من كنوز السعدي

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال تعالى في سورة النور :{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)}
قال السعدي رحمه الله :
{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ } امتثلوا، كان حظكم وسعادتكم وإن { تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } من الرسالة، وقد أداها.
{ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } من الطاعة، وقد بانت حالكم وظهرت، فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب. { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } إلى الصراط المستقيم، قولا وعملا فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو محال.
{ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أي: تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد شكا ولا شبهة، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، بلغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرسول ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته.
 
قال تعالى في سورة النور :{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
قال السعدي رحمه الله :
هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل.
فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح.
{ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ } التمكين والسلطنة التامة لكم، يا معشر المسلمين، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } الذين خرجوا عن طاعة الله، وفسدوا، فلم يصلحوا لصالح، ولم يكن فيهم أهلية للخير، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره، وعدم وجود الأسباب المانعة منه، يدل على فساد نيته، وخبث طويته، لأنه لا داعي له لترك الدين إلا ذلك. ودلت هذه الآية، أن الله قد مكن من قبلنا، واستخلفهم في الأرض، كما قال موسى لقومه: { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } وقال تعالى: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ }
 
قال تعالى في سورة النور :{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) }
قال أبو السعود رحمه الله :
{ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة } عطفٌ على مقدَّرٍ ينسحبُ عليه الكلامُ ويستدعيهِ النِّظامُ فإنَّ خطابَه تعالى للمأمورينَ بالطَّاعةِ على طريقِ التَّرهيبِ من التَّولِّي بقوله تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } الخ ، وترغيبَه تعالى إيَّاهم في الطَّاعة بقوله تعالى : { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } الخ ، ووعدَه تعالى إيَّاهم على الإيمان والعملِ الصَّالحِ بما فُصِّل من الاستخلافِ وما يتلُوه من الرَّغائبِ الموعُودةِ ووعيدَه على الكفرِ ممَّا يوجبُ الأمرَ بالإيمانِ والعملِ الصَّالحِ والنَّهيِ عن الكُفر فكأنَّه قيل : فآمِنُوا واعملُوا صالحاً وأقيمُوا أو فلا تكفرُوا وأقيمُوا ، وعطفُه على أطيعُوا الله مما لا يليقُ بجزالةِ النَّظمِ الكريمِ { وَأَطِيعُواْ الرسول } أمرهم الله سبحانه وتعالى بالذَّاتِ بما أمرَهم به بواسطة الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من طاعتِه التي هي طاعتُه تعالى في الحقيقة تأكيداً للأمرِ السَّابقِ وتقريراٌ لمضمونه على أنَّ المرادَ بالمُطاع فيه جميعُ الأحكامِ الشَّرعيةِ المنتظمةِ للآداب المرضيَّةِ أيضاً أي وأطيعُوه في كلِّ ما يأمرُكم به وينهاكم عنه أو تكميلاً لما قبله من الأمرينِ الخاصَّينِ المتعلِّقينِ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ على أنَّ المرادَ بما ذُكر ما عداهما من الشَّرائعِ أي وأطيعُوه في سائر ما يأمرُكم به الخ ، وقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } متعلِّقٌ على الأوَّلِ بالأمرِ الأخيرِ المُشتمل على جميعِ الأوامرِ وعلى الثَّانِي بالأوامرِ الثَّلاثةِ أي افعلُوا ما ذُكر من الإقامةِ والإيتاءِ والإطاعةِ راجينَ أنْ تُرحموا .
قال السعدي رحمه الله :
يأمر تعالى بإقامة الصلاة، بأركانها وشروطها وآدابها، ظاهرا وباطنا، وبإيتاء الزكاة من الأموال التي استخلف الله عليها العباد، وأعطاهم إياها، بأن يؤتوها الفقراء وغيرهم، ممن ذكرهم الله لمصرف الزكاة، فهذان أكبر الطاعات وأجلهما، جامعتان لحقه وحق خلقه، للإخلاص للمعبود، وللإحسان إلى العبيد، ثم عطف عليهما الأمر العام، فقال: { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } { لَعَلَّكُمْ } حين تقومون بذلك { تُرْحَمُونَ } فمن أراد الرحمة، فهذا طريقها، ومن رجاها من دون إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الرسول، فهو متمن كاذب، وقد منته نفسه الأماني الكاذبة.
{ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ } فلا يغررك ما متعوا به في الحياة الدنيا، فإن الله، وإن أمهلهم فإنه لا يهملهم { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ }.
ولهذا قال هنا: { وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي: بئس المآل، مآل الكافرين، مآل الشر والحسرة والعقوبة الأبدية.
 
عودة
أعلى