من سورة البقرة: دعوة إلى تكريم العقل والفهم عن الله تعالى

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
ذم التقليد ودعوة إلى العقل.

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة/70)
قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ} يَعْنِي كُفَّارَ الْعَرَبِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. ورجَّح الطَّبَرِيُّ أن: الضَّمِيرُ فِي" لَهُمُ" عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا".
وقوله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} أَيْ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ. قال الطبري: أي اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله، فأحِلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه، واجعلوه لكم إمامًا تأتمون به، وقائدًا تَتبعون أحكامه.
{قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا} ... أَلْفَيْنَا: وَجَدْنَا.
قال الطبري: فمعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء الكفار: كلوا مما أحلّ الله لكم، ودَعوا خُطوات الشيطان وطريقه، واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه -استكبروا عن الإذعان للحقّ وقالوا: بل نأتم بآبائنا فنتَّبع ما وجدناهم عليه، من تحليل ما كانوا يُحلُّون، وتحريم ما كانوا يحرّمون.
{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يهتدون}.
والألف في قوله أَوَلَوْ للاستفهام الاستنكاري، وإنما جعلت همزة الاستفهام للتوبيخ، لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة. والواو لعطف جملة كلام على جملة، لأن غاية الفساد في العقل أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون (أفاده الرازي وابن عطية).
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تَتَّبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمرُكم به ربكم، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًّا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يَتّبع المتبعُ ذا المعرفة بالشيء المستعملَ له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه -فيما هو به جاهل-إلا من لا عقل له ولا تمييز. [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP]
وفي الالتفات من ضمير المخاطَب إلى ضمير الغائب تحقير وذم كأنه يقول انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يفعلون؟!
قال الراغب: ذمهم الله بأنهم أبطلوا ما خص الله به الإنسان من الفكر والروية وركزه فيه من المعارف، وذلك أن الله تعالى ميز الإنسان بالفكر ليعرف به الخير من الشر في الاعتقاد والصدق من الكذب في المقال والجميل من القبيح في الفعال لم يتحر الحق والصدق الجميل، ويتجنب أضدادها،وجعل له من نور العقل ما يستغنى به فيدله على معرفة مطلوبه، فلما حث الناس على تناول الحلال الطيب، ونهاهم من متابعة الشيطان بين حال الكفار في تركهم الرشاد واتباعهم الآباء والأجداد، ليحذر من الاقتداء بهم تاركين استعمال الفكر الذي هو صورة الإنسان وحقيقته. [SUP]([2])[/SUP]

حكم التقليد في الدين على عجالةٍ.

قال علماؤنا: وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التقليد، ونظيرها: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} الآية. وهذه الآية والتي قبلها مرتبطة بما قبلهما، وذلك أن الله سبحانه أخبر عن جهالة العرب فيما تحكمت فيه بآرائها السفيهة في البحيرة والسائبة والوصيلة، فاحتجوا بأنه أمر وجدوا عليه آباءهم فاتبعوهم في ذلك، وتركوا ما أنزل الله على رسوله وأمر به في دينه، فالضمير في" لهم" عائد عليهم في الآيتين جميعا.
  1. تعلق قوم بهذه الآية في ذم التقليد لذم الله تعالى الكفار باتباعهم لآبائهم في الباطل، واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية. وهذا هو التقليد المذموم في الباطل.
أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين، وعصمة من عِصَم المسلمين يلجأ إليها الجاهل الذي لا يمتلك الأدوات اللازمة للاجتهاد وفهم نصوص الشريعة من الكتاب والسنة.
واختلف العلماء في جوازه في مسائل الأصول على ما يأتي، وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيحٌ.
- التقليد عند العلماء حقيقته قبولُ قولٍ بلا حجة، وعلى هذا فمن قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم من غير نظرٍ في معجزته يكون مقلدا، وأما من نظر فيها فلا يكون مقلدا.
ويكون بعد قناعته بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام باجتهاد عقله وتأمل دلائل الحق وأماراته التي يحضنا القرآن العظيم على تتبعها ويرفع الله إيمان المؤمنين بتأملها؛ يكون بذلك متِّبعاً وليس مقلدا، وهو فرقٌ لطيفٌ بين التقليد والاتباع يتحاشاه أهل البدع المعاصرة من العلمانية وغيرهم، فتأمل أنَّ الله أمر الناس جميعاً بتأمل دلائل الحق ليعلموه علم تعقلٍ ويقين. هذا في العقيدة وأصول الدين. [SUP]([3])[/SUP]
ثم أمر الذين يملكون أدوات الاجتهاد أو بعضها فقط بإعمال أدواتهم لفهم نصوص الشريعة، ومن لم يملك منهم أن يبحث عن العلماء الأمناء على شرع الله تعالى ويسألهم كما قال سبحانه: {واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
وَالتقليد فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قِلَادَةِ الْبَعِيرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَلَّدْتُ الْبَعِيرَ إِذَا جَعَلْتَ فِي عُنُقِهِ حَبْلًا يُقَادُ بِهِ، فَكَأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَجْعَلُ أَمْرَهُ كُلَّهُ لِمَنْ يَقُودُهُ حَيْثُ شَاءَ.
قال القرطبي: التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلا له، لا في الأصول ولا في الفروع، وهو قول جمهور العقلاء والعلماء.
- فَرْضُ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَشْتَغِلُ بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ أُصُولِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَعْلَمَ مَنْ فِي زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ نَازِلَتِهِ فَيَمْتَثِلُ فيها فتواه، لقوله تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وَعَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي البحث عن أَعْلَمِ أَهْلِ وَقْتِهِ، حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ مِنَ الْأَكْثَرِ مِنَ النَّاسِ.
وَعَلَى الْعَالِمِ أَيْضًا فَرْضُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا مِثْلَهُ فِي نَازِلَةٍ خَفِيَ عَلَيْهِ فِيهَا وَجْهُ الدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ، وَأَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ الْفِكْرَ فِيهَا وَالنَّظَرَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ ذَلِكَ، وَخَافَ عَلَى الْعِبَادَةِ أَنْ تَفُوتَ، أَوْ عَلَى الْحُكْمِ أَنْ يَذْهَبَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ صَحَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ.
- قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ.
وَذَكَرَ فِيهِ غَيْرُهُ خِلَافًا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَبِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ دِرْبَاسٍ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ ابْنُ دِرْبَاسٍ فِي كِتَابِ" الِانْتِصَارِ" لَهُ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أَمْرِ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ}.
فَذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ آبَاءَهُمْ وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ الرُّسُلِ، كَصَنِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي تَقْلِيدِهِمْ كُبَرَاءَهُمْ وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينِهِ، وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَعَلَّمُ أَمْرِ التَّوْحِيدِ وَالْقَطْعُ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاللَّهُ يهدي من يريد.[SUP] ([4])[/SUP]






مثل الذين كفروا وتركهم العقل.


{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (171/البقرة)
( اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ إِلَى إتباع مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَرَكُوا النَّظَرَ وَالتَّدَبُّرَ، وَركنوا إِلَى التَّقْلِيدِ، وَقَالُوا: {بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا} ضَرَبَ الله لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِينَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ بِسَبَبِ تَرْكِ الْإِصْغَاءِ، وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِالدِّينِ، فَصَيَّرَهُمْ بمنزلة الْأَنْعَامِ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَثَلِ يَزِيدُ السَّامِعَ مَعْرِفَةً بِأَحْوَالِ الْكُفَّارِ، وَيُحَقِّرُ إِلَى الْكَافِرِ نَفْسَهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ كَسْرًا لِقَلْبِهِ، وَتَضْيِيقًا لِصَدْرِهِ، حَيْثُ صَيَّرَهُ كَالْبَهِيمَةِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ التمثيل نِهَايَةُ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ لِمَنْ يَسْمَعُهُ عَنْ أَنْ يَسْلُكَ مثل طريقة أولئك الحمقى في التقليد ) [SUP]([5])[/SUP] .
وإنما يستسهل أولئك المقلدون التقليد لأن فيه إرضاءً لشهواتهم وتملصاً من تكاليف العدل والخير التي يقتضيها دين الله الحق، فهم في تواطئهم مع شهواتهم وترك التعقل والبحث عن الحقيقة بمنزلة الحيوان الأعجم الذي تحركه فقط الغرائز والشهوات، ولكن الحيوان مخلوق على هذه الهيئة لا يستطيع كبتها، فما عذر الإنسان وقد ميزه الله بالعقل والروح، فهم قطعاً أضلُّ من الحيوان وعيهم كل ذمٍّ، وهكذا كلُّ مَن قَلَّد شهواته أمرَه كما قال سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}. [SUP]([SUP][6][/SUP])[/SUP]
(إنَّ مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها، وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت، الذي تقوم به عليهم الحجة، ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم.
فلهذا كانوا صُمَّا لا يسمعون الحق سماعَ فهمٍ وقبول، عُمْيَاً لا ينظرون نظرَ اعتبارٍ، بُكْماً فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم.) [SUP]([7])[/SUP] .
(وفى قوله تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً» تصوير ٌكاشفٌ لحال هؤلاء الذي لبسوا الكفر تقليدا ومتابعة وإرثا، فجمدوا على ما هم فيه، وأبوا أن يتحولوا عنه، ولو زُلْزِلت الأرض بهم.
إنهم-وهذا شأنهم-لا يستمعون لداعٍ، ولا يستجيبون لمنادٍ، فلا تختلف حالهم كثيرا عن حال الحيوان الأعجم الهائم على وجهه، يهتف الراعي به: أن أقبل، أو اتجه يمينا أو يسارا، أو ما أشبه ذلك، فلا تُتَرَجم هذه المعاني في سمعه غيرَ أنها أصواتٌ هائمةٌ، لا معقولَ لها عنده، فتسقط الكلمات على أذنه كما تسقط الحجارة على الحجر!
«صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» فلقد سُدّت عليهم منافذ العلم، وأُغلقت دون عقولهم أبواب المعرفة.
وفى قوله تعالى: «يَنْعِقُ» إشارة إلى أن الكلمات التي يهتف بها الهاتف إلى هذا الحيوان هى بالنسبة إليه نعيق، ولهذا عبّر عنها بما هى صائرةٌ إليه، لا بما كانت عليه عند منطِقُها من فم قائلها!) [SUP]([8]) [/SUP]
فالذي يخرج من فم الداعي لهم دعاءٌ إلى الخير والعلم والحق، والذي يصل إلى وجدان أولئك نعيقٌ وصوتٌ لا يفقهون منه شيئا إلا محض الدعاء والنداء لا المعاني الشريفة للخير والحق ولذلك فهم في عدم إعمال نعمة الله عليهم بجوارحهم صم وبكم وعمي.
كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [SUP]([9])[/SUP]
والفرق أنَّ الحيوان الأعجم مجبولٌ على ما هو فيه ولكن المنتمي لفئة البشر ما عذره في عدم انتفاعه بما خلقه الله فيه من القدرات.
وصدق الشاعر المتنبي إذ يقول:
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ....إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ.
دراسة بلاغية ولغوية.
  1. جاء في لسان العرب لابن منظور:
النَّعِيقُ هو دعاءُ الراعي الشاءَ. يُقالُ انْعِقْ بضأْنك أَي ادْعُها.
قال الأخطل: انْعِقْ بضَأْنك يا جَريرُ فإنَّما... مَنَّتْكَ نفسُك في الخَلاء ضلالاً.
ونَعَق الراعي بالغنم يَنْعِقُ بالكسر نَعْقاً ونُعاقاً ونَعِيقاً ونَعَقاناً: أى صاح بها وزجرها. يكون ذلك في الضأْن والمعز.
وفي الحديث أَنه قال-صلى الله عليه وسلم-لنساء عثمان بن مظعون لما مات:" ابْكِين وإيّاكنَّ ونَعيقَ الشيطان"؛ يعني الصياح والنَّوْح، وأضافه إلى الشيطان لأنه الحامل عليه.
وقوله تعالى: {ومَثَل الذين كفروا كمَثَل الذي يَنْعِقُ بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً}.
قال الفراء: أضاف المَثَل إلى الذين كفروا ثم شبههم بالراعي ولم يقل كالغنم. والمعنى والله أعلم مَثَل الذين كفروا كالبهائم التي لا تَفْقَهُ ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فأضاف التشبيه إلى الراعي والمعنى في المَرْعِيّ.
قال: ومثله في الكلام قولهم: فلانٌ يخافك كخوف الأسد، يقصدون: كخوفِهِ الأسدَ لأَن الأَسد معروف أَنه المَخُوف. انتهى.
  1. و(لِلْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرُوا وُجُوهًا:
الوجه الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالزَّجَّاجِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ، قالوا: وَمَثَلُ مَنْ يَدْعُو الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى الْحَقِّ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ، فَصَارَ النَّاعِقُ الَّذِي هُوَ الرَّاعِي بمنزل الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرُ الدُّعَاةِ إِلَى الْحَقِّ وَصَارَ الْكُفَّارُ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ الْمَنْعُوقِ بِهَا. وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا تَفْهَمُ الْمُرَادَ، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ كَانُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَ الرَّسُولِ وَأَلْفَاظَهُ، وَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَبِمَعَانِيهَا.
وهو المقبول عندي لدلالة السياق عليه إذ انتقل من ذم التقليد في الباطل إلى ذم الكفار الذين لا ينتفعون بما نزل إليهم من الحق والعلم، فكانوا أليق بوصفهم كالأنعام كما ذُكر في آياتٍ أخرى ذكرتُها آنفاً. وكذلك الدلالة على وصفهم بما لا يسمع من الانعام بالقرينة اللفظية من وصفهم على سبيل الذم بأنهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْى فهم لا يعقلون}. فرجح عندي بكلا القرينتين السياق والقرينة اللفظية، وهذه المنهجية في التأويل والترجيح أسميتها (قراءة القرآن من الداخل) وأفردتها بالتصنيف.
الوجه الثَّانِي: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دعاتهم آلِهَتَهُمْ مِنَ الْأَوْثَانِ كمثل الناعق فِي دُعَائِهِ مَا لَا يَسْمَعُ كَالْغَنَمِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنَ الْكَلَامِ كَالْبَهَائِمُ التي لَا تَفْهَمُ؛ فَشَبَّهُ الْأَصْنَامَ فِي أَنَّهَا لَا تَفْهَمُ بِهَذِهِ الْبَهَائِمِ.
فَإِذَا كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ هاهنا الْمَحْذُوفَ هُوَ الْمَدْعُوُّ، وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ الْمَحْذُوفُ هُوَ الدَّاعِي.
قال الفخر الرازي: وَفِيهِ سُؤَالٌ! وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلَّا دُعاءً وَنِداءً} لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا.... [SUP]([SUP][10][/SUP])[/SUP]
قلتُ: ويخالف السياق كذلك كما قدمتُ.
  1. وقَوْلَهُ: {إِلَّا دُعاءً وَنِداءً} يسميه البلاغيون (استثناء مفرَّغ).
بمعنى أنهم لا يسمعون ولكن بمعنى خاص، إذ أنهم يسمعون فقط الدعاء والنداء، فنفى معنى السماع إنما هو لنفى سماع الفهم والعقل لا لمطلق السماع.
  1. هناك في هذه الآية فنٌ من فنون البديع يسمى في علوم البلاغة ب"الاحتباك".
وهو من بديع الأساليب البيانية التي استخدمها القرآن كثيرا؛ فأوجز وأعجز.
والتقدير هنا في الآية: {وَمَثَلُ} الرسول الذي يدعو {الَّذِينَ كَفَرُوا} أو مثل الذين كفروا في عدم سماعهم دعوة الحق والعقل {كَمَثَلِ} الراعي {الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ} من البهائم والضأن {إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} يسمعه ولا يفقه منه شيئاً
قال القاضي أبو محمد: فذكر بعض هذه الجملة وترك البعض، ودل المذكور على المحذوف وهذه نهاية الإيجاز [SUP]([/SUP][SUP][SUP][11][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP].
والاحتباك عند علماء البلاغة؛ ما هو؟
الاحتباك: هو أن يُحذف من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابله في الأواخر، ويُحذف من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابله في الأوائل.
ومأخذ هذه التسمية من الحَبْك، وهو الشدّ والإحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فحبك الثوب هو سدّ ما بين خيوطه من الفُرج وشدّه وإحكامه إحكاماً يمنع عنه الخلل، مع الحسن والرونق. [SUP]([12])[/SUP]
وبيان أخذ هذه التسمية من حَبْكِ الثوب أن مواضع الحذف من الكلام شُبّهت بالفُرَج بين الخيوط، فلمّا أدركها المتدبّر البصير بصياغة الكلام، الماهر بإحكام روابطه، وأدرك مقابلاتها، تنبّه إلى ملء الفُرَج بأمثال مقابلاتها، كما يفعل الحائك حينما يُجري حبكاً محكماً في الثوب الذي ينسجه.
ومثال على ذلك من قول الله عزّ وجلّ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (آل عمران: 13).
حيث نلاحظ في الآية الكريمة حذفاً من الأوائل لدلالة ما في الأواخر، وحذفاً من الأواخر لدلالة ما في الأوائل، وهذا من بدائع القرآن وإيجازه الرائع.
إن إبراز المحاذيف يتطلّب منا أن نقول: " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ " مُؤْمِنَةٌ " تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ " فِئَة " أُخْرَى كَافِرَةٌ " تقاتل في سبيل الطاغوت " يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ "
فتحقّق الاحتباك بدلالة ما في الأوائل على المحذوف من الأواخر، ودلالة ما في الأواخر على المحذوف من الأوائل.
  1. ولك أن تجعل هذا من (الاستعارة التمثيلية) أو (التشبيه المركب) الذي هو تشبيه حالةٍ بمجملها بحالةٍ أخرى بمجملها من غير تفصيل، فحالة النبي مع الذين كفروا، كحالة الراعي مع البهائم والأنعام في عدم فقههم وانتفاعهم، فلا تفقه من قوله شيئا غير الصوت المجرد، الذي هو الدعاء والنداء.
ولك أن تجعله من التشبيه المُفَرَّق الذي يشبه كل مفردةٍ في الصورة بنظيرتها في الصورة الأخرى... فالذين كفروا بمنزلة البهائم، ودعاءهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الصوت الذي ينعق به الداعي عليها، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم مجرد صوت الناعق. وهكذا.
  1. وفيه اشارة لأهل الصفاء:
قال ابن عجيبة الصوفي :( الإشارة فيه: إذا تمكن الهوى من القلوب عَزَّ دواؤه وشقّ علاجه، وعظم على الأطباء عناؤه، فالمنهمكون في الغفلة لا ينفَع فيهم التذكير، ولا ينجح فيهم التخويف والتحذير، فالواعظ لهم كالناعق بالبهائم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء، قد أعماهم الهوى، وأصمهم عن سماع أسباب الهدي. قال البوصيري:
(وخالف النفس والشيطان واعصهما... إنَّ الهَوَى مَا تَولَّى يُصْمِ أو يَصِمِ).
فلا يُقلع الهوى من قلوبهم إلا بسابق العناية، أو هبوب ريح الهداية، فتثير في قلوبهم خوفاً مُزْعِجاً، أو شوقاً مُقْلِقًا، أو نُوراً خارقاً وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.) [SUP]([13])[/SUP] انتهى.
********


[1])) انظر تفسير القرطبي (2/ 210) وتفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 305) بتصرف.
وروى ابن اسحق كما في سيرة ابن هشام: عن ابن عباس قال: دَعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودَ من أهل الكتاب إلى الإسلام ورَغَّبهم فيه، وحذرهم عقاب الله ونقمته، فقال له رَافع بن خارجة، ومَالك بن عوف: بل نَتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فإنهم كانوا أعلم وخيرًا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما "وإذا قيلَ لهُم اتبعوا ما أنزل اللهُ قالوا بَل نتِّبع ما ألفينا عَليه آباءنا... الآية}.

[2])) تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 367)

[3])) قَالَ ابْنُ دِرْبَاسٍ: وَقَدْ أَكْثَرَ أَهْلُ الزَّيْغِ الْقَوْلَ عَلَى مَنْ تَمَسْكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ. وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ بِهِمْ أَلْيَقُ وَبِمَذَاهِبِهِمْ أَخْلَقُ، إِذْ قَبِلُوا قَوْلَ سَادَاتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَكَانُوا دَاخِلِينَ فِيمَنْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ:" رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا".
وَقَوْلِهِ:" إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ". ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ:" قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ "، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ" فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ " الْآيَةَ.
فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْهُدَى فِيمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَلَيْسَ قَوْلُ أَهْلِ الْأَثَرِ فِي عَقَائِدِهِمْ: إِنَّا وَجَدْنَا أَئِمَّتَنَا وَآبَاءَنَا وَالنَّاسَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأُمَّةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: إ{ِنَّا وَجَدْنا آباءَنا وأَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا} بِسَبِيلٍ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ نَسَبُوا ذَلِكَ إِلَى التَّنْزِيلِ وَإِلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ، وَأُولَئِكَ نَسَبُوا إِفْكَهُمْ إِلَى أَهْلِ الْأَبَاطِيلِ، فَازْدَادُوا بِذَلِكَ فِي التَّضْلِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَثْنَى عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ:" إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ ".
فَلَمَّا كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَنْبِيَاءَ مُتَّبِعِينَ لِلْوَحْيِ وَهُوَ الدِّينُ الْخَالِصُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ، كَانَ اتِّبَاعُهُ آبَاءَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَدْحِ.
وَلَمْ يَجِئْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ ذِكْرَ الْأَعْرَاضِ وَتَعَلُّقَهَا بِالْجَوَاهِرِ وَانْقِلَابَهَا فِيهَا (يقصد عقائد المعتزلة مدعي العقل والتمنطق في الدين)، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَا هُدَى فِيهَا وَلَا رُشْدَ فِي وَاضِعِيهَا.
قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ:
وَإِنَّمَا ظَهَرَ التَّلَفُّظُ بِهَا فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ لَمَّا تُرْجِمَتْ كُتُبُ الْأَوَائِلِ وَظَهَرَ فِيهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَحُدُوثِهِ. وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْجَوْهَرِ وَثُبُوتِهِ، وَالْعَرَضِ وَمَاهِيَّتِهِ، فَسَارَعَ الْمُبْتَدِعُونَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ إِلَى حِفْظِ تِلْكَ الِاصْطِلَاحَاتِ، وَقَصَدُوا بِهَا الْإِغْرَابَ (أي التنطع والأخذ بالغريب) عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِدْخَالَ الشُّبَهِ عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ.
فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الْبِدْعَةُ، وَصَارَتْ لِلْمُبْتَدِعَةِ شِيعَةٌ، وَالْتَبَسَ الْأَمْرُ عَلَى السُّلْطَانِ، حَتَّى قَالَ الْأَمِيرُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَجَبَرَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَضُرِبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ- رضى الله عنه- على ذلك فصبر وأقام الحق بصبره.
وَكَانَ مَنْ دَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُعْرِضِينَ عَنْ شُبَهِ الْمُلْحِدِينَ، لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ، عَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ. . راجع تفسير القرطبي 2/211.

[4])) تفسير القرطبي (2/ 211)

[5] (مفاتح الغيب للرازى ، ج5ص 189 دار إحياء التراث العربي بيروت )

[6])) [الفرقان: 43].


[7] (تيسير الكريم الرحمن للسعدي ج1ص81 مؤسسة الرسالة) بتصرف يسير.

[8] التفسير القرآنى للقرآن ج1ص189.

[9])) [الأعراف: 179].

[10] ( في مفاتح الغيب ج5ص 189،190).

[11] (تفسير ابن عطية ج1ص 238 دار الكتب العلمية ببيروت ).

[12])) راجع الاتقان في علوم القرآن للسيوطي. وقال فيه من أمثلته:
قوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ﴾ [البقرة: 171]؛ الآية، التقدير: ومَثَلُ الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق، والذي ينعق به، فحذف من الأوَّل الأنبياء؛ لدلالة "الذي ينعق" عليه، ومن الثاني الذي ينعق به؛ لدلالة "الذين كفروا" عليه.
وقولِه: ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ﴾ [النمل: 12] التقدير: تَدْخُلْ غير بيضاء، وأخرِجْها تخرُجْ بيضاء، فحذف من الأول "غير بيضاء"، ومن الثاني "وأخرِجها".
وقال الزركشيُّ: هو أن يَجتمع في الكلام متقابلان، فيحذف من كلِّ واحد منهما مُقابِلُه؛ لدلالة الآخر عليه؛ كقوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ﴾ [هود: 35]؛ التقدير: "إن افتريتُه فعليَّ إجرامي، وأنتم بُرَآء منه، وعليكم إجرامُكم، وأنا بريءٌ مما تجرمون".
وقوله: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأحزاب: 24] التقدير: "ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم، أو يتوب عليهم فلا يعذِّبهم".
وقوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 222]؛ أيْ: حتَّى يَطْهُرن من الدَّم، ويتطهَّرن بالماء، فإذا طَهُرن وتطهَّرن فأْتُوهن.
وقوله: ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ﴾ [التوبة: 102]؛ أيْ: عملاً صالِحًا بسيِّئ، وآخر سيِّئًا بصالح.

[13] ( في البحر المديد ج1ص201 نشره حسن عباس زكى القاهرة).
 
عودة
أعلى