خالد سعد النجار
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
أحداث تموج بالعالم، نظريات تسقط وأخرى تولد، وهذا يقيم التاريخ وذاك يفلسف الأحداث، تجد الحكمة أحيانا والتهور أحايين أخرى.. ومن بين هذا الحراك الضخم تبرز تحليلات راقية وأفكار جوهرية آثرت أن أجمعها في عقد فريد، حباته أشبه بمحطات نحتاج أن نقف عندها كثيرا لنستقي منها العبرة ويتولد عندها الهدف .. إنه العالم الغريب الذي أتعب البشر وأتعبوه معهم، فهل من معتبر، وهل من مستفيد.
التاريخ يعيد نفسه
الآيات الربانية لا تتغير، والسنن الكونية لا تتبدل، وكما يقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي “كما أن الشمس تشرق من جهة الشرق، وتغرب من جهة الغرب، بشكل متتابع، فإن التاريخ يعيد نفسه” في دورات أشبه بالشروق والغروب، في تمثيل لفترات قوة الأمة أو ضعفها.
لكن دائما ما يأتي شروق الشمس بعد عتمة ليل داكن شديد السواد، فالإسلام انتشر في شبه الجزيرة العربية بعد تفشي الجهل والشرك بها، وعمر بن الخطاب أسلم في مشهد عجيب، بعد أن قيل عنه “لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر بن الخطاب”، وفي ذات الوقت الذي اشترى فيه ملوك غرناطة الدنيا، استعاد العثمانيون القسطنطينية. [حقيقة الاستعمال والاستبدال، خلود المنشاوي]
تجزئة الوحي
العلمانيون، الليبراليون، التنويريون، اليساريون .. لقد وجدت هذا المنظار التأويلي (تجزئة الوحي) يزودنا بإجابة منطقية وعقلانية تفسر لنا أغلب قسمات تلك التيارات:
فالعلمانيون يحتفون كثيرا بنصوص «ابتناء العلوم المدنية على الاجتهاد البشري» ولذلك لا تجد علمانيا إلا ويحفظ عن ظهر قلب حديث تأبير النخل (أنتم أعلم بأمر ديناكم) لكنهم ينفرون من نصوص تحكيم الشريعة في الأمور المنصوصة.
فتجده أخذ بعض الشريعة وترك بعضها، ونتيجة لكونه أخذ بعض الشريعة يضع لنفسه راحة ضمير بأنه ولله الحمد منتسب للإسلام، وأنه ليست المشكلة في الإسلام، وإنما في الإسلاميين الرجعيين.
الليبراليون .. تجدهم يحفلون كثيرا بأي نصوص شرعية تتحدث عن الحريات العامة، ومشاركة المرأة في المجتمع، لكنهم يتبرمون بأي نصوص شرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو معاقبة المخالف للشريعة، أو أي نص قرآني في إقصاء المخالف.
وتجدهم حين يبثون تباريحهم بين بعضهم يقولون لأنفسهم: نحن معجبون جدا بالإسلام، والإسلام دين حضاري لكن المشكلة في الإسلاميين الإقصائيين.
التنويريون .. تجدهم كثيرا يتغنون بنصوص العمران المادي للدنيا، واستفادة النبي -صلى الله عليه وسلم- مما عند الأمم الأخرى، ولا تجد تنويريا إلا وهو يبدأ حديثه ويختمه بآية {واستعمركم فيها} لكنهم يتضايقون من نصوص تعظيم التوحيد .. توحيد الشعائر وتوحيد التشريع، وأنه أعظم المطالب الإلهية، ونصوص التزهيد في الدنيا بالنسبة للآخرة.
فإذا تحدثوا عن الإسلام قالوا الإسلام دين حضارة ولا مشكلة فيه وإنما المشكلة في العقلية السلفية المتحجرة.
اليساريون .. يشعرون بنشوة حقيقية حين تتلى عليهم آيتي الشورى، وآيات مقاومة موسى لاستبداد فرعون، وإنكار شعيب على قومه مظالم الأموال، وكل اليساريين ينقلبون محدثين نيسابوريين يروم لك حديث: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)
لكنهم ينفرون نفورا شديد من النصوص المعظمة للعقيدة، والفروع الفقهية، ويرون فيها تشتيتا للتركيز على القضايا الحيوية، للمجتمع، وتتنغص سعادتهم إذا سمعوا آية {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ويتهكمون ببجاحة مدهشة على أحاديث البخاري ومسلم في تحريم الخروج المسلح، ووجوب الطاعة بالمعروف.
فانظر كيف أن العلمانيين اختزلوا الإسلام في (حرية الاجتهاد المدني) والليبراليين اختزلوا الإسلام في (الحريات العامة)، والتنويريين اختزلوا الإسلام في (قضايا الحضارة والعلوم المدنية) واليساريين اختزلوا الإسلام في (الاحتجاج السياسي). [عن كتاب: سلطة الثقافة الغالبة، لإبراهيم السكران، بتصرف]
قد بدت البغضاء من أفواههم
يقول ويليام جيفورد: “متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب، يمكننا أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضـارة.”
يقول المنصّر الأمريكي (روبرت ماكس): “لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة”
يقول دورتي: “وأنا شخصياً لا أرضى أن أقضي خمس دقائق من حياتي في منطقة الشرق الأوسط وأعلم في مدرسة ما لم يكن التنصير والتبشير بالديانة المسيحية من صميم المنهج.”
“إنّ الغزو العسكري لا يكفي لهزيمة المسلمين، لكن لابد من غزو عقيدتهم” لويس التاسع
في عام 1941م قام كارثون وزوجته بزيارة إلى الإحساء بالسعودية وقال: “إننا نضع الأسس الصلبة للحصول على موضع قدم لنا في الصحراء الداخلية، وفي واحدة من هذه الرحلات مستقبلًا سنحصل على الإذن الذي نريده لبناء أول صرح تنصيري في معقل الإسلام.”
يقول زويمر في مؤتمر القدس 1935م :“إنّ مهمة التبشير التي ندبتكم الدول المسيحية للقيام بهـا في الدول المحمدية ليست إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإنّ ذلك هدايةً لهم وتكريمـًا! وإنما أن تخرجوا المُسلم من الإسـلام فيصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، ولا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليهـا الأمم في حياتها، ولهذا تكونون أنتم بعملكم طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.”
د/ خالد سعد النجار
[email protected]
أحداث تموج بالعالم، نظريات تسقط وأخرى تولد، وهذا يقيم التاريخ وذاك يفلسف الأحداث، تجد الحكمة أحيانا والتهور أحايين أخرى.. ومن بين هذا الحراك الضخم تبرز تحليلات راقية وأفكار جوهرية آثرت أن أجمعها في عقد فريد، حباته أشبه بمحطات نحتاج أن نقف عندها كثيرا لنستقي منها العبرة ويتولد عندها الهدف .. إنه العالم الغريب الذي أتعب البشر وأتعبوه معهم، فهل من معتبر، وهل من مستفيد.
التاريخ يعيد نفسه
الآيات الربانية لا تتغير، والسنن الكونية لا تتبدل، وكما يقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي “كما أن الشمس تشرق من جهة الشرق، وتغرب من جهة الغرب، بشكل متتابع، فإن التاريخ يعيد نفسه” في دورات أشبه بالشروق والغروب، في تمثيل لفترات قوة الأمة أو ضعفها.
لكن دائما ما يأتي شروق الشمس بعد عتمة ليل داكن شديد السواد، فالإسلام انتشر في شبه الجزيرة العربية بعد تفشي الجهل والشرك بها، وعمر بن الخطاب أسلم في مشهد عجيب، بعد أن قيل عنه “لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر بن الخطاب”، وفي ذات الوقت الذي اشترى فيه ملوك غرناطة الدنيا، استعاد العثمانيون القسطنطينية. [حقيقة الاستعمال والاستبدال، خلود المنشاوي]
تجزئة الوحي
العلمانيون، الليبراليون، التنويريون، اليساريون .. لقد وجدت هذا المنظار التأويلي (تجزئة الوحي) يزودنا بإجابة منطقية وعقلانية تفسر لنا أغلب قسمات تلك التيارات:
فالعلمانيون يحتفون كثيرا بنصوص «ابتناء العلوم المدنية على الاجتهاد البشري» ولذلك لا تجد علمانيا إلا ويحفظ عن ظهر قلب حديث تأبير النخل (أنتم أعلم بأمر ديناكم) لكنهم ينفرون من نصوص تحكيم الشريعة في الأمور المنصوصة.
فتجده أخذ بعض الشريعة وترك بعضها، ونتيجة لكونه أخذ بعض الشريعة يضع لنفسه راحة ضمير بأنه ولله الحمد منتسب للإسلام، وأنه ليست المشكلة في الإسلام، وإنما في الإسلاميين الرجعيين.
الليبراليون .. تجدهم يحفلون كثيرا بأي نصوص شرعية تتحدث عن الحريات العامة، ومشاركة المرأة في المجتمع، لكنهم يتبرمون بأي نصوص شرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو معاقبة المخالف للشريعة، أو أي نص قرآني في إقصاء المخالف.
وتجدهم حين يبثون تباريحهم بين بعضهم يقولون لأنفسهم: نحن معجبون جدا بالإسلام، والإسلام دين حضاري لكن المشكلة في الإسلاميين الإقصائيين.
التنويريون .. تجدهم كثيرا يتغنون بنصوص العمران المادي للدنيا، واستفادة النبي -صلى الله عليه وسلم- مما عند الأمم الأخرى، ولا تجد تنويريا إلا وهو يبدأ حديثه ويختمه بآية {واستعمركم فيها} لكنهم يتضايقون من نصوص تعظيم التوحيد .. توحيد الشعائر وتوحيد التشريع، وأنه أعظم المطالب الإلهية، ونصوص التزهيد في الدنيا بالنسبة للآخرة.
فإذا تحدثوا عن الإسلام قالوا الإسلام دين حضارة ولا مشكلة فيه وإنما المشكلة في العقلية السلفية المتحجرة.
اليساريون .. يشعرون بنشوة حقيقية حين تتلى عليهم آيتي الشورى، وآيات مقاومة موسى لاستبداد فرعون، وإنكار شعيب على قومه مظالم الأموال، وكل اليساريين ينقلبون محدثين نيسابوريين يروم لك حديث: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)
لكنهم ينفرون نفورا شديد من النصوص المعظمة للعقيدة، والفروع الفقهية، ويرون فيها تشتيتا للتركيز على القضايا الحيوية، للمجتمع، وتتنغص سعادتهم إذا سمعوا آية {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ويتهكمون ببجاحة مدهشة على أحاديث البخاري ومسلم في تحريم الخروج المسلح، ووجوب الطاعة بالمعروف.
فانظر كيف أن العلمانيين اختزلوا الإسلام في (حرية الاجتهاد المدني) والليبراليين اختزلوا الإسلام في (الحريات العامة)، والتنويريين اختزلوا الإسلام في (قضايا الحضارة والعلوم المدنية) واليساريين اختزلوا الإسلام في (الاحتجاج السياسي). [عن كتاب: سلطة الثقافة الغالبة، لإبراهيم السكران، بتصرف]
قد بدت البغضاء من أفواههم
يقول ويليام جيفورد: “متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب، يمكننا أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضـارة.”
يقول المنصّر الأمريكي (روبرت ماكس): “لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة”
يقول دورتي: “وأنا شخصياً لا أرضى أن أقضي خمس دقائق من حياتي في منطقة الشرق الأوسط وأعلم في مدرسة ما لم يكن التنصير والتبشير بالديانة المسيحية من صميم المنهج.”
“إنّ الغزو العسكري لا يكفي لهزيمة المسلمين، لكن لابد من غزو عقيدتهم” لويس التاسع
في عام 1941م قام كارثون وزوجته بزيارة إلى الإحساء بالسعودية وقال: “إننا نضع الأسس الصلبة للحصول على موضع قدم لنا في الصحراء الداخلية، وفي واحدة من هذه الرحلات مستقبلًا سنحصل على الإذن الذي نريده لبناء أول صرح تنصيري في معقل الإسلام.”
يقول زويمر في مؤتمر القدس 1935م :“إنّ مهمة التبشير التي ندبتكم الدول المسيحية للقيام بهـا في الدول المحمدية ليست إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإنّ ذلك هدايةً لهم وتكريمـًا! وإنما أن تخرجوا المُسلم من الإسـلام فيصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، ولا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليهـا الأمم في حياتها، ولهذا تكونون أنتم بعملكم طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.”
د/ خالد سعد النجار
[email protected]