محمد عبد المعطي محمد
New member
الصفا والمروة.
يقول الله تعالى: [FONT=arabswell_1]{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158)[/FONT]
قيل في ارتباط هذه الآية بما قبلها أنه لما ذُكر الصبرُ والحث عليه أردفه بذكر شيءٍ من العبادات التي تحتاج إلى الصبر وهى الحج والعمرة.
أقول: إن السياق في سورة البقرة ما زال في وضع لبِنات البناء العقائدي والتشريعي لهذه الأمة الناشئة، فالحديث عن تفرد الراية في موضوع القبلة وما فيه من تشريعات القبلة وفتنتها، ثم الحديث عن تفرد هذه الأمة برسولها وكتابها، ثم التنويه بتبِعات حمل الراية مما يحتاج للصبر والجهاد، جىء هنا بتوكيد هذا التفرد لقبلة المسلمين وأنَّ ما شاب معالمها من الشركيات لا يصنع حرجاً في الارتباط بها وبمعانيها لهذه الأمة. إنه التفرد الكامل في الراية والمنهج.
ولعل النقاش حول تأويل هذه الآية يوضح الأمر أكثر.
يقول تعالى: وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: "إنّ الصفا والمروة" [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP]، في هذا الموضع: الجبلين المعروفين بهذين الاسمين في الحرم. "منْ شَعائر الله [SUP]([SUP][2][/SUP])[/SUP] "، يعني: من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده مَعلمًا ومَشعَرًا يعبدونه عندها.
وإنما أعلم اللهُ تعالى عباده أنَّ السعي بينهما من مَشاعر الحج التي سنَّها لهم، وأمرَ بها خليله إبراهيمَ -صلى الله عليه وسلم، إذ سَأله أن يُريه مناسك الحج. وذلك وإن كان مَخرجُه مَخرجَ الخبر، فإنه مرادٌ به الأمر. لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال له: {ثمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (سورة النحل: 123)، فعليهم العمل بذلك، على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} يعني: إن الطوافَ بهما من معالم الله،"فمن حَج البيتَ أو اعتمر" فلا يتخوَّفنَّ الطواف بهما، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرًا، وأنتم تَطوفون بهما إيمانًا، وتصديقًا لرسولي، وطاعةً لأمري، فلا جُناح عليكم في الطواف بهما. و "الجُناح"، الإثم. [SUP]([SUP][3][/SUP])[/SUP]
هنا يأتي الإشكال في تأويل الآية حيث أثبتت مشروعية السعي بين الصفا والمروة وأكدت أنها من الحج والعمرة بقوله تعالى: {من شعائر الله}، ثم نفت الحرج عمَّن يطَّوف بهما بقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} بما ظاهره الإباحة بعد التحريم. ووقع هذا الإشكال موقعه عند بعضهم حتى عند أحد كبار التابعين. وحلته الصديقة عائشة بما عندها من علمٍ جميلٍ بالقرآن العظيم وملابسات الخطاب القرآني.
فقد كَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ عَائِشَةَ-رضى الله عنها-سُؤَالُ مَنْ كَانَ لَا يَطُوفُ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَجْلِ إهْلَالِهِ (أي حجه) لِمَنَاةَ (الصنم الذي يعبدونه حينها).
وَعَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما-وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسُؤَالِ مَنْ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِمَا الْأَصْنَامُ، فَتَجَنَّبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَ الْفَرِيقَيْنِ. [SUP]([4])[/SUP]
قال البخاري في صحيحه: بَابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
ثم روى -بسنده-عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158)، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ [SUP]([5])[/SUP] كَانَتْ: لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ [SUP]([6])[/SUP] لِمَنَاةَ الطَّاغِيةِ [SUP]([7])[/SUP]
الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ [SUP]([8])[/SUP]، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158). الآيَةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَقَدْ سَنَّ [SUP]([9])[/SUP] رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» ....
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا:
فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلاَمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ». [SUP]([SUP][10][/SUP])[/SUP]
قال ابن العربي المالكي في تَحْقِيقُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَفْهِيمُهُ: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَا جُنَاحَ عَلَيْك أَنْ تَفْعَلَ، إبَاحَةٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلَهُ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك أَلَا تَفْعَلَ) إبَاحَةٌ لِتَرْكِ الْفِعْلِ؛ فَلَمَّا سَمِعَ عُرْوَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158) قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الطَّوَافِ جَائِزٌ، ثُمَّ رَأَى الشَّرِيعَةَ مُطْبِقَةً عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ، فَطَلَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَيْسَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158) دَلِيلًا عَلَى تَرْكِ الطَّوَافِ؛ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ لَوْ كَانَ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ).
فَلَمْ يَأْتِ هَذَا اللَّفْظُ لِإِبَاحَةِ تَرْكِ الطَّوَافِ، وَلَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ لِإِفَادَةِ إبَاحَةِ الطَّوَافِ لِمَنْ كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لِمَنْ كَانَ يَطُوفُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَصْدًا لِلْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ؛ فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الطَّائِفَ قَصْدًا بَاطِلًا.
فَأَدَّتْ الْآيَةُ إبَاحَةَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا، ورفع الْحَرَجِ الَّذي كَانَ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158) أَيْ مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ وَمَشْرُوعَاتِهِ، لَا مِنْ مَوَاضِعِ الْكُفْرِ، وَمَوْضُوعَاتِهِ؛ فَمَنْ جَاءَ الْبَيْتَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَلَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ بِهِمَا. [SUP]([11])[/SUP]
فالآية بهذا الاعتبار هي رفعٌ لشبهةٍ في قلوب المؤمنين تجاه السعي بين الصفا والمروة، وإثباتٌ أنه من شعائر الحج، ومنكِرهُ منكِرٌ لشعيرةٍ لا شكَّ فيها من عند الله.
وأما قوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ومن تطوع بالسعي بين الصفا والمروة، وهذا قول مَنْ أسقط وجوب السعي. والثاني: ومن تطوع بالزيادة على الواجب، وهذا قول من أوجب السعي. والثالث: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد أداء فرضهما.
{فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} شاكر للعمل عليم بالقصد) [SUP]([SUP][12][/SUP])[/SUP]
****
مسألةٌ فقهية: حكم السعي بين الصفا والمروة.
وإنما الاختلاف الواقع بين العلماء في حكمه من الحج والعمرة وليس في كونه من الشعائر:
(أ) فذهب ابن عمر، وجابر، وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم، ومالك، والشافعي، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه -إلى أن السعي (ركن) من أركان الحج.
بحيث لو ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة، بطل حجه ولا يجبر بدم، ولا غيره.
عن عائشة -رضى الله عنها-قالت: "طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وطاف المسلمون؛ فكانت سُنّة، فلعمري ما أتمّ الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة" (رواه مسلم).
وعن حبيبة بنت أبي تِجْرَأة قالت: "دخلتْ على دار أبي حسين نسوةٌ من قريش، ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يطوف بين الصفا والمروة وهو يسعى، يدور به إِزاره من شدة السعي، وهو يقول لأصحابه: اسعوا فإِن الله كتب عليكم السعي" (رواه أحمد وصححه الألباني بمجموع طرقه كما في الإرواء).
وقد رجَّح البخاري (وجوبه) بترجمته في الصحيح قبل الحديث الذي ذكرناه آنفاً عن عائشة-رضي الله عنها-.
(ب) وذهب أبو حنيفة، والثوري، والحسن: إلى أنه واجب، وليس بركن [SUP]([13])[/SUP]، لا يبطل الحج أو العمرة بتركه، وأنه إذا تركه وجب عليه دمٌ.
ورجح صاحب المغني -ابن قدامة-رحمه الله-هذا الرأي فقال:
1 -وهو أولى، لان دليل من أوجبه، دل على مطلق الوجوب، لاعلى كونه لا يتم الواجب إلا به.
2 -وقول عائشة رضي الله عنها في ذلك مُعارَض بقول من خالفها من الصحابة.
3 -وحديث بنت أبي تجرأة، قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا في حديثه. وهو يدل على أنه مكتوب، وهو الواجب.
4 -وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الاسلام، لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية، لأجل صنمين، كانا على الصفا والمروة.
(ج) وذهب ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين، ورواية عن أحمد: أنه سنة، لا يجب بتركه شئ. وَمُعَوَّلُ مَنْ نَفَى وُجُوبَهُ وَرُكْنِيَّتَهُ أمران:
أحدهما: قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ورفع الجناح من أحكام المباحات دون الواجبات.
والثاني: أن ابن عباس وابن مسعود قَرَء: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. بزيادة "لا" التي تدل على إباحة ترك السعي بينهما.
قلتُ: وليس في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ} دليل على إباحته دون وجوبه؛ لخروجه على سببٍ أفضتُ فيه آنفاً. وأما قراءة ابن مسعود، وابن عباس: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فقراءةٌ شاذةٌ، فلا حجة فيها على سقوط فرض السعي بينهما. وكذلك لأن (لا) هنا -عند بعض النحاة -صلةٌ في الكلام إذ تقدمها جَحْد، مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (الأعراف: 12) بمعنى ما منعك أن تسجد، وكما قال الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم ... والطيبان أبو بكر ولا عُمَرُ. (أي وعمر).
ويكون عندي-والله أعلم-الرأي الأخير أضعف الآراء في حكم السعي بين الصفا والمروة. وللوجهين الأوليين وجاهةٌ وقبولٌ، وأرجح الأخذ بالأول (بأنه ركنٌ) والاتساع بالفتوى بالرأى الثاني (بالوجوب وجبره بالدم) من باب التيسير.
مسألة في أصول التفسير: دور القرائن الخارجية (مثل علم أسباب النزول) في توجيه النص القرآني.
عند وقوفنا عند قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ... الآية 158/البقرة}
نقف أمام نصٍ انفتح على قرينةٍ خارجية لتوجيه تأويلِه. فالمفاتيح الدلالية من داخل النص لم تمكنَّا من توجيهه، وكان لابد من قرينةٍ خارجيةٍ تمثلت في سبب النزول، وقرينة الحال للمخاطَبين بالنص القرآني، وملابساته وقت نزوله. وهنا يقف النص نفسه مطالبا بالتدخل لتوجيهه.
يقول العلامة السيوطي عند حديثه عن علم أسباب النزول [SUP]([14])[/SUP]:
زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا الْفَنِّ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ وَجْهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ... وَمِنْهَا: الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ قَالَ الْوَّاحِدِيُّ: لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْآيَةَ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ: بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوَرِّثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ.
-وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحٌ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ وَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَحُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ وَيَحْتَجَّانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية وَلَوْ عَلِمَا سَبَبَ نُزُولِهَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ: كَيْفَ بِمَنْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَمَاتُوا وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَهِيَ رِجْسٌ؟ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ بِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ تُرَتِّبْ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي عِدَدِ النِّسَاءِ قَالُوا قَدْ بَقِيَ عَدَدٌ مِنْ عِدَدِ النِّسَاءِ لَمْ يُذْكَرْنَ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أُبَيٍّ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حُكْمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ وَارْتَابَ: هَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ عِدَّتُهُنَّ كَاللَّاتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ لَا؟ فَمَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يعتدون فَهَذَا حُكْمُهُنَّ.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّا لَوْ تُرِكْنَا وَمَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمَّا عُرِفَ سبب نزولها علم أَنَّهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ أَوْ فِيمَنْ صَلَّى بِالَاجْتِهَادِ وَبَانَ لَهُ الْخَطَأُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فَإِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعْيَ فَرْضٌ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ تَمَسُّكًا بِذَلِكَ وَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ عَلَى عُرْوَةَ فِي فَهْمِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُزُولِهَا وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنَزَلَتْ.... إلخ كلامه رحمه الله تعالى. [SUP]([15])[/SUP]
*****
([1]) الصفا من الحجارة الاملس، والمروة الحجارة الصغيرة.
([2]) والشعائر هنا جمع شعيرة: وهي البدنة المهداة إلى البيت، وسميت بذلك لأنه يؤثر فيها بالعلامات. وإشعار البدن: إدماؤها بطعن أو رمي أو حديدة حتى تدمي.
([3]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 226) باختصار.
([4])أحكام القرآن للجصاص ط العلمية (1/ 116)
([5])(= أى فسرتَها عليه من الإباحة وأنه لا حرج في ترك السعي بينهما)
([6])(= يحجون)
([7])(= هو صنمٌ كانوا يعبدونه وكل ما يُعبد من دون الله طاغوت وطاغية)
([8])( = هو موضعٌ قريب من الجُحفة)
([9])(= أى شرع)
([10]) صحيح البخاري (2/ 158).
([11])أحكام القرآن ط العلمية (1/ 70)
([12])تفسير الماوردي = النكت والعيون (1/ 213)
([13]) الفرق بين الركن والواجب عند الأحناف أن الركن يساوي الفرض الذي يبطل العمل بتركه ولا يُجبَر. وأما الواجب فهو أقل من الفرض. وهو ما ثبت بدليل فيه شبهةٌ ويسمى فرضاً عملياً. بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل. فيُأثَم بتركه. ولا يبطل العمل بتركه.
([14])الإتقان في علوم القرآن (1/ 107)
([15])وبفضل الله تعالى لي حديثٌ طويل النفس عن آليات فهم وتوجيه معاني القرآن العظيم في كتابٍ أعده منذ زمنٍ عن تدبر القرآن العظيم من خلال نظرةٍ شموليةٍ من داخل النص وخارجه.
يقول الله تعالى: [FONT=arabswell_1]{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158)[/FONT]
قيل في ارتباط هذه الآية بما قبلها أنه لما ذُكر الصبرُ والحث عليه أردفه بذكر شيءٍ من العبادات التي تحتاج إلى الصبر وهى الحج والعمرة.
أقول: إن السياق في سورة البقرة ما زال في وضع لبِنات البناء العقائدي والتشريعي لهذه الأمة الناشئة، فالحديث عن تفرد الراية في موضوع القبلة وما فيه من تشريعات القبلة وفتنتها، ثم الحديث عن تفرد هذه الأمة برسولها وكتابها، ثم التنويه بتبِعات حمل الراية مما يحتاج للصبر والجهاد، جىء هنا بتوكيد هذا التفرد لقبلة المسلمين وأنَّ ما شاب معالمها من الشركيات لا يصنع حرجاً في الارتباط بها وبمعانيها لهذه الأمة. إنه التفرد الكامل في الراية والمنهج.
ولعل النقاش حول تأويل هذه الآية يوضح الأمر أكثر.
يقول تعالى: وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: "إنّ الصفا والمروة" [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP]، في هذا الموضع: الجبلين المعروفين بهذين الاسمين في الحرم. "منْ شَعائر الله [SUP]([SUP][2][/SUP])[/SUP] "، يعني: من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده مَعلمًا ومَشعَرًا يعبدونه عندها.
وإنما أعلم اللهُ تعالى عباده أنَّ السعي بينهما من مَشاعر الحج التي سنَّها لهم، وأمرَ بها خليله إبراهيمَ -صلى الله عليه وسلم، إذ سَأله أن يُريه مناسك الحج. وذلك وإن كان مَخرجُه مَخرجَ الخبر، فإنه مرادٌ به الأمر. لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال له: {ثمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (سورة النحل: 123)، فعليهم العمل بذلك، على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} يعني: إن الطوافَ بهما من معالم الله،"فمن حَج البيتَ أو اعتمر" فلا يتخوَّفنَّ الطواف بهما، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرًا، وأنتم تَطوفون بهما إيمانًا، وتصديقًا لرسولي، وطاعةً لأمري، فلا جُناح عليكم في الطواف بهما. و "الجُناح"، الإثم. [SUP]([SUP][3][/SUP])[/SUP]
هنا يأتي الإشكال في تأويل الآية حيث أثبتت مشروعية السعي بين الصفا والمروة وأكدت أنها من الحج والعمرة بقوله تعالى: {من شعائر الله}، ثم نفت الحرج عمَّن يطَّوف بهما بقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} بما ظاهره الإباحة بعد التحريم. ووقع هذا الإشكال موقعه عند بعضهم حتى عند أحد كبار التابعين. وحلته الصديقة عائشة بما عندها من علمٍ جميلٍ بالقرآن العظيم وملابسات الخطاب القرآني.
فقد كَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ عَائِشَةَ-رضى الله عنها-سُؤَالُ مَنْ كَانَ لَا يَطُوفُ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَجْلِ إهْلَالِهِ (أي حجه) لِمَنَاةَ (الصنم الذي يعبدونه حينها).
وَعَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رضى الله عنهما-وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِسُؤَالِ مَنْ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِمَا الْأَصْنَامُ، فَتَجَنَّبَ النَّاسُ الطَّوَافَ بِهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَ الْفَرِيقَيْنِ. [SUP]([4])[/SUP]
قال البخاري في صحيحه: بَابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
ثم روى -بسنده-عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158)، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ [SUP]([5])[/SUP] كَانَتْ: لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ [SUP]([6])[/SUP] لِمَنَاةَ الطَّاغِيةِ [SUP]([7])[/SUP]
الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ [SUP]([8])[/SUP]، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158). الآيَةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَقَدْ سَنَّ [SUP]([9])[/SUP] رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» ....
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا:
فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلاَمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ». [SUP]([SUP][10][/SUP])[/SUP]
قال ابن العربي المالكي في تَحْقِيقُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَفْهِيمُهُ: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَا جُنَاحَ عَلَيْك أَنْ تَفْعَلَ، إبَاحَةٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلَهُ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك أَلَا تَفْعَلَ) إبَاحَةٌ لِتَرْكِ الْفِعْلِ؛ فَلَمَّا سَمِعَ عُرْوَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158) قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الطَّوَافِ جَائِزٌ، ثُمَّ رَأَى الشَّرِيعَةَ مُطْبِقَةً عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ، فَطَلَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَيْسَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158) دَلِيلًا عَلَى تَرْكِ الطَّوَافِ؛ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ لَوْ كَانَ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ).
فَلَمْ يَأْتِ هَذَا اللَّفْظُ لِإِبَاحَةِ تَرْكِ الطَّوَافِ، وَلَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ لِإِفَادَةِ إبَاحَةِ الطَّوَافِ لِمَنْ كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لِمَنْ كَانَ يَطُوفُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَصْدًا لِلْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ؛ فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الطَّائِفَ قَصْدًا بَاطِلًا.
فَأَدَّتْ الْآيَةُ إبَاحَةَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا، ورفع الْحَرَجِ الَّذي كَانَ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158) أَيْ مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ وَمَشْرُوعَاتِهِ، لَا مِنْ مَوَاضِعِ الْكُفْرِ، وَمَوْضُوعَاتِهِ؛ فَمَنْ جَاءَ الْبَيْتَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَلَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ بِهِمَا. [SUP]([11])[/SUP]
فالآية بهذا الاعتبار هي رفعٌ لشبهةٍ في قلوب المؤمنين تجاه السعي بين الصفا والمروة، وإثباتٌ أنه من شعائر الحج، ومنكِرهُ منكِرٌ لشعيرةٍ لا شكَّ فيها من عند الله.
وأما قوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ومن تطوع بالسعي بين الصفا والمروة، وهذا قول مَنْ أسقط وجوب السعي. والثاني: ومن تطوع بالزيادة على الواجب، وهذا قول من أوجب السعي. والثالث: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد أداء فرضهما.
{فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} شاكر للعمل عليم بالقصد) [SUP]([SUP][12][/SUP])[/SUP]
****
مسألةٌ فقهية: حكم السعي بين الصفا والمروة.
وإنما الاختلاف الواقع بين العلماء في حكمه من الحج والعمرة وليس في كونه من الشعائر:
(أ) فذهب ابن عمر، وجابر، وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم، ومالك، والشافعي، وأحمد -في إحدى الروايتين عنه -إلى أن السعي (ركن) من أركان الحج.
بحيث لو ترك الحاج السعي بين الصفا والمروة، بطل حجه ولا يجبر بدم، ولا غيره.
عن عائشة -رضى الله عنها-قالت: "طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وطاف المسلمون؛ فكانت سُنّة، فلعمري ما أتمّ الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة" (رواه مسلم).
وعن حبيبة بنت أبي تِجْرَأة قالت: "دخلتْ على دار أبي حسين نسوةٌ من قريش، ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يطوف بين الصفا والمروة وهو يسعى، يدور به إِزاره من شدة السعي، وهو يقول لأصحابه: اسعوا فإِن الله كتب عليكم السعي" (رواه أحمد وصححه الألباني بمجموع طرقه كما في الإرواء).
وقد رجَّح البخاري (وجوبه) بترجمته في الصحيح قبل الحديث الذي ذكرناه آنفاً عن عائشة-رضي الله عنها-.
(ب) وذهب أبو حنيفة، والثوري، والحسن: إلى أنه واجب، وليس بركن [SUP]([13])[/SUP]، لا يبطل الحج أو العمرة بتركه، وأنه إذا تركه وجب عليه دمٌ.
ورجح صاحب المغني -ابن قدامة-رحمه الله-هذا الرأي فقال:
1 -وهو أولى، لان دليل من أوجبه، دل على مطلق الوجوب، لاعلى كونه لا يتم الواجب إلا به.
2 -وقول عائشة رضي الله عنها في ذلك مُعارَض بقول من خالفها من الصحابة.
3 -وحديث بنت أبي تجرأة، قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا في حديثه. وهو يدل على أنه مكتوب، وهو الواجب.
4 -وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الاسلام، لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية، لأجل صنمين، كانا على الصفا والمروة.
(ج) وذهب ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين، ورواية عن أحمد: أنه سنة، لا يجب بتركه شئ. وَمُعَوَّلُ مَنْ نَفَى وُجُوبَهُ وَرُكْنِيَّتَهُ أمران:
أحدهما: قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ورفع الجناح من أحكام المباحات دون الواجبات.
والثاني: أن ابن عباس وابن مسعود قَرَء: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. بزيادة "لا" التي تدل على إباحة ترك السعي بينهما.
قلتُ: وليس في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ} دليل على إباحته دون وجوبه؛ لخروجه على سببٍ أفضتُ فيه آنفاً. وأما قراءة ابن مسعود، وابن عباس: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فقراءةٌ شاذةٌ، فلا حجة فيها على سقوط فرض السعي بينهما. وكذلك لأن (لا) هنا -عند بعض النحاة -صلةٌ في الكلام إذ تقدمها جَحْد، مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (الأعراف: 12) بمعنى ما منعك أن تسجد، وكما قال الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم ... والطيبان أبو بكر ولا عُمَرُ. (أي وعمر).
ويكون عندي-والله أعلم-الرأي الأخير أضعف الآراء في حكم السعي بين الصفا والمروة. وللوجهين الأوليين وجاهةٌ وقبولٌ، وأرجح الأخذ بالأول (بأنه ركنٌ) والاتساع بالفتوى بالرأى الثاني (بالوجوب وجبره بالدم) من باب التيسير.
مسألة في أصول التفسير: دور القرائن الخارجية (مثل علم أسباب النزول) في توجيه النص القرآني.
عند وقوفنا عند قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ... الآية 158/البقرة}
نقف أمام نصٍ انفتح على قرينةٍ خارجية لتوجيه تأويلِه. فالمفاتيح الدلالية من داخل النص لم تمكنَّا من توجيهه، وكان لابد من قرينةٍ خارجيةٍ تمثلت في سبب النزول، وقرينة الحال للمخاطَبين بالنص القرآني، وملابساته وقت نزوله. وهنا يقف النص نفسه مطالبا بالتدخل لتوجيهه.
يقول العلامة السيوطي عند حديثه عن علم أسباب النزول [SUP]([14])[/SUP]:
زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا الْفَنِّ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا مَعْرِفَةُ وَجْهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ... وَمِنْهَا: الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ قَالَ الْوَّاحِدِيُّ: لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْآيَةَ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ: بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوَرِّثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ.
-وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية، وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحٌ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ وَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَحُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ وَيَحْتَجَّانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية وَلَوْ عَلِمَا سَبَبَ نُزُولِهَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ: كَيْفَ بِمَنْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَمَاتُوا وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَهِيَ رِجْسٌ؟ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ بِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ تُرَتِّبْ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي عِدَدِ النِّسَاءِ قَالُوا قَدْ بَقِيَ عَدَدٌ مِنْ عِدَدِ النِّسَاءِ لَمْ يُذْكَرْنَ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ فَنَزَلَتْ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أُبَيٍّ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حُكْمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ وَارْتَابَ: هَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ عِدَّتُهُنَّ كَاللَّاتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ لَا؟ فَمَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يعتدون فَهَذَا حُكْمُهُنَّ.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّا لَوْ تُرِكْنَا وَمَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَمَّا عُرِفَ سبب نزولها علم أَنَّهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ أَوْ فِيمَنْ صَلَّى بِالَاجْتِهَادِ وَبَانَ لَهُ الْخَطَأُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ.
-وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فَإِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعْيَ فَرْضٌ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ تَمَسُّكًا بِذَلِكَ وَقَدْ رَدَّتْ عَائِشَةُ عَلَى عُرْوَةَ فِي فَهْمِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُزُولِهَا وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنَزَلَتْ.... إلخ كلامه رحمه الله تعالى. [SUP]([15])[/SUP]
*****
([1]) الصفا من الحجارة الاملس، والمروة الحجارة الصغيرة.
([2]) والشعائر هنا جمع شعيرة: وهي البدنة المهداة إلى البيت، وسميت بذلك لأنه يؤثر فيها بالعلامات. وإشعار البدن: إدماؤها بطعن أو رمي أو حديدة حتى تدمي.
([3]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 226) باختصار.
([4])أحكام القرآن للجصاص ط العلمية (1/ 116)
([5])(= أى فسرتَها عليه من الإباحة وأنه لا حرج في ترك السعي بينهما)
([6])(= يحجون)
([7])(= هو صنمٌ كانوا يعبدونه وكل ما يُعبد من دون الله طاغوت وطاغية)
([8])( = هو موضعٌ قريب من الجُحفة)
([9])(= أى شرع)
([10]) صحيح البخاري (2/ 158).
([11])أحكام القرآن ط العلمية (1/ 70)
([12])تفسير الماوردي = النكت والعيون (1/ 213)
([13]) الفرق بين الركن والواجب عند الأحناف أن الركن يساوي الفرض الذي يبطل العمل بتركه ولا يُجبَر. وأما الواجب فهو أقل من الفرض. وهو ما ثبت بدليل فيه شبهةٌ ويسمى فرضاً عملياً. بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل. فيُأثَم بتركه. ولا يبطل العمل بتركه.
([14])الإتقان في علوم القرآن (1/ 107)
([15])وبفضل الله تعالى لي حديثٌ طويل النفس عن آليات فهم وتوجيه معاني القرآن العظيم في كتابٍ أعده منذ زمنٍ عن تدبر القرآن العظيم من خلال نظرةٍ شموليةٍ من داخل النص وخارجه.