من رحمة الله سوقه البشريات بين يدي الإبتلاءات

إنضم
23/03/2012
المشاركات
40
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
52
الإقامة
مصر
تأملات في سورة يوسف

إن المتأمل في سورة يوسف يري دلائل كثيرة على رحمة الله تعالى بعباده منها :

( سوقه تعالى البشريات بين يدى الإبتلاءات )

فلقد كتب الله تعالى الإبتلاء على المكلفين بعبوديته تعالى مؤمنهم وكافرهم ، إنسهم وجنهم ، ليستخلص منهم ما يناسب جبلتهم من الشكر أو الكفر ، قال تعالى ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) ومن أظهر الشكر من الخلق لا يترك حتى تظهر حقيقة شكره من حيث الصدق أو الكذب ، قال تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) ( العنكبوت: 2-3 ) هذه سنة الله تعالى في خلقه .
ولأن رحمة الله وسعت كل شيء فلا تنفك رحمته عن بلائه حين يبتلي خلقه ، فيسوق الله من البشريات بين يدي الإبتلاءات ما يعين على تحمل عناء السير مع حمل ثقل الإبتلاء على طريق العبودية ، ومن هذه البشريات ما بدا واضحا في سورة يوسف حين ساق البشري لكلا النبيين الصالحين يعقوب وابنه يوسف ، فها هو يوسف الذي كتب الله له النبوة وقدر عليه أنواعا من الإبتلاء يرى رؤيا وهو فتي يري تباشير حياته في هذه الدنيا ، فيقصها على أبيه ( يا أبت إني رايت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) الله أكبر ، يري الكريم اليافع الشمس والقمر في علوهما والكواكب له سجدا ، لا يسجد القمر والشمس في علوهما إلا لمن هو أعلى منهما ، إنها البشرى بالعلو في الدنيا ، ولا يعلو المرء ولا يرتقي إلا ببذل الجهد ، إنه الرقي مع الجد والكد ، إنه الرقي مع ألم الإبتلاء .
فيقصها على أبيه فيعلم الأب ما قسمه الله لولده من علو يسبقه الكد والإبتلاء ، ويعلم أن ولده مبتلى لا محال ، ويعلم أنه لابد وأن يناله هو نفسه يعقوب نصيبه من الإلم والإبتلاء جنبا إلى جنب مع ألم ابنه وابتلائه ، فيبشر ولده بالعلو ويوطن نفسه هو على أن الله قد قضى امرا لابد من نفاده ، فيقول لولده ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحاق إن ربك عليم حكيم )
ويخاف على ولده فيوصيه قبل سوق البشرى له بالحذر من إخوته ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين )

فبشر الله النبيين الكريمين برؤيا يوسف وما سيؤل إليه حالهما حتى إذا نزل الإبتلاء بساحتهم كانوا على يقين أنه ابتلاء من الله تعالى لا غضب ساقه عليهم ، ولا عقابا أنزله بساحتهم نسأل الله السلامة لنا وللمسلمين أجمعين ، فيتعاملون معه بما يناسبه من الصبر والقبول والرضا وإن صاحب ذلك ألم وحزن فلا يقدح التألم ولا الحزن في صدق الصبر والتسليم لقضاء الرب ، فها هو يعقوب ، حين أخبروه بأن يوسف قد أكله الذئب يعلم أن طريق الإبتلاء بالنسبة ليوسف قد بدأ وأنه مبتلى مع ولده وفلذه كبده وحبيب قلبه ، فيسلم لقضاء الله قائلا ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) ثم تمر السنون وهم سائرون على أقدام الرضا والتسليم في طريق العبودية ويبشر مرة أخرى بفقد بنيامين شقيق يوسف حين أخذه عزيز مصر ويبشر بولده الأكبر وقد حبس نفسه في مصر لا يرجع إلى أبيه حياء من بسبب اخذ بنيامين منهم فها هو يعقوب يفقد من اولاده ، فيؤكد أنه سائر بالصبر على طريق العبودية مسلما لله راضيا عنده الأمل في فرج الله تعالى أرحم الراحمين فيقول ما قال من قبل ( فصبر جميل ) ولكن يعلم من الله أن الله كريم إذا زود الإبتلاء على العبد فإنما يريد له الخير ، فيرجو الخير من الله فيقول ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ) ، يقصد يوسف وبنيامين وابنه الأكبر ، وقد كان ما رجاه من ربه أن جمعه بأولاده جميعا ، على أرض مصر وولده الصغير يوسف عزيزها ، يتبوأ من أرضها حيث يشاء معه بهرجة الملك وقوة السلطان قد أوتي الحكم والعلم والنبوة ، في أرض أمان سخاء رخاء لا يخاف فيها على نفسه ولا على ماله وولده ، ولا يخشي فيها قلة رزق ولا حرمان جزاء التقوى والصبر ، فما أرحمك رب العالمين تبتلي برحمة وتعلى من تشاء من خلقك بعلم وحكمة .

كتبه : عبدالمجيد سلامة

#تم التعديل ..الإشراف
 
وجزاك مثله أخي الكريم ، نريد مساهماتكم وإخواننا الكرام ، لأستفيد مما فاتي في التأملات فكتاب الله فوق البحر الزخار ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الله وخاصته
 
عودة
أعلى