من سورة (الزخرف) ودراسة إبداعية عميقة لظاهرة الطغيان .

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
من سورة (الزخرف) ودراسة إبداعية عميقة لظاهرة الطغيان .
وفي الإشارة الكريمة في تسمية السورة ب" الزخرف" إيحاء قوي بعمق التناول الذي يفضح ذلك البريق الكاذب والأفق الخادع لكلماتٍ وأفكارَ ومظاهرَ يبرز بها الباطل في كل زمانٍ و كل مكان....
يقول تعالى:
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​}
[الزخرف: 47 - 56]

جاء في تفسير الآيات:
ذكر تعالى أنه أرسل موسى بآياته وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ إلى فرعون وملئه أي قومه، فقال موسى إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون، قيل إنه لما ألقى عصاه صار ثعبانا، ثم أخذه فعاد عصا كما كان ضحكوا، ولم عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا، فإن قيل: كيف جاز أن يجاب عن "لما" التي تفيد الشرط، ب"إذا" الذي يفيد المفاجأة؟ قلنا لأن الإيحاء بفعل المفاجأة جاء معها، كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا لم يكن المفترض على قومٍ يعقولون أن يضحكوا ولكن كانت المفاجاة أن يضحكوا بدلا من أن يفكروا ويؤمنوا.

ثم قال: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وما نريهم من آيةٍ إلا هي أكبَرُ من أختِها}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ والمعنى أنه أريد المبالغة في كون كل آيةٍ من تلك الآيات بالغةٌ إلى أقصى الدرجات في الفضيلة، فبعض الناس ينظرون إلى المعجزة و يقولون: إن هذه أفضل من الثانية، ويقول الآخرون: لا بل الثانية أفضل، و يقول آخرون: لا بل الثالثة أفضل، وحينئذ تصير كل واحدة من تلك الأشياء مقولا فيه إنه أفضل من غيره.

ثم قال تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ أي يرجعون عن الكفر إلى الإيمان وعن الضلالة إلى الهدى والحق، قال المفسرون: ومعنى قوله وأخذناهم بالعذاب أي بالأشياء التي سلطها عليها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وغيرها، كما يقول سبحانه: «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ» (133: الأعراف).

ثم قال تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وقالوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
أَيِ: يا أيها الْعَالِمُ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَكَانَ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ هُمُ السَّحَرَةَ، وهو عندي مرجوح بإيحاء النص وباطن المعنى، فكأن غاية فهمهم واستقبالهم لما جاء به موسى- عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​- من المعجزات والحجج الدالة على الحق أنها سحرٌ، فقد قال الحكماء: تظهر النفوس في فلتات اللسان. وقيل هنا: إنها إشارةٌ كاشِفةٌ عما فى نفوسهم من إصرارٍ على الكفر، وإن نطقت ألسنتهم بغير ذلك.. فهم لا يرون فى موسى إلا ساحرا كبيرا. وأنه قادر بسحره هذا على أن يسوق إليهم البلاء، وأن يمسكه إذا شاء.. فهم بهذه الصفة يتعاملون معه.. أما دعواه بأنه رسولٌ من رب العالمين، فهذا ادعاءٌ لم يصحّ عندهم، وإن قبلوه منه، فهو إلى أن ينكشف البلاء عنهم وحسب.. كقوله تعالى في الذين كذّبوا نبيه الخاتم: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكرُ إنَّك لمجنون}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الحجر: 6] أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه.

وفي الآية الأخرى: «وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ» (134- 135: الأعراف) .
والعجب هنا فيما يحكيه القرآن عن فرعون وملئه، فهم أمام البلاء، وهم يستغيثون بموسى ليرفع عنهم البلاء. ومع ذلك يقولون له: «يا أَيُّهَا السَّاحِرُ» ويقولون كذلك: «ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» وهو يقول لهم: إنه رسول «رَبِّ الْعالَمِينَ» لا ربه هو وحده على جهة الاختصاص! ولكن لا الخوارقُ ولا كلامُ الرسول مسَّ قلوبَهم، ولا خالطتها بشاشةُ الإيمان، على الرغم من قولهم: «إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ»... فقد كانوا عازمين على خلاف الهدى ولكنهم يطلبون فقط رفع العذاب، ففي كل مرة يطلبون من موسى الدعاء برفع الضر مع وعدهم بالإيمان ثم يرجعون في وعدهم ويصرون – من سفههم ونكاية الله فيهم-على ضلالهم.
ثم ذكر معاملة فرعون مع قومه أولئك الذين يشبهونه ويشبههم في الدنس والسفاهة فقال: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​.. قيل: كانت الأنهار تجري تحت قصره، وحاصل الأمر أنه احْتَجَّ بكثرة أمواله وقوة جاهه، ولم يحتَجّ بفضيلة نفسه.
كما قال تعالى عن هذا الفاجر: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فَحَشَرَ فَنَادَى. فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [النَّازِعَاتِ: 23 ،24] . فلم يكتفِ باستعبادهم حتى نادى بالألوهية فيهم حتى يروا كل نعمةٍ هم فيها هى منه كذبا وادعاءً.

وهنا يبرز فرعون في جاهه وسلطانه، وفي زخرفه وزينته، يخلب عقول الجماهير الساذجة بمنطقٍ سطحي، ولكنه يَرُوج بين الجماهير المستَعْبدة في عهود الطغيان، والمخدوعة بالأبهة والبريق.
وهو -بالضبط- ما استخدمه فرعون ليسيطر على شعبه، فلم يكن له حجةً إلا أن ينفجر غاضبا في وجه أولئك الرعاع- كما يوحي بذلك استعمال كلمة" نادى" الموحية بارتفاع الصوت - مذكرا إيَّاهم بأنه يملك مصر ويملكهم، وكذا يذكّرهم بأن له السطوة والتمكن فوق رقابهم.. يكفي ذلك ليجعل كل ما يجىء من الفرعون تفضلاً ومِنّةً يَمُنُّها على الشعب المملوك ، وكونه لم يقتل أيّاً منهم فهو عفوٌ ورحمةٌ، وحنوٌ يحنوه على الشعب البائس...ورتِّل إذا شئت قوله تعالى يصف هذا المتغطرس وهو يولّي الناس ظهره ويصيح فيهم: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​...

إن ملك مصر وهذه الأنهار التي تجري من تحت فرعون، أمرٌ قريبٌ مشهودٌ للجماهير، يبهرها وتستخفها الإشارة إليه. فأما ملك السماوات والأرض وما بينهما- ومصر لا تساوي هباءة فيه- فهو أمر يحتاج إلى قلوبٍ مؤمنةٍ تحسه، وتعقد الموازنة بينه وبين ملك مصر الصغير الزهيد! والجماهير المستَعْبدة المستَغْفلة يغريها البريق الخادع القريب من عيونها ولا تسمو قلوبها ولا عقولها إلى تدبر ذلك الملك الكوني العريض البعيد! ومن ثَمَّ عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب!
إنها الحقيقة التي رسمها القرآن بكل تفاصيلها ورتوشها لتنير الطريق لأمثالنا حتى لا يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك السفهاء.
ومن عجيب المعرفة في علم النفس الحديث ما يسمى ب" متلازمة ستوكهولم" Stockholm syndrome وهي ظاهرة نفسيةتصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف. وتسمى أيضاً برابطة الأَسْر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 للميلاد حيث تُظهر فيها الرهينة أو الأسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه. هذه المشاعر تعتبر بشكل عام غَيْرَ منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة اللتين تتحملهما الضحية، إذ أنها تَفهم بشكل خاطئ - عدم الإساءة من قبل المعتدي - إحساناً ورحمة. وقد سجلت ملفات الشرطة وجود متلازمة ستوكهولم لدى 8% من حالات الرهائن.
وعلى صعيد المجتمع، يمكن ملاحظة هذا التأثير في الأنظمة القمعية، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطةً على أفراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الافراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع. فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل، ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليله جدا دون الالتفات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيرة.
ومن قصص الاستبداد العجيبة التي تؤكد تحليلنا هذا ؛ القصة التي أرَّخها (سنوحي) طبيب الفرعون ( أمفسيس) الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد وتم اكتشاف مذكرات سنوحي بين الكتب الهيروغليفية وهي مذكرات كُتبت بأسلوب رائع وبديع وتم ترجمتها إلى لغات عالمية حية.
يقول سنوحي في إحدى مذكراته :(كنت أمشي في شارع من شوارع مصر وإذا بالرجل الشريف الثري المعروف (إخناتون) ملقى على الأرض مضرجًا بالدماء وقد قُطعت يده ورجله من خلاف وجدع أنفه، وليس في جسمه مكان إلا وفيه طعنة رمح وضربة سوط ، وكان قاب قوسين أو أدنى من الموت فحملته إلى دار المرضى وجاهدت لإنقاذه من الموت ، وبعد شهرين أو أكثر وعندما أفاق من غيبوبته قص علي قصته المحزنة المفجعة قائلًا :
لقد أمرني الفرعون أمفسيس أن أتنازل له عن كل شبر من أرض أملكه ، وأن أهبه أزواجي وعبيدي وكل ما أملك فاستجبت بشرط أن يترك لي داري التي أسكنها ومعشار ما أملكه من الذهب والفضة لأستعين بها ، فاستثقل هذا الشرط وأخذ كل شيء وفعل بي تلك الأفاعيل .
دارت الأيام وإخناتون يعاني الفقر والحرمان وكل أمله الاقتصاص من الفرعون الظالم .
مات الفرعون وحضرت مراسيم الوفاة بصفتي كبير الأطباء فكان الكهنة يلقون خطب الوداع مادحين الراحل العظيم يقولون :(يا شعب مصر لقد فقدت الأرض والسماء وما بينهما قلبًا كبيرًا كان يحب مصر وما فيها من إنسان وحيوان ونبات وجماد ، كان للأيتام أبًا وللفقراء عونًا، وللشعب أخًا ولمصر مجددًا، كان أعدل الآلهة. (...
يضيف سنوحي كنت أصغي للكهنة وكنت أندب حظ مصر وشعبها المسكين وهو يرزح تحت سياط الفرعون والكهنة ، وكانت​ الجماهير المحتشدة التي لم يسلم منهم واحدا من بطش فرعون وظلمه تجهش بالبكاء ، سمعت صوت رجل يبكي كما تبكي الثكلى وقد علا بكاؤه الأصوات ، فنظرت فإذا صاحب البكاء هو إخناتون المعوق العاجز الذي كان مشدودًا على ظهر حمار ، فأسرعت إليه لأهدئه فقد ظننت أنه يبكي فرحًا بموت ظالم ظلمه ، لكن إخناتون خيب آمالي عندما صرح عليّ بقوله : (يا سنوحي لم أكن أعلم أن أمفسيس عادل وعظيم وبار بشعبه إلا بعد ما سمعت من كهنتنا ، وها أنا أبكي لأنني حملت في قلبي حقدًا على هذا الإله العظيم بدلا من الحب والجلال ... حقا لقد كنت في ضلال كبير).
يقول سنوحي :(كنت انظر إلى أعضائه المقطوعة ووجهه المشوه وأنا حائر فيما أسمع وكأنه قرأ ما في خلدي) ، وإذ به يصرخ فيّ بملء شدقيه : (لقد كان أمفسيس على حق فيما فعل لأنني لم أستجب إلى أوامر الآلهة ، وهذا جزاء من يعصي الإله الذي خلقه وأحبه....!!!!).
يعلق الباحث ناقل القصة فيقول: لقد كان عهد أمفسيس أسوأ عهد عرفته مصر في تاريخ الفراعنة الذين حكموا مبتدئا من الأسرة الأولى حتى الأسرة الخامسة التي كان أمفسيس أول أفرادها.وقد مات أمفسيس وترك مصر خرابا ... ومع هذا بكته الجماهير متأثرة برثاء الكهنة وخطبهم ....نعم هكذا يفعل التضليل بعقول الناس عندما يصدر من أفواه قوم يتظاهرون بالدين... وإن الكثير من الناس اليوم يشبهون اخناتون....فهم يصفقون لمن يظلمهم، لكنَّ الفرق أن الفراعين قد كثروا وتكاثروا...
قال بعض العارفين: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قَدَر فأظهر، وغيره عجز فأضمر.
قال ابن تيمية –رحمه الله
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​: وذلك أن الإنسان إذا اعتبر وتعرف نفسه والناس، وسمع أخبارهم، رأى الواحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب قدرته. فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة، بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالى من يوافقه على هواه، ويعادى من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الفرقان: 43]. والمخذول من الناس في هذا الباب سواء فمن وافق هواهم كان ولياً، وإن كان كافراً مشركاً، ومَن لم يوافق هواهم كان عدوا، وإن كان من أولياء الله المتقين، وهذه هي حال فرعون. والواحد مِن هؤلاء يريد أن يطاع أمره بحسب إمكانه، لكنه لا يتمكن مما تمكن منه فرعون من دعوى الإلهية، وجحود الصانع. وهؤلاء - وإن كانوا يقرون بالصانع لكنهم إذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادته وطاعته المتضمنة ترك طاعتهم، فقد يعادونه، كما عادى فرعونُ موسى. انتهى كلامه.

ونعود للآيات وقول فرعون{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ في عمقٍ آخر ونقول: ومَن أنكر على فرعون هذا الملك الذي له؟ إنه هو الذي ينكر على نفسه هذا الملك، بعد أن رأى كيف تهزه الأحداث، وتزلزله النكبات، وتكاد تبتلعه الأمواج المضطربة، وهو لا يملك لذلك دفعا!! فأين سلطانه؟ وأين جبروته؟ لقد تعرّى من كل شىء، وأصبح فى هذه المحنة نبتة هزيلة، تعصف بها الرياح فيما تعصف به من نبات وأعشاب! إنه يلوذ بموسى عدوّه، طالبا أن يمد إليه يده ليدفع عنه هذا البلاء الذي نزل به..

إن فرعون هنا يفكر بصوت عال- كما يقولون- فهو بهذا الحديث إلى قومه، يكشف عما يشعر به من ضياع لسلطانه، وذهاب لهيبته. وهو بهذا الحديث يتحسس وجوده الذي ذهب، وسلطانه الذي ضاع.. تماما كما يفعل من صحا من حلم مزعج، رأى فيه أنه سقط من قمة جبل فتحطم، وتبدّد أشلاء، إنّه ليتحسس جسده ليرى إن كان حيّا أو هو فى عالم الأموات، وإن كان هو فى يقظة أو فى حلم!.
وفى قوله تعالى: «أَفَلا تُبْصِرُونَ» طلب من فرعون لمزيد من الصفعات على وجهه، ليتأكد له أنه موجود على قيد الحياة، وأنه لا يزال قائما على كرسى الملك.. وإن من شك فى ذلك فلينظر.. فها هو ذا فرعون.. وها هو ذا عرش فرعون.. وها هو ذا قائم على كرسى مملكته!! إنه الغريق الذي احتواه اليمّ، وقد بئس الذي ينظرون إليه من نجاته،. وهو يهتف بهم: أنا هنا.. ما زلت حيّا.. فلا تهيلوا التراب علىّ!!.
إنه الخوف العميق والوسواس الذي يلازم الطاغية مريض العقل والروح من زوال ملكه فيظل يصيح ( أنا هنا.. أنا على الكرسي) ويرى في أي بعوضةٍ تدور في قصره تهديدا على ملكه وكرسيه.
ثم يرد فرعونُ الفاجرُ حجةَ نبي الله موسى والحق الذي جاء به ليس بالحجة- فهو لا يملكها ولا يقترب حتى من فهم معنى الحجة في ذاتها فضلا عن الاتيان بها- يرد الحجة بالإهانات والتنقُّصات الشخصية التي تدل على خللٍ ونقصٍ عميق في النفس والاخلاق والأدب.. يقول: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مَهِينٌ ولا يكاد يُبِين}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ بمعنى بل أنا خير ... وعنى بكونه {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​مهين}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ كونه فقيرا ضعيف الحال، وبقوله {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ ولا يكاد يبين}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ حُبْسَةً كانت في لسانه عافاه الله منها،... قال ابن كثير- رحمه في تفسيره: وهذا الذي قاله فرعون -لعنه الله-كذبٌ واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، وهو ينظر إلى موسى، عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​، بعينٍ كافرةٍ شقية، وقد كان موسى - عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​- من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الأبصار والألباب.

لقد نفذ القرآن الكريم بهذه الكلمات القليلة، إلى أغوار النفس الإنسانية ورصد حركاتها وسكناتها، وكشف عما يندس فى مساربها من خواطر وتصورات، وما يزدحم فى أعماقها من رؤى وخيالات..
وهذا وجه من وجوه الإعجاز القرآنى، يطالع من ينظر فيه متأملا، آيات بينات، تشهد بأن هذا القرآن هو من كلام رب العالمين..
فكل ما استطاعه الفرعون أمام تهديد موسى عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ له ولملكه الفاجر هو أن يُضحِك قومَه العبيد بتنقُّص نبي الله موسى ووصفه بالعُسرة في لسانه وأنه كان فترة من الزمن ألسغُ له رتَّةٌ في الكلام كما يذكر القرآن عنه قوله: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​... قال الحسن البصري- رحمه الله
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​: وإنما سأل موسى -عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​- في قوله: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لساني يَفْقَهُوا قَوْلِي}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​؛ سأل زوالَ ما يتعذر معه الإبلاغ والإفهام، فالأشياء الخَلْقِية التي ليست من فعل العبد لا يُعاب بها ولا يُذَمُّ عليها، وفرعونُ وإنْ كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته، فإنهم كانوا جهلة أغبياء. ا.ه نقله ابن كثير.

هكذا يحاول هذا الفاسد الفاشل التخلص من الحجة والآيات الواضحة بالتهكم من الحق وحملته.. وهو ديدنُ إعلام المُفسدين المستبدين في كل زمانٍ ومكانٍ حينما يفتقرون إلى الحجة ويستخفون بعقول الدهماء بالسخرية والاستهزاء.
وتأمل معي ما حدث مع النبي الخاتم سيدنا رسول الله وسجّله القرآن العظيم من قول الكفار مبينين مباني إعلامهم وأسسه : {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [فصلت: 26] قال الطبري ما ملخصه: قالوا للذين يطيعونهم من أوليائهم: لا تسمعوا لقارئ هذا القرآن إذا قرأه، ولا تصغوا له، ولا تتبعوا ما فيه فتعملوا به. (وَالْغَوْا فِيهِ) يقول: الغطوا بالباطل من القول إذا سمعتم قارئه يقرؤه فلا تسمعوه، ولا تفهموا ما فيه. انتهى. وقد قالوا في سيدنا الله- صلى الله عليه وسلم
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ وحاشاه مما يقولون- قالوا هو ساحر، وقالوا هو مجنون، وقالوا هو كاذبٌ على الله... وغير ذلك إلى أن قال الله تعالى فيه
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الحجر: 95]
.. فكان الاستهزاء من الحق وأهله حيلة الإعلام الفاشل العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة، وهى طريقة أهل الباطل في مقارعة الحق.

وهنا يبدأ فرعونُ حملته الإعلامية القذرة باستدلالات يلفظها المنطق ، وطلباتٍ تعجيزية لا تمُتُّ لمضوع النقاش بصلةٍ، هكذا يريد إعلام الفاسد الطاغوت أن يُدَوِّخ الحقيقة ويرميها في غياهب الضياع فلا يتفطن لها أحد من كثرة التشنيع والتذويب في مواضيع تافهة تستهلك العقل والوقت، يقول لموسى عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​.. قيل: والمراد أن عادة القوم جرت بأنهم إذا جعلوا واحدا منهم رئيسا لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب، فطلب فرعون من موسى مثل هذه الحالة... وحاصل الكلام يرجع إلى حرف واحد وهو أن فرعون كان يقول أنا أكثر مالا وجاها، فوجب أن أكون أفضل منه فيمتنع كونه رسولا من الله... ثم المقدمة الفاسدة هي قوله من كان أكثر مالا وجاها فهو أفضل، وهي عين المقدمة التي تمسك بها كفار قريش في قولهم:{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الزخرف: 31]، وهل مقياس العظمة والاستحقاق بينهم المال والجاه والنسب دون نفس المستحق وعلو خُلُقِهِ وعقله.

وهل هكذا وبذلك العَرَضُ التافه الرخيص! أسورة من ذهب تصدِّق رسالةَ رسولٍ! أسورة من ذهب تساوي أكثر من الآيات المعجزة التي أيد الله بها رسوله الكريم!
ثم قال: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​أو جاء معه الملائكة مقترنين}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​؛ قال الزجاج: معناه يمشون معه فيدلون على صحة نبوته. وهو طلبٌ تعجيز وتشغيبٍ على الحق بمراهناتٍ لا طائل منها.

لذلك يصف القرآن هذه الطريقة التي نجحت في استمالة الجهلاء وأتباع المصالح وخادمي لقمة العيش من الشعب بأنها (استخفاف بعقولهم) أودى بهم إلى طاعة هذا الفرعون الغبي الفاسد ، وتُذَيَّل الآية بمعنىً لطيف يشخِّص بكل دقةٍ سببَ انقياد أولئك المُغَيَّبين لهذا الفرعون مع وضوح البينات على فساده وغباوته... إنهم ببساطة قومٌ فاسقون ، يسعون وراء مصالحهم وشهواتهم وفُتاتٍ قليلٍ يلقيه إليهم الفرعونُ فيلحسون نعاله.. {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَعْنَى فَاسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ "فَأَطاعُوهُ" لِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ، وَقِيلَ: اسْتَخَفَّ قَوْمَهأَيْ وَجَدَهُمْ خِفَافَ الْعُقُولِ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُطِيعُوهُ، فالمعنى أنه وَجَدَهُمْ خِفَافَ الْعُقُولِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْغِوَايَةِ فَأَطَاعُوهُ.

واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه فهم يعزلون الجماهير أولا عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة. ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين! ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يضبطون حياتهم بميزان الإيمان. فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح. ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» ..
أي كانوا على ما كان عليه فرعون من سفاهة، وجهل، فراجت عندهم هذه البضاعة الفاسدة! وهكذا يستغلظ الضلال، وتنتشر سحبه القائمة فى المواطن التي تقبل الباطل، وتستجيب له.. تماما كالبرك والمستنقعات، تتداعى عليها الهوامّ والحشرات، وتتوالد وتتكاثر.. وإنها ليست مسئولية داعية الضلال وحده، بل هى كذلك مسئولية الذين يستجيبون له، ولا ينكرون عليه المنكر الذي يدعوهم إليه.. ومن هنا كان الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر مسئولية منوطة بكل مجتمع إنسانىّ، فى أفراده وجماعاته، إذ كانت الجماعة أشبه بالجسد، فيما يعرض له من عوارض العلل والآفات.. فأى عضو فى الجماعة، يعرض له عارض من عوارض الفساد، يهدد الجماعة كلها بتلك الآفة، التي إن لم تجد من يعالجه منها، سَرَت عدواها فى المجتمع كله، وتهددت وجوده..
وهكذا تكون النتيجة والعاقبة حين أطاعوا هذا الفاسد الفاشل أن يدخلوا وراءه البحر دون أدنى تفكير أو جزءٍ من عقلٍ أو أناةٍ، ليهلكوا جميعا ويغوروا في أعماق الأمواج، وهو جزاءُ من لغى عقله واتبع هذا الشيطان الهالك مع عدم وجود أدنى حجةٍ له، ومع فساده واستعباده الناس واعنتاهم في حياتهم والاستئثار بكل شىءٍ دونهم وكما قال تعالى: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فلما آسفونا}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ أى أغضبونا. {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​انتقمنا منهم }
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​. {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ والسلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض فهو سلف، والسلف أيضا مَن تقدم من آبائك وأقاربك واحدهم سالف... فعلى هذا قال الفراء والزجاج يقول: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، أي جعلناهم سلفا لكفار أمة محمد عليه السلام
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​. وقوله {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ومثلا للآخرين}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​، يريد عِظةً لمن بقي بعدهم، وآيةً وعبرة. والله أعلم.

إن القرآن العظيم يعرض علينا (مثلاً) خالدا للضلال والسفاهة لا يتمثل في فرعون وحاشيته فحسب، بل يمتد عميقاً في هذا الشعب الذي استعبده فرعون بأساطيره الكاذبة وسطوته الغاشمة على مدى آلاف السنين ليغدو مسخاً لا روح فيه، ويصير النورَ في خضم ظلماته مجرد سحر، ويصير الحقُ وآياته البيّنات مزحةً منها يضحكون.. هذا التكوين الفاسد لجيلٍ خرَّبه فرعون على عينِهِ، واستعمل فيه كامل أدوات الإفساد ومسْخ العقول لا يمكن أن يخرج منه خيرٌ أبدا، ولذلك صار- والعياذ بالله- محطَّ غضب الرب تبارك وتعالى
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ وفي هذا يقول : {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ .. نعم.. لم يبقِ منهم أحدا، فلا خير فيهم،
{
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الأنفال: 23].

وروى أهل السير فيما صح أنه: كان الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ يحدث: أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له‌‏:‌‏ يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنَّه ولا تسمعنّ منه شيئا؛ قال الطفيل:‌‏ فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فَرقا من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه‌‏.‌‏

قال‌‏:‌‏ فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ قائم يصلي عند الكعبة‌‏، قال‏:‌‏ فقمت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله.‌‏

قال:‌‏ فسمعت كلاما حسنا‌‏، قال‌‏:‌‏ فقلت في نفسي:‌‏ واثُكْل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول‌‏!‌‏، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته. فسمع رضي الله عنه
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ من النبيﷺ فأسلم
.

فما كان على أولئك المغفلين إلا أن يسمعوا بتجرد، ويُعمِلوا عقولهم، فلو فعلوا ذلك لفهموا الحق وآمنوا به، ولكن الله يهدي من يشاء، {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [الحج: 46]
.

والحق إني لتزلزلني تلك الآيات في سورة هود والتي تجمل الموقف بصورةٍ مروعة في آياتٍ ولا أروع: {
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
​ [هود: 96 - 102]

وهو خير ختام لهذه الآيات التي تشخص بكل عبقريةٍ أدواءً اقتنصت المجتمعات وسرت في أمة محمد -صلوات الله وسلامه عليه- على الخصوص- حتى تكاد تهلكها.
فهلّا أخذنا من القرآن العِبرة والمَثل وأصلحنا ديننا وحياتنا. أم أننا سندفن رؤوسنا في التراب ونحفظ المصحف في المتحف التاريخي، وننكر ديننا وكلام ربنا مدَّعين أنه نزل لقومٍ غيرنا، وأنه كان لكفار قريش وذهب حينما ذهبوا... وإن قلنا ذلك وعملنا به فماذا بقي فينا من دين الله تعالى؟!
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا.. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
راجعنا في مقالنا هذا من كتب التفاسير:

  • تفسير العلامة الفخر الرازي (مفاتح الغيب)
  • تفسير الإمام العلامة ابن كثير.
  • تفسير الإمام ابن جرير الطبري .
  • تفسير العلامة القرطبي (جامع البيان)
  • في ظلال القرآن لسيد قطب .
  • التفسير القرآني للقرآن للدكتور عبد الكريم الخطيب.
  • رحمهم الله
    wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
    ​ جميعا وجزاهم عنا خيرا.
 
عودة
أعلى