كنية عناق أمَّ مهزول، وحينئذٍ يكون المراد من الحديثين امرأةً واحدة. فإن لم يكن الأمر كذلك، فلا مانع أن تكون الآية نازلةً جواباً لسؤال أحد المؤمنين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -واستئذانه إياه في نكاح إحدى المرأتين.[SUP] ([SUP][FONT="][5][/SUP])[/SUP][/FONT]
أقول: ولا مانع من تعدد أسباب النزول للآية الواحدة كما هو مقرر في علوم القرآن.
فهذه أقوال تعود على قول واحد هو تخصيص الآية بظرفٍ زمانيٍ وواقعةٍ بعينها حدثت أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عليها في هذه الآية.
ويضعف هذا القول القاعدة المشهورة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والحكم وإن نزل على قضيةٍ معينة وصورة، فإن هذه الصورة المعينة وإن كانت سبب النزول فالقرآن لا يقتصر به على مَحالِّ أسبابه، ولو كان كذلك لبطل الاستدلال به على غيرها.
وإن صح سبب النزول فما زالت الآية على عمومها وعلى صلاحيتها في الاستدلال، وهنا الإشكالية التي يعالجها القول الثاني.
(القول الثاني) أن تحريم نكاح أهل الزنا من الرجال والنساء عامٌ.
قال ابن الْقَيِّمِ: وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بتحريمه فِي سُورَةِ النُّور،ِ وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يلتزم حكمه تعالى، ويعتقد وجوبه عليه أو لا: فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَان.ٍ
ثُمَّ صَرَّحَ بتحريمه فقال تعالى:﴿وحُرِّم ذلك على المؤمنين ﴾. وَأَمَّا جَعْلُ الْإِشَارَةِ (ذلك) إلى الزنى فَضَعِيفٌ جِدًّا فِي قَوْلِهِ تعالى:﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ على المؤمنين ﴾. إِذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْهُ الْقُرْآنُ.انتهى[SUP] ([SUP][FONT="][6][/SUP])[/SUP][/FONT]
قَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيّان: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْبَغَايَا، وتَقَدّم فِي ذَلِكَ فَقَالَ:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾. (النِّسَاءِ: 25)، وَقَوْلُهُ سبحانه:﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾. الْآيَةَ (الْمَائِدَةِ: 5) [SUP]([SUP][FONT="][7][/SUP]) [/SUP][/FONT]
وقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تُستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها، وإلا فلا. وكذلك لا يَصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبةً صحيحة، وبه قال قتادة وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام.[SUP] ([SUP][FONT="][8][/SUP])[/SUP] [/FONT]
(القول الثالث) أن الآية منسوخة؛ فقد حرَّمت على المؤمن العفيف نكاح الزانية، وحرمت على المؤمنة العفيفة نكاح الزاني، لأن الزاني أشبه وأوفق للزانية، وهي كذلك، ثم جاءت الإباحة للتائبين بنسخ هذه الآية -في قول سعيد بن المسيب والشافعي وغيرهما-بقوله تعالى:﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾. ويضعف هذا القول أيضا، كون الجمع بين الآيتين -على هذا التفصيل-قائمٌ بالفعل فلا معنى للنسخ، فتزويج الأيامى (=غير المتزوجين) -والمقصود أهل العفة منهم-لا يعارضه النهى عن نكاح أهل الزنا المصرين على فواحشهم. وحال التوبة الصادقة يمحو ما قبله في الإسلام. فآية النور الأولى مخصوصةٌ في معناها من الآية الثانية العامة المورد، ولا نسخ. وبهذا يؤول هذا القول إلى الذي قبله.[SUP] ([SUP][FONT="][9][/SUP]) [/SUP][/FONT]
قال ابن القيم- بكلماتٍ أيسر: وهذا أفسد من الكل، فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين، ولا تناقض إحداهما الأخرى، بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامى، وحرم نكاح الزانية، كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة، وذوات المحارم، فأين الناسخ والمنسوخ في هذا؟ انتهى
(القول الرابع) أن النهى ورد بحق الزاني المجلود (في حد الزنا) ألا ينكح غير زانيةٍ مجلودةٍ، ويؤيده ما رواه أبو داود وأحمد–وقد صححه الألباني وغيره-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ﴾.[SUP] ([SUP][FONT="][10][/SUP])[/SUP][/FONT]
وقال الأمير الصنعاني: في الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه، ولعل الوصف بالمجلود بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنى، وكذلك الرجل يحرم عليه أن يتزوج بالزانية التي ظهر زناها، وهذا الحديث موافق قوله تعالى:﴿وحرمَ ذلِكَ على المؤْمنين ﴾. (النور: 3).
إلا أن الأكثرُ من العلماء حمل الحديثَ والآيةَ على أن معنى: ﴿لا ينكح﴾ أى لا يرغب الزاني المجلود إلا في مثله، والزانية لا ترغب في نكاح غير العاهر، هكذا تأولوهما.
والذي يدل عليه الحديثُ والآية النهي عن ذلك لا الِإخبار عن مجرد الرغبة، وأنه يحرم نكاح الزاني العفيفةَ، والعفيفِ الزانيةَ، ولا أصرحَ من قوله:﴿ وحُرِّمَ ذلك على المُؤْمنين ﴾. أي: كاملي الإيمان الذين هم ليسوا بزناة، وإلا فإن الزاني لا يخرج عن مسمى الِإيمان عند الأكثر.[SUP] ([SUP][FONT="][11][/SUP])[/SUP][/FONT]
ومن عجيب الفقه ما قال ابن خويز منداد: مَن كان معروفاً بالزنى أو بغيره من الفسوق مُعْلِنا به، فتزوج إلى أهل بيت سِترٍ، وغرَّهم من نفسه، فلهم الخيار في البناء معه أو فراقه، وذلك كعيبٍ من العيوب، واحتج بقوله عليه السلام: "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله"، وقال: إنما ذكر المجلود لاستشهاده بالفسق، وهو الذي يجب أن يفرِّق بينه وبين غيره، فأما مَن لم يشتهر بالفسق، فلا.[SUP] ([SUP][FONT="][12][/SUP])[/SUP][/FONT]
ويكون النهى في الآية عاماً خصَّصه الحديث بالزاني المجلود أو المجاهر المعلن بالزنى.
والخلاصة التي اتفقوا عليها: أن الفقهاء وأهل التفسير على حرمة نكاح الزناة والزواني المصرين على الفاحشة، فإن لم يكن فهى الكراهة الشديدة (كراهة التنزيه) التي تقارب الحرمة.
فهذه الأقوال الأربعة الأولى مبنيةٌ على أن النكاح في الآية مقصوده الزواج والعقد، والأسلوب فيها نهى في صورة الخبر، ومستندهم في ذلك تذييل الآية: ﴿وحُرِّمَ ذلك على المُؤْمنين ﴾. وَذِكْرُ المشركين فِي الْآيَةِ يُضْعِفُ (نسبياً) هَذِهِ الْمَنَاحِيَ كلها، فزواج المسلمة الزانية من المشرك حرامٌ قولا واحدا.
أما القول المخالف فيرى أن الخبر على صورته ومعناه، وأن النكاح هنا بمعنى الوطء وفعل الزنا أو إرادته.
وفي (القول الخامس) قال ابن كثير: هَذَا خَبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطأ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. أَيْ: لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ الزِّنَى إِلَّا زَانِيَةٌ عَاصِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ أخس منها، لَا تَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ: ﴿الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ ﴾. أَيْ: عَاصٍ بِزِنَاهُ، ﴿أَوْ مُشْرِكٌ ﴾. لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾. قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ، إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ، لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَقَدْ رُوي عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَيْضًا. وَقَدْ رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وعُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالضِّحَاكِ، وَمَكْحُولٍ، ومُقَاتِل بْنِ حَيَّان، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، نحوُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. أَيْ: تَعَاطِيهِ وَالتَّزْوِيجُ بِالْبَغَايَا، أَوْ تَزْوِيجُ الْعَفَائِفِ بِالْفُجَّارِ مِنَ الرِّجَالِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. قَالَ: حَّرم اللَّهُ الزِّنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.[SUP] ([SUP][FONT="][13][/SUP])[/SUP][/FONT]
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ -ناقدا هذا الرأي-: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ وَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِأَمْرَيْن: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَيْنَمَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُرَدْ بِهَا إِلَّا مَعْنَى الْعَقْدِ.
وَالثَّانِي: فَسَادُ الْمَعْنَى وَأَدَاؤُهُ إِلَى قَوْلِكَ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ انْتَهَى.
ورد عليه أبو حيان فقال: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَخَذَهُ مِنَ الزَّجَّاجِ قَالَ: لَا يُعْرَفُ النِّكَاحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَفِي الْقُرْآنِ قوله تعالى:﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾. وَبَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي فَالْمَقْصُودُ بِهِ تَشْنِيعُ الزِّنَا وَتَشْنِيعُ أَمْرِهِ وَأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.[SUP] ([SUP][FONT="][14][/SUP])[/SUP][/FONT]
وَأما اختيار الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقد أَخَذَ قوله مِنَ الضَّحَّاكِ وَحَسَّنَهُ قال المعنى:
الْفَاسِقُ الْخَبِيثُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الزِّنَا، وَالْخُبْثُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِ الصَّوَالِحِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِي فَاسِقِةٍ خَبِيثَةٍ مِنْ شَكْلِهِ، أَوْ فِي مُشْرِكَةٍ. وَالْفَاسِقَةُ الْخَبِيثَةُ الْمُسَافِحَةُ كَذَلِكَ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا الصُّلَحَاءُ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْفِرُونَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ شَكْلِهَا مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَنِكَاحُ الْمُؤْمِنِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ اللَّهِ الزَّانِيَةَ وَرَغْبَتُهُ فِيهَا وَانْخِرَاطُهُ بِذَلِكَ فِي سِلْكِ الْفَسَقَةِ الْمُتَّسِمِينَ بِالزِّنَا مُحَرَّمٌ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْفُسَّاقِ، وَحُضُورِ مَوْقِعِ التُّهْمَةِ وَالتَّسَبُّبِ لِسُوءِ الْقَالَةِ فِيهِ وَالْغِيبَةِ وَأَنْوَاعِ الْمَفَاسِدِ وَمُجَالَسَةُ الْخَطَّائِينَ، كَمْ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِاقْتِرَافِ الْآثَامِ فَكَيْفَ بِمُزَاوَجَةِ الزَّوَانِي وَالْقِحَابِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.[SUP]([SUP][FONT="][15][/SUP])[/SUP][/FONT]
قال أبو حيان: وَتَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ النِّكَاحَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ، فَالْآيَةُ وَرَدَتْ مُبَالَغَةً فِي تَشْنِيعِ الزِّنَا.
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّزْوِيجُ فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ عُمُومٌ فِي الزُّنَاةِ ثُمَّ نُسِخ.
أَوْ عُمُومٌ فِي الْفُسَّاقِ الْخَبِيثِينَ لَا يَرْغَبُونَ إِلَّا فِيمَنْ هُوَ شِكْلٌ لَهُمْ، وَالْفَوَاسِقِ الْخَبَائِثِ لَا يَرْغَبْنَ إِلَّا فِيمَنْ هُوَ شِكْلٌ لَهُنَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بهم، عَلَى مَا قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
أَوْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصٌ فِي قَوْمٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ زُنَاةً بِبَغَايَا فَأَرَادُوا تَزْوِيجَهُنَّ لِفَقْرِهِمْ وَإِيسَارِهِنَّ مَعَ بَقَائِهِنَّ عَلَى الْبِغَاءِ فنُهوا عن ذلك. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][16][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ: لخَّص الخلاف ولم يُفِدنا تحقيقاً في المسألة.
والتحقيق أن هذه الآية وإن كانت نزلت على سبب، فإن صورة هذا السبب داخلة دخولا أولياً في عموم الآية، ثم يمتد حكمها إلى كل الصور والحوادث التي تشبه صورة سبب النزول. كما هو مقرر في علوم التفسير وأصول الفقه. فمعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بعموم المعنى الذي يُساق من أجله الكلام، إذا كان مثالا له.
فهؤلاء نفرٌ من الصحابة ضيَّق عليهم الفقرُ، ورأوا في بعض النساء ملجأً يتزوجوهن فينفقْن عليهم، ولكن القرآن يعلِّم المؤمن عزة النفس والطهارة والتعالي عن مواضع الريبة والشبهة والوحل، فإذ كن أولئك النسوة من المشهورات بالفاحشة نهاهم القرآن عن نكاحهن، وشنَّع بذلك حرمةً عليهم.
جاء ذلك في لفظٍ عام ممهد يمتلأ بالتشنيع على الزنا وأهله ووجوب إقصائهم بعيدا عن المجتمع المؤمن ما داموا مصرين على الفاحشة وتعاطيها.
العجيب أن هذا اللفظ جاء بين الخبر المحض، وبين النهى الصريح، وهو ما يستلزم الجمع بين الأقوال في الآية [SUP]([SUP][FONT="][17][/SUP])[/SUP] من أجل تأطير منهج اجتماعي متكامل الأبعاد في تقبيح الزنا ونزع فتيله من المجتمع، والحفاظ على سلالة المؤمنين نقيةً خالصةً من كل شائبةٍ لوحل الرذيلة.[/FONT]
وتتجلى ههنا عبقرية الأسلوب القرآني المشترك بين الخبر والنهى ليوسِّع الإطار الدلالي للآية لتفرز هذا المنهج الفريد في البيان والتعبير.
فالزاني حين يزني لا يطاوعه في فاحشته إلا زانيةً أو أخس منها مشركة لا تؤمن بالله، وكذلك الزانية لا يطاوعها في فسادها إلا زانٍ او أخس منه مشرك، وكما يقال: (الطيور على أشكالها تقع).
وكذلك فإن الزاني لا ينبغي أن يرضى به زوجا أو يرغب فيه إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا ينبغي أن يرغب فيها أو يتزوجها إلا زانٍ مثلها. والرغبة في النكاح من زانيةٍ من مؤمن عالمٍ بالتحريم يجعله من أهل الزنا اعتباراً لميله للنجس، وكذلك الرغبة في نكاح الزاني من مؤمنةٍ يجعلها في خانة الزواني، وحُرِّم نكاح أهل الزنا المصرين عليه على المؤمنين.
وكل ذلك فهو في حق المصرين على هذه الفاحشة، أما من تاب منها أو ستره الله وأقلع عنها، فهو عموم قوله تعالى:﴿وأنكحوا الأيامي منكم ﴾.
هذا هو منهج التنقية للمجتمع المسلم من وباء الزنا بقطع كل الوشائج بين المصرين على هذه الفاحشة وبين المجتمع المؤمن الطاهر.
قال أحد العلماء: (وفي الآية إشارة إلى الحذر عن أخدان السوء، والحث على مخالطة أهل الصحبة والأخدان في الله تعالى، فإن الطبع من الطبع يسرق، والمقارنة مؤثرة، والأمراض سارية. وفي الحديث: "لا تسكنوا مع المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم وليس منا"؛ أي: لا تسكنوا مع المشركين في المسكن الواحد، ولا تجامعوا معهم في المجلس الواحد، حتى لا تسري إليكم أخلاقهم، وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة، وللناس أشكال، وكل يطير بشكله، وكل مساكن مثله، كما قال قائلهم:
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِيْنَهُ ... فَإِنَّ الْقَرِيْنَ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِيْ
فأما أهل الفساد فالفساد يجمعهم، وإن تناءت ديارهم، أما أهل السداد، فالسداد يجمعهم وإن تباعد مزارهم، ومن بلاغات الزمخشري "لا ترض لمجالستك إلا أهل مجانستك"؛ أي: لا ترض أن تكون جليس أحد من غير جنسك، فإنه العذاب الشديد ليس إلا. وجاء في مسائل الفقه أن من رأى نصرانية سمينة أو جميلة فتمنى أن يكون نصرانيًا ليتزوجها كفر، فعلى العاقل أن يصون نفسه بقدر الإمكان، فإن الله تعالى غيور ينبغي أن يخاف منه كل آنٍ. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][18][/SUP])[/SUP][/FONT]
ومن فروع هذه القضية مسائل كثيرة منها:
(1) ما ذكره الشيخ الشنقيطي قال: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي، أنه لا يجوز نكاح المرأة الحامل من الزنا قبل وضع حملها بل لا يجوز نكاحها، حتى تضع حملها. خلافا لجماعة من أهل العلم، قالوا: يجوز نكاحها وهي حامل، وهو مروي عن الشافعي وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن نكاح الرجل امرأة حاملا من غيره فيه سقي الزرع بماء الغير، وهو لا يجوز ويدل لذلك قوله تعالى:﴿ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾. (الطلاق: 4)، ولا يخرج من عموم هذه الآية إلا ما أخرجه دليل يجب الرجوع إليه، فلا يجوز نكاح حامل حتى ينتهي أجل عدتها، وقد صرح الله بأن الحوامل أجلهن أن يضعن حملهن، فيجب استصحاب هذا العموم، ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل من كتاب أو سنة.
(2) واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أن الزانية والزاني إن تابا من الزنا وندما على ما كان منهما ونويا أن لا يعودا إلى الذنب، فإن نكاحهما جائز، فيجوز له أن ينكحها بعد توبتهما، ويجوز نكاح غيرهما لهما بعد التوبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدل لهذا قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾. (الفرقان:68-70)، فقد صرح جل وعلا في هذه الآية أن الذين يزنون ومن ذكر معهم إن تابوا وآمنوا، وعملوا عملا صالحا يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهو يدل على أن التوبة من الزنا، تذهب أثره. فالذين قالوا: إن من زنا بامرأة لا تحل له مطلقا، ولو تابا وأصلحا فقولهم خلاف التحقيق، وقد وردت آثار عن الصحابة بجواز تزويجه بمن زنى بها إن تابا، وضرب له بعض الصحابة مثلا برجل سرق شيئا من بستان رجل آخر، ثم بعد ذلك اشترى البستان فالذي سرقه منه حرام عليه، والذي اشتراه منه حلال له، فكذلك ما نال من المرأة حراما فهو حرام عليه، وما نال منها بعد التوبة والتزويج حلال له، والعلم عند الله تعالى.
(3) واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية (قلتُ-مقيِّده: أى بعد توبتها، وإلا فالمصرة على الفاحشة فالزواج بها حرام)، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثا؛ لأنه إنما يتزوجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعا باتا بأن يراقبها دائما، فهو يستمتع بها، مع شدة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة. وقد علمت مما مر أن أكثر أهل العلم على جواز نكاح العفيف الزانية كعكسه، وأن جماعة قالوا بمنع ذلك. والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيده حديث: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، والعلم عند الله تعالى. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][19][/SUP])[/SUP][/FONT]
وقد قرأت للإمام أبي حامد الغزالي في هذا كلمات طيبة يقول فيها في أهم الصفات التي يجب مراعاتها في المراة عند الزواج: أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً ذَاتَ دِينٍ.
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَبِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الِاعْتِنَاءُ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةَ الدِّينِ فِي صِيَانَةِ نَفْسِهَا وَفَرْجِهَا أَزْرَتْ بِزَوْجِهَا، وَسَوَّدَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَجْهَهُ، وشوشت بالغيرة قلبه، وتتغص بِذَلِكَ عَيْشُهُ.
فَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ لم يزل في بلاء ومحنة، وَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ التَّسَاهُلِ كَانَ مُتَهَاوِنًا بِدِينِهِ وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة.
وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشد؛ إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها، ويكون كالذي جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقا:ل يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس (قلت-متأمله: يكني عن تساهلها في نفسها، وليس بالضرورة رميها بالزنا). قال: طلقها، فقال الرجل: إني أحبها.قال صلى الله عليه وسلم: أمسكها.
قال الغزالي: وإنما أمره بإمساكها خوفاً عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضاً معها فرأى ما في دوام نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][20][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ: (لا ترد يد لامس) في الحديث السابق يكني عن تساهلها في نفسها، وليس بالضرورة رميها بالزنا، واعتقد أنه لو كان صريحا في ريبته بها بالزنا؛ لما أفتاه رسول الله بإمساكها، وفي ذلك ضياع حميته ودينه، وصلوات الله عليه يربي المؤمنين على أشد من ذلك في أقل من هذا المعنى، وقيل إن معنى (لا ترد يد لامس) أي مبذرة لا تحفظ مالا، واختاره ابن الجوزي وأحمد والأصمعي. على أن هذا الحديث ابتداءً ليس بثابت كما قال النسائي وأحمد وهما مَن هما في نقد الحديث، فتنبه. [SUP]([SUP][FONT="][21][/SUP])[/SUP][/FONT]
وقال الإمام أحمد: (لا تمنع يد لامس) أى تعطي من ماله قيل له: فإن أبا عبيدة يقول من الفجور، قال: ليس لنا إلا أنها تعطي من ماله، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم -ليأمره بإمساكها وهي تفجر، وقال في "سبل السلام": ما معناه، قلت: الوجه الأول في غاية البعد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -لا يأمر الرجل أن يكون ديوثًا، والثاني لا يصح لأن التبذير لا يوجب أمره بطلاقها، فالأقرب أن المراد بها أنها سهلت الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب، لا أنها تأتي الفاحشة وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة. انتهى[SUP] ([SUP][FONT="][22][/SUP])[/SUP][/FONT]
وإنما أطلت النفس في هذا الحديث لتعلقه بموضوعنا في سياق الحديث عن تنقية المجتمع وطهارته في سورة النور، وموضعه من هذه الآية، وذكر المفسرين له. والله المستعان.
[FONT="]
[/FONT]
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] وجدت لهذا الجمع بين الأقوال شاهدا من كلام شيخنا الشنقيطي رحمه الله بعد اختياري لرأيي هذا فحمدتُ الله تعالى إذ لم أكن فيه بِدعا. قال- رحمه الله وجزاه خيرا: هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعيّن أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته. [/FONT]
[FONT="]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 338)[/FONT]
[FONT="][3][/FONT][FONT="] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 65)[/FONT]
[FONT="][FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (19/ 96)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][5][/FONT][/FONT][FONT="] المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (2/ 715)[/FONT]
[FONT="][FONT="][6][/FONT][/FONT][FONT="] عون المعبود على سنن أبي داود وحاشية ابن القيم (6/ 34)، وانظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم.[/FONT]
[FONT="][FONT="][7][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 9)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][8][/FONT][/FONT][FONT="] انظر "المغني" لابن قدامة 9/562-564.[/FONT]
[FONT="][FONT="][9][/FONT][/FONT][FONT="] ولأن المقرر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصح نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضى على العام مطلقا، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخر، ومعلوم أن آية ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾، أعم مطلقا من آية: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾، فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين، وإنما يجوز ذلك على المقرر في أصول أبي حنيفة رحمه الله... راجع أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][10][/FONT][/FONT][FONT="] جاء في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 572) الحديث رقم 2444 -أخرجه أبو داود (1 / 321) والحاكم (2 / 166 و193) وأحمد (2 / 324) عن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للحاكم من طريق حبيب المعلم، قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب، فقال: ألا تعجب أن الحسن يقول: الزاني المجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله؟ فقال عمرو: وما يعجبك؟ حدثناه سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله بن عمرو ينادي بهذا ". وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][11][/FONT][/FONT][FONT="] "سبل السلام" 3/127-128[/FONT]
[FONT="][FONT="][12][/FONT][/FONT][FONT="] نقله القرطبي في تفسيره 12/171[/FONT]
[FONT="][FONT="][13][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 9) بتصرف يسير.[/FONT]
[FONT="][FONT="][14][/FONT][/FONT][FONT="] البحر المحيط في التفسير (8/ 10)[/FONT]
[FONT="][FONT="][15][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 211)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][16][/FONT][/FONT][FONT="] البحر المحيط في التفسير (8/ 11)[/FONT]
[FONT="][FONT="][17][/FONT][/FONT][FONT="] وجدت لهذا الجمع بين الأقوال شاهدا من كلام شيخنا الشنقيطي رحمه الله بعد اختياري لرأيي هذا فحمدتُ الله تعالى إذ لم أكن فيه بِدعا. قال- رحمه الله وجزاه خيرا: هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعيّن أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته. [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][18][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (19/ 218)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][19][/FONT][/FONT][FONT="] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 120)[/FONT]
[FONT="][FONT="][20][/FONT][/FONT][FONT="] إحياء علوم الدين (2/ 37)[/FONT]
[FONT="][FONT="][21][/FONT][/FONT][FONT="] روى الحديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -قال: «جاء رجل إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن امرأتي لا تَرُدّ يَدَ لامِسٍ، قال: غَرِّبْها، قال: أخاف أن تَتْبَعُها نفسي، قال: فاستمتِعْ بها». أخرجه أبو داود والنسائي، وقال النسائي: رفعه أحد الرواة إلى ابن عباس وأحَدُهُمْ لم يرفعه، قال: وهذا الحديث ليس بثابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب. [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وقد ضعفه كذلك العراقي وابن الجوزي وغيرهما وصححه غير واحد ومنهم الشيخ الألباني في صحيح أبي داود والنسائي، والحق أنه قال فيه: صحيح الإسناد، ولم يدرسه في المشكاة، ومن المعلوم أن صحة الاسناد لا تدل على صحة الحديث، وهو معنى قول النسائي وأحمد: أنه ليس بثابت.[/FONT]
[FONT="] . [/FONT][FONT="]قال الشيخ الأرناؤوط رحمه الله: ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره في أول تفسير سورة النور، وجود إسناده ثم قال: وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له كما تقدم عن النسائي، ومنكر كما قال الإمام أحمد: هو منكر، وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ط العلمية (3/ 486) حول الحديث وتفسيره.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وللاختلاف في معنى (لا ترد يد لامس) انظر أيضا [/FONT][FONT="]البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير[/FONT][FONT="] لابن الملقن (8/ 181).[/FONT]
[FONT="][FONT="][22][/FONT][/FONT][FONT="] فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، [/FONT][FONT="]الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي الصنعاني (المتوفى: 1276هـ)[/FONT][FONT="]، (3/ 1437)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
هذه الآية من مشكلات القرآن في معناها وقد أسهبت في الكتاب الآخر لتفسير السورة في ذكر الأقوال فيها والترجيح بينها.
والتحقيق أن هذه الآية وإن كانت نزلت على سبب، فإن صورة هذا السبب داخلة دخولا أولياً في عموم الآية، ثم يمتد حكمها إلى كل الصور والحوادث التي تشبه صورة سبب النزول. كما هو مقرر في علوم التفسير وأصول الفقه. فمعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بعموم المعنى الذي يُساق من أجله الكلام، إذا كان مثالا له.
فهؤلاء نفرٌ من الصحابة ضيَّق عليهم الفقرُ، ورأوا في بعض النساء ملجأً يتزوجوهن فينفقْن عليهم، ولكن القرآن يعلِّم المؤمن عزة النفس والطهارة والتعالي عن مواضع الريبة والشبهة والوحل، فإذ كن أولئك النسوة من المشهورات بالفاحشة نهاهم القرآن عن نكاحهن، وشنَّع بذلك حرمةً عليهم.
جاء ذلك في لفظٍ عام ممهد يمتلأ بالتشنيع على الزنا وأهله ووجوب إقصائهم بعيدا عن المجتمع المؤمن ما داموا مصرين على الفاحشة وتعاطيها.
العجيب أن هذا اللفظ جاء بين الخبر المحض، وبين النهى الصريح، وهو ما يستلزم الجمع بين الأقوال في الآية [SUP]([FONT="][1]https://vb.tafsir.net/#_ftn1)[/SUP] من أجل تأطير منهج اجتماعي متكامل الأبعاد في تقبيح الزنا ونزع فتيله من المجتمع، والحفاظ على سلالة المؤمنين نقيةً خالصةً من كل شائبةٍ لوحل الرذيلة.[/FONT]
وتتجلى ههنا عبقرية الأسلوب القرآني المشترك بين الخبر والنهى ليوسِّع الإطار الدلالي للآية لتفرز هذا المنهج الفريد في البيان والتعبير.
فالزاني حين يزني لا يطاوعه في فاحشته إلا زانيةً أو أخس منها مشركة لا تؤمن بالله، وكذلك الزانية لا يطاوعها في فسادها إلا زانٍ او أخس منه مشرك، وكما يقال: (الطيور على أشكالها تقع).
وكذلك فإن الزاني لا ينبغي أن يرضى به زوجا أو يرغب فيه إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا ينبغي أن يرغب فيها أو يتزوجها إلا زانٍ مثلها. والرغبة في النكاح من زانيةٍ من مؤمن عالمٍ بالتحريم يجعله من أهل الزنا اعتباراً لميله للنجس، وكذلك الرغبة في نكاح الزاني من مؤمنةٍ يجعلها في خانة الزواني، وحُرِّم نكاح أهل الزنا المصرين عليه على المؤمنين.
وكل ذلك فهو في حق المصرين على هذه الفاحشة، أما من تاب منها أو ستره الله وأقلع عنها، فهو عموم قوله تعالى:﴿وأنكحوا الأيامي منكم ﴾.
هذا هو منهج التنقية للمجتمع المسلم من وباء الزنا بقطع كل الوشائج بين المصرين على هذه الفاحشة وبين المجتمع المؤمن الطاهر.
*****
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ الْخَبَرِ، فإن كان عَلَى مَعْنَاهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. وَنَحْنُ نَرَى الزَّانِيَ يَنْكِحُ الْعَفِيفَةَ، ونَرَى الزَّانِيَةَ يَنْكِحُهَا الْعَفِيفُ، فَكَيْفَ يُوجَدُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ؟ وَخَبَرُهُ صِدْقٌ، وَقَوْلُهُ حق؛ وَلِهَذَا أَخَذَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا مَآخِذَ مُتَبَايِنَةً ا.ه.[SUP]([SUP][FONT="][2][/SUP])[/SUP][/FONT]
قال ابن قيم الجوزية: فإنهم أشكل عليهم قوله: {الزاني لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] هل هو خبرٌ أو نهىٌ، أو إباحةٌ؟
فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة، وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزاني عن نكاح المؤمنات العفائف، وإباحةٌ له في نكاح المشركات والزواني، والله سبحانه لم يرد ذلك قطعاً، فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][3][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ- مُفصِلاً: ولم يذكر ابن العربي الوجه الآخر ولعله أراد: إشكالها إن كانت خبرا بمعنى الأمر أي لا تُزوجوا الزاني إلا زانية أو مشركة، ولا تزوجوا الزانية إلا زانيا أو مشرك. وهذا يعارضه عموم قوله تعالى في نفس السورة:﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾. [النور: 32].
ووجه الإشكال هنا يعود إلى عدة أمور: -
1- سبب نزول الآية وهو مستفيض على صورةٍ حدثت في عهد الصحابة وأوَّل بعضهم معنى هذه الآية على هذه الصورة الخاصة.
2- صيغة الخبر في الآية وهل تفيد مجرد الخبر أم أتت للنهى. كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾. [البقرة: 197] فالخبر فيها للنهى قطعا.
3- استشكال لفظ النكاح هنا، وهو لفظ مشترك بين معنى الوطء ومعنى الزواج (العقد الشرعي)، فأيهما قُصد في الآية.
ولذلك اختلف العلماء في تأويل الآية على وجوه: -
(القول الأول): أنها نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة ٍكنّ معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب راياتٍ (فيما يسمى بالمواخير للزنا)، يكرين أنفسهنّ، فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين، فقال: الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك مثلها، لأنهن كن مشركات. (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فحرَّم الله نكاحهن بهذه الآية. ا.ه[SUP]([SUP][FONT="][4][/SUP])[/SUP][/FONT]
وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي، ورواية العوفي عن ابن عباس.
وقد أخرج الترمذي وأبو داود والنَّسَائِي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: كان رجل يُقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي من المؤمنين، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغيٌ بمكة يُقال لها عناق، وكانت صديقة له... الحديث حتى قال مرثد: فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فقلت: يا رسول اللَّه أنكح عناقاً؟ مرتين، فأمسك رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فلم يردَّ عليَّ شيئاً حتى نزلت:﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾. فقال رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك فلا تنكحها). وإسناده حسن أو صحيح.
وأخرج النَّسَائِي وأحمد عن عبد اللَّه بن عمرو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قال: كانت امرأة يُقال لها أم مهزول، وكانت بجيادٍ وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أن يتزوجها، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ – هذه الآية. وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات". فهو حديث حسن أو صحيح.
ويمكن أن تكون كنية عناق أمَّ مهزول، وحينئذٍ يكون المراد من الحديثين امرأةً واحدة. فإن لم يكن الأمر كذلك، فلا مانع أن تكون الآية نازلةً جواباً لسؤال أحد المؤمنين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -واستئذانه إياه في نكاح إحدى المرأتين.[SUP] ([SUP][FONT="][5][/SUP])[/SUP][/FONT]
أقول: ولا مانع من تعدد أسباب النزول للآية الواحدة كما هو مقرر في علوم القرآن.
فهذه أقوال تعود على قول واحد هو تخصيص الآية بظرفٍ زمانيٍ وواقعةٍ بعينها حدثت أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عليها في هذه الآية.
ويضعف هذا القول القاعدة المشهورة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والحكم وإن نزل على قضيةٍ معينة وصورة، فإن هذه الصورة المعينة وإن كانت سبب النزول فالقرآن لا يقتصر به على مَحالِّ أسبابه، ولو كان كذلك لبطل الاستدلال به على غيرها.
وإن صح سبب النزول فما زالت الآية على عمومها وعلى صلاحيتها في الاستدلال، وهنا الإشكالية التي يعالجها القول الثاني.
****
(القول الثاني) أن تحريم نكاح أهل الزنا من الرجال والنساء عامٌ.
قال ابن الْقَيِّمِ: وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بتحريمه فِي سُورَةِ النُّور،ِ وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يلتزم حكمه تعالى، ويعتقد وجوبه عليه أو لا: فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَان.ٍ
ثُمَّ صَرَّحَ بتحريمه فقال تعالى:﴿وحُرِّم ذلك على المؤمنين ﴾. وَأَمَّا جَعْلُ الْإِشَارَةِ (ذلك) إلى الزنى فَضَعِيفٌ جِدًّا فِي قَوْلِهِ تعالى:﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ على المؤمنين ﴾. إِذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْهُ الْقُرْآنُ.انتهى[SUP] ([SUP][FONT="][6][/SUP])[/SUP][/FONT]
قَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيّان: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْبَغَايَا، وتَقَدّم فِي ذَلِكَ فَقَالَ:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾. (النِّسَاءِ: 25)، وَقَوْلُهُ سبحانه:﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾. الْآيَةَ (الْمَائِدَةِ: 5) [SUP]([SUP][FONT="][7][/SUP]) [/SUP][/FONT]
وقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تُستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها، وإلا فلا. وكذلك لا يَصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبةً صحيحة، وبه قال قتادة وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام.[SUP] ([SUP][FONT="][8][/SUP])[/SUP] [/FONT]
****
قال ابن القيم- بكلماتٍ أيسر: وهذا أفسد من الكل، فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين، ولا تناقض إحداهما الأخرى، بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامى، وحرم نكاح الزانية، كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة، وذوات المحارم، فأين الناسخ والمنسوخ في هذا؟ انتهى
*****
وقال الأمير الصنعاني: في الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه، ولعل الوصف بالمجلود بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنى، وكذلك الرجل يحرم عليه أن يتزوج بالزانية التي ظهر زناها، وهذا الحديث موافق قوله تعالى:﴿وحرمَ ذلِكَ على المؤْمنين ﴾. (النور: 3).
إلا أن الأكثرُ من العلماء حمل الحديثَ والآيةَ على أن معنى: ﴿لا ينكح﴾ أى لا يرغب الزاني المجلود إلا في مثله، والزانية لا ترغب في نكاح غير العاهر، هكذا تأولوهما.
والذي يدل عليه الحديثُ والآية النهي عن ذلك لا الِإخبار عن مجرد الرغبة، وأنه يحرم نكاح الزاني العفيفةَ، والعفيفِ الزانيةَ، ولا أصرحَ من قوله:﴿ وحُرِّمَ ذلك على المُؤْمنين ﴾. أي: كاملي الإيمان الذين هم ليسوا بزناة، وإلا فإن الزاني لا يخرج عن مسمى الِإيمان عند الأكثر.[SUP] ([SUP][FONT="][11][/SUP])[/SUP][/FONT]
ومن عجيب الفقه ما قال ابن خويز منداد: مَن كان معروفاً بالزنى أو بغيره من الفسوق مُعْلِنا به، فتزوج إلى أهل بيت سِترٍ، وغرَّهم من نفسه، فلهم الخيار في البناء معه أو فراقه، وذلك كعيبٍ من العيوب، واحتج بقوله عليه السلام: "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله"، وقال: إنما ذكر المجلود لاستشهاده بالفسق، وهو الذي يجب أن يفرِّق بينه وبين غيره، فأما مَن لم يشتهر بالفسق، فلا.[SUP] ([SUP][FONT="][12][/SUP])[/SUP][/FONT]
ويكون النهى في الآية عاماً خصَّصه الحديث بالزاني المجلود أو المجاهر المعلن بالزنى.
****
****
****
وفي (القول الخامس) قال ابن كثير: هَذَا خَبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطأ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. أَيْ: لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ الزِّنَى إِلَّا زَانِيَةٌ عَاصِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ أخس منها، لَا تَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ: ﴿الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ ﴾. أَيْ: عَاصٍ بِزِنَاهُ، ﴿أَوْ مُشْرِكٌ ﴾. لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾. قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ، إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ، لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَقَدْ رُوي عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَيْضًا. وَقَدْ رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وعُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالضِّحَاكِ، وَمَكْحُولٍ، ومُقَاتِل بْنِ حَيَّان، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، نحوُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. أَيْ: تَعَاطِيهِ وَالتَّزْوِيجُ بِالْبَغَايَا، أَوْ تَزْوِيجُ الْعَفَائِفِ بِالْفُجَّارِ مِنَ الرِّجَالِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾. قَالَ: حَّرم اللَّهُ الزِّنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.[SUP] ([SUP][FONT="][13][/SUP])[/SUP][/FONT]
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ -ناقدا هذا الرأي-: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ وَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِأَمْرَيْن: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَيْنَمَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُرَدْ بِهَا إِلَّا مَعْنَى الْعَقْدِ.
وَالثَّانِي: فَسَادُ الْمَعْنَى وَأَدَاؤُهُ إِلَى قَوْلِكَ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ انْتَهَى.
ورد عليه أبو حيان فقال: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَخَذَهُ مِنَ الزَّجَّاجِ قَالَ: لَا يُعْرَفُ النِّكَاحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَفِي الْقُرْآنِ قوله تعالى:﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾. وَبَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي فَالْمَقْصُودُ بِهِ تَشْنِيعُ الزِّنَا وَتَشْنِيعُ أَمْرِهِ وَأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.[SUP] ([SUP][FONT="][14][/SUP])[/SUP][/FONT]
وَأما اختيار الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقد أَخَذَ قوله مِنَ الضَّحَّاكِ وَحَسَّنَهُ قال المعنى:
الْفَاسِقُ الْخَبِيثُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الزِّنَا، وَالْخُبْثُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِ الصَّوَالِحِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِي فَاسِقِةٍ خَبِيثَةٍ مِنْ شَكْلِهِ، أَوْ فِي مُشْرِكَةٍ. وَالْفَاسِقَةُ الْخَبِيثَةُ الْمُسَافِحَةُ كَذَلِكَ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا الصُّلَحَاءُ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْفِرُونَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ شَكْلِهَا مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَنِكَاحُ الْمُؤْمِنِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ اللَّهِ الزَّانِيَةَ وَرَغْبَتُهُ فِيهَا وَانْخِرَاطُهُ بِذَلِكَ فِي سِلْكِ الْفَسَقَةِ الْمُتَّسِمِينَ بِالزِّنَا مُحَرَّمٌ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْفُسَّاقِ، وَحُضُورِ مَوْقِعِ التُّهْمَةِ وَالتَّسَبُّبِ لِسُوءِ الْقَالَةِ فِيهِ وَالْغِيبَةِ وَأَنْوَاعِ الْمَفَاسِدِ وَمُجَالَسَةُ الْخَطَّائِينَ، كَمْ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِاقْتِرَافِ الْآثَامِ فَكَيْفَ بِمُزَاوَجَةِ الزَّوَانِي وَالْقِحَابِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.[SUP]([SUP][FONT="][15][/SUP])[/SUP][/FONT]
****
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّزْوِيجُ فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ عُمُومٌ فِي الزُّنَاةِ ثُمَّ نُسِخ.
أَوْ عُمُومٌ فِي الْفُسَّاقِ الْخَبِيثِينَ لَا يَرْغَبُونَ إِلَّا فِيمَنْ هُوَ شِكْلٌ لَهُمْ، وَالْفَوَاسِقِ الْخَبَائِثِ لَا يَرْغَبْنَ إِلَّا فِيمَنْ هُوَ شِكْلٌ لَهُنَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بهم، عَلَى مَا قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
أَوْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصٌ فِي قَوْمٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ زُنَاةً بِبَغَايَا فَأَرَادُوا تَزْوِيجَهُنَّ لِفَقْرِهِمْ وَإِيسَارِهِنَّ مَعَ بَقَائِهِنَّ عَلَى الْبِغَاءِ فنُهوا عن ذلك. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][16][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ: لخَّص الخلاف ولم يُفِدنا تحقيقاً في المسألة.
****
فهؤلاء نفرٌ من الصحابة ضيَّق عليهم الفقرُ، ورأوا في بعض النساء ملجأً يتزوجوهن فينفقْن عليهم، ولكن القرآن يعلِّم المؤمن عزة النفس والطهارة والتعالي عن مواضع الريبة والشبهة والوحل، فإذ كن أولئك النسوة من المشهورات بالفاحشة نهاهم القرآن عن نكاحهن، وشنَّع بذلك حرمةً عليهم.
جاء ذلك في لفظٍ عام ممهد يمتلأ بالتشنيع على الزنا وأهله ووجوب إقصائهم بعيدا عن المجتمع المؤمن ما داموا مصرين على الفاحشة وتعاطيها.
العجيب أن هذا اللفظ جاء بين الخبر المحض، وبين النهى الصريح، وهو ما يستلزم الجمع بين الأقوال في الآية [SUP]([SUP][FONT="][17][/SUP])[/SUP] من أجل تأطير منهج اجتماعي متكامل الأبعاد في تقبيح الزنا ونزع فتيله من المجتمع، والحفاظ على سلالة المؤمنين نقيةً خالصةً من كل شائبةٍ لوحل الرذيلة.[/FONT]
وتتجلى ههنا عبقرية الأسلوب القرآني المشترك بين الخبر والنهى ليوسِّع الإطار الدلالي للآية لتفرز هذا المنهج الفريد في البيان والتعبير.
فالزاني حين يزني لا يطاوعه في فاحشته إلا زانيةً أو أخس منها مشركة لا تؤمن بالله، وكذلك الزانية لا يطاوعها في فسادها إلا زانٍ او أخس منه مشرك، وكما يقال: (الطيور على أشكالها تقع).
وكذلك فإن الزاني لا ينبغي أن يرضى به زوجا أو يرغب فيه إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا ينبغي أن يرغب فيها أو يتزوجها إلا زانٍ مثلها. والرغبة في النكاح من زانيةٍ من مؤمن عالمٍ بالتحريم يجعله من أهل الزنا اعتباراً لميله للنجس، وكذلك الرغبة في نكاح الزاني من مؤمنةٍ يجعلها في خانة الزواني، وحُرِّم نكاح أهل الزنا المصرين عليه على المؤمنين.
وكل ذلك فهو في حق المصرين على هذه الفاحشة، أما من تاب منها أو ستره الله وأقلع عنها، فهو عموم قوله تعالى:﴿وأنكحوا الأيامي منكم ﴾.
هذا هو منهج التنقية للمجتمع المسلم من وباء الزنا بقطع كل الوشائج بين المصرين على هذه الفاحشة وبين المجتمع المؤمن الطاهر.
قال أحد العلماء: (وفي الآية إشارة إلى الحذر عن أخدان السوء، والحث على مخالطة أهل الصحبة والأخدان في الله تعالى، فإن الطبع من الطبع يسرق، والمقارنة مؤثرة، والأمراض سارية. وفي الحديث: "لا تسكنوا مع المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم وليس منا"؛ أي: لا تسكنوا مع المشركين في المسكن الواحد، ولا تجامعوا معهم في المجلس الواحد، حتى لا تسري إليكم أخلاقهم، وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة، وللناس أشكال، وكل يطير بشكله، وكل مساكن مثله، كما قال قائلهم:
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِيْنَهُ ... فَإِنَّ الْقَرِيْنَ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِيْ
فأما أهل الفساد فالفساد يجمعهم، وإن تناءت ديارهم، أما أهل السداد، فالسداد يجمعهم وإن تباعد مزارهم، ومن بلاغات الزمخشري "لا ترض لمجالستك إلا أهل مجانستك"؛ أي: لا ترض أن تكون جليس أحد من غير جنسك، فإنه العذاب الشديد ليس إلا. وجاء في مسائل الفقه أن من رأى نصرانية سمينة أو جميلة فتمنى أن يكون نصرانيًا ليتزوجها كفر، فعلى العاقل أن يصون نفسه بقدر الإمكان، فإن الله تعالى غيور ينبغي أن يخاف منه كل آنٍ. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][18][/SUP])[/SUP][/FONT]
*****
(1) ما ذكره الشيخ الشنقيطي قال: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي، أنه لا يجوز نكاح المرأة الحامل من الزنا قبل وضع حملها بل لا يجوز نكاحها، حتى تضع حملها. خلافا لجماعة من أهل العلم، قالوا: يجوز نكاحها وهي حامل، وهو مروي عن الشافعي وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن نكاح الرجل امرأة حاملا من غيره فيه سقي الزرع بماء الغير، وهو لا يجوز ويدل لذلك قوله تعالى:﴿ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾. (الطلاق: 4)، ولا يخرج من عموم هذه الآية إلا ما أخرجه دليل يجب الرجوع إليه، فلا يجوز نكاح حامل حتى ينتهي أجل عدتها، وقد صرح الله بأن الحوامل أجلهن أن يضعن حملهن، فيجب استصحاب هذا العموم، ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل من كتاب أو سنة.
(2) واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أن الزانية والزاني إن تابا من الزنا وندما على ما كان منهما ونويا أن لا يعودا إلى الذنب، فإن نكاحهما جائز، فيجوز له أن ينكحها بعد توبتهما، ويجوز نكاح غيرهما لهما بعد التوبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدل لهذا قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾. (الفرقان:68-70)، فقد صرح جل وعلا في هذه الآية أن الذين يزنون ومن ذكر معهم إن تابوا وآمنوا، وعملوا عملا صالحا يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهو يدل على أن التوبة من الزنا، تذهب أثره. فالذين قالوا: إن من زنا بامرأة لا تحل له مطلقا، ولو تابا وأصلحا فقولهم خلاف التحقيق، وقد وردت آثار عن الصحابة بجواز تزويجه بمن زنى بها إن تابا، وضرب له بعض الصحابة مثلا برجل سرق شيئا من بستان رجل آخر، ثم بعد ذلك اشترى البستان فالذي سرقه منه حرام عليه، والذي اشتراه منه حلال له، فكذلك ما نال من المرأة حراما فهو حرام عليه، وما نال منها بعد التوبة والتزويج حلال له، والعلم عند الله تعالى.
(3) واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية (قلتُ-مقيِّده: أى بعد توبتها، وإلا فالمصرة على الفاحشة فالزواج بها حرام)، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثا؛ لأنه إنما يتزوجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعا باتا بأن يراقبها دائما، فهو يستمتع بها، مع شدة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة. وقد علمت مما مر أن أكثر أهل العلم على جواز نكاح العفيف الزانية كعكسه، وأن جماعة قالوا بمنع ذلك. والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيده حديث: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، والعلم عند الله تعالى. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][19][/SUP])[/SUP][/FONT]
وقد قرأت للإمام أبي حامد الغزالي في هذا كلمات طيبة يقول فيها في أهم الصفات التي يجب مراعاتها في المراة عند الزواج: أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً ذَاتَ دِينٍ.
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَبِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الِاعْتِنَاءُ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةَ الدِّينِ فِي صِيَانَةِ نَفْسِهَا وَفَرْجِهَا أَزْرَتْ بِزَوْجِهَا، وَسَوَّدَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَجْهَهُ، وشوشت بالغيرة قلبه، وتتغص بِذَلِكَ عَيْشُهُ.
فَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ لم يزل في بلاء ومحنة، وَإِنْ سَلَكَ سَبِيلَ التَّسَاهُلِ كَانَ مُتَهَاوِنًا بِدِينِهِ وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة.
وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشد؛ إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها، ويكون كالذي جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقا:ل يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس (قلت-متأمله: يكني عن تساهلها في نفسها، وليس بالضرورة رميها بالزنا). قال: طلقها، فقال الرجل: إني أحبها.قال صلى الله عليه وسلم: أمسكها.
قال الغزالي: وإنما أمره بإمساكها خوفاً عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضاً معها فرأى ما في دوام نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى. انتهى [SUP]([SUP][FONT="][20][/SUP])[/SUP][/FONT]
قلتُ: (لا ترد يد لامس) في الحديث السابق يكني عن تساهلها في نفسها، وليس بالضرورة رميها بالزنا، واعتقد أنه لو كان صريحا في ريبته بها بالزنا؛ لما أفتاه رسول الله بإمساكها، وفي ذلك ضياع حميته ودينه، وصلوات الله عليه يربي المؤمنين على أشد من ذلك في أقل من هذا المعنى، وقيل إن معنى (لا ترد يد لامس) أي مبذرة لا تحفظ مالا، واختاره ابن الجوزي وأحمد والأصمعي. على أن هذا الحديث ابتداءً ليس بثابت كما قال النسائي وأحمد وهما مَن هما في نقد الحديث، فتنبه. [SUP]([SUP][FONT="][21][/SUP])[/SUP][/FONT]
وقال الإمام أحمد: (لا تمنع يد لامس) أى تعطي من ماله قيل له: فإن أبا عبيدة يقول من الفجور، قال: ليس لنا إلا أنها تعطي من ماله، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم -ليأمره بإمساكها وهي تفجر، وقال في "سبل السلام": ما معناه، قلت: الوجه الأول في غاية البعد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -لا يأمر الرجل أن يكون ديوثًا، والثاني لا يصح لأن التبذير لا يوجب أمره بطلاقها، فالأقرب أن المراد بها أنها سهلت الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة عن الأجانب، لا أنها تأتي الفاحشة وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة. انتهى[SUP] ([SUP][FONT="][22][/SUP])[/SUP][/FONT]
وإنما أطلت النفس في هذا الحديث لتعلقه بموضوعنا في سياق الحديث عن تنقية المجتمع وطهارته في سورة النور، وموضعه من هذه الآية، وذكر المفسرين له. والله المستعان.
****
[/FONT]
[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] وجدت لهذا الجمع بين الأقوال شاهدا من كلام شيخنا الشنقيطي رحمه الله بعد اختياري لرأيي هذا فحمدتُ الله تعالى إذ لم أكن فيه بِدعا. قال- رحمه الله وجزاه خيرا: هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعيّن أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته. [/FONT]
[FONT="]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 338)[/FONT]
[FONT="][3][/FONT][FONT="] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 65)[/FONT]
[FONT="][FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (19/ 96)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][5][/FONT][/FONT][FONT="] المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (2/ 715)[/FONT]
[FONT="][FONT="][6][/FONT][/FONT][FONT="] عون المعبود على سنن أبي داود وحاشية ابن القيم (6/ 34)، وانظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم.[/FONT]
[FONT="][FONT="][7][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 9)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][8][/FONT][/FONT][FONT="] انظر "المغني" لابن قدامة 9/562-564.[/FONT]
[FONT="][FONT="][9][/FONT][/FONT][FONT="] ولأن المقرر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصح نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضى على العام مطلقا، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخر، ومعلوم أن آية ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾، أعم مطلقا من آية: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾، فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين، وإنما يجوز ذلك على المقرر في أصول أبي حنيفة رحمه الله... راجع أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][10][/FONT][/FONT][FONT="] جاء في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 572) الحديث رقم 2444 -أخرجه أبو داود (1 / 321) والحاكم (2 / 166 و193) وأحمد (2 / 324) عن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للحاكم من طريق حبيب المعلم، قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب، فقال: ألا تعجب أن الحسن يقول: الزاني المجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله؟ فقال عمرو: وما يعجبك؟ حدثناه سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله بن عمرو ينادي بهذا ". وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][11][/FONT][/FONT][FONT="] "سبل السلام" 3/127-128[/FONT]
[FONT="][FONT="][12][/FONT][/FONT][FONT="] نقله القرطبي في تفسيره 12/171[/FONT]
[FONT="][FONT="][13][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 9) بتصرف يسير.[/FONT]
[FONT="][FONT="][14][/FONT][/FONT][FONT="] البحر المحيط في التفسير (8/ 10)[/FONT]
[FONT="][FONT="][15][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 211)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][16][/FONT][/FONT][FONT="] البحر المحيط في التفسير (8/ 11)[/FONT]
[FONT="][FONT="][17][/FONT][/FONT][FONT="] وجدت لهذا الجمع بين الأقوال شاهدا من كلام شيخنا الشنقيطي رحمه الله بعد اختياري لرأيي هذا فحمدتُ الله تعالى إذ لم أكن فيه بِدعا. قال- رحمه الله وجزاه خيرا: هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعيّن أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته. [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 117)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="][FONT="][18][/FONT][/FONT][FONT="] تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (19/ 218)[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="][FONT="][19][/FONT][/FONT][FONT="] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (27/ 120)[/FONT]
[FONT="][FONT="][20][/FONT][/FONT][FONT="] إحياء علوم الدين (2/ 37)[/FONT]
[FONT="][FONT="][21][/FONT][/FONT][FONT="] روى الحديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -قال: «جاء رجل إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن امرأتي لا تَرُدّ يَدَ لامِسٍ، قال: غَرِّبْها، قال: أخاف أن تَتْبَعُها نفسي، قال: فاستمتِعْ بها». أخرجه أبو داود والنسائي، وقال النسائي: رفعه أحد الرواة إلى ابن عباس وأحَدُهُمْ لم يرفعه، قال: وهذا الحديث ليس بثابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب. [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وقد ضعفه كذلك العراقي وابن الجوزي وغيرهما وصححه غير واحد ومنهم الشيخ الألباني في صحيح أبي داود والنسائي، والحق أنه قال فيه: صحيح الإسناد، ولم يدرسه في المشكاة، ومن المعلوم أن صحة الاسناد لا تدل على صحة الحديث، وهو معنى قول النسائي وأحمد: أنه ليس بثابت.[/FONT]
[FONT="] . [/FONT][FONT="]قال الشيخ الأرناؤوط رحمه الله: ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره في أول تفسير سورة النور، وجود إسناده ثم قال: وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له كما تقدم عن النسائي، ومنكر كما قال الإمام أحمد: هو منكر، وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ط العلمية (3/ 486) حول الحديث وتفسيره.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وللاختلاف في معنى (لا ترد يد لامس) انظر أيضا [/FONT][FONT="]البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير[/FONT][FONT="] لابن الملقن (8/ 181).[/FONT]
[FONT="][FONT="][22][/FONT][/FONT][FONT="] فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، [/FONT][FONT="]الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي الصنعاني (المتوفى: 1276هـ)[/FONT][FONT="]، (3/ 1437)[/FONT]
[FONT="] [/FONT]