أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة ظهور بعض الزنادقة والمرتدين هذه الأيام، وكثرة الحديث عنهم، وإعلان بعضهم للتوبة؛ فإني أنقل هنا كلاما محررا مهما للإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه القيّم "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، حيث قال:
( .. وأيضا فإن الله تعالى سن في المحاربين أنهم إن تابوا من قبل القدرة عليهم قبلت توبتهم، ولا تنفعهم التوبة بعد القدرة عليهم، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه؛ فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان، فهو أولى ألا تقبل توبته بعد القدرة عليه، وهذا بخلاف الكافر الأصلي؛ فإن أمره كان معلوما، وكان مظهرا لكفره غير كاتم له، والمسلمون قد أخذوا حذرهم منه، وجاهروه بالعداوة والمحاربة، وأيضا فإن الزنديق هذا دأبه دائما، فلو قبلت توبته لكان تسليطا له على بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد وكلما قدر عليه أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه، ولا سيما وقد علم أنه أمن بإظهار الإسلام من القتل، فلا يزعه خوفه من المجاهرة بالزندقة والطعن في الدين ومسبة الله ورسوله فلا ينكف عدوانه عن الإسلام، إلا بقتله، وأيضا فإن من سب الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، فجزاؤه القتل حدا، والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقا، ولا ريب أن محاربة هذا الزنديق لله ورسوله وإفساده في الأرض أعظم محاربة وإفسادا، فكيف تأتي الشريعة بقتل من صال على عشرة دراهم لذمي أو على بدنه ولا تقبل توبته ولا تأتي بقتل من دأبه الصول على كتاب الله وسنة رسوله والطعن في دينه وتقبل توبته بعد القدرة عليه؟ وأيضا فالحدود بحسب الجرائم والمفاسد، وجريمة هذا أغلظ الجرائم، ومفسدة بقائه بين أظهر المسلمين من أعظم المفاسد.
وها هنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به؛ لأنه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر إنما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه، ولهذا اتفق الناس على أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدول، وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها، وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل أن يقول لمن هو أسن منه " هذا ابني " لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا، وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهي والعموم والقياس إنما يجب اتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها.
وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقدحه فيه؛ فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا، وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة؛ فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته، ولا يخفى على المنصف قوة هذا النظر وصحة هذا المأخذ، وهذا مذهب أهل المدينة ومالك وأصحابه والليث بن سعد، وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة، وهو إحدى الروايات عن أحمد نصرها كثير من أصحابه، بل هي أنص الروايات عنه، وعن أبي حنيفة وأحمد أنه يستتاب، وهو قول الشافعي، وعن أبي يوسف روايتان؛ إحداهما: أنه يستتاب، وهي الرواية الأولى عنه، ثم قال آخرا: أقتله من غير استتابة، لكن إن تاب قبل أن يقدر عليه قبلت توبته، وهذا هو الرواية الثالثة عن أحمد
ويا لله العجب، كيف يقاوم دليل إظهاره للإسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالإسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع؟ مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الأدلة؟ ولا ينبغي لعالم قط أن يتوقف في قتل مثل هذا، ولا تترك الأدلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانها، ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب.
نعم لو أنه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الأقوال والأعمال ما يدل على حسن الإسلام وعلى التوبة النصوحة، وتكرر ذلك منه، لم يقتل كما قاله أبو يوسف وأحمد في إحدى الروايات. وهذا التفصيل أحسن الأقوال في المسألة.) انتهى كلامه.وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقدحه فيه؛ فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا، وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة؛ فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته، ولا يخفى على المنصف قوة هذا النظر وصحة هذا المأخذ، وهذا مذهب أهل المدينة ومالك وأصحابه والليث بن سعد، وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة، وهو إحدى الروايات عن أحمد نصرها كثير من أصحابه، بل هي أنص الروايات عنه، وعن أبي حنيفة وأحمد أنه يستتاب، وهو قول الشافعي، وعن أبي يوسف روايتان؛ إحداهما: أنه يستتاب، وهي الرواية الأولى عنه، ثم قال آخرا: أقتله من غير استتابة، لكن إن تاب قبل أن يقدر عليه قبلت توبته، وهذا هو الرواية الثالثة عن أحمد
ويا لله العجب، كيف يقاوم دليل إظهاره للإسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالإسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع؟ مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الأدلة؟ ولا ينبغي لعالم قط أن يتوقف في قتل مثل هذا، ولا تترك الأدلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانها، ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب.
السبت 3 ربيع الثاني 1433