من سورة البقرة: الصبر واليقين

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
الصبر واليقين.

قال الله تعالى:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
الآيات (153-157)
بَنَت الآيات -في رأيي- بناءا منطقيا عجيباً متسقا، فعقب هذه الحملة القرآنية المنظمة لتشييد الشخصية المسلمة التي يقع على عاتقها حمل راية التوحيد والإصلاح إلى يوم القيامة، تلك الحملة التي أكدت على تمايز وجهة المؤمنين ومنهجهم وسبيلهم إلى الله، ومخالفتهم لنهج أهل الزيغ والضلال؛ في حديثٍ- فصَّلناه في الآيات السابقة- عن القبلة وعمقها المعنوي في حياة الأمة ...
بعد تلك الحملة يجيء التجهيز والتمهيد لمشاقِّ حمل راية الحق والدفاع عنها، فتجيء الإشارة اللطيفة العميقة للحرب الضروس الممتدة على أهل الحق، ومن ثَمَّ تجهيزهم بعُدَّة الصبر والصلاة، وتحمل الجهاد في سبيل دعوتهم التي لن تعدم عدوا من المشركين والكفار والمنافقين والظالمين، ولكن العاقبة دائما للصابرين الصامدين على الحق.. ويجيء هنا الاتساق القرآني مع مضمون سورة العصر في وصف المؤمنين بأنهم الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
*****
تحليل الآيات.

قال الله سبحانه وتعالى: [FONT=arabswell_1]{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}.[/FONT]
{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ} وصفَهم بالإيمان مدحاً لهم على تلقيهم ما آتاهم ربهم من شرف حمل الراية بالقبول والطاعة عقب فتنة تحويل القبلة، وتنشيطاً لهم وحثاً على مراعاة ما يعقُبه من الأمر، فالإيمان ليس طريقاً مفروشا بالورود، وليس ادعاءً بلا تمحيص، ولذلك قال لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم {استعينوا} في كل شيءٍ، والاستعانة بالله هي طلب المعونة من الله القدير الخبير سبحانه، وهى من علامات صحة التوحيد، وقوة الإيمان، والاستعانة هنا وسيلتها {بالصبر} أرشد تعالى المؤمنين، إثر الأمر بذكر الله تعالى وبالشكر في الآية قبلها، بالاستعانة بالصبر والصلاة. لأن العبد إما أن يكون في نعمةٍ فيشكر عليها. أو في نقمة فيصير عليها. كما جاء في الحديث صحيح:" عجبا للمؤمن لا يقضى له قضاء إلا كان خيرا له. إن أصابته سرَّاء فشكر كان خيرا له. وإن أصابته ضرَّاء فصبر كان خيرا له". (رواه مسلم وأحمد).
وبيّن تعالى أن أجود ما يُستعان به على تحمل المصائب في سبيل الله، الصبر والصلاة، وفي الحديث الصحيح:" أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه أمر صلّى". وحزبه أي أهمه وشغله. (رواه أحمد).
وحث على الصلاة وهي المقتضية للخشوع والداعية إلي ترك الفحشاء قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. وهي أمُّ العبادات ومِعراجُ المؤمنين ومناجاةُ ربِّ العالمين. [SUP]([1])[/SUP]
فالصلاة تقوي المؤمن على الصبر والشكر والطاعة وتشحن طاقته الإيمانية النورانية بفيوض مناجاة الرحمن -عز وجل. ولذلك لما أراد الرب تبارك وتعالى شد أزر حبيبه محمدا في تحمل مشاق الدعوة أرشده إلى الصلاة فقال له ربه: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19) [SUP]([2])[/SUP]. وقد سمعتُ عاقلاً يصف السجود يقول: ما أروع أن تناجي الأرض فتسمعك السماء.
ثم قال تعالى بياناً لقيمة الصبر وحثَّاً عليه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فوعدهم الله سبحانه صحبته إياهم تنبيهاً على قرب فيضه وتوفيقه، كما قال تعالى لنبيه وقد كان أعظم الصابرين: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} تنبيهاً أنه سبحانه يراعي أهل الصبر بالعناية والهداية.
وختم الآية الكريمة بهذا الوعد الرباني العظيم {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} ولم يقل (إن الله مع المصلين) لأن الصبر من حيث هو شاقٌّ احتيج إلى البُشْرَى عليه بهذا الوعد، أما الصلاة فأمرها عظيم لا يخفى، وهى عند المؤمنين قُرَّة العين وراحة القلوب، فلم يحتج لتخصيصها كما في الصبر؛ وقد قالوا الصبر من الصبَّار لمرارتهما على القلوب.
****
قال تعالى: [FONT=arabswell_1]{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (154/البقرة) [/FONT]
(الواو) إما متعلقةٌ بما قبلها فيكون المعنى في حَثِّ المؤمنين على الاستعانة بالصبر والصلاة والاعتقاد في حياة الشهداء ونعيمهم. أو تكون للابتداء لتُنشأ خطاً جديداً في مضمون الآيات. والأول عندي أقرب.
وفي سياقٍ مختلفٍ جاءت البشرى بحياة الشهداء أكثر تفصيلاً في سورة آل عمران في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}.
ولعل ما كان سبباً في اختلاف زاوية تناول المعنى هنا هو اختلاف السياق. ففي سورة البقرة الأمر فيه إعداد لقلوب المؤمنين لاحتمال معنى الشهادة، ولم يكن فيه الحديث عن موقفٍ واقعٍ بالفعل يقتضي التفصيل. أما في سورة آل عمران فقد كان الحديث عن غزوة أُحد بكل دروسها وآلام المؤمنين فيها، فكان التناول أكثر اتساعاً وأكثر ترطيبا لقلوب المؤمنين بمعنى الشهادة. وقد قيل إن آيات سورة البقرة هنا أتت في خضم دروس غزوة بدر وفي شهدائها نزلت. ولا أسلم بذلك فالدلالات فيها عامةٌ ولا إشارة فيها لهذه الغزوة العظيمة المشارُ إلى بعض دروسها ببعض تفصيلٍ في سورة الأنفال. هذا من حيث السياق.
[FONT=arabswell_1]{ولا تقولوا} النهى هنا على حقيقته نزل في الذين يقولون في شهداء المسلمين أنهم ماتوا، تصحيحاً للمفاهيم وضبطاً للحقائق. فالذين باعوا أنفسهم في سبيل الله اشتروا حياةً لا تنقطع عند ربهم في ثوابٍ أبديٍ عظيم. ويفيد هذه الدلالة حرف الإضراب (بل) الذي يصحح ما قبله ويثبت ما بعده، والجملة الاسمية القوية التي حُذف مبتدأها لوضوحه [FONT=arabswell_1]{بل أحياءٌ}[/FONT] أى (هم أحياءٌ) [FONT=arabswell_1]{ولكن لا تشعرون}.[/FONT][/FONT]
فحقيقةُ حياةِ الشهداء أقوى من أن تدركها حيواتنا المحدودة او إدراكاتُنا العاجزةُ، حياتهم أكمل من حياتنا وأرقى، وهذه من الغيبيات التي يقتضي الإيمان بالله تعالى وكلامه التصديق بها. [SUP]([3])[/SUP]
فعَنِ أبي سليمان الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ- أى ابن مسعود رضى الله عنه - عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: [FONT=arabswell_1]{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمرَان: 169)، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " أَرْوَاحُهُمْ كَطَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلاعَةً، فَقَالَ: سَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: يَا رَبُّ، كَيْفَ نَسْأَلُكَ وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا، فَلَمَّا رَأَوْا أَلَّا يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أَجْسَادِنَا فِي الدُّنْيَا، نُقْتَلُ فِي سَبِيلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا هَذَا تُرِكُوا ". يطلبون العودة للدنيا والقتل في سبيل الله لما يرون من كرامته على الله – تعالى-وعظيم منزلته وثوابه. [/FONT]
قال أبو محمد البغوي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ به. انتهى[SUP] ([SUP][4][/SUP])[/SUP]
قلتُ: وفي هذه الآية إشارةٌ لطيفةٌ إلى اعتقاد أهل السنة بثبوت نعيم القبر وعذابه، فالحياة المذكورة فيها للشهداء الظاهر فيها أنها حياة البرزخ. ومثله اثباتاً لعذاب القبر ما روى اللالكائي بسنده: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " أَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ سُودٍ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ يُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ دَارُكُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {النارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} (غافر: 46) ".[SUP] ([SUP][5][/SUP])[/SUP]
والتعبير بقوله: [FONT=arabswell_1]{لمن [FONT=arabswell_1]يُقتَل في سبيل الله}[/FONT] تعبيرٌ دقيقٌ يصف معنى الشهادة التي تستوجب هذه الحياة الراقية. إنها الموت (في سبيل الله). فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". (رواه أحمد والشيخان والسياق له في المسند).[/FONT]
وصح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في فضل الشهادة في سبيل الله أنه قال: «للشهيدِ عند الله خصالٌ:
1- يغفرُ له في أول دفعةٍ من دمه. 2- ويُرى مقعده من الجنة.
3- ويُحلى حلية الإيمان. 4- ويُزوجُ (اثنتين وسبعين زوجة) من الحور العين.
5- ويجارُ من عذاب القبر. 6- ويأمن من الفزع الأكبر.
7- ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها. 8 - ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته».[SUP] ([6])[/SUP]
*****
يقول تعالى: [FONT=arabswell_1]{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)}[/FONT]
(الواو) يسمونها الموطئة للقسم، أى تفيد معناه، فهو قسمٌ من الله تعالى بابتلاء المؤمنين لتمحيص إيمانهم وإظهار قوته وثباته. فمادة البلاء والابتلاء هى في الأصل اللغوي لمعنى الاختبار الذي فائدته إظهار ما خفي.[SUP] ([SUP][7][/SUP])[/SUP]
أمر الله تعالى بالاستعانة بالصبر وأخبر أنه مع الصابرين، ثم اقتضت الآية بعدها من فضل الشهداء ما يقوي الصبر عليهم ويخفف المصيبة، ثم جاء بعد ذلك من هذه الأمور التي تُتَلقَّى بالصبر أشياءٌ تعلِّم الناس أن الدنيا دار بلاءٍ ومحن، أي فلا ينكروا فراق الإخوان والقرابة، ثم وعد الصابرين أجرا عظيما...[SUP]([8])[/SUP]
قال الطبري: وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباعَ رَسوله صلى الله عليه وسلم، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكما امتحن أصفياءَه قَبلهم. ووَعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214)، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيرُه قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دارُ بلاء، وأنه مُبْتَليهم فيها، وأمرَهم بالصبر وبَشّرهم فقال: "وبشر الصابرين"، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصَفوته، لتطيب أنفسهم...كل ذلك خطابٌ منه لأتباع رَسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. [SUP]([SUP][9][/SUP])[/SUP]
وامتحان المؤمنين في قوة إيمانهم وعقيدتهم لنبذ الضعف منهم أمرٌ لابد منه كما قال تعالى: [FONT=arabswell_1]{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 2، 3)[/FONT]
والتعبير بقوله سبحانه: [FONT=arabswell_1]{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بشيءٍ} ينسحب على كافة الابتلاءات المذكورة في الآية، وفيه من لطف الله تعالى ورحمته بعباده، فما جعل الابتلاء إلا {بشيءٍ} يسيرٍ يلطف الله فيه ويقوي المتوكلين عليه من الصبر فيه. كما قال الزمخشري معناه: بِشَيْءٍ قليلٍ من كلِّ واحدٍ من هذه البلايا وطرفٍ منه، ليعلمهم أنَّ كلَّ بلاءٍ أصاب الإنسان وإن كبُر فهو أقل من بلاءٍ أكبر منه، وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حالٍ لا تفارقهم وإنما وعدهم ذلك قبل حدوثه ليوطِّنوا عليه نفوسهم فيَخِفَّ عليهم.[SUP]([10]) [/SUP] [/FONT]
قال القفال -رحمه الله: أما الخوف الشديد فقد حصل لأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند مكاشفتهم العرب بسبب الدين، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم، وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان، قال الله تعالى: {هنالك ابتُلِي المؤمنون وزُلْزِلوا زلزالا شديدا} (الأحزاب: 11). وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة لقلة أموالهم، حتى أنه عليه السلام كان يشد الحجر على بطنه، وروى أبو الهيثم بن التيهان أنه عليه السلام لما خرج التقى مع أبي بكر قال: ما أخرجك؟ قال: الجوع. قال:" أخرجني ما أخرجك".
وأما النقص في الأموال والأنفس فقد يحصل ذلك عند محاربة العدو بأن ينفق الإنسان ماله في الاستعداد للجهاد وقد يقتل، فهناك يحصل النقص في المال والنفس، وقال الله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم} (التوبة: 41). وقد يحصل الجوع في السفر الجهاد عند فناء الزاد قال الله تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله} (التوبة: 120). وقد يكون النقص في النفس بموت بعض الإخوان والأقارب، وأما نقص الثمرات فقد يكون بالجدب، وقد يكون بترك عمارة الضياع للاشتغال بجهاد الأعداء، وقد يكون ذلك بالإنفاق على من كان يرد على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الوفود. انتهى [SUP]([SUP][11][/SUP])[/SUP]
قال الزجَّاج بما معناه: وإنما جعل الله هذا الابتلاءَ لأنه أدْعى لمن جاءَ بعد الصحابة، ومَن عاصرهم ولم يتمكن الإيمان في صدره إِلى اتباعهم لأنهم يعلمون أنه لا يصبر على هذه الأشياءِ إِلا مَن قد وضح له الحقُّ وبانَ له البرهان، - وجمع اللَّه عزَّ وجلَّ - بهذا للدلالة على الصبر، وأعظَمَ الثوابَ للصابرين فقال عزَّ وجلَّ:(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).انتهى [SUP]([12])[/SUP]
وإن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعا منه في المال وسعة الرزق فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن فعند ذلك يتميز المنافقون عن المؤمنين {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال: 37).
ولقد أرانا الله تعالى في حيل الصحابة الكرام آياتٍ عِجابٍ في الصبر على الشدائد في سبيل الله تعالى، ورفع قيمة الإيمان والتحمل لأعلى المراتب، راجع لذلك ما حكاه صاحب كتاب " حياة الصحابة" من الروايات العطرة لهذا الجيل القرآني العظيم.
روى الترمذي عن مصعب ابن سعد، عن أبيه قال: (يا رسول الله، أيُّ الناس أشد بَلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الأمثلُ فالأمثلُ، فيُبْتَلى الرجلُ على حَسَبِ دينه، فإن كان دينه صُلْبًا أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتُلى على حسبه، فما يَبْرح البلاءُ بالعبد حتى يمشى على الأرض وما عليه خطيئةٌ). قال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح.
وفي البخاري عن عَائِشَةَ قالت: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا الْوَجَعُ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم). وفيه عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ قال: رأَيْتُ النَّبِى عليه السلام في مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ (أي يمرض) وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: (أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ).
قال العلامة أبو الحسن ابن بطال: خص الله أنبياءه الأوجاع والمصائب لما خصهم به من قوة اليقين وشدة الصبر والاحتساب ليكمل لهم الثواب ويتم لهم الأجر. وذكر عبد الرزاق من حديث أبى سعيد الخدري: (أن رجلا وضع يده على النبي فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا معشر الأنبياء يُضاعَف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليُبْتَلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباءة فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء). [SUP]([13])[/SUP]
وروى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- قال: لقد رَأَيْت رَسُول الله يظل الْيَوْم يلتوي مَا يجد دقلا يمْلَأ بِهِ بَطْنه. ويلتوي: أى يتثنى من الْجُوع. والدقل من التَّمْر: أردؤه.
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: وَإِنَّمَا جرى هَذَا على رَسُول الله لثَلَاثَة أَشْيَاء:
أَحدهَا: أَن الْبلَاء يلصق بالأقوياء، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أَشد النَّاس بلَاء، ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه ".
وَالثَّانِي: ليتأسى بِهِ الْفُقَرَاء فيطيب عيشهم، وَلِهَذَا الْمَعْنى أُمِر النَّاس بالتجرد عَن الْمخيط عِنْد الْإِحْرَام لِئَلَّا ينكسر قلب الْفَقِير.
وَالثَّالِث: ليَكُون ذَلِك أقوى دَلِيل على صدقه فِيمَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الصدْق لطلب الدُّنْيَا، فصبره على الْفقر من أقوى أَدِلَّة صدقه. [SUP]([14])[/SUP]
قال تعالى: [FONT=arabswell_1]{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} هكذا أُطلِقت البشرى بغيرِ تحديدٍ ولا حصرٍ؛ واعلم أنَّ أصلَ البشرى هنا من الله تعالى، والمبلِّغ لها هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهى مكتوبة في كتاب الله تعالى إلى يوم يلقونه. فأى تشريفٍ وأى تكريم؟![/FONT]
وكما قال في الآية الأخرى: [FONT=arabswell_1]{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10) قال فيها العلامة ابن عطية الأندلسي: وهذا يحتمل معنيين:-[/FONT]
أحدهما: أن الصابر يُوفَّى أجرَه ثم لا يُحاسَب عن نعيم ولا يُتابَع بذنوب، فيقع الصَّابِرُونَ في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبيُّ -عليه السلام- أنها تدخل الجنة دون حسابٍ في قوله: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حسابٍ... » الحديثَ.
والمعنى الثاني: أنَّ أجور الصابرين توفَّى بغير حصر ولا عد، بل جُزافا، وهذه استعارةٌ للكثرة التي لا تحصى...
وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة: ليس ثمَّ (لهم) مكيالٌ ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت: {وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ} (البقرة: 261) قال النبي عليه السلام: اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} (البقرة: 245) ، فقال: اللهم زد أمتي حتى أنزلت: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} فقال: رضيت يا رب. انتهى[SUP]([15])[/SUP]
قال تعالى: [FONT=arabswell_1]{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{(155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}.[/FONT]
وصفٌ كاشفٌ لأهل الصبر واليقين؛ إنهم على أصلٍ راسخٍ في عقيدتهم يوقنون أنهم مِلْك لله تعالى، وأن جريان الأقدار فيهم تأكيداً لتصرف الملِك سبحانه في ملكه وله في كل حُكْمٍ حكمة، فهذا قولهم [FONT=arabswell_1]{إِنَّا لِلَّهِ}. يعني إقرارهم بالعبودية في تلك الحالة بتفويض الأمور إليه والرضا بقضائه فيما يبتليهم به وأنه لا يقضي إلا بالحق كما قال تعالى:[/FONT]
[FONT=arabswell_1]{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} « سورة غافر آية 20» .[/FONT]

وهم على يقينٍ كذلك من موعود الله للصابرين، وفضيلة الصبر لله، لأنهم راجعون إليه فيجازيهم على صبرهم خير الجزاء وهذا قولهم : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
انطلق حالهم في الصبر من علمهم وعقيدتهم فثنَّى لهم ربهم البشرى بعد البشرى.. [FONT=arabswell_1]{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي ثناءٌ وقربٌ ورحمةٌ ، [FONT=arabswell_1]{وَرَحْمَةٌ} [/FONT]بعد رحمةٍ، [FONT=arabswell_1]{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [/FONT]حصر الهداية فيهم، لأن إيمانهم ويقينهم في أحلك الظروف، وأشد اللحظات هو أكبر امتحانٍ لإيمانهم وقد نجحوا فيه بإذن ربهم. [/FONT]
ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى». أي أول وقوع المصيبة الذي يَصدِم القلبَ فجأة.
وفي الحديث الي رواه مسلم وأبو داود، والترمذي قالت أم سلمة رضى الله عنها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إِذا أصابتْ أحدَكم مصيبة، فليقل: إنا لله، وإنَّا إِليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأْجُرني بها، وأبْدِلْني خيراً منها، فلما احتُضِرَ أبو سلمةَ، قال: اللهم اخلُفني في أهلي خيراً مني، فلما قُبِضَ قالتْ أمُّ سلمةَ: إِنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون، عند الله أحتسبُ مصيبتي فأْجُرني فيها»
وعند مالكٍ في الموطأ قالتْ أم سلمةَ: فلما تُوُفِّي أبو سلمةَ قلتُ ذلك، ثم قلتُ: وَمَنْ خَيْر من أبي سلمة؟ فأعقبها اللهُ رسولَه-صلى الله عليه وسلم، فتزوَّجها».
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه -: يرفعه إِلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-قال: «يقول الله عز وجل: من أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ، فصبر واحتسب، لم أرض له ثواباً دون الجنةِ». أخرجه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في ذهاب البصر، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.
وللعلامة ابن قيم الجوزية كتابٌ ماتع أسماه " عدة الصابرين" راجعه مشكورا تجد ما يرطب قلوب الصابرين.



هوامش في ظلال الآيات.

بصيرةٌ في الصبر.

في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}.
قال العلماء: الصَّبر فى اللغة: الحَبْس والكفّ فى ضيق، ومنه قيل: فلانٌ صُبِرَ: إِذا أُمسِك وحُبِس للقتل. قال تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي} (الكهف) ، أَى احبس نفسك معهم.
فالصَّبر: حبس النَّفس عن الجزع والسّخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش، أى حبسها عن التقصير في الطاعة أو التمادي مع شهوتها بالباطل.
قال الشاعر: الصّبر مثلُ اسمه مُرٌّ مَذاقته ... لكنْ عواقبُهُ أَحلَى من العسلِ.
ثم قسموا الصبر إلى: صبرٍ على ترك المحارم والمآثم؛ وهو قريبٌ من الورع والتقوى، وصبرٍ على فعل الطاعات والقربات؛ وهو نوع شكرٍ لله تعالى على نعمه. وأما الصبر الثالث: وهو الصبر على المصائب والنوائب. وربما كان أقلها لأنه من مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: " إنما الصبر عند المصيبة الأولى".
جاء في بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (3/ 371) للفيروز آبادي: -
قال بعض المشايخ (أظنه يقصد العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية): وكان صبر يوسف عن طاعة امرأَة العزيز أَكمل من صبره على إِلقاءِ إِخْوته إِيّاه في الجُبّ، وبيعهم إِيّاه، وتفريقهم بينه وبين أَبيه، فإِنَّ هذه أُمور جرَت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصّبر. وأَمّا صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا، ومحاربةٌ للنَّفس، ولا سيّما مع أَسبابٍ تقوّى معها داعية الموافقة؛ فإِنّه كان شابًّا، وداعية الشابّ إِليها قوَّته؛ وكان عَزَبًا ليس له ما يعوّضه ويَرُدّ شهوته؛ وغريبًا، والغريب لا يستحى فى بلدِ غُربته ممّا يستحى منه بين أَصحابه وأَهلِه؛ ويحسبونه مملوكًا، والمملوك ليس وازعهُ كوازع الحرّ؛ والمرأَة جميلة وذات مَنْصِب، وقد غاب الرّقيب، وهى الدّاعية له إِلى نفسها، والحريصة على ذلك أَشدّ الحرص، ومع ذلك توعّدته بالسجن إِن لم يفعل. فمع هذه الدّواعى كلّها صبر اختيارًا، وإِيثارًا لما عند الله. وأَين هذا من صبره فى الجُبّ على ما ليس من كسبه؟!
قال الإِمام أَحمد - رحمه الله -: ذَكر الله تعالى الصّبرَ فى القرآن في نحوٍ من تسعين موضعًا، وهو واجب بإِجماع الأُمّة. وهو نصف الإِيمان؛ فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصف شُكر.
وهو في القرآن على ستَّة عشر نوعا:
الأَوّل: الأَمر به نحو قوله تعالى: {يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا بالصبر والصلاة}، وقوله تعالى: {اصبروا وَصَابِرُواْ}، وقوله تعالى: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين}، {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله}.
الثاني: النَّهى عن ضدّه كقوله: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}، وقولهِ: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار}، فإِن تَوْلية الأَدبار ترك الصّبر والمصابرة.
الثالث: الثَّناء على أَهله كقوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}، وقوله: {والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون}. وهو كثير النَّظائر فى التنزيل.
الرّابع: إِيجاب معية الله للصابرين التى تتضَمّن حفظهم ونصرهم وتأْييدهم، كقوله: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين}.
الخامس: إِيجاب محبّته لهم، كقوله: {والله يُحِبُّ الصابرين}.
السّادس: إِخباره بأَنَّ الصبر خير لهم، كقوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}، وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
السّابع: إِيجابه الجزاء لهم بأَحسن ما كانوا يعملون.
الثامن: إِيجابه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
التاسع: إِطلاق البُشرَى لأَهل الصّبر، كقوله: {وَبَشِّرِ الصابرين}.
قال الفيروز آبادي: ثمّ الصّبر ينقسم بنوع آخر من القسمة على ثلاثة أَنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
فالأَوّل: الاستعانة به، ورؤية أَنَّه هو المصبِّر، وأَنَّ صبر العبد بربّه لا بنفسه، كما قال تعالى: {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله}، يعنى إِنْ لم يُصَبِّرك هو لم تصبر.
والثَّانى: أَن يكون الباعث على الصّبر محبّة الله وإِرادة وجهه، والتقرّب إِليه، لا إِظهار قوّة النفْس، والاستحماد إِلى الخلق، وغير ذلك من الأَغراض.
والثالث: دوران العبد الذي مع الأَحكام الدينيّة صابرًا نفسه معها، سائرًا بسَيرها، مقيمًا بإِقامتها، يتوجّه معها أَينما توجّهت ركائبها، وينزل حيث استقلَّت مضاربُها. فهذا معنى كونه صابرًا مع الله، قد جعل نفسه وَقْفا على أَوامره ومحابّه. وهو أَشدّ أَنواع الصّبر وأَصعبها. وهو صبر الصدّيقين.
والصّبر على الطَّلب عنوان الظَّفر، وفى المِحَن عنوان الفَرَج.
وفى كتاب الأَدب للبخارىّ: سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإِيمان فقال: "الصّبر والسّماحة". (قال الألباني فيه حديث قوي بمجموع طرقه، وضعَّفه غيره).
وهذا من أَجمع الكلام، وأَعظمه برهانًا، وأَوعاه لمقامات الإِيمان من أَوّلها إِلى آخرها؛ فإِن النَّفس يراد منها شيئان: بذل ما أُمِرَت به وإِعطاؤه، فالحامل عليه السّماحة؛ وتركُ ما نُهيَتْ عنه والبعد عنه، فالحامل عليه الصّبر. وقد أضمر الله سبحانه فى كتابه بالصّبر الجميل الذي لا شكوى معه، والصّفح الجميل الَّذى لا عِتاب معه، والهجرِ الجميل الذي لا أَذى معه.
وقال ابن عُيَيْنَة فى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ}: أَخذوا برأْس الأَمر فجعلهم رؤوسا.
واعلم أَنَّ الشكوى إِلى الله عزَّ وجلّ لا تُنافى الصّبر؛ فإِنَّ يعقوب - عليه السلام - وَعَد بالصّبر الجميل، والنبىّ إِذا وَعَدَ لا يُخلف، ثمّ قال: {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله}، وكذلك أَيّوب عليه السّلام أَخبر الله عنه أَنه وجده صابرًا مع قوله: {مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين}، وإِنَّمَا ينافي الصبر شكوى الله لا الشكوى إِلى الله؛ كما رأَى بعضهم رجلاً يشكو إِلى آخر فاقةً وضرورة، فقال: يا هذا، تشكو من يَرْحَمُكَ إِلى مَنْ لا يرحمك! ثمّ أَنشده:
وإِذا اعْتَرَتْكَ بليّةٌ فاصبِر لها ... صَبْرَ الكريمِ فإِنَّه بك أَرحمُ.
وإِذا شكوتَ إِلى ابن آدم إِنّما ... تشكو الرّحيم إِلى الَّذى لا يرحمُ.
معية الله-سبحانه-العامة والخاصة.

في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة/153)
يقول علماء أهل السنة أن المعية إذا أُطلقت في القرآن فلها اعتباران:
معيةٌ عامةٌ للناس جميعاً ومعناها علم الله المحيط بكل ما خلق ورعايته وتدبيره. كما في قوله تعالى: { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: 4) ، وكما في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7).
ومعيةٌ من الله تعالى خاصةٌ بعباده المصطفَين وعباده المؤمنين، ومعناها العناية والرعاية والولاية ورفع مكانتهم وجبر خواطرهم والانتصار لهم. كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194)، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46)، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل: 128).
من بلاغة الآيات المتشابهة.

نلاحظ أنَّ الآية التي شابهت هذه الآية من سورة البقرة: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45) اختلفت في تذييلها مع اختلافها في المستهل مع هذه الآية فقد خاطبت هنا الذين آمنوا من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153).
والفرق كما بيَّنه بعض المحققين أنَّ الآية الأولى (البقرة: 45) نزلت في مخاطبة اليهود، وفيها إشارة توبيخٍ لقلة إيمانهم وضعف يقينهم وخشوعهم، فكان تذييلها مُشعِراً بذلك؛ كأنه قيل لهم، استعينوا بالصبر والصلاة ولا يستطيع ذلك إلا أهل الخشوع منكم وهم القلة. أما الآية الثانية (البقرة: 153) ففي أولها تقريظ الأمة المحمدية التي توجه لها الخطاب ثم في آخرها الوعد والبشرى على صبرهم. ففرق ما بين الخطابين بعيدٌ وجمالية الدلالة القرآنية مُدهِشة.
إثبات عذاب القبر.

في قوله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ}.
قال العلامة الجصاص: فِيهِ إخْبَارٌ بِإِحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الشُّهَدَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَيُحْيَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا مراده لما قال {ولكن لا تشعرون} لأنه إخْبَارٌ بِفَقْدِ عِلْمِنَا بِحَيَاتِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيَاةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ شَعَرُوا بِهِ وَعَرَفُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَيَاةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أُحْيُوا فِي قُبُورِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ مُنَعَّمُونَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَحْيَا الْكُفَّارُ في قبورهم ليعذَّبوا.
وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ عَذَابَ الْقَبْرِ. انتهى [SUP]([16])[/SUP]

*****



([1]) وربما فسرها بعضهم هنا بمعناها في اللغة وهو الدعاء، ولكن تفسيرها بالصلاة التي هي العبادة العظيمة المعروفة أعم وأقوى وأدعى للمقام.

([2]) أي لا يخوفنَّك أحدٌ بسطوة أو بجمعٍ أو بأى شيءٍ ما دمت في حضرة مناجاة ربك، فلا تطعه حين ينهاك عن حضرة ربك في الصلاة، واسجد فكلما سجدت اقتربت.


([3] ) وقد نُقل عن بعضهم حمل الكلام على المجاز لا حقيقة الوصف بالحياة. قالوا معنى الأموات أي لا تقولوا هم أموات في دينهم، بل قولوا إِنهم أحْياءٌ في دينهم. وقال أَصحاب هذا القول: دليلنا والله أعلم – قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}. فجعل المهتدي حياً وانَّه حين كان على الضلالة كان ميتاً، قال الزجاج: والقول الأول (الذي فيه وصفهم بالحياة حقيقةً) أشبه بالدين وألْصقُ بالتفسير. معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 230). قلتُ: وتكلف المجاز في مثل هذه الغيبيات ممجوج من العقول المؤمنة فلا يعزب عن قدرة الله تعالى شيء حتى ننكره ونأوله بعقولنا التي لم تدرك حتى الآن حقيقة الحياة التي نحياها فضلا عن تصور حياة البرزخ أو ما بعدها. وقد رأينا بعض مَن فقد الإيمان والأخلاق يتمازح ويستهزئ ويتشدَّق إنكاراً لأحاديث الشهادة وفضل الشهداء، وهو على مقربةٍ من الكفر بكبيرة الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

[4] شرح السنة للبغوي (10/ 364)

[5] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (6/ 1222). قال الإمام الطبري في تفسيره ت شاكر (3/ 216):
إنّ الذي خَصّ اللهُ به الشهداءَ في ذلك، وأفادَ المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في بَرْزَخِهم قَبل بعثهم، ومنعَّمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يُطعمها الله أحدًا غيرَهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضَّلهم بها وخصهم بها من غيرهم من المؤمنين الذين توسع قبورهم ويرون منازلهم من الجنة ولا يدخلونها قبل يوم الحساب.

([6]) رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه وابن عساكر. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". قال الألباني رحمه الله: وإسناده شامي صحيح. راجع السلسلة الصحيحة ح رقم 3213 -ص 647 م7 -ط مكتبة المعارف الرياض.

([7]) قال الطبري:
وأصل"البلاء" في كلام العرب -الاختبار والامتحان، ثم يستعمل في الخير والشر. لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، كما قال ربنا جل ثناؤه: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168]، يقول: اختبرناهم، وكما قال جل ذكره: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35]. ثم تسمي العرب الخير"بلاء" والشر"بلاء". غير أن الأكثر في الشر أن يقال:"بلوته أبلوه بلاء"، وفي الخير:"أبليته أبليه إبلاء وبلاء"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (2/ 49)

([8] ) تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 227)

([9]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 219)

[10] انظر تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 207) بتصرف.

([11] ) انظر تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (4/ 129-130)بتصرف واختصار.

([12] ) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 231)

([13] ) شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 374)

([14] ) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 149)


[15] تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 524) باختصار يسير.

([16]) أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (1/ 115)
 
عودة
أعلى