مساعدأحمدالصبحي
New member
الحمد لله.. وبعد
ما يزال الله ينعم علينا بمن يقرب إلى أذهاننا البليدة المستعجمة فهم وتدبر معاني القرآن الكريم فلله الحمد وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
وعندما صدر ((المختصر في التفسير)) في طبعته الأولى هُرعت إلى اقتناءه فور علمي بوصوله مدينة جدّة، وفرحت واستبشرت به شيئًا عظيمًا جدًّا..
وفتحت هذا الموضوع لأقيّد فيه ما وقفت عليه من هذا الكتاب من حسنات وعجائب ، فهذا الموضوع لا يختص بما أحسنوا فيه بل يضم أيضا ما هو نادر وعجيب في نفسي ، حيث لم أر مثله في التفاسير الميسّرة الأخرى ولم أعرف حجتهم ومستندهم فيه ، أو عرفتها ولكنّها من لطفها ودقتها لم أستطع التعبير عنها وشرحها
ومنهجي في هذا الموضوع -حتى نكون على بيّنة- هو:
أنّي -بعد تقييدي ما أعجبني من المختصر- أذكرُ ما تيسّر لي من توجيه وتخريج والغالب أنّه يكون في اللغة والإعراب، ولا ألتزم بذكر الخلاف والأقوال الأخرى إلا أحيانًا من أجل تفنيدها وبيان ضعفها وردائتها ، وربّما أذكر أحيانا ما ورد عن السلف في ذلك ولا ألتزم بهذا دائمًا
===========================
وأوّل ما أبدأ به آية لم أفهمها ولم أتذوقها ولم أُوّفق إلى ذلك حتى قرأت تفسيرها في كتاب المختصر فعجبت أوّل الأمر وكأني أنكرت هذا التفسير ولكن بعد التأمّل والتأنّي والتفكّر في مناسبة هذا التفسير لسياق القصة ، والقراءة في معجم لسان العرب في مادّة (حرد) ومادّة (قدر) تبيّن لي وجه هذا التأويل بل حسنه وقوّته
قال الله تعالى في سورة القلم: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)}
تفسيرها في المختصر هكذا: (وغدوا على منع ثمارهم وإمساكها عازمين.)
التوجيه اللغوي:
أما استعمال (حرد) على معنى المنْع فمعروف في لغة العرب ولا إشكال فيه، ولكن الذي يحتاج إلى تدليل وتأييد هو إتيان الفعل (قدر) على معنى (عزم) وبعد قراءتي في معجم لسان العرب مادة (قدر) لم أقف على ذكْر (العزم على الأمر) صريحًا من استعمالات (قدر) ولكن فيه معنى العزم ومعانٍ أخرى قريبة جدًّا من معنى (العزم) ففيه: "والتقدير على وجوه من المعاني ... والثالث: أن تنوي أمرا بعقدك تقول: قدّرت أمر كذا وكذا، أي نويته وعقدت عليه. ويُقال: قدَرْت لأمر كذا أقْدِرُ له وأقْدُرُ قدْرًا إذا نظرت فيه ودبّرته وقايسته" وفي اللسان أيضا: "يقال: قَدَرْتُ أي هيَّأْتُ... وقَدَرْتُ أي وَقَّتُّ... وقَدَرَ القومُ أمرَهم يَقْدِرُونَه قَدْرًا: دَبَّرُوه"
وأهم شيء يجب التنبيه إليه أنّه قد ورد كثيرا جدّا في كلام العرب الفعل (قدَر) المخفَّف بنفس معنى المثقّل (قدّر) وبنفس استعمالاته وبنفس دلالاته، وما في الآية هو اسم الفاعل من المخفَّف {قَادِرِينَ} وشواهد ذلك في اللسان كثيرة جدّا منها على سبيل المثال:-
"وقال الشاعر إياس بن مالك... : كلا ثقَلينا طامعٌ بغنيمةٍ *** وقد قَدَرَ الرحمنُ ما هو قادِرُ ...قوله: ما هو قادر أي مُقِدِّر... وأراد بالثَّقَل ههنا النساء ، أي نساءنا ونساؤهم طامعات في ظهور كلّ واحد من الحيّين على صاحبه والأمر في ذلك جارٍ على قَدَرِ الرحمن" وقد حكم الأزهري كما نقل عنه صاحب اللسان أنه شائع في اللغة أن يأتي الفعل المخفف بمعنى المثقّل: "قدّرَ تقديرا"
ومعنى التقدير تتحدّد خصائصه بحسب الفاعل فإذا نُسب إلى الله فله سبحانه الكمال المطلق في كل صفاته ، أما عند نسبته للمخلوق الضعيف فهو بحسبه، فأنا أقدّر أني أفعل كيت وكيت يومَ كذا وكذا ثم قد يتمّ لي ما قدّرته وقد لا يتمّ، كما لم يتمّ لأصحاب البستان ما قدّروه ودبّروه من منع المساكين، بل هم الذين مُنِعوا الثمرة ! فاعتبروا يا أولي الألباب !
وأذكّر القارئ الكريم أن اسم الفاعل في الآية {قَادِرِينَ} جاء من المخفّف (قدَر) لأن اسم الفاعل من المثقّل(قدّر) هكذا (مُقَدِّرين) ولِكلا الفعلين المخفّف والمثقّل نفس المعاني والاستعمالات كما سبق تقريره وتوضيحه.
فما في المختصر إذن من تفسير (قادرين) بــــ (عازمين) تفسيرٌ بالمعنى الإجمالي، الهدفُ منه تقريب المعنى وتيسير فهم الآية على عامّة الناس ... فجزاهم الله خيرا
هذا ما يختص بالتوجيه اللغوي أما عن جانب سياق الآية ومناسبة التفسير له ؛ فأقول:
اختيار (المنع) في تفسير (حرْد) على المعاني الأخرى أَولى لأنه أجزل وأقوى في تركيب الكلام ، فالأصل: "فغدوا عازمين على المنع" فكل ما حصل هو التقديم والتأخير {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} ، ولو جعلنا معنى (حرْد) الغضب؛ فلا وجه له ولا مناسبة في سياق القصة، أما من جعل معنى (الحرْد) الجدّ في الأمر والتصميم فإنه في الغالب يجعل معنى (قادرين) من القُدْرة على تنفيذ ما أرادوا
ويرد على هذا إشكالات كالتالي:
هل أصحاب البستان قدروا على ما أرادوا ؟ فإن قال قائل: إنما أراد الله أنّهم قادرون في ظنّهم. قيل له: وهل لهذا نظيرٌ في كلام الله؟ هل أخبرَنا الله سبحانه عن أحدٍ بأمرٍ ما هكذا مطلقا وهو مقيَّدٌ بظنّه الخائب البعيد ؟!
فلا شك أن في توجيه هذا القول تكلّف، والمعنى عليه ضعيف ، إذ إنّ كل فاجر ظالم قد أقدره الله على الظلم والفجور ولولا أن الله أقدره لم يقدر أصلا على شيء؛ فما مناسبة ذكر قدرتهم هنا على المنع والبخل ؟!
*** فلو أخذنا بأنّ (الحرْد) في الآية هو الجدّ في الأمر والتصميم لكان حسنًا جدًّا بشرط ألا نفسّر (قادرين) بالقدرة والإستطاعة بل نفسرها على أنهم مهيّئون ومُبرِمون ومدبّرون لما أرداوا
فالمعنى الإجمالي إذا: (وغدوا بجِدّ وقوّة وهم مستعدّون ومحكمون لأمرهم) ولكنه لم يُذكر المتعلّق في الآية لأنه واضح من السياق أو لإرادة العموم فهو أبلغ في المعنى أي أنهم قد أعدّوا وهيّئوا كل ما يلزم لإنفاذ هذا الأمر
وهناك وجه جيّد في تفسير الآية ظهر لي أثناء قراءتي في لسان العرب؛ وهو تفسير الحرْد بالبخل والمنع و(قادرين) بـــ (واجدين أغنياء) ففي اللسان: "والقدْر: الغِنَى واليسار ... ورجلٌ ذو قُدْرة، أي ذو يسار".
وورد(البخل) أيضا في اللسان على أنه من معاني الحرْد .
فيكون المعنى الإجمالي للآية: (وغدوا يريدون المنع والبخل بحق المساكين مع جِدَتهم ويسارهم)
والحمد لله أولا وآخرًا
ما يزال الله ينعم علينا بمن يقرب إلى أذهاننا البليدة المستعجمة فهم وتدبر معاني القرآن الكريم فلله الحمد وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
وعندما صدر ((المختصر في التفسير)) في طبعته الأولى هُرعت إلى اقتناءه فور علمي بوصوله مدينة جدّة، وفرحت واستبشرت به شيئًا عظيمًا جدًّا..
وفتحت هذا الموضوع لأقيّد فيه ما وقفت عليه من هذا الكتاب من حسنات وعجائب ، فهذا الموضوع لا يختص بما أحسنوا فيه بل يضم أيضا ما هو نادر وعجيب في نفسي ، حيث لم أر مثله في التفاسير الميسّرة الأخرى ولم أعرف حجتهم ومستندهم فيه ، أو عرفتها ولكنّها من لطفها ودقتها لم أستطع التعبير عنها وشرحها
ومنهجي في هذا الموضوع -حتى نكون على بيّنة- هو:
أنّي -بعد تقييدي ما أعجبني من المختصر- أذكرُ ما تيسّر لي من توجيه وتخريج والغالب أنّه يكون في اللغة والإعراب، ولا ألتزم بذكر الخلاف والأقوال الأخرى إلا أحيانًا من أجل تفنيدها وبيان ضعفها وردائتها ، وربّما أذكر أحيانا ما ورد عن السلف في ذلك ولا ألتزم بهذا دائمًا
===========================
وأوّل ما أبدأ به آية لم أفهمها ولم أتذوقها ولم أُوّفق إلى ذلك حتى قرأت تفسيرها في كتاب المختصر فعجبت أوّل الأمر وكأني أنكرت هذا التفسير ولكن بعد التأمّل والتأنّي والتفكّر في مناسبة هذا التفسير لسياق القصة ، والقراءة في معجم لسان العرب في مادّة (حرد) ومادّة (قدر) تبيّن لي وجه هذا التأويل بل حسنه وقوّته
قال الله تعالى في سورة القلم: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)}
تفسيرها في المختصر هكذا: (وغدوا على منع ثمارهم وإمساكها عازمين.)
التوجيه اللغوي:
أما استعمال (حرد) على معنى المنْع فمعروف في لغة العرب ولا إشكال فيه، ولكن الذي يحتاج إلى تدليل وتأييد هو إتيان الفعل (قدر) على معنى (عزم) وبعد قراءتي في معجم لسان العرب مادة (قدر) لم أقف على ذكْر (العزم على الأمر) صريحًا من استعمالات (قدر) ولكن فيه معنى العزم ومعانٍ أخرى قريبة جدًّا من معنى (العزم) ففيه: "والتقدير على وجوه من المعاني ... والثالث: أن تنوي أمرا بعقدك تقول: قدّرت أمر كذا وكذا، أي نويته وعقدت عليه. ويُقال: قدَرْت لأمر كذا أقْدِرُ له وأقْدُرُ قدْرًا إذا نظرت فيه ودبّرته وقايسته" وفي اللسان أيضا: "يقال: قَدَرْتُ أي هيَّأْتُ... وقَدَرْتُ أي وَقَّتُّ... وقَدَرَ القومُ أمرَهم يَقْدِرُونَه قَدْرًا: دَبَّرُوه"
وأهم شيء يجب التنبيه إليه أنّه قد ورد كثيرا جدّا في كلام العرب الفعل (قدَر) المخفَّف بنفس معنى المثقّل (قدّر) وبنفس استعمالاته وبنفس دلالاته، وما في الآية هو اسم الفاعل من المخفَّف {قَادِرِينَ} وشواهد ذلك في اللسان كثيرة جدّا منها على سبيل المثال:-
"وقال الشاعر إياس بن مالك... : كلا ثقَلينا طامعٌ بغنيمةٍ *** وقد قَدَرَ الرحمنُ ما هو قادِرُ ...قوله: ما هو قادر أي مُقِدِّر... وأراد بالثَّقَل ههنا النساء ، أي نساءنا ونساؤهم طامعات في ظهور كلّ واحد من الحيّين على صاحبه والأمر في ذلك جارٍ على قَدَرِ الرحمن" وقد حكم الأزهري كما نقل عنه صاحب اللسان أنه شائع في اللغة أن يأتي الفعل المخفف بمعنى المثقّل: "قدّرَ تقديرا"
ومعنى التقدير تتحدّد خصائصه بحسب الفاعل فإذا نُسب إلى الله فله سبحانه الكمال المطلق في كل صفاته ، أما عند نسبته للمخلوق الضعيف فهو بحسبه، فأنا أقدّر أني أفعل كيت وكيت يومَ كذا وكذا ثم قد يتمّ لي ما قدّرته وقد لا يتمّ، كما لم يتمّ لأصحاب البستان ما قدّروه ودبّروه من منع المساكين، بل هم الذين مُنِعوا الثمرة ! فاعتبروا يا أولي الألباب !
وأذكّر القارئ الكريم أن اسم الفاعل في الآية {قَادِرِينَ} جاء من المخفّف (قدَر) لأن اسم الفاعل من المثقّل(قدّر) هكذا (مُقَدِّرين) ولِكلا الفعلين المخفّف والمثقّل نفس المعاني والاستعمالات كما سبق تقريره وتوضيحه.
فما في المختصر إذن من تفسير (قادرين) بــــ (عازمين) تفسيرٌ بالمعنى الإجمالي، الهدفُ منه تقريب المعنى وتيسير فهم الآية على عامّة الناس ... فجزاهم الله خيرا
هذا ما يختص بالتوجيه اللغوي أما عن جانب سياق الآية ومناسبة التفسير له ؛ فأقول:
اختيار (المنع) في تفسير (حرْد) على المعاني الأخرى أَولى لأنه أجزل وأقوى في تركيب الكلام ، فالأصل: "فغدوا عازمين على المنع" فكل ما حصل هو التقديم والتأخير {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} ، ولو جعلنا معنى (حرْد) الغضب؛ فلا وجه له ولا مناسبة في سياق القصة، أما من جعل معنى (الحرْد) الجدّ في الأمر والتصميم فإنه في الغالب يجعل معنى (قادرين) من القُدْرة على تنفيذ ما أرادوا
ويرد على هذا إشكالات كالتالي:
هل أصحاب البستان قدروا على ما أرادوا ؟ فإن قال قائل: إنما أراد الله أنّهم قادرون في ظنّهم. قيل له: وهل لهذا نظيرٌ في كلام الله؟ هل أخبرَنا الله سبحانه عن أحدٍ بأمرٍ ما هكذا مطلقا وهو مقيَّدٌ بظنّه الخائب البعيد ؟!
فلا شك أن في توجيه هذا القول تكلّف، والمعنى عليه ضعيف ، إذ إنّ كل فاجر ظالم قد أقدره الله على الظلم والفجور ولولا أن الله أقدره لم يقدر أصلا على شيء؛ فما مناسبة ذكر قدرتهم هنا على المنع والبخل ؟!
*** فلو أخذنا بأنّ (الحرْد) في الآية هو الجدّ في الأمر والتصميم لكان حسنًا جدًّا بشرط ألا نفسّر (قادرين) بالقدرة والإستطاعة بل نفسرها على أنهم مهيّئون ومُبرِمون ومدبّرون لما أرداوا
فالمعنى الإجمالي إذا: (وغدوا بجِدّ وقوّة وهم مستعدّون ومحكمون لأمرهم) ولكنه لم يُذكر المتعلّق في الآية لأنه واضح من السياق أو لإرادة العموم فهو أبلغ في المعنى أي أنهم قد أعدّوا وهيّئوا كل ما يلزم لإنفاذ هذا الأمر
وهناك وجه جيّد في تفسير الآية ظهر لي أثناء قراءتي في لسان العرب؛ وهو تفسير الحرْد بالبخل والمنع و(قادرين) بـــ (واجدين أغنياء) ففي اللسان: "والقدْر: الغِنَى واليسار ... ورجلٌ ذو قُدْرة، أي ذو يسار".
وورد(البخل) أيضا في اللسان على أنه من معاني الحرْد .
فيكون المعنى الإجمالي للآية: (وغدوا يريدون المنع والبخل بحق المساكين مع جِدَتهم ويسارهم)
والحمد لله أولا وآخرًا