فضيلة الشيخ : هل يشترط في الأذان النية ، وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب :
بسم الله . الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛ أمًا بعد :
فإنً الأذان تجب فيه النية إن كان واجبا ، الأذان له حالتان طبعا هو من حيث الأصل كشعار للبلد واجب وقد أمر به النًبي - r - للجماعة ، ولذلك لا يصح إلا بنية ، فإن حصل الإجزاء بالمساجد ، واستفضل المسجد غير الواجب يكون مستحبًا فيه تبعا للأصل ، ولكنه من ناحية العبادة والقربة لا يكون إلًا بنية . والله تعالى أعلم .
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ : ما حكم صلاة الجنازة في المقبرة . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
الأصل أنص الجنائز يصلّى عليها خارج المقبرة ، ورخًص بعض العلماء أن يصلّى عليها من فاتته في المقبرة ، وقالوا إن النّبي - r - صلّى على المرأة المقبورة ، ولكن الصلاة على الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود ، ليست كالصلاة العادية ، فهذا لا يقدح في النهي الذي تقدم معنا ، وكان بعض مشايخنا يمنع ، ويقول : لا يصلّى على الجنازة داخل القبر؛ لأنّ النهي عامّ عن الصلاة في القبور، وهذا شامل لصلاة الجنازة وغيرها ، ولأنّها تسمّى صلاة، والاحتياط في هذا لا شكّ أنه أسلم . والله تعالى أعلم .
السؤال الثالث :
فضيلة الشيخ : من صلّى في طريق الناس في المسجد : الأماكن التي يمشي فيها الناس فهل له حرمة أم تقطع صلاته . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
كان بعض السلف يشدّد في هذا ، حتىّ إن ابن المسيب - رحمه الله - كان يقول سعيد بن المسيب الإمام من أئمة التابعين - رحمه الله برحمته الواسعة - كان يقول : إنّه لا حرمة لهم ، يعني الذين يصلّون في أبواب المساجد عند فراغ المساجد من داخلها ، فيأتون يصلّون كان يسقط حرمتهم ، وهو قول بعض العلماء - رحمهم الله - ، ولكن على المسلم أن يكون ورعا ، وأن يحتاط لدينه ، فإذا أخطأ غيرك لا يحملك ذلك على الخطأ ، ومعصية النّبي - r - بالمرور بين يدي المصلّي ، ألا ترى أنّ النّبي - r - قال : (( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك )) فإذا كان هذا في حقّك الذي يضيع وقد أساء ، فمن باب أولى في حقّ الله - U - ، فإساءة الغير لا تدعونا إلى الإساءة ، ولذلك لا يجوز أن يمرّ بين يدي إنسان يصلّي سواء كان في مدخل المسجد أو غيره . والله تعالى أعلم .
السؤال الرابع :
فضيلة الشيخ : ما حكم الصلاة فوق سطح الحمّام والحشّ . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
اختلف العلماء في هذه المسألة ، من حيث الأصل أنّ سطح الشيء يأخذ حكمه ، لكن ظهر وتبيّن أنّه إذا كان الأمر متعلّقا بموضع في المكان لم يأخذ الأعلى حكم الأسفل ، إذا تعلّق بالمكان نفسه مثل الحشّ ودورة المياه فإن النهي للنجاسة ، وإذا صلّى على السطح وجد الحائل ، ومن هنا فرّق بين ما يكون المعنى فيه في الموضع ، ويختصّ الحكم به ، وبين ما لا يكون المعنى فيه - أي الذي يكون الحكم فيه متعلّقاً بالشيء ، فإنّه يشمل أعلاه وأسفله ، فأنت إذا أردت أن تطوف بالبيت تطوف بالدور الأوّل وتطوف بالدور الثاني ، وإذا اعتكفت في المسجد يجوز لك أن تصعد إلى سطحه ؛ لأنّ أعلاه وأسفله واحد ، وقد دلّت السنّة على أنّ أعلى الشيء آخذ حكم أسفله ، وأنّ أسفله آخذ حكم أعلاه ؛ ولذلك قال : (( من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أراضين )) فجعل الأسفل تابعا للأعلى ، ومن هنا يفرّق بين ما يقصد فيه الموضع وما لا يقصد فيه الموضع ، وظهر لنا أخيرا أنّ الحمّام ودورات المياه يقصد بها المكان بعينه ، ولذلك إذا وجد الحائل أو صلّى على سطحها الأشبه أنّها لا يحكم ببطلان الصلاة ولكن الورع أن لا يفعل ذلك . والله تعالى أعلم .
السؤال الخامس :
سماحة الشيخ هذا سائل يقول: توفيت والدتي وتركت الذهب الذي لها منذ عشر سنين ، ولم أدر هل عليه زكاة أم لا فما الحكم . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
هناك ملاحظتان : الأول : سماحة الشيخ ، هذا للعلماء الكبار، هذا مصطلح يعني ينبغي أن يناط بالأئمة والعلماء الذين عرف تقدمهم في العلم وتبرزهم . أنا عبد، حقير، فقير، ضعيف، لا تضعوني في غير موضعي، علامة! سماحة الشيخ! والله لو حاسبنا الله وأقسم بالله يمينا أسأل عنها بين يدي الله ، لو حاسبنا الله عن كلمة شيخ لكنا من الهالكين .
ثانيا : لا يقتلنا الإنسان بالغرور، ولا يغتر الإنسان بشيخه أو بمن يطلب على يده ، هذه أمانة ومسؤولية،كلمة ثقيلة عظيمة ،كلمة سماحة ، علامة ، إذا كان الشيخ ابن إبراهيم - رحمة الله عليه رحمه الله برحمته الواسعة - يقول الوالد - رحمه الله - : ما رأيت عالما ملأ عيني علما وعملا مثل الشيخ ابن إبراهيم ، وكان آية من آيات الله في : العلم ، والعمل ، والورع ، والقوة في الحق ، ومع هذا موجود كتابه ،كان يستثقل ويستكثر أن يقال له : سماحة، وهو - والله - في جلالته وعلمه وفضله أهل للسماحة ، وفي كرمه وفضله ونبله ،كان آية من آيات الله بالكرم والجود والإحسان والبر بطلاب العلم وأهل العلم - نسأل الله برحمته الواسعة ، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء - ، وإذا كان هذا الإمام العالم يستكثر على نفسه هذا ، وهو أهل لذلك ، وأوصي طلاب العلم أن يتقوا الله في مشايخهم ، وفيمن يطلبون على أيديهم العلم .
إنه لا يليق بالمسلم إلّا النصيحة ، ومن النصيحة : أنّه إذا استفاد من علم العالم أن لا يقتله ، من مدح الناس في وجوههم قتلهم ، ومن أثنى عليهم وزكّاهم فوق قدرهم أهلكهم ، فعليه أن يتّقي الله - U - إذا دنا الخير من العالم أن لا يورده الموارد ، وأن يضعه في نفسه هذا تنبيه عامّ ، ونسأل الله بعزّته وجلاله أن يجبر كسرنا ، وأن يرحم ضعفنا ، وأن لا يغرّنا بما يظن الناس فينا ويقولون .
الأمر الثاني : بالنسبة للذّهب المسئول عنه ، هذا فيه تفصيل : من حيث الأصل لا نحكم بأنّه تجب فيه الزكاة إلّا إذا تبيّن أن الأمّ لم تكن تزكّي ، وإذا تبيّن أنّ الأمّ لم تكن تزكّي يشترط أن لا تكون تعتقد وجوب الزكاة ، فإذا سألت عالما وأسقط الزكاة في الحلي ، وقال : الحلي لا زكاة فيه ، وهو قول الجمهور - رحمهم الله - ، والصحيح أنه تجب فيه الزكاة ؛ لأنّ حديث : (( ليس للحلي زكاة )) من رواية أيّوب بن عافية وهو ضعيف، والأصل وجوبها ، وحديث المسكتان واضح في الدلالة على الوجوب ، فإذًا هناك شرطان : الشرط الأول : أن تكون الأمّ لا تعتقد وجوب الزكاة ، فإذا كانت لا تعتقد وجوب الزكاة أو سألت علماء أو من بيئة يعرف فيها أنّهم لا يزكون ؛ لأنّ علماءهم ومشايخهم على ذلك لم تجب عليكم الزكاة ؛ لأنّكم تؤدّونها قضاءً ، وهي لم تثبت أداء حتى تؤدّى قضاء ، فإذا ثبت أنّ الأمّ كانت تعتقد وجوب الزكاة ينبغي أن تتأكّدوا أنهّا لم تخرج الزكاة، وأمّا شّك نقول إنهّا توفيّت وعندها حلي ما تؤدي زكاتها هذا ما يوجب الزكاة ؛ لأنّ الأصل في المسلم أنّه قائم بحقوق الله - U - حتى نتأكّد أنّه قصّر، ولذلك لا يوجب عليكم القضاء إلّا على هذين الوجهين اللّذين ذكرناهما، والله تعالى أعلم .
السؤال السادس :
فضيلة الشيخ : بعد انتهائي من أداء العمرة هل يجوز لي أن أقوم بأداء العمرة لوالدي في نفس اليوم بعد ذهابي للإحرام مرة أخرى من مسجد التنعيم . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
إذا كان الإنسان يريد أن يؤدّي العمرة عن والده أو قريبه أو متوفىّ لم يؤدّ العمرة وأراد أن يعتمر عنه ، فيؤدّي العمرة عن نفسه أوّلا ، فإذا أدّى العمرة عن نفسه ، وعنَّ له أن يعتمر عن قريبه أو أقربائه فلا بأس أن يخرج إلى التنعيم أو إلى أدنى الحلّ ، ما يشترط التنعيم ؛ لأنّ العبرة أن يخرج إلى خارج حدود الحرم ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : (( والله ، ما ذكر التنعيم ولا غيره )) ، لأنّ المراد أن يخرج إلى حدود الحلّ حتىّ يجمع في عمرته بين الحلّ والحرم ،كما أنّ الحاجّ يخرج إلى عرفات فيجمع بين الحلّ والحرم في حجّه ، والعمرة هي الحجّ الأصغر، ومن هنا يجب على من اعتمر من مكّة أن يخرج إلى أدنى الحلّ بقول جماهير السلف والخلف ، ويشترط أن لا تمرّ بالميقات وأنت ناو عمرتين ، فإن مررت بالميقات ناويا العمرة عنك وعن والدك أو عن قريب أو عن متوفىّ ؛ فإنك إذا أدّيت عمرتك ، لزمك أن ترجع إلى الميقات لأداء العمرة الثانية ؛ لأنك مررت بالميقات مصاحبا للنيتين فلزمك الإحرام بالثانية كما لزمك الإحرام بالأولى؛ لعموم قوله: (( ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحجّ والعمرة)) فلذلك ترجع إلى الميقات وتحرم منه . أما لو طرأ عليك في مكّة ؛ فإنّك تخرج إلى التنعيم وتعتمر، ولا بأس أن تعتمر عنك ، وعن والدك ، وعن قريبك الذي توفيّ خاصّة الذين يأتون من الخارج يصعب عليهم أن يرجعوا مرّة ثانية ، فلو أنّه اعتمر عنه عن أبيه الذي لم يعتمر أو عن أمّه الّتي لم تعتمر وكرّر ثلاث عمرات أو أربع عمرات بالسبب والموجب فلا بأس بذلك ولا حرج ، ولا دليل على التأقيت بين العمرتين . والله تعالى أعلم .
السؤال السابع :
فضيلة الشيخ : ما حكم الصلاة في المجزرة . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
المجزرة فيها الدم المسفوح ؛ ولذلك بيّن الله - U - أنّ الدم المسفوح وهو الذي يخرج عند الذكاة أو بغير ذكاة كالنزيف أنّه نجس كما قدّمنا في آية الأنعام : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهلّ به لغير الله } فقوله : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } فبين أن الدم المسفوح رجس ، والرجس هو النجس ، ومن هنا أخذ العلماء - رحمهم الله - أنّ قوله تعالى : { إّنما الخمر والميسر والأنصاب } قالوا إنّها نجسة ، الخمر والأنصاب نجسة، والميسر استثنيت لدلالة الحس ، أما الأنصاب فإنّه كان يذبح عليها ، فهي نجسة { وما ذبح على النصب } فكان يذبح للنصب ومن أجل النصب وعلى النصب تقرّبا لها ما يفعله أهل الشرك والوثنيّة ، فالمقصود من هذا أنّ الدم الذي يخرج أثناء الذكاة نجس بإجماع العلماء -رحمهم الله - الذي يخرج أثناء الذكاة بنص الآية ، فهذا الدم موجود في المجازر، ولذلك المجازر نجسة من هذا المعنى ، أمّا لو كانت المجزرة تغسل وتنظف ، وفيها أماكن مخصصة للصلاة ، فلا بأس بذلك ولا حرج والله تعالى أعلم .
السؤال الثامن :
فضيلة الشيخ : ما حكم الصلاة بين السواري والأعمدة وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
ثبت في حديث أنس - t - في السنن وغيره أنّه لما رأى الرجل أو رجالا اضطّروا إلى الصلاة بين السواري قالوا اضطررنا إلى الصلاة بين العمودين أو بين السواري ، فرآنا أنس فقال : (( كنّا نتّقي هذا على عهد رسول الله - r - )) وفي لفظ آخر : (( كنّا نطرد عن هذا طردا )) .
فالأصل عند العلماء أنّه لا يصلّى بين السواري ؛ لأنهّا تقطع الصفوف ، وقيل : لأنها مواضع الشياطين ، وقيل : لأنّها مواضع الأحذية ، وكلّها علل ذكرها العلماء ، لكن الأصل أنّه لا يصلّى بين السواري ، إلّا السواري المتباعدة ، مثلا ما يوجد الآن في هذه الفتحة ، يعني السواري المتباعدة يجوز الصلاة فيها ، أمّا السواري المتقاربة مثل هذه لا يصلّى بينها ، السواري المتباعدة ، ولذلك مثل هذه الفتحة ممكن أن يكون فيها مسجد كامل مثلها يكون فيها مسجد ، ولكن ترى بين السارية السواري الأربع التي باليمين مع السواري الأربع التي باليسار يكون الإنسان مصليا بين السارتين ، لكن هذا عفو ، إذا كان السواري متباعدة ، ولذلك كأنهّا في حكم المسجد حتّى إنّك ربّما تجد المسجد بهذه المساحة ، فإذا كان بهذا الشكل متباعدة فإنه يغتفر أمرها ، ولكن إذا كانت متقاربة هي محل المنع والحظر . والله تعالى أعلم .
السؤال التاسع :
فضيلة الشيخ : إذا صلّيت الوتر بعد صلاة العشاء مباشرة ، وأردت أن أقوم الليل ، فهل علي شيء إذا لم أوتر بعد الانتهاء من صلاة قيام الليل . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
أنت مخير بين أن تصلّي ركعتين ركعتين ولا توتر، وهذا خلاف الأولى ، أو أن تصلّي ركعة تنقض بها الوتر الأوّل، ثم تصلّي الليل تصلّي ما شئت ثم توتر، وهذا أفضل ؛ لأنّ النبّي - r - قال : (( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا )) فدلّ على أن الوتر مكانه في الأخير، وقال : (( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بواحدة )) فجعل الوتر في الآخر، ولأنّه فعل أصحاب رسول الله - r - ، وهو محفوظ من فعل السلف كابن عمر - رضي الله عنهما - وغيره ، فإذًا تنقض الوتر الأول بركعة ، الدليل على أنّ الوتر ينقض الوتر قول النّبي - r - : (( لا وتران في ليلة )) فلما قال: (( لا وتران )) دلّ على أنّ الوتر الثاني ينقض الوتر الأول ، فأعمل الوترين ، فأنت إذا صليت وترا نقضت به الوتر الأول فقد نقضت ، ثم بعد ذلك إذا أوترت الثالث خرجت من النهي ، والمراد : (( لا وتران )) إذا اقتصر عليهما ، لأنّها تصير الصلاة شفعيّة ، والمراد أن يكون الوتر وترا بالشفع ، لا أنّه مشفّع ، ومن هنا ينقض الوتر الثاني الأوّل ، ثم يصلّي شفعا شفعا ثم يوتر، هذا هو الأنسب ، لو صلّيت ركعتين ركعتين استدلّ بعض العلماء أنّ النّبي - r - أوتر ثم صلى ركعتين بعدما أوتر لببيان الجواز، ولكن الأفضل والأكمل أن تصلي ركعة تنقض بها الوتر، ثم تصلي ركعتين ركعتين ، ثم توتر والله تعالى أعلم ، لكن ما ينبغي لأحد أن يصلّي الوتر وهو يعلم أنه سيقوم آخر الليل، ما ينبغي لأحد أن يصلّي الوتر في أوّل الليل وهو يعلم أن يريد أن يقوم بعد ذلك ، أو عنده قيام أو عنده ورد ، فهذا خلاف السنّة ؛ لأنه تقصّدٌ لمخالفة السنة مادام أنّه يعلم أنه سيقوم يؤخّر وتره إلى ما بعد القيام ؛ تأسّيا بالنبيّ - r - واستجابة لأمره . والله تعالى أعلم .
السؤال العاشر :
فضيلة الشيخ : ما حكم التنفّل المطلق قبل النداء الثاني يوم الجمعة . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
لا بأس بالصلاة ما لم ينتصف النهار يوم الجمعة ؛ خلافا للإمام الشافعي - رحمه الله - ، جمهور العلماء على أنّه يجوز للمسلم أن يصلي ما شاء حتى يجلس الخطيب للخطبة ، وهذا شبه إجماع بين العلماء - رحمهم الله - ، ليس هناك أحد بدّع أو منع أحدا أن يصلّي قبل الأذان الثاني ؛ لأن الأصل أنّ النّبي - r - أذن بذلك كما في الحديث الصحيح في يوم الجمعة ، فيجوز للمسلم أن يتـنفل يوم الجمعة إلاّ إذا انتصف النهار؛ وذلك لأن النبيّ - r - أمر بالإمساك عن الصلاة عند انتصاف النهار ، كما في الأحاديث الصحيحة عنه - عليه الصلاة والسلام- ولم يفرّق بين يوم الجمعة وغيره ، فاستثنى الإمام الشافعي لرواية ذكرها في مسنده ، ولكنّها ضعيفة ، ضعّفها العلماء والأئمّة - رحمهم الله - باستثناء يوم الجمعة .
وقال الشافعي : إنّه يوم رحمة ، ولذلك تسجّر فيه أبواب جهنّم ، فيصلي حتى ولو كان النهار منتصفا. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ لعدم ثبوت الاستثناء ، والأصل في العامّ أن يبقى على عمومه .
ومن الأدلّة على أنه يجوز التّنفل إلى أن يجلس الخطيب : قوله - عليه الصلاة والسلام - : (( من بكّر وابتكر، ومشى ولم يركب ، ثم قال : فصلذى ثم دنا وأنصت )) .
فقال : (( فصلّى )) : أي صلّى ما كتب له ثم دنا وأنصت ، فاتّصلت الصلاة بدنوّه وإنصاته من الخطيب ، وهذا يدلذ على أنذ الوقت وقت صلاة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( فإذا طلعت الشمس فصلّ فإنذ الصلاة حاضرة مشهودة حتى ينتصف النهار فأمسك عن الصلاة ، ثم صلذ فإن الصلاة حاضرة مشهودة )) فهذا هو الأصل يجوز له أن يصلذي بعد الأذان الأول وبين الأذان الأول والثاني ، ولا أحفظ - حسب علمي - أحدا من أهل العلم يقول : إن الصلاة بين الأذان الأوّل والثاني من الجمعة بدعة من المتقدّمين والسلف ، ولذلك الأصل جواز هذه الصلاة ، وأنّه لا بأس به .
ومن العلماء من قال -كما هو قول بعض الشافعيّة رحمهم الله - : إنّه يسنّ أن يصلّي بين الأذان الأوّل والثاني؛ لأنّ النّبي قال : (( بين كلّ أذانين )) كما أشار الحافظ ابن حجر - رحمه الله - إلى ذلك في شرحه للصحيح فقالوا : (( بين كلّ أذانين )) وأذان عثمان مشروع بإجماع الأمّة ، وعلى هذا يشرع أن يصلّي عندهم ، ولكن الجمهور ردّوا هذا وقالوا إنّه يصلّي تنّفلا مطلقا، أنّه يصلّي وليس للجمعة سنّة راتبة قبليّة ولا صلاة مستحبّة قبليّة بعينها ، وإنّما يتنّفل تنفّلا عامّا . والله تعالى أعلم .
السؤال الحادي عشر :
فضيلة الشيخ : كيف ينال العبد محبّة الله لكي ينادى باسمه في الملأ الأعلى : أنّ الله يحبّ فلان . وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب :
محبّة الله تبارك وتعالى بيّن الله - U - في كتابه ، وعلى لسان رسوله سبلها ، وموجباتها ، بيّن -I- ما يدعو إلى محبّته ، ويوجب للعبد أن ينال هذه المنزلة الشريفة المنيفة منه - I - : أن يحبّه الله ، وإذا أحبّه الله - Y - نادى في السماء ، فصعق من في السماوات ، وصعد جبريل ، وقال الله له : يا جبريل، إنيّ أحبّ فلانا فأحبّه ، فينادى باسمه في الملأ الأعلى : أن الله يحبّه ، فينادي جبريل : يا أهل السماء ، إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه، وليتصور المسلم إذا نودي باسمه في الملأ الأعلى ، وذكره الله - Y - باسمه ، فأي منزلة ، وأي مكانة ، وأي فضل حازه هذا العبد السعيد .
ينادي الله - Y - أن الله يحبّ عبده إذا أقام الصلاة وآتى الزكاة ، وأطاع الله ورسوله - r - ، ينادي الله باسمه حينما يراه صوّاما قوّاما أوّاها مخبتا منيبا إليه - I - ، ينادي سبحانه باسمه حينما يراه كثير التلاوة للقرآن خاشعا من كلام الرحمن ، لا يسمع آية من كتاب الله إلا انفطر لها قلبه ، وأصغى لها سمعه ، وأشهد لها جنانه، وحرّك بما فيها من ذكره سبحانه لسانه .
يحبّه الله - Y - حينما يكون عفيف الجنان ، عفيف اللسان ، عفيف الجوارح والأركان ، عن أهل الإسلام والإيمان ، حينما يراه الله في صباحه ومسائه لا يؤذي المسلمين بلسانه ، لا يسبّ ، ولا يشتم ، ولا يغتاب ، يمسي ويصبح وليس في صحيفة عمله زلّة على مسلم ، ولا أذيّة لمسلم ، يمسي ويصبح يحب للمسلمين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه .
يحبّه الله إذا أحبّ أولياءه ، إذا أحب ملائكته ، وأحبّ أنبياءه ، وأحبّ رسله، وأحبّ عباده الصالحين ، وقف ابن عمر - رضي الله عنهما - على الصفا ، وقال : اللّهمّ حببّني إليك ، وحببنّي إلى ملائكتك ، وحببّني إلى أنبيائك، وإلى رسلك ، وإلى عبادك الصالحين ، ثم قال : اللّهمّ ارزقني حبّك ، وحبّ ملائكتك ، وحبّ أنبيائك ، وحبّ رسلك ، وحبّ عبادك الصالحين .
يحبّ الله من أحبّه ، وأحبّ أولياءه ، فالذي يحبّ الأنبياء والعلماء والصلحاء والأتقياء ، فيحبّ لهم الخير، ويظنّ بهم الخير، يحبّه الله - Y - ، فإذا أراد الله - U - بعبده أن يحبّه هيّأه للمحبّة ، حينما يؤدّي حقوق الله-Y - كاملة غير منقوصة ، أيّ حبيب إذا نادى عليه منادي الله في صلاته نسي دنياه وأهله وماله ، وأقبل على بيوت الله - U - ، فإذا كملت محبّة الله له لم ينادِ منادي الله إلا وهو في مسجده ، ولم ينادِ منادي الله إلاّ وهو قائم في بيت من بيوت الله - U - ، يسبحّ ربّه بالغدوّ والآصال لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله - U -. يحبّ الله عبده إذا كان بارا بوالديه ، فلا يزال يرضي والديه حتّى ينادي الله - U - باسمه في الملأ الأعلى حينما يدخل السرور عليهما ، ويسعى في رضاهما، ويمسي ويصبح وهو يفكّر كيف يرض أباه وأمّه ، وكيف يدخل السرور على الوالدين ، ما خرج منهما إلاّ بدعوة صالحة ، ولا قام بين أيديهما إلاّ بالرضا التامّ الكامل ، فلا يزال يرضيهما حتىّ يرضى الله عنه ، ثم يحبّه ويضع له القبول .
يحبّ الله عبده إذا كفكف دموع اليتامى ، وجبر به قلوب الأرامل والثكالى ، إذا ستر العورات ، وفرّج الكربات، وسعى في دفع الهموم عن المؤمنين والمؤمنات ، يتألمّ لآلامهم ، ويتأسّى لمآسيهم ، وكأنّه جراح أصابته ، وهموم نزلت به ، فلا يرتاح له بال ، ولا يهنأ له عيش ، يدعو للمسلمين ، ويسعى في جلب الخير إليهم ، ويتمنّى لهم كلّ خير.
يحبّ الله عبده إذا طلب العلم ، وحرص على أن يكون عالما بكتابه وسنّة نبيّه - r - .
يحب ّالله عبده إذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر، فذكر الناس بربّهم ، وأخذ بمجامع قلوبهم إلى جنّته ورحمته ودار كرامته .
يحبّ الله عبده إذا كان على السبيل الأقوم ، والسبيل الأمثل الأسلم .
يحبّ الله عبده ، ولن تنال محبّته بالتشهّي ، ولا بالتمنيّ ، ولا بالتزكية .
يحب ربّك المتواضعين الذين مهما ارتفعت درجاتهم نزلوا إلى الناس محبّة وإحسانا وبرّا ، فلم يزدهم الخير إلاّ برّا و وإحسانا بالناس لا تعاليا ولا غرورا ، فإذا وجد العبد من نفسه هذه الصفات حمد الله -I-، وسأل الله أن يزيده من فضله ، وإذا لم يجد ذلك سأل الله - U - أن يجبر كسره ، وأن يحسن عمله ، حتى يبلغ مراتب المحبّين والمحبوبين ، ألا وإن من أعظم ما يستدرّ به محبّة الله : الصبر، فمن كان من الصابرين تبوّأ محبّة ربّ العالمين .
الصابر على طاعة الله ، الصابر على بلاء الله وقضاء الله وقدر الله ، الصابر عن معصية الله، فإذا استجمع ذلك استجمع محبّة الله .
الّلهمّ إنّا نسألك بعزّتك وجلالك أن تجعلنا من أحبابك ، اللّهمّ حببّنا إليك ، وارزقنا حبّك ، وحبّ من يحبّك ، يا أرحم الراحمين ، اشملنا بعفوك وبرك أحياء وأمواتا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .