من شيوخ الإمام نافع بن عبد الرحمن المدني

إنضم
12/05/2013
المشاركات
8
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
51
الإقامة
أكادير
بسم1
الإمامان أبو جعفر المدني وشيبة بن نصاح
شيخا الإمام نافع المدني
من رحم القرآن إلى وشيجة المصاهرة
بقلم د/ حسن حميتو
[align=justify]
كانت المدينة المنورة منذ أكرمها الله بنور الإسلام، وهجرة خير الأنام، عليه أزكى الصلاة والسلام، دارا للعلم ومأرزا للإيمان، يطوف الناس البلاد في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالمها، ولا أزكى وأتقى لله من عابدها؛ لذلك كانت رموزُ العلم بها كعبةَ القصاد، ومعاهدُ الهدى بها مهوىً لأفئدة العباد، من مختلف الأصقاع والبلاد. ولا غرابة في ذلك فهي مهبط الوحي، ومهاجر أهل الإيمان، ومثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا وميتا، وعاصمة الخلافة الراشدة المهدية من بعده، ومنار الهدى الذي أشع نوره في العالمين.
ومن بركات هذه البلدة الطيبة أن نبغ بها على تعاقب الأجيال علماءُ أفذاذ في ضروب مختلفة من علوم الشريعة، منهم في عهد التابعين كوكبة مباركة، تلقت العلم غضا طريا من أفواه الرعيل الأول: جيل الصحابة رضوان الله عليهم. برز منهم في الفقه فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيب سيد التابعين، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت. وهم الذين جمعهم القائل في بيته الشهير :
إذا قيل: من في الفقه سبعة أبحر***روايتهم ليسـت عن العلم خارجة
فقل: هم عبيد الله عروة قاســــم ***سعيد أبو بكر سليـــــمان خارجة​
وعلى أيدي هذه القمم العلمية الباذخة نضج فقه الأثر بالمدينة حتى خرّج لنا شيخ المدينة وفقيهها الكبير، إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله.
وفي القراءة وعلومها نبغ بالمدينة لهذا العهد أيضا جماعة من قراء التابعين، أخذوا القراءة من أفواه الصحابة رضي الله عنهم، وبهم تخرج قارئ المدينة وإمامها ويعسوب قراء الحجاز الإمام نافع بن عبد الرحمن أبو رؤيم المدني. وقد أخذ القراءة عن زهاء سبعين شيخا من هؤلاء، من أعلامهم:
الإمامان الجليلان أبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وشيبة بن نصاح مولى أم سلمة رضي الله عنها.
وقد كان لهذين الشيخين أكبر الأثر في قراءة نافع واختياراته، خاصة منهما شيبة بن نصاح.
يقول الإمام عيسى بن مينا قالون راوي القراءة النافعية المشهور وربيب نافع وأثبت الناس فيه: "كان نافع أكثر اتباعاً لشيبة منه لأبي جعفر".
وروي عن الأصمعي أنه قال: "قال لي نافع: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفا".
كان أبو جعفر إمام الناس في الصلاة بالمسجد النبوي، وواسطة عقد القراء بالمدينة، لا يتقدمه أحد في فن القراءة في عصره، أخذ القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة ومولاه عبد الله بن عياش رضي الله عن الجميع.

أما شيبة بن نصاح بن جرجس بن يعقوب مولى أم سلمة، فكان مقرئ المدينة مع أبي جعفر، وولي القضاء بها، روى عن أبيه، وأخذ القراءة عن زيد بن أسلم وغيره، وشارك أبا جعفر في الأخذ عن عبد الله بن عياش.

هذان الشيخان المتميزان في مشيخة الإمام نافع كانا أعلم أهل زمنهما بالقراءة، متصدرين لإقراء الناس بالمدينة في المسجد النبوي؛ ولمكانتهما من الإتقان كانا يقدمان في رمضان للوقوف وراء القراء في صلاة التراويح للفتح عليهم إذا أخطأوا.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :"كان أبو جعفر يصلي خلف القراء في رمضان يلقنهم، يؤمر بذلك، وكان بعده شيبة؛ جعلوه لذلك".

لقد جمعت بين هذين الإمامين وشائج مشتركة عديدة، جعلتهما لا يذكران إلا مقترنين.
يقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "كان أبي يقول لعيسى بن وردان: اقرأ على إخوتك كما كان أبو جعفر وشيبة بن نصاح يقرآن على كل رجل عشر آيات عشر آيات".
ومن هذه الروابط أن كليهما قد نالته بركة دعاء أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فقد ذكر الرواة في ترجمة كل واحد منهما أنه جيء به إليها وهو صغير فمسحت على رأسه ودعت له بالبركة.
ومنها اشتراكهما في بعض مشيخة الإقراء، فكلاهما أخذ عن عبد الله بن عياش اتفاقا، وذكر جماعة من المترجمين أن شيبة أخذ أيضا عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، فيكون قد شارك فيهما أبا جعفر.
ومنها تصدرهما للإقراء بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولتصحيح تلاوة قراء التراويح.
ومنها اشتراكهما في السبق إلى وضع عد الآي لأهل المدينة الذي اشتهر بالنسبة إليهما، وهو العدد المدني الأول.
ومنها اشتراكهما في كثير من الأصحاب الآخذين عنهما، كنافع وعيسى ابن وردان راوي قراءة أبي جعفر وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري.

هذه الوشائج القرآنية المتعددة بين هذين الإمامين، توَّجها وزادها زكاء ومتانة آصرة أخرى هي آصرة الختن والمصاهرة. وللمصاهرة بين هذين الإمامين قصة طريفة تعكس مكانة القرآن في نفوس الصالحين وإجلالهم لحملته وزهدهم في حطام الدنيا الزائل، كما أنها تعكس ظَرْفَ أهل المدينة في تعليقهم على مثل هذه الزيجات المباركة.
فقد ذكر الرواة أن ميمونة بنت أبي جعفر كانت ممن أخذ القراءة عن أبيها أبي جعفر، بل كانت من راوة قراءته، فحازت بذلك إلى فضل شرف النسب فضل حفظ القرآن حتى رغب فيها سادة الناس وذوو اليسار منهم. لكن أباها أبى أن يزوجها إلا لمن يقاسمها آصرة القرآن الكريم، فلم يرض لها غير شيبة زوجا على ما كان به من خصاصة وضيق حال.
يحكي الإمام نافع قصة هذه المصاهرة بين شيخيه فيقول: زوج أبو جعفر ابنته من شيبة بن نصاح، وكان مقلا، فقيل لأبي جعفر: زوجت ابنتك شيبة وهو مقل، وقد كان يرغب فيها سروات الموالي، قال: فقال أبو جعفر: إن كان شيبة مقلا فسيملأ بيتها قرآنا.
وقد كان هذا الزواج المبارك مناسبة ظهر فيها طَرَفٌ من ظرف أهل المدينة وخفة ظلالهم؛ يقول الإمام نافع: لما تزوج شيبة بنت أبي جعفر قال الناس: يولد بينهما مصحف.
وهكذا ستصبح ميمونة جامعة بين الرواية عن أبيها أبي جعفر وزوجها شيبة، فأخذ عنها ابناها أحمد وثابت.
ثم شاء الله أن يموت الشيخان أبو جعفر وشيبة أيضا في سنة واحدة وهي سنة 130 هـ، وكان أبو جعفر أسبق للوفاة، فشهد احتضارَه صهرُه شيبة، وأطلع من شهد من الناس وفاة صهره على كرامة من كراماته. يقول سليمان بن مسلم بن جماز راوي قراءة أبي جعفر: شهدت أبا جعفر وقد حضرته الوفاة، فجاءه أبو حازم الأعرج في مشيخة من جلسائه، فأكبوا عليه يصرخون به فلم يجبهم، فقال شيبة ــ وكان ختنه على ابنة أبي جعفر ــ ألا أريكم عجباً ؟ قالوا: بلى، فكشف عن صدره فإذا دوارة بيضاء مثل اللبن، فقال أبو حازم وأصحابه: هذا والله نور القرآن".
وفي رواية عن الإمام نافع قال: "لما غُسل أبو جعفر بعد وفاته، نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، قال: فما شك أحد ممن حضــر أنه نور القرآن".
قالت أم ولده: "بعد ما مات صار ذلك البياض غرة بين عينيه".

لقد ترك موت أبي جعفر أثرا بليغا في نفس صهره شيبة، فيُذكر أنه لما مات أبو جعفر ترك شيبة القراءة باختياره ورجع إلى قراءة صهره أبي جعفر وفاء له وحفظا لذكراه. فرحمهم الله أجمعين، ونفعنا بمحبتهم، وحشرنا في زمرتهم، آمين.
[/align]
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
استوقفني في قصة الإمامين أبي جعفر وشيبة رحمهما الله ما كان بينهما من ود وتآخ رغم كونهما قرينين وعلمين من أعلام القراء، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن المتخلقون بأخلاقه، والمتأدبون بآدابه، والناهلون من معينه.
وعلينا - معاشر المنتسبين للقرآن الكريم - أن نقتدي بهما، ونسعى إلى توثيق روابط الأخوة بين مشايخنا، لا أن نكون سببا في التفرقة بينهم بالغيبة والنميمة.
كما على مشايخ القراءات الكرام أن يتقوا الله عز وجل، ويجعلوا من أنفسهم قدوات لطلابهم، ويربوهم على حسن الخلق والتآخي في الله ونبذ التعصب للأشخاص.
 
عودة
أعلى