محمد بن يوسف
New member
[align=justify]الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛
فقد ثَبَت في الصحيحَين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "الكمأة مِن المَن، وماؤها شفاء للعَين"، وفي رواية لمسلم: "الكمأة من المن الذي أنزله الله -عز وجل- على بني إسرائيل ..."، وفي رواية له أيضًا: "الكمأة من المن الذي أنزله الله على موسى ...".
و"الكمأة": تُضبط بفتح الكاف وتسكين الميم وفتح الهمزة هكذا "كَمْأة"، وهي جَمع "كَمْء" -بفتح ثم سكون ثم همز-، على غير القياس؛ لأن المُتبادِر إلى الذِّهن أن "كمأة" مفرد وجمعها "كَمْء"، ولكن الصحيح هو العكس؛ ولذا قال الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله تعالى- في «النهاية في غريب الحديث والأثر»: "وواحِدها "كَمْء"، على غير قياس؛ وهي من النوادِر؛ فإن القياس العَكْس" اهـ. وتُجمَع "كَمْء" أيضًا على "كُمُء" بضم الكاف والميم.
وُهناك وَجه آخر لقول الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله- أنها على غير القياس؛ وهو ما ذكره الإمام (ابن الأعرابي) -رحمه الله- بأن "ما بينه وبين واحده التاء، فالواحد منه بالتاء، وإذا حذفت كان للجمع"، وهذا هو مَعنى أنه خِلاف قياس العربية. والله أعْلَم.
بل ومِن العُلماء مَن قال بالعَكس؛ فقال أن "الكمأة" واحدة "الكَمء"؛ أي أنها مُفرَد لا جمع، ومنهم الحافظ (ابن حجر) -رحمه الله- في «فتح الباري»، ومِنهم مَن قال بجواز الأمرَين -أي جواز كونها جمعًا أو مفردًا-. والله أعْلَم.
أما معناها: فقد اقتصر الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله تعالى- بقوله عنها: "الكمأة معروفة" ولم يَزِد! وهي -كما جاء في «المُعجَم الوَجيز» الذي طبعه مَجمع اللغة العربية بمصر-: "فُطْر (1) من الفصيلة الكَمْئية، وهي أرضية تنتفِح حاملات أبواغها (2) فتُجْنَى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع" اهـ (ص 540)، وجاء فيه أيضًا: "المَكْمأة: المَوضِع تكثُر فيه الكَمْأة".
وهي -كما هو معروف عند علماء النبات- (تنمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم، ولا تظهر لها أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق فلا ورق ولا زهر ولا جذر لها. تنمو الكمأة في الصحارى وتحت أشجار البلوط، وتتكون من مستعمرات قوام كل مجموعة من عشرة الى عشرين حبة، وشكلها كروي لحمي رخو منتظم وسطحها أملس أو درني ويختلف لونها من البيج الى الاسود.
يعرف مكان الكمأة إما بتشقق سطح الارض التي فوقها، أو بتطاير الحشرات فوق الموقِع، ولكن في فرنسا وايطاليا تُدَرَّب الكلاب والخنازير لمعرفة موقع الكمأة.
تُعْرَف الكمأة بعدة أسماء: فتُعْرَف في المملكة بـ "الفقع"، وفي بعض البلاد بـ "شجرة الأرض" أو "بيضة الأرض" أو "بيضة البلد" أو "العسقل" أو "بيضة النعامة").
انظر هذا الرابط:
http://www.khayma.com/wahat/Truffle.htm
[color=0000FF]وأما عن وَجه كون هذا الحَديث من دلائِل النُّبوة؛ فَمِن وَجْهَين:[/color]
[color=FF0000]الأول:[/color] قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "الكمأة من المن"، وفي رواية: "... المَن الذي أنزله الله -عز وجل- على بني إسرائيل ..."، وفي رواية: "... المن الذي أنزله الله على موسى ...".
والمَن: هو ما يَمتَنُّ الله به على عباده، دون تَدَخُّل منهم؛ بل هو مَحض فَضل، دون إعمال أي سَبَب منهم؛ فلا كُلفة ولا مُؤنَة من العبد لإخراجه. هذا هو الراجح؛ بِخِلاف مَن قصرها على أفراد بعينها؛ كَمن قَصَرَها على المادة الصمغية الحُلوة التي تُفرزها بعض الأشجار كالأثْل. وَوجه العموم -أي أن "المَن" هو كل ما يمتن الله به على عباده- أن الله سبحانه وتعالى أنزل على بني إسرئيل قوم (موسى) -عليه الصلاة والسلام- المَن والسلوى، كما ذُكِر في القرآن، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن "الكمأة مِن المَن"؛ و"مِن" تَبعيضية؛ أي: الكمأة فَرد من أفراد المَن، مثلها مثل المادة الصمغية الحلوة التي تُفرِزها بعض الأشجار. والله أعْلَم.
وأما دلالة هذا الحديث على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ فقد أخبرنا أن "الكمأة" مما يمتن الله به على عباده دون تَدَخُّل منهم؛ وهذا ما أثبته العلم الحديث؛ فهي -أي الكمأة- "تنبت بلا تكلفة بذور ولا فلاحة ولا زرع ولا سقاية؛ فهي ممنون بها من الله، وهي فوق ذلك لا تُزرَع ولا تُستَزرَع. وقد أثبتت البحوث العلمية أن محاولات استزراعها باءت بالفشل؛ لكي تبقى مِنَّة من الله على عباده ويبقى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من دلائل نبوته إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرض ومن عليها".
انظر الرابط السابق؛ بتصرف بسيط.
وسبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! والحمد لله على نعمة الإسلام.
[color=FF0000]الوَجه الثاني من كون الحديث من دلائل نبوته (صلى الله عليه وسلم):[/color] قوله (صلى الله عليه وسلم): "وماؤها شفاء للعَين"، و"العَين"؛ أي: أمراض العَين الحسية. وقد قال الإمام (ابن القيم) -رحمه الله-: "اعترف فضلاء الاطباء أن ماء الكمأة يجلو العين، منهم المسبحي وابن سينا وغيرهما" اهـ، وقال الإمام (النووي) -رحمه الله-: "وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي، صاحب صلاح ورواية في الحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادًا في الحديث وتبركًا به فنفعه الله به" اهـ؛ انظرهما في "الفتح".
وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحَديثة أن "ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في مرض التراخوما؛ وذلك عن طريق التدخل الى حد كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف. وعليه؛ فإن الكمأة تستعمل في الطب الشعبي وعلى نطاق واسع في علاج التراخوما في مراحلها المختلفة"، وأنه "إذا خُلِطَ الإثمد مع الكمأة واكتُحِلَ به فانه يصلح البصر ويقويه ويقوي أجفان العين ويدفع عن العين نزول الماء"، و"يستعمل عصير الكمأة لجَلاء البصر كُحْلاً". انظر: الرابط السابق.
فسبحان اللهِ العَظيم! هل بَقي مِن مُتَشَكِّك؟! وهل مِن مُدَّكِر؟
[color=0000FF]فائدة لطيفة جدًّا:[/color]
قال الإمام (الخطابي) -رحمه الله-: "إنما اختُصَّت الكَمأة بهذه الفضيلة؛ لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة. [color=FF0000]ويُستَنبَط منه أن استعمال الحلال المَحْض يجلو البصر، والعكس بالعكس[/color]". انظره في "الفتح".
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
------------------حاشية سفلية-----------------
(1) فُطر: هكذا ضبطه علماء مَجمَع اللغة العربية بالضَّم، على غير ما هو مُنتشر أنه بالكَسر فيقولون فِطر وفِطريات -بالكَسر-، والصواب فُطر وفُطريات -بالضم-. وهو -في أصل اللغة-: "حبات العنب أول ما تبدو". ثم استخدمه عُلماء الأحياء والبيولوجيا وأطلقوه على "طائفة من اللازهريات، منها ما يؤكل ومنها ما هو سامٌّ، وما هو طُفيلي على النبات". وانظر «المُعجَم الوجيز»: ص (476)، بتصرف.
(2) أبواغ: أجِنَّة.[/align]
وبعد؛
فقد ثَبَت في الصحيحَين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "الكمأة مِن المَن، وماؤها شفاء للعَين"، وفي رواية لمسلم: "الكمأة من المن الذي أنزله الله -عز وجل- على بني إسرائيل ..."، وفي رواية له أيضًا: "الكمأة من المن الذي أنزله الله على موسى ...".
و"الكمأة": تُضبط بفتح الكاف وتسكين الميم وفتح الهمزة هكذا "كَمْأة"، وهي جَمع "كَمْء" -بفتح ثم سكون ثم همز-، على غير القياس؛ لأن المُتبادِر إلى الذِّهن أن "كمأة" مفرد وجمعها "كَمْء"، ولكن الصحيح هو العكس؛ ولذا قال الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله تعالى- في «النهاية في غريب الحديث والأثر»: "وواحِدها "كَمْء"، على غير قياس؛ وهي من النوادِر؛ فإن القياس العَكْس" اهـ. وتُجمَع "كَمْء" أيضًا على "كُمُء" بضم الكاف والميم.
وُهناك وَجه آخر لقول الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله- أنها على غير القياس؛ وهو ما ذكره الإمام (ابن الأعرابي) -رحمه الله- بأن "ما بينه وبين واحده التاء، فالواحد منه بالتاء، وإذا حذفت كان للجمع"، وهذا هو مَعنى أنه خِلاف قياس العربية. والله أعْلَم.
بل ومِن العُلماء مَن قال بالعَكس؛ فقال أن "الكمأة" واحدة "الكَمء"؛ أي أنها مُفرَد لا جمع، ومنهم الحافظ (ابن حجر) -رحمه الله- في «فتح الباري»، ومِنهم مَن قال بجواز الأمرَين -أي جواز كونها جمعًا أو مفردًا-. والله أعْلَم.
أما معناها: فقد اقتصر الإمام (ابن الأثير) -رحمه الله تعالى- بقوله عنها: "الكمأة معروفة" ولم يَزِد! وهي -كما جاء في «المُعجَم الوَجيز» الذي طبعه مَجمع اللغة العربية بمصر-: "فُطْر (1) من الفصيلة الكَمْئية، وهي أرضية تنتفِح حاملات أبواغها (2) فتُجْنَى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع" اهـ (ص 540)، وجاء فيه أيضًا: "المَكْمأة: المَوضِع تكثُر فيه الكَمْأة".
وهي -كما هو معروف عند علماء النبات- (تنمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم، ولا تظهر لها أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق فلا ورق ولا زهر ولا جذر لها. تنمو الكمأة في الصحارى وتحت أشجار البلوط، وتتكون من مستعمرات قوام كل مجموعة من عشرة الى عشرين حبة، وشكلها كروي لحمي رخو منتظم وسطحها أملس أو درني ويختلف لونها من البيج الى الاسود.
يعرف مكان الكمأة إما بتشقق سطح الارض التي فوقها، أو بتطاير الحشرات فوق الموقِع، ولكن في فرنسا وايطاليا تُدَرَّب الكلاب والخنازير لمعرفة موقع الكمأة.
تُعْرَف الكمأة بعدة أسماء: فتُعْرَف في المملكة بـ "الفقع"، وفي بعض البلاد بـ "شجرة الأرض" أو "بيضة الأرض" أو "بيضة البلد" أو "العسقل" أو "بيضة النعامة").
انظر هذا الرابط:
http://www.khayma.com/wahat/Truffle.htm
[color=0000FF]وأما عن وَجه كون هذا الحَديث من دلائِل النُّبوة؛ فَمِن وَجْهَين:[/color]
[color=FF0000]الأول:[/color] قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "الكمأة من المن"، وفي رواية: "... المَن الذي أنزله الله -عز وجل- على بني إسرائيل ..."، وفي رواية: "... المن الذي أنزله الله على موسى ...".
والمَن: هو ما يَمتَنُّ الله به على عباده، دون تَدَخُّل منهم؛ بل هو مَحض فَضل، دون إعمال أي سَبَب منهم؛ فلا كُلفة ولا مُؤنَة من العبد لإخراجه. هذا هو الراجح؛ بِخِلاف مَن قصرها على أفراد بعينها؛ كَمن قَصَرَها على المادة الصمغية الحُلوة التي تُفرزها بعض الأشجار كالأثْل. وَوجه العموم -أي أن "المَن" هو كل ما يمتن الله به على عباده- أن الله سبحانه وتعالى أنزل على بني إسرئيل قوم (موسى) -عليه الصلاة والسلام- المَن والسلوى، كما ذُكِر في القرآن، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن "الكمأة مِن المَن"؛ و"مِن" تَبعيضية؛ أي: الكمأة فَرد من أفراد المَن، مثلها مثل المادة الصمغية الحلوة التي تُفرِزها بعض الأشجار. والله أعْلَم.
وأما دلالة هذا الحديث على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ فقد أخبرنا أن "الكمأة" مما يمتن الله به على عباده دون تَدَخُّل منهم؛ وهذا ما أثبته العلم الحديث؛ فهي -أي الكمأة- "تنبت بلا تكلفة بذور ولا فلاحة ولا زرع ولا سقاية؛ فهي ممنون بها من الله، وهي فوق ذلك لا تُزرَع ولا تُستَزرَع. وقد أثبتت البحوث العلمية أن محاولات استزراعها باءت بالفشل؛ لكي تبقى مِنَّة من الله على عباده ويبقى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من دلائل نبوته إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرض ومن عليها".
انظر الرابط السابق؛ بتصرف بسيط.
وسبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! والحمد لله على نعمة الإسلام.
[color=FF0000]الوَجه الثاني من كون الحديث من دلائل نبوته (صلى الله عليه وسلم):[/color] قوله (صلى الله عليه وسلم): "وماؤها شفاء للعَين"، و"العَين"؛ أي: أمراض العَين الحسية. وقد قال الإمام (ابن القيم) -رحمه الله-: "اعترف فضلاء الاطباء أن ماء الكمأة يجلو العين، منهم المسبحي وابن سينا وغيرهما" اهـ، وقال الإمام (النووي) -رحمه الله-: "وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي، صاحب صلاح ورواية في الحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادًا في الحديث وتبركًا به فنفعه الله به" اهـ؛ انظرهما في "الفتح".
وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحَديثة أن "ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في مرض التراخوما؛ وذلك عن طريق التدخل الى حد كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف. وعليه؛ فإن الكمأة تستعمل في الطب الشعبي وعلى نطاق واسع في علاج التراخوما في مراحلها المختلفة"، وأنه "إذا خُلِطَ الإثمد مع الكمأة واكتُحِلَ به فانه يصلح البصر ويقويه ويقوي أجفان العين ويدفع عن العين نزول الماء"، و"يستعمل عصير الكمأة لجَلاء البصر كُحْلاً". انظر: الرابط السابق.
فسبحان اللهِ العَظيم! هل بَقي مِن مُتَشَكِّك؟! وهل مِن مُدَّكِر؟
[color=0000FF]فائدة لطيفة جدًّا:[/color]
قال الإمام (الخطابي) -رحمه الله-: "إنما اختُصَّت الكَمأة بهذه الفضيلة؛ لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة. [color=FF0000]ويُستَنبَط منه أن استعمال الحلال المَحْض يجلو البصر، والعكس بالعكس[/color]". انظره في "الفتح".
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
------------------حاشية سفلية-----------------
(1) فُطر: هكذا ضبطه علماء مَجمَع اللغة العربية بالضَّم، على غير ما هو مُنتشر أنه بالكَسر فيقولون فِطر وفِطريات -بالكَسر-، والصواب فُطر وفُطريات -بالضم-. وهو -في أصل اللغة-: "حبات العنب أول ما تبدو". ثم استخدمه عُلماء الأحياء والبيولوجيا وأطلقوه على "طائفة من اللازهريات، منها ما يؤكل ومنها ما هو سامٌّ، وما هو طُفيلي على النبات". وانظر «المُعجَم الوجيز»: ص (476)، بتصرف.
(2) أبواغ: أجِنَّة.[/align]