الحسن محمد ماديك
New member
من مقدمة التفسير "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن ج4
للحسن محمد ماديك
الأمر بالصبر
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن التكليف بالصبر أو الوصف به حيث وقع في الكتاب المنزل فإنما يعني الإيمان بموعود والصبر على انتظاره من غير تعجل وكذلك دلالة قوله :
• فاصبر إن وعد الله حق { الروم 60 وغافر 55 ، 77
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون { خاتمة الأحقاف
ويعني تأكيد نفاذ وعد الله وأنه حق ولو تراءى بعيدا للمكلف بالإيمان به أو للمكلف بالصبر ، وسيأتي بيان الأحرف الثلاثة أي حرف الروم وحرفي غافر في بيان القرآن ، وسيأتي بيان حرف الأحقاف في كلية النصر في ليلة القدر .
وإن من المثاني قوله :
• وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين { الأعراف 87
• واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين { خاتمة يونس
• فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت { القلم 48
• واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا { الطور 48
ويعني حرف الأعراف أن رسول الله شعيبا قد أمر قومه مدين أن يصبروا ولا يتعجلوا حكم الله بين الطائفتين وهو صريح في أن الله قد وعدهم أن يحكم بين الفريقين في الدنيا فينجي المؤمنين ويهلك بالعذاب المجرمين .
ويعني حرف يونس أن الله وعد في القرآن أن يحكم بين الفريقين في الدنيا كما يأتي تفصيله وتحقيقه وبيانه في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف القلم أن وعد الله المفصل في قوله } فذرني ومن يكذب بهـذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين { القلم 44 ـ 45 هو حكمه الذي كلف النبي الأمي r بالصبر على انتظاره .
ويعني حرف الطور أن الله قد كلف النبي الأمي r بالصبر على انتظار حكمه بين الفريقين في الدنيا كما هو مفصل في قوله } فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك { الطور 45 ـ 48
وكان أمر النبي الأمي r بالصبر حيث وقع في الكتاب المنزل عليه من سنّته التي كلف بها ولزم من اتبعه أن يصبر وينتظر حكم الله ووعده .
وإن قوله :
• قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هـذا فاصبر إن العاقبة للمتقين { هود 48 ـ 49
• قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين { الأعراف 128
• وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون { الأعراف 137
• ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين { الأنعام 34
• ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هـذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين { عمران 124 ـ 125
ويعني حرف هود أن قوله } وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم { لمن أنباء الغيب المنتظرة بعد نزول القرآن ولقد نبّأ الله به نوحا من قبل وسيتم نفاذ وعد الله به لتكون العاقبة للمتقين وكلف النبي الأمي بالصبر قبل نفاذ وعد الله فكان من سنته ولزم من آمن به اتباع سنته .
ويعني أول الأعراف أن قوله } إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده { لمما وعد به موسى قومه قبل هلاك فرعون وتعني التذكرة به في القرآن أن الوعد لم ينقض بعد يوم نزل به القرآن ولا يزال منه ما شاء الله إلى أن يكون آخره نفاذ وعد الله } والعاقبة للمتقين { على لسان موسى وكلف قومه بالصبر قبل نفاذه .
ويعني ثاني الأعراف أن تدمير ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وأن ونجاة بني إسرائيل إذ جاوزوا البحر هو كلمة ربنا التي تمت أي وعده الذي نفذ وتمّ لما صبروا أي آمنوا بوعد الله وانتظروه .
ويعني حرف الأنعام أن الله قد وعد رسله بالآيات قبل نزول القرآن أن ينصرهم في الدنيا وأنهم قد آمنوا بوعد الله وصبروا على انتظاره وأوذوا حتى أتاهم نصر ربهم فأهلك عدوهم واستخلفهم في الأرض من بعدهم .
ويعني حرف عمران أن قوله } ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين { لمن وعد الله في القرآن وكلف المؤمنون بالصبر قبل نفاذه المؤكد بالحرف } بلى { وبينته في كلية النصر في ليلة القدر .
الحمد
إن قوله } يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده { الإسراء 52 ليعني أن الناس سيبعثون في يوم البعث فلا يبقى منهم أحد بل يتم ذلك الوعد بحمد الله ، وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن " الحمد لله " حيث وقع فإنما لبيان نعمة قد تمت ونفذت يوم نزل القرآن أو لبيان نعمة هي من وعد الله سيتم نفاذه في الدنيا أو في الآخرة .
ومن الأول قوله :
• الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور { الأنعام
• الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب { الكهف
• الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق { إبراهيم 39
ولا يخفى أن جميعه مما مضى وانقضى .
ومن الثاني قوله :
• فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين { الأنعام 45
• فإذا استويت أنت ومن معك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين { الفلاح 28
• وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء { الزمر 74
ويعني حرف الأنعام أن قطع دابر القوم الذين ظلموا من قوم نوح والأحزاب من بعدهم هو مما وعد الله به رسلهم نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا وموسى وقد تمت النعمة به على المؤمنين ، ويعني كذلك أن قطع دابر الذين ظلموا من هـذه الأمة وعد من الله نزل به القرآن وسيتم بحمد الله كما بيّنته مفصلا في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف الفلاح أن الله وعد نوحا أن ينجيه هو ومن معه من الطوفان وأمرهم بحمده إذا تم الوعد به ، ويدل على الوعد به قوله } ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق { هود 45 يعني تمسك نوح بوعد الله أن ينجيه ومن معه ظنا منه دخول ابنه في من معه .
ويعني حرف الزمر أن أهل الجنة يوم يدخلونها سيحمدون الله أن صدقهم الوعد بها في الدنيا .
وإن قوله :
• دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين { يونس 10
• وقيل للذين اتقوا ماذا قال ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هـذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون { النحل 30 ـ 32
• أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا { 15 ـ 16
• من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد { سورة ق 33 ـ 35
• والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير { الشورى 22
• والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين { الزمر 34 ـ 35
ويعني حرف يونس أن أهل الجنة تجاب دعوتهم عند فراغهم من الدعاء فيعطون ما يشاءون فيكون آخر دعواهم } الحمد لله رب العالمين { يعني أن صدقهم الوعد وأتم النعمة فأعطاهم ما يشاءون ويبتغون ، وإنما دعاؤهم التسبيح أي تنزيه الله أن يخلف وعده أن لهم في الجنة ما يشاءون وكما بيّنت في دلالة التسبيح .
وإن من المثاني قوله :
• ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { النحل 75
• ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { الزمر 29
ويعني أن البشرية قبل نزول القرآن قد عرفت المثلين وأن من وعد الله أن ستعرفهما بعد نزول القرآن كما هو دلالة قوله } هل يستوون { وكما هي دلالة الحمد ولو جهل أكثر الناس فسيتم ذلك الوعد .
وإن من المثاني قوله :
• ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون { العنكبوت 63
• ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { لقمان 25
ويعني حرف العنكبوت أن الله الذي نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها وعد أن يحيي الموتى يوم البعث وسيتم بحمد الله ذلك الوعد ولو كذّب الذين لا يعقلون .
ويعني حرف لقمان أن الله الذي خلق السماوات والأرض سيخلق مثلهم ليوم البعث أي بعد إعدامهما فلا يبقى منهم شيء وعدا منه سيتم نفاذه بحمد الله ولو جهله أكثر الناس .
الظن
إن للظن في تفصيل الكتاب أكثر من دلالة فمنه ما هو مذموم ومنه ما هو حسن ومنه ما لا يقع عليه وصف الذم ولا الحسن إذ لا تكليف فيه .
أما الظن المذموم فكما في قوله :
• إنه ظن أن لن يحور الانشقاق 14
• وما أظن الساعة قائمة الكهف 36 فصلت 50
• وما يتبع أكثرهم إلا ظنا يونس 36
• وما لهم به من علم إن هم إلا يظنون الجاثية 24
• وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين الجاثية 32
ويعني أن الظن المذموم هو ما كان في مقابلة العلم واليقين أي هو الشك في موعودات الكتاب وغيبه وفي ما أنزل الله .
وأما الظن الحسن فكما في قوله :
• وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه التوبة 118
• واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون البقرة 46
• قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين البقرة 249
ويعني اليقين بوعد الله ، فالمخلفون الثلاثة صدقوا ولم يرتدوا عن الإسلام بل أسلموا للعقاب أن لا يكلمهم المسلمون وأن يعتزلهم الأزواج وأن لا يقطع بإيمانهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وأنكرهم المؤمنون لكن أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتاب عليهم بصدقهم .
ويعني أول البقرة أن الخاشعين هم الذين يظنون في كل وقت أنهم ملاقوا ربهم أي ميتون ، قصر أملهم فاستعدوا للموت في كل ساعة فكانت صلاتهم أبدا صلاة مودع فخشعوا فيها ولم يعبثوا أو يغفلوا ، ويقينهم بالموت سمي ظنا من جهة مبلغ العلم ولو تأخر عنهم الموت أكثر من ظنهم .
ويعني ثاني البقرة أن الذين أيقنوا أنهم ملاقوا الله للحساب في يوم القيامة هم الذين صدقوا مع طالوت ولم يتولوا عنه يوم الزحف ـ خوفا من الحساب والعقاب يوم يلاقون الله ـ وهم قلة رغم كثرة عدوهم جالوت وجنوده واستعانوا بالله فنصرهم .
وإن قوله :
• كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفّت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق القيامة 26 ـ 29
• حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم يونس 22
ليعني اليقين بالموت في تلك الحال وليس هو بمذموم ولا حسن وإنما سمي بالظن لتعلق الإنسان بأسباب النجاة وحرصه على الحياة في كل وقت والله أعلم .
الإيمان
إن من تفصيل الكتاب المنزل أن الإيمان المعدى باللام يعني التصديق من المعاصر كما في قوله :
• فآمن له لوط العنكبوت 26
• فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم يونس 83
• قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون الشعراء 111
• وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين يوسف 17
ولا يخفى أن لوطا قد عاصر إبراهيم وأن ذرية من بني إسرائيل قد عاصروا موسى وأن قوم نوح قد عاصروا نوحا وأن بني يعقوب إخوة يوسف قد عاصروا أباهم .
ويعني قوله قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين التوبة 61 أن النبي يؤمن بالله لدلالته على الغيب إذ لم يره في الدنيا ويصدّق النبي المؤمنين فلا يكذبهم فيما يزعمون إذ كان على خلق عظيم .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن الذين آمنوا حيث وقعت في الكتاب فإنما هم صحابة النبي أو الرسول الذين آمنوا به إيمانا مستأنفا .
أما صحابة نوح فهم الموصوفون في قوله :
• وما أنا بطارد الذين آمنوا هود 29
• وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن هود 36
• وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل هود 40
وأما صحابة هود فهم الموصوفون في قوله ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ هود 58 .
وأما صحابة صالح فهم الموصوفون في قوله :
• قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم الأعراف 75
• فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ هود 66
• وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون النمل 53
• ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون فصلت 18
وأما صحابة شعيب فهم الموصوفون في قوله :
• ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به الأعراف 86
• قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا الأعراف 88
• ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا هود 94
وآمن لوط بإبراهيم كما في قوله فآمن له لوط العنكبوت 26 .
وأما صحابة موسى فهم الموصوفون في قوله :
• قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم غافر 25
• فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه يونس 83
• وقال الذي آمن غافر 30 ، 38
وأما صحابة خاتم النبيين فهم الموصوفون في قوله :
• لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم التوبة 88
• ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى التوبة 113
• إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهـذا النبي والذين آمنوا عمران 68
أما المؤمنون فهم أعم من صحابة الرسول أو النبي إذ يقع لفظ المؤمنين على الرسول والذين آمنوا معه كما في قوله ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين الروم 47 ، ويقع على الصحابة كالذين آمنوا كما في قوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون الحجرات 15 ولتسميتهم بالمؤمنين رد على الذين يزعمون أنهم مؤمنون ويتخلفون عن الرسول يرغبون بأنفسهم عن نفسه ، ويقع على المؤمنين من الأمة الذين لم يدركوا النبي ابتداء من التابعين للصحابة فمن يأتي بعدهم ...
وأما الإيمان المعدى بالباء فيقع على الغيب المنتظر الذي سيكون شهادة فيما بعد ، وهكذا مدلول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله .
أما الإيمان بالله فلأنه لن يرى في الدنيا كما هي دلالة قوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 ويعني أنهم وهم المقربون من الملائكة يؤمنون بالله ولم يروه بعد وهم يعلمون أنهم سيرونه في يوم الحساب وعدا من الله كما هو مدلول تسبيحهم بحمد ربهم وكما فصلت في بيان اقتران التسبيح مع الحمد .
وأما الإيمان بالملائكة واليوم الآخر فظاهر كذلك أنهما من الغيب في الدنيا وسيشهد العالمون جميعا بعد البعث للحساب كلا من الملائكة واليوم الآخر .
وأما الإيمان بالقدر كله فلإيمان المؤمن أن ما أصابه من القدر لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه منه لم يكن ليصيبه ، فالقدر مسطور في اللوح المحفوظ غيب يؤمن به المؤمن قبل أن يقدّر عليه كما في قوله قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم الأحقاف 9 أي لم يطلع على القدر المغيب عنه قبل وقوعه .
وأما الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله فهو من الغيب لتضمنها غيبا في الدنيا لم يقع بعد نفاذه كما سيأتي ، ولتضمنها غيبا في الآخرة كما هو معلوم .
وأما الإيمان برسل الله فلأن الدين الذي جاءوا به وهو الكتاب والبيّنات لم ينقض ما فيهما من العلم والوعد والتكليف ولا يزال الخطاب به قائما وكما سيأتي تفصيله في بيان القرآن .
العلم
إن من تفصيل الكتاب المنزل أن العلم يقع على الوحي كما في قوله يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك مريم 43 من قول إبراهيم ، وكان يعقوب ذا علم كما في قوله وإنه لذو علم لما علمناه يوسف 68 أي صاحبه بالوحي إليه وكان الرسل والنبيون هم أولوا العلم أي أصحابه كما في قوله شهد الله أنه لا إلـه إلا هو والملائكة وأولوا العلم عمران 18 ، ولقد علم الملائكة وهم في الملإ الأعلى والرسل والنبيون بالوحي ما جعل شهادة كل منهم أنه لا إلـه إلا الله أكبر من شهادتنا نحن عامة الناس ، وكان إسحاق غلاما عليما كما في قوله قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم الحجر 53 ومن المثاني معه قوله قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم الذاريات 28 إذ هو نبي ، وكذلك قوله إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر 28 يعني النبيين والرسل كما سيأتي تحقيقه في بيان القرآن .
وكان صحابة كل نبي أو رسول الذين تعلموا منه هم الذين أوتوا العلم بالتجهيل كما في قوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا القتال 16 يعني أن المنافقين لم يفقهوا القرآن إذ لم يتجاوز آذانهم بل سألوا عن معانيه ودلالاته الذين أوتوا العلم وهم أصحاب النبي الذين جعل القرآن في صدورهم كما في قوله بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم العنكبوت 49 أي أنهم سمعوا القرآن وتجاوز آذانهم واستقر في صدورهم لكن دون مرتبة النبي الأمي الذي نزل على قلبه أي علم ما فيه من العلم .
ويقع العلم على البينات لما في الكتاب المنزل من عند الله كما في قوله وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم عمران 19 أي أن اليهود لم تختلف إلا من بعد ما جاءهم الرسل ببينات التوراة وهـكذا اختلفوا أكثر لما جاءهم عيسى بالبينات .
ويقع العلم على المشاهدة بالعين كما في قوله :
• فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق القصص 13
• أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هـذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير البقرة 259
ولقد أوحي إلى أم موسى بقوله إنا رادوه إليك القصص 7 وهو وعد من الله ، وكانت تؤمن بأنه وعد حق ، ولكن علمت برأي العين لما ردّ إليها وقرّت عينها به أن وعد الله حق ، وكان الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها يؤمن بأن الله سيحييهم بعد موتهم يوم البعث ، وعلمه لما رآى مثله في الدنيا .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ما علّمك الله فهو بالكسب والتجربة كما في قوله والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة النحل 78 ويعني أن السمع والبصر والذاكرة في الدماغ هي أدوات التعلم بالكسب ، ومنه قوله وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّموهن مما علّمكم الله المائدة 4 يعني الجوارح من الطير والكلاب يعلّمها الناس الصيد بالترويض والكسب والتجربة ومن زعم أن تعلمها للصيد هو من الوحي الخارق المعجز فهو أحمق ، وإنما الصيادون يعلّمونها مما تعلّموا هم أنفسهم بالكسب والتجربة أي مما علّمهم الله ، ومنه قوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه الله البقرة 282 أي كما علم شهادته بالمشاهدة والسماع ، ومنه قوله واتقوا الله ويعلّمكم الله البقرة 282 وليست التقوى شرطا لزيادة العلم وحصوله من غير تعلم وكسب ولو كان كذلك لما كان من فرق بينه وبين قولنا "واتقوا الله يعلمكم الله" بجزم الفعل أي بإسكان الميم في يعلمكم على جواب فعل الأمر اتقوا وعلى نسق المتفق عليه في قوله :
• فاتبعوني يحببكم الله عمران 31
• ذروني أقتل موسى غافر 26
• فقل تعالوا ندع عمران 61
• قل تعالوا أتل الأنعام 151
• اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم يوسف 9
وقد تم جزم الأفعال الواقعة في جواب فعل الأمر الواقع في موضع الشرط .
إن قوله واتقوا الله ويعلمكم الله لمتفق على قراءته برفع الفعل ويعلمكم والمعنى اتقوا الله والله يعلمكم ما تتقونه به من الأحكام والتشريع أي أن الله لم يكلف العباد بتقواه كما يتصوره كل واحد منهم ويتخذه دينا لنفسه وإنما الله يبيّن لهم ما يتقونه به وهو مما يعلمهم إذ نزل من عنده في الكتاب وكما في قوله وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون التوبة 115 وقوله واتقوا الله ويعلّمكم الله في آخر آية الدين ، وقد علّم الله المسلمين فيها وفي ما قبلها من الأحكام والتكاليف الفردية والجماعية وفي سائر الكتاب ما يتقون ـ بامتثال مأموراته واجتناب منهياته ـ عذابه وعقابه .
ولا يخفى أن قوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه الله في أول آية الدّين لمن المثاني مع قوله ويعلمكم الله في آخر آية الدين إذ ما كلّف به الكاتب من الأمانة والنقل وأن يأتي بالشهادة على وجهها هو مما علّمه الله في الكتاب كذلك أما الأول ففي قوله ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا الإسراء 36 وأما الثاني ففي قوله ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها المائدة 108 وقوله كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله النساء 135 وقوله كونوا قوامين لله شهداء بالقسط المائدة 8 .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ما علّم ربنا ملائكته ورسله وأنبياءه هو ما خصوا به من العلم فعلموه تعلما خارقا معجزا من غير كسب منهم وتلك دلالة المثاني :
• قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا البقرة 32
• وعلّم آدم الأسماء كلها البقرة 31
• وإنه لذو علم لما علّمناه يوسف 68
• ذلكما مما علّمني ربي يوسف 37
• فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما الكهف 65
• وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء النمل 16
وتعني أن ربنا علّم الملائكة من غير كسب منهم ولا جهد وكذلك علّم آدم ويعقوب ويوسف والخضر وداوود وسليمان وسائر الرسل والنبيين .
وأما قوله وأعلم من الله ما لا تعلمون الأعراف 62 من قول نوح ، وفي يوسف 86 من قول يعقوب فيعني أن كلا منهما علم من الله بالوحي إليه ما لم يعلمه غيره ، فيعقوب قد علم بالوحي أن أولاده كاذبون بزعمهم أن الذئب قد أكل يوسف وعلم بالوحي أنه سيجتمع بيوسف وأن الله سيتم نعمته عليه وعلى أولاده رغم ما سلف منهم مع أخيهم يوسف .
وإن قوله :
• ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض البقرة 107 المائدة 40
• ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض الحج 70
ليعني أن النبي قد نزل عليه من قبل في الكتاب مثله فعلمه بالكتاب المنزل عليه .
وإن قوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم التوبة 63 ليعني أن قد نزل مثله من قبل في الكتاب كما في قوله إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين المجادلة 5 وهكذا فحرف المجادلة قد نزل قبل حرف التوبة .
وإن قوله ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم التوبة 104 ليعني أن قد نزل في الكتاب من قبل مثل جميع ذلك كما في قوله وهو الذي يقبل التوبة عن عباده الشورى 25 وكما في قوله خذ من أموالهم صدقة التوبة 103 ولقد نزل في أكثر من حرف قبل سورة التوبة أن الله هو التواب الرحيم .
وإن قوله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 78 ليعني أن الكتاب من قبل قد تضمن مثل ذلك كما في قوله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم المجادلة 7 .
وإن قوله أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون الزمر 52 ليعني أن الناس قد علموا من قبل ذلك رأي العين كما في قوله أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون الروم 37 ويعني حرف الزمر كذلك أن مثل ذلك قد نزل من قبل في الكتاب كما في قوله قل إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون سبأ 36 ويعني أن حرف الزمر تأخر نزوله عن الحرفين .
وسيأتي مزيد من التفصيل والبيان .
الهداية
إن قوله :
• سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى بداية الأعلى
• قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى طـه 50
ليعني أن رب العالمين قد هدى كل مخلوق إلى ما جبله عليه مما يصلح لبقائه وحفظ نوعه ، فذلك التوفيق الذي فتح به المولود فاه ساعة يولد ليمص الثدي ، وذلك التوفيق الذي جعل كل مخلوق على الأرض يسلك سلوكا خاصا لبقائه هو الهداية التي هداه بها رب العالمين ، ولو لم يفتح المولود ساعة يولد فاه ولم يستطع مص ثدي أمه أو المرضع لما كان من المهتدين إلى أسباب بقائه .
وإن رب العالمين هو الذي هدى أنثى الطير إلى فقص بيضها في أجل معلوم لا تضل عنه ولا تخطئه .
وإن قوله :
• إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا الإنسان 2 ـ 3
• ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين البلد 8 ـ 10
• ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها الشمس 7 ـ 8
ليعني أن رب العالمين بما أنعم على الإنسان بما متع به من سمع وبصر وكلام وتخيير بين السبيلين أي النجدين والطريقين سبيل الشكر والإيمان وسبيل الكفر والشرك فهو ممتحن مبتلى ، وهدايته هـذه هي إلهامه الخير والشر أي ما جبل عليه وخلق فيه من القدرة على تسخير عينيه ولسانه وشفتيه وسائر قواه إلى كل من الخير والشر إذا شاء .
وكذلك قوله :
• وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون النحل 15
• وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا وسبلا لعلهم يهتدون الأنبياء 31
• الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لهلكم تهتدون الزخرف 10
• إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا النساء 98
ويعني حرف النحل والأنبياء والزخرف أن من نعمة ربنا علينا أن جعل في الأرض جبالا وأنهارا وفجاجا وسبلا هن علامات يهتدي بها الناس في قوافلهم وضربهم في الأرض .
ويعني حرف النساء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة تخلصهم من الاستضعاف ولا يعرفون الطريق التي توصلهم إلى حيث يبتغون إذ لا يهتدون إليها .
وإن قوله :
• وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الأنعام 97
• وبالنجم هم يهتدون النحل 16
ليعني أن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر .
وإن من المثاني قوله :
• قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون البقرة 70
• قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون النمل 41
ويعني حرف البقرة أن الهداية التي حرص عليها بنو إسرائيل هي أن يعرفوا البقرة الموصوفة فلا يضلوا عنها إلى ما تشابه عليهم من البقر غيرها .
ويعني حرف النمل أن سليمان اختبر عقل ملكة سبإ ليعلم رأي العين هل ستهتدي إلى معرفة عرشها رغم ما لحقه من التنكير أم سيلتبس عليها وتضل عنه فلا تعرفه .
وإن قوله :
• أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم الأعراف 100
• أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم السجدة 26
• أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم طـه 128
ليعني أن الذين سيرثون الأرض من بعد أهلها هم الذين سيعمرون مساكن الذين ظلموا أنفسهم قبل نزول القرآن كمساكن عاد وثمود وقوم لوط الذين ظلموا أنفسهم وبين القرآن كيف عذبوا في الدنيا بذنوبهم كما في قوله وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم إبراهيم 45 .
ويعني حرف الأعراف أن قوما سيرثون ديار أولئك الذين ظلموا أنفسهم وسيسكنونها سيتبيّنون ويهتدون إلى أن الله قادر على أن يعذبهم بذنوبهم في الدنيا كما عذب من قبل أهل تلك الديار عادا وثمود وقوم لوط ، وهو من الوعد في القرآن لم يقع بعد نفاذه إذ لم تسكن بعد ديار عاد وثمود وقوم لوط كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف السجدة وطـه أن المعرضين عن القرآن سيهتدون ويتبينون أن الله قد أهلك قرونا من قبلهم كانوا يمشون في مساكنهم وأنهم سيعرفون من ذلك آيات أي علامات وقرائن على أن سيقع مثله بعد نزول القرآن كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .
ومن المثاني قوله :
• قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد غافر 29
• وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون البقرة 170
• وإذا قيل لهم تعالوا ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون المائدة 104
• بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون الزخرف 22
• ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون الزخرف 36 ـ 37
ويعني حرف غافر أن فرعون قد حجر على عقول وأبصار قومه فلم يشأ منهم أن يروا لأنفسهم رأيا غير ما يراه هو لهم وادعى أنه يهديهم سبيل الرشاد كما يراه هو ويدلهم عليه فلا يخطئونه ولا يضلون عنه إذا قلدوا فرعون واتبعوه .
ويعني حرف البقرة والمائدة وأول الزخرف أن المشركين الذين عاصروا نزول القرآن كانوا كلما دعوا إلى القرآن وإلى الرسول به أعرضوا واختاروا اتباع ما كان عليه آباؤهم ، وأنكر القرآن عليهم تقليد الآباء ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يعقلونه ولا يهتدون إلى الحق .
ويعني ثاني الزخرف أن الشياطين يصدون عن سبيل الله من عشي عن القرآن فلم يبصره ولم يهتد به وأنهم يضلونه بعيدا إذ يجردونه من الاستعداد للتلقي منه والبحث فيه وتدبره إذ يحسب نفسه مهتديا سبيل الرشاد كفرعون ذي الأوتاد .
وإن قوله :
• ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير الحج 3 ـ 4
• احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم الصافات 22 ـ 23
ليعني أن الهداية إلى العذاب هي موافقة الطريق الموصلة إليه وعدم الضلال عنها إلى طريق أخرى غير موصلة إلى العذاب .
ومن المثاني قوله :
• إ ن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد الحج 23 ـ 24
• إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم يونس 9
ويعني أن أهل الجنة يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الطيب من القول فلا يستطيعون الضلال عنه إلى اللغو والعبث والمنكر .
وإن قوله :
• وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى طـه 121 ـ 122
• أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا مريم 58
• ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل الأنعام 84
• اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون يـس 21
• ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى الضحى 6 ـ 7
• قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين الأنعام 56
ليعني أن النبيين والرسل في الدنيا كأهل الجنة قد هداهم ربهم إلى الطيب من القول وإلى صراط مستقيم ولا يملك أحدهم لنفسه ضلالا ولا زيغا كما في قوله أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله النور 50 ويعني أن رسل الله لا يحيفون ولا يميلون عن الحق أبدا بما هداهم ربهم ووفقهم إذ هداهم ربهم فاهتدوا ومن قبل قد آتاهم حكما وعلما وجعلهم أئمة يهدون غيرهم من الناس بأمره وإذنه وأوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهداهم في الدنيا إلى الطيب من القول وإلى العمل الصالح فلا يخطئونه ولا يضلون عنه ، وسيأتي من البيان في كليتي اهدنا الصراط المستقيم .
وأما هداية عامة الناس فإنما تعني تبينهم ما جاء به النبيون والرسل من الهدى والبينات والإيمان به واتباعه من غير ضلال عنه إلى غيره مما تهوى الأنفس .
ولقد تضمن تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن لكل من الهداية المعداة ب" إلى " والهداية المعداة ب "اللام " والهداية المجردة منهما مدلول خاص مختلف عن الآخر .
أما الهداية المباشرة المجردة من التعدية بالحرف كما في قوله :
• وهديناهما الصراط المستقيم الصافات 118
• ويهديك صراطا مستقيما الفتح 2
• ولهديناهم صراطا مستقيما النساء 68
فسيأتي بيانها في كليتي اهدنا الصراط المستقيم .
وأما الهداية المعداة بـ "إلى " فتعني التبيّن وعدم اللبس ولقد أسند فعلها إلى الله وإلى الرسل وإلى القرآن .
فأما إسنادها إلى الله رب العالمين فكما في قوله :
• ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم الأنعام 87
• إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم النحل 120 ـ 121
• لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم النور 46
• وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم الحج 54
ويعني أن الله بيّن لهم الصراط المستقيم وعرفه لهم بالوحي كما سيأتي بيانه .
وأما إسنادها إلى الرسل فكما في قوله :
• وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم الشورى 52
• أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون يونس 35
ويعني حرف الشورى أن النبي الأمي قد بين الصراط المستقيم للناس ودلهم عليه إذ قرأ عليهم القرآن المنزل من عند الله إليهم .
ويعني حرف يونس وصف الرسل بأنهم هم الذين يهدون إلى الحق وأنهم أحق أن يتبعوا أما الله فهو الذي يهدي الرسل والنبيين للحق قبل أن يكلفهم بأن يهدوا الناس إلى الحق وهكذا لم يكن في تفصيل الكتاب تكليف الناس باتباع الذي يهدي للحق في هـذا الحرف إذ هو الله الكبير المتعالي .
وأما إسنادها إلى القرآن فكما في قوله :
• قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به الجن
• قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الأحقاف 30
ويعني أن القرآن يهدي إلى الرشد وإلى طريق مستقيم أي يجعل من تدبره يتبين منه الرشد والطريق المستقيم إلى النجاة فلا يلتبسان عليه بالغي والضلال إلى طريق الهلاك والعذاب وكذلك دلالة قوله :
• إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الإسراء 9
• ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الشورى 52
• وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد الحج 16
ويعني أن الكتاب المنزل من عند الله قد تضمن علامات وأوصاف لن يضل معها من تدبره واهتدى بهداه بل سيهتدي به للتي هي أقوم وإلى الرشد وأن الله يهدي به من يشاء أي يجعله يتبين الحق ويهتدي إلى الصراط المستقيم كما سيأتي بيانه .
ولقد تضمن تفصيل الكتاب أن الهداية المعداة بـ " اللام " إنما أسندت إلى الله وإلى القرآن ، أما إسنادها إلى الله ففي قوله :
• وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هـذا رشدا الكهف 24
• قل الله يهدي للحق يونس 35
• فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه البقرة 213
• يهدي الله لنوره من يشاء النور 35
ويعني حرف الكهف أن الله يهدي بالوحي النبي لأقرب من ذي قبل يوم نزلت سورة الكهف قبل الهجرة وكذلك أنزل الله عليه من الكتاب والقرآن بعد سورة الكهف ، وتقدم قريبا من بيان حرف يونس .
ويعني حرف البقرة أن الذي اختلف فيه أهل الكتاب قبل نزول القرآن من الحق قد هدى الله له الذين آمنوا وهم صحابة النبي الأمي ، وإنما هداهم له بتوفيقه إياهم لاتباع القرآن .
وسيأتي من بيان حرف النور في كلية في بيان القرآن .
وأما إسنادها إلى القرآن ففي قوله إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الإسراء 9 ويعني أن لن يهتدي بعد نزول القرآن إلا من اهتدى بالقرآن للتي هي أقوم إلى الحق وإلى الرشد كما هو مدلول قوله :
• ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الشورى 52
• قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام المائدة 16
ويعني أن الناس سيظلون في ظلمات الغي والزيغ والشرك والضلال عن الهدى والرشد إلى أن يهتدوا بالقرآن الذي جعله الله نورا يهدي به من يشاء من عباده ممن اتبع رضوانه وتدبر القرآن .
إن الكتاب المنزل من عند الله هدى للناس يهتدون به إلى رضوان الله وإلى أسباب النجاة ، وهكذا القرآن هـدى يهتدى به الناس إلى رضوان الله وإلى أسباب النجاة في الدنيا والآخرة من عذاب الله كما في قوله :
• هـذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين عمران 138
• هـذا بصائر من ربكم وهـدى ورحمة لقوم يؤمنون الأعراف 203
• هـذا بصائر للناس وهـدى ورحمة لقوم يوقنون الجاثية 20
• فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة الأنعام 157
• هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق التوبة 33 الفتح 28 الصف 9
• وقالوا إن نتبع الهـدى معك نتخطف من أرضنا القصص 57
• وأنا لما سمعنا الهـدى آمنا به الجن 13
• ولقد جاءهم من ربهم الهدى النجم 23
• وما منع أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا الإسراء 94
وشبهه ويعني أن الكتاب المنزل على الرسول النبي الأمي هو الهدى الذي أرسل به فمن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد نجا ومن اتبعه فقد اهتدى ولو خالفه الناس أجمعون وخالفه التراث أي جميع الاجتهادات والآراء .
إن من تبيّن من القرآن هدى وكتمه مخافة أن يخالف التراث الإسلامي لشيطان أخرس سيلعنه الله ويلعنه اللاعنون ولا خلاق له في الآخرة ولن يكلمه الله في يوم القيامة ولن ينظر إليه ولن يزكيه وإنه لمن الموصوفين بالمثاني في قوله :
• إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم البقرة 159 ـ 160
• وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون عمران 187
• إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم عمران 77
ولعل كل باحث تجرد من التقليد وقرأ القرآن ودرسه وتأمله سيستنبط مثل ما استنبطت من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أو أكثر لا سيما إذا ما استعان بأصول من التفسير وكليات منه سأعلنها للناس على الملإ واحدة تلو الأخرى هي مفاتيح ما انغلق فهمه من الكتاب المنزل من عند الله .
يتواصل
الحسن محمد ماديك
للحسن محمد ماديك
الأمر بالصبر
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن التكليف بالصبر أو الوصف به حيث وقع في الكتاب المنزل فإنما يعني الإيمان بموعود والصبر على انتظاره من غير تعجل وكذلك دلالة قوله :
• فاصبر إن وعد الله حق { الروم 60 وغافر 55 ، 77
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون { خاتمة الأحقاف
ويعني تأكيد نفاذ وعد الله وأنه حق ولو تراءى بعيدا للمكلف بالإيمان به أو للمكلف بالصبر ، وسيأتي بيان الأحرف الثلاثة أي حرف الروم وحرفي غافر في بيان القرآن ، وسيأتي بيان حرف الأحقاف في كلية النصر في ليلة القدر .
وإن من المثاني قوله :
• وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين { الأعراف 87
• واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين { خاتمة يونس
• فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت { القلم 48
• واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا { الطور 48
ويعني حرف الأعراف أن رسول الله شعيبا قد أمر قومه مدين أن يصبروا ولا يتعجلوا حكم الله بين الطائفتين وهو صريح في أن الله قد وعدهم أن يحكم بين الفريقين في الدنيا فينجي المؤمنين ويهلك بالعذاب المجرمين .
ويعني حرف يونس أن الله وعد في القرآن أن يحكم بين الفريقين في الدنيا كما يأتي تفصيله وتحقيقه وبيانه في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف القلم أن وعد الله المفصل في قوله } فذرني ومن يكذب بهـذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين { القلم 44 ـ 45 هو حكمه الذي كلف النبي الأمي r بالصبر على انتظاره .
ويعني حرف الطور أن الله قد كلف النبي الأمي r بالصبر على انتظار حكمه بين الفريقين في الدنيا كما هو مفصل في قوله } فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك { الطور 45 ـ 48
وكان أمر النبي الأمي r بالصبر حيث وقع في الكتاب المنزل عليه من سنّته التي كلف بها ولزم من اتبعه أن يصبر وينتظر حكم الله ووعده .
وإن قوله :
• قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هـذا فاصبر إن العاقبة للمتقين { هود 48 ـ 49
• قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين { الأعراف 128
• وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون { الأعراف 137
• ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين { الأنعام 34
• ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هـذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين { عمران 124 ـ 125
ويعني حرف هود أن قوله } وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم { لمن أنباء الغيب المنتظرة بعد نزول القرآن ولقد نبّأ الله به نوحا من قبل وسيتم نفاذ وعد الله به لتكون العاقبة للمتقين وكلف النبي الأمي بالصبر قبل نفاذ وعد الله فكان من سنته ولزم من آمن به اتباع سنته .
ويعني أول الأعراف أن قوله } إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده { لمما وعد به موسى قومه قبل هلاك فرعون وتعني التذكرة به في القرآن أن الوعد لم ينقض بعد يوم نزل به القرآن ولا يزال منه ما شاء الله إلى أن يكون آخره نفاذ وعد الله } والعاقبة للمتقين { على لسان موسى وكلف قومه بالصبر قبل نفاذه .
ويعني ثاني الأعراف أن تدمير ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وأن ونجاة بني إسرائيل إذ جاوزوا البحر هو كلمة ربنا التي تمت أي وعده الذي نفذ وتمّ لما صبروا أي آمنوا بوعد الله وانتظروه .
ويعني حرف الأنعام أن الله قد وعد رسله بالآيات قبل نزول القرآن أن ينصرهم في الدنيا وأنهم قد آمنوا بوعد الله وصبروا على انتظاره وأوذوا حتى أتاهم نصر ربهم فأهلك عدوهم واستخلفهم في الأرض من بعدهم .
ويعني حرف عمران أن قوله } ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين { لمن وعد الله في القرآن وكلف المؤمنون بالصبر قبل نفاذه المؤكد بالحرف } بلى { وبينته في كلية النصر في ليلة القدر .
الحمد
إن قوله } يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده { الإسراء 52 ليعني أن الناس سيبعثون في يوم البعث فلا يبقى منهم أحد بل يتم ذلك الوعد بحمد الله ، وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن " الحمد لله " حيث وقع فإنما لبيان نعمة قد تمت ونفذت يوم نزل القرآن أو لبيان نعمة هي من وعد الله سيتم نفاذه في الدنيا أو في الآخرة .
ومن الأول قوله :
• الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور { الأنعام
• الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب { الكهف
• الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق { إبراهيم 39
ولا يخفى أن جميعه مما مضى وانقضى .
ومن الثاني قوله :
• فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين { الأنعام 45
• فإذا استويت أنت ومن معك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين { الفلاح 28
• وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء { الزمر 74
ويعني حرف الأنعام أن قطع دابر القوم الذين ظلموا من قوم نوح والأحزاب من بعدهم هو مما وعد الله به رسلهم نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا وموسى وقد تمت النعمة به على المؤمنين ، ويعني كذلك أن قطع دابر الذين ظلموا من هـذه الأمة وعد من الله نزل به القرآن وسيتم بحمد الله كما بيّنته مفصلا في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف الفلاح أن الله وعد نوحا أن ينجيه هو ومن معه من الطوفان وأمرهم بحمده إذا تم الوعد به ، ويدل على الوعد به قوله } ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق { هود 45 يعني تمسك نوح بوعد الله أن ينجيه ومن معه ظنا منه دخول ابنه في من معه .
ويعني حرف الزمر أن أهل الجنة يوم يدخلونها سيحمدون الله أن صدقهم الوعد بها في الدنيا .
وإن قوله :
• دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين { يونس 10
• وقيل للذين اتقوا ماذا قال ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هـذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون { النحل 30 ـ 32
• أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا { 15 ـ 16
• من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد { سورة ق 33 ـ 35
• والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير { الشورى 22
• والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين { الزمر 34 ـ 35
ويعني حرف يونس أن أهل الجنة تجاب دعوتهم عند فراغهم من الدعاء فيعطون ما يشاءون فيكون آخر دعواهم } الحمد لله رب العالمين { يعني أن صدقهم الوعد وأتم النعمة فأعطاهم ما يشاءون ويبتغون ، وإنما دعاؤهم التسبيح أي تنزيه الله أن يخلف وعده أن لهم في الجنة ما يشاءون وكما بيّنت في دلالة التسبيح .
وإن من المثاني قوله :
• ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { النحل 75
• ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { الزمر 29
ويعني أن البشرية قبل نزول القرآن قد عرفت المثلين وأن من وعد الله أن ستعرفهما بعد نزول القرآن كما هو دلالة قوله } هل يستوون { وكما هي دلالة الحمد ولو جهل أكثر الناس فسيتم ذلك الوعد .
وإن من المثاني قوله :
• ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون { العنكبوت 63
• ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون { لقمان 25
ويعني حرف العنكبوت أن الله الذي نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها وعد أن يحيي الموتى يوم البعث وسيتم بحمد الله ذلك الوعد ولو كذّب الذين لا يعقلون .
ويعني حرف لقمان أن الله الذي خلق السماوات والأرض سيخلق مثلهم ليوم البعث أي بعد إعدامهما فلا يبقى منهم شيء وعدا منه سيتم نفاذه بحمد الله ولو جهله أكثر الناس .
الظن
إن للظن في تفصيل الكتاب أكثر من دلالة فمنه ما هو مذموم ومنه ما هو حسن ومنه ما لا يقع عليه وصف الذم ولا الحسن إذ لا تكليف فيه .
أما الظن المذموم فكما في قوله :
• إنه ظن أن لن يحور الانشقاق 14
• وما أظن الساعة قائمة الكهف 36 فصلت 50
• وما يتبع أكثرهم إلا ظنا يونس 36
• وما لهم به من علم إن هم إلا يظنون الجاثية 24
• وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين الجاثية 32
ويعني أن الظن المذموم هو ما كان في مقابلة العلم واليقين أي هو الشك في موعودات الكتاب وغيبه وفي ما أنزل الله .
وأما الظن الحسن فكما في قوله :
• وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه التوبة 118
• واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون البقرة 46
• قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين البقرة 249
ويعني اليقين بوعد الله ، فالمخلفون الثلاثة صدقوا ولم يرتدوا عن الإسلام بل أسلموا للعقاب أن لا يكلمهم المسلمون وأن يعتزلهم الأزواج وأن لا يقطع بإيمانهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وأنكرهم المؤمنون لكن أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتاب عليهم بصدقهم .
ويعني أول البقرة أن الخاشعين هم الذين يظنون في كل وقت أنهم ملاقوا ربهم أي ميتون ، قصر أملهم فاستعدوا للموت في كل ساعة فكانت صلاتهم أبدا صلاة مودع فخشعوا فيها ولم يعبثوا أو يغفلوا ، ويقينهم بالموت سمي ظنا من جهة مبلغ العلم ولو تأخر عنهم الموت أكثر من ظنهم .
ويعني ثاني البقرة أن الذين أيقنوا أنهم ملاقوا الله للحساب في يوم القيامة هم الذين صدقوا مع طالوت ولم يتولوا عنه يوم الزحف ـ خوفا من الحساب والعقاب يوم يلاقون الله ـ وهم قلة رغم كثرة عدوهم جالوت وجنوده واستعانوا بالله فنصرهم .
وإن قوله :
• كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفّت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق القيامة 26 ـ 29
• حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم يونس 22
ليعني اليقين بالموت في تلك الحال وليس هو بمذموم ولا حسن وإنما سمي بالظن لتعلق الإنسان بأسباب النجاة وحرصه على الحياة في كل وقت والله أعلم .
الإيمان
إن من تفصيل الكتاب المنزل أن الإيمان المعدى باللام يعني التصديق من المعاصر كما في قوله :
• فآمن له لوط العنكبوت 26
• فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم يونس 83
• قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون الشعراء 111
• وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين يوسف 17
ولا يخفى أن لوطا قد عاصر إبراهيم وأن ذرية من بني إسرائيل قد عاصروا موسى وأن قوم نوح قد عاصروا نوحا وأن بني يعقوب إخوة يوسف قد عاصروا أباهم .
ويعني قوله قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين التوبة 61 أن النبي يؤمن بالله لدلالته على الغيب إذ لم يره في الدنيا ويصدّق النبي المؤمنين فلا يكذبهم فيما يزعمون إذ كان على خلق عظيم .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن الذين آمنوا حيث وقعت في الكتاب فإنما هم صحابة النبي أو الرسول الذين آمنوا به إيمانا مستأنفا .
أما صحابة نوح فهم الموصوفون في قوله :
• وما أنا بطارد الذين آمنوا هود 29
• وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن هود 36
• وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل هود 40
وأما صحابة هود فهم الموصوفون في قوله ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ هود 58 .
وأما صحابة صالح فهم الموصوفون في قوله :
• قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم الأعراف 75
• فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ هود 66
• وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون النمل 53
• ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون فصلت 18
وأما صحابة شعيب فهم الموصوفون في قوله :
• ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به الأعراف 86
• قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا الأعراف 88
• ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا هود 94
وآمن لوط بإبراهيم كما في قوله فآمن له لوط العنكبوت 26 .
وأما صحابة موسى فهم الموصوفون في قوله :
• قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم غافر 25
• فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه يونس 83
• وقال الذي آمن غافر 30 ، 38
وأما صحابة خاتم النبيين فهم الموصوفون في قوله :
• لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم التوبة 88
• ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى التوبة 113
• إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهـذا النبي والذين آمنوا عمران 68
أما المؤمنون فهم أعم من صحابة الرسول أو النبي إذ يقع لفظ المؤمنين على الرسول والذين آمنوا معه كما في قوله ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين الروم 47 ، ويقع على الصحابة كالذين آمنوا كما في قوله إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون الحجرات 15 ولتسميتهم بالمؤمنين رد على الذين يزعمون أنهم مؤمنون ويتخلفون عن الرسول يرغبون بأنفسهم عن نفسه ، ويقع على المؤمنين من الأمة الذين لم يدركوا النبي ابتداء من التابعين للصحابة فمن يأتي بعدهم ...
وأما الإيمان المعدى بالباء فيقع على الغيب المنتظر الذي سيكون شهادة فيما بعد ، وهكذا مدلول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله .
أما الإيمان بالله فلأنه لن يرى في الدنيا كما هي دلالة قوله الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به غافر 7 ويعني أنهم وهم المقربون من الملائكة يؤمنون بالله ولم يروه بعد وهم يعلمون أنهم سيرونه في يوم الحساب وعدا من الله كما هو مدلول تسبيحهم بحمد ربهم وكما فصلت في بيان اقتران التسبيح مع الحمد .
وأما الإيمان بالملائكة واليوم الآخر فظاهر كذلك أنهما من الغيب في الدنيا وسيشهد العالمون جميعا بعد البعث للحساب كلا من الملائكة واليوم الآخر .
وأما الإيمان بالقدر كله فلإيمان المؤمن أن ما أصابه من القدر لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه منه لم يكن ليصيبه ، فالقدر مسطور في اللوح المحفوظ غيب يؤمن به المؤمن قبل أن يقدّر عليه كما في قوله قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم الأحقاف 9 أي لم يطلع على القدر المغيب عنه قبل وقوعه .
وأما الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله فهو من الغيب لتضمنها غيبا في الدنيا لم يقع بعد نفاذه كما سيأتي ، ولتضمنها غيبا في الآخرة كما هو معلوم .
وأما الإيمان برسل الله فلأن الدين الذي جاءوا به وهو الكتاب والبيّنات لم ينقض ما فيهما من العلم والوعد والتكليف ولا يزال الخطاب به قائما وكما سيأتي تفصيله في بيان القرآن .
العلم
إن من تفصيل الكتاب المنزل أن العلم يقع على الوحي كما في قوله يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك مريم 43 من قول إبراهيم ، وكان يعقوب ذا علم كما في قوله وإنه لذو علم لما علمناه يوسف 68 أي صاحبه بالوحي إليه وكان الرسل والنبيون هم أولوا العلم أي أصحابه كما في قوله شهد الله أنه لا إلـه إلا هو والملائكة وأولوا العلم عمران 18 ، ولقد علم الملائكة وهم في الملإ الأعلى والرسل والنبيون بالوحي ما جعل شهادة كل منهم أنه لا إلـه إلا الله أكبر من شهادتنا نحن عامة الناس ، وكان إسحاق غلاما عليما كما في قوله قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم الحجر 53 ومن المثاني معه قوله قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم الذاريات 28 إذ هو نبي ، وكذلك قوله إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر 28 يعني النبيين والرسل كما سيأتي تحقيقه في بيان القرآن .
وكان صحابة كل نبي أو رسول الذين تعلموا منه هم الذين أوتوا العلم بالتجهيل كما في قوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا القتال 16 يعني أن المنافقين لم يفقهوا القرآن إذ لم يتجاوز آذانهم بل سألوا عن معانيه ودلالاته الذين أوتوا العلم وهم أصحاب النبي الذين جعل القرآن في صدورهم كما في قوله بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم العنكبوت 49 أي أنهم سمعوا القرآن وتجاوز آذانهم واستقر في صدورهم لكن دون مرتبة النبي الأمي الذي نزل على قلبه أي علم ما فيه من العلم .
ويقع العلم على البينات لما في الكتاب المنزل من عند الله كما في قوله وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم عمران 19 أي أن اليهود لم تختلف إلا من بعد ما جاءهم الرسل ببينات التوراة وهـكذا اختلفوا أكثر لما جاءهم عيسى بالبينات .
ويقع العلم على المشاهدة بالعين كما في قوله :
• فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق القصص 13
• أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هـذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير البقرة 259
ولقد أوحي إلى أم موسى بقوله إنا رادوه إليك القصص 7 وهو وعد من الله ، وكانت تؤمن بأنه وعد حق ، ولكن علمت برأي العين لما ردّ إليها وقرّت عينها به أن وعد الله حق ، وكان الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها يؤمن بأن الله سيحييهم بعد موتهم يوم البعث ، وعلمه لما رآى مثله في الدنيا .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ما علّمك الله فهو بالكسب والتجربة كما في قوله والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة النحل 78 ويعني أن السمع والبصر والذاكرة في الدماغ هي أدوات التعلم بالكسب ، ومنه قوله وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّموهن مما علّمكم الله المائدة 4 يعني الجوارح من الطير والكلاب يعلّمها الناس الصيد بالترويض والكسب والتجربة ومن زعم أن تعلمها للصيد هو من الوحي الخارق المعجز فهو أحمق ، وإنما الصيادون يعلّمونها مما تعلّموا هم أنفسهم بالكسب والتجربة أي مما علّمهم الله ، ومنه قوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه الله البقرة 282 أي كما علم شهادته بالمشاهدة والسماع ، ومنه قوله واتقوا الله ويعلّمكم الله البقرة 282 وليست التقوى شرطا لزيادة العلم وحصوله من غير تعلم وكسب ولو كان كذلك لما كان من فرق بينه وبين قولنا "واتقوا الله يعلمكم الله" بجزم الفعل أي بإسكان الميم في يعلمكم على جواب فعل الأمر اتقوا وعلى نسق المتفق عليه في قوله :
• فاتبعوني يحببكم الله عمران 31
• ذروني أقتل موسى غافر 26
• فقل تعالوا ندع عمران 61
• قل تعالوا أتل الأنعام 151
• اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم يوسف 9
وقد تم جزم الأفعال الواقعة في جواب فعل الأمر الواقع في موضع الشرط .
إن قوله واتقوا الله ويعلمكم الله لمتفق على قراءته برفع الفعل ويعلمكم والمعنى اتقوا الله والله يعلمكم ما تتقونه به من الأحكام والتشريع أي أن الله لم يكلف العباد بتقواه كما يتصوره كل واحد منهم ويتخذه دينا لنفسه وإنما الله يبيّن لهم ما يتقونه به وهو مما يعلمهم إذ نزل من عنده في الكتاب وكما في قوله وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون التوبة 115 وقوله واتقوا الله ويعلّمكم الله في آخر آية الدين ، وقد علّم الله المسلمين فيها وفي ما قبلها من الأحكام والتكاليف الفردية والجماعية وفي سائر الكتاب ما يتقون ـ بامتثال مأموراته واجتناب منهياته ـ عذابه وعقابه .
ولا يخفى أن قوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه الله في أول آية الدّين لمن المثاني مع قوله ويعلمكم الله في آخر آية الدين إذ ما كلّف به الكاتب من الأمانة والنقل وأن يأتي بالشهادة على وجهها هو مما علّمه الله في الكتاب كذلك أما الأول ففي قوله ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا الإسراء 36 وأما الثاني ففي قوله ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها المائدة 108 وقوله كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله النساء 135 وقوله كونوا قوامين لله شهداء بالقسط المائدة 8 .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ما علّم ربنا ملائكته ورسله وأنبياءه هو ما خصوا به من العلم فعلموه تعلما خارقا معجزا من غير كسب منهم وتلك دلالة المثاني :
• قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا البقرة 32
• وعلّم آدم الأسماء كلها البقرة 31
• وإنه لذو علم لما علّمناه يوسف 68
• ذلكما مما علّمني ربي يوسف 37
• فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما الكهف 65
• وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء النمل 16
وتعني أن ربنا علّم الملائكة من غير كسب منهم ولا جهد وكذلك علّم آدم ويعقوب ويوسف والخضر وداوود وسليمان وسائر الرسل والنبيين .
وأما قوله وأعلم من الله ما لا تعلمون الأعراف 62 من قول نوح ، وفي يوسف 86 من قول يعقوب فيعني أن كلا منهما علم من الله بالوحي إليه ما لم يعلمه غيره ، فيعقوب قد علم بالوحي أن أولاده كاذبون بزعمهم أن الذئب قد أكل يوسف وعلم بالوحي أنه سيجتمع بيوسف وأن الله سيتم نعمته عليه وعلى أولاده رغم ما سلف منهم مع أخيهم يوسف .
وإن قوله :
• ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض البقرة 107 المائدة 40
• ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض الحج 70
ليعني أن النبي قد نزل عليه من قبل في الكتاب مثله فعلمه بالكتاب المنزل عليه .
وإن قوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم التوبة 63 ليعني أن قد نزل مثله من قبل في الكتاب كما في قوله إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين المجادلة 5 وهكذا فحرف المجادلة قد نزل قبل حرف التوبة .
وإن قوله ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم التوبة 104 ليعني أن قد نزل في الكتاب من قبل مثل جميع ذلك كما في قوله وهو الذي يقبل التوبة عن عباده الشورى 25 وكما في قوله خذ من أموالهم صدقة التوبة 103 ولقد نزل في أكثر من حرف قبل سورة التوبة أن الله هو التواب الرحيم .
وإن قوله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 78 ليعني أن الكتاب من قبل قد تضمن مثل ذلك كما في قوله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم المجادلة 7 .
وإن قوله أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون الزمر 52 ليعني أن الناس قد علموا من قبل ذلك رأي العين كما في قوله أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون الروم 37 ويعني حرف الزمر كذلك أن مثل ذلك قد نزل من قبل في الكتاب كما في قوله قل إن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون سبأ 36 ويعني أن حرف الزمر تأخر نزوله عن الحرفين .
وسيأتي مزيد من التفصيل والبيان .
الهداية
إن قوله :
• سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى بداية الأعلى
• قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى طـه 50
ليعني أن رب العالمين قد هدى كل مخلوق إلى ما جبله عليه مما يصلح لبقائه وحفظ نوعه ، فذلك التوفيق الذي فتح به المولود فاه ساعة يولد ليمص الثدي ، وذلك التوفيق الذي جعل كل مخلوق على الأرض يسلك سلوكا خاصا لبقائه هو الهداية التي هداه بها رب العالمين ، ولو لم يفتح المولود ساعة يولد فاه ولم يستطع مص ثدي أمه أو المرضع لما كان من المهتدين إلى أسباب بقائه .
وإن رب العالمين هو الذي هدى أنثى الطير إلى فقص بيضها في أجل معلوم لا تضل عنه ولا تخطئه .
وإن قوله :
• إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا الإنسان 2 ـ 3
• ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين البلد 8 ـ 10
• ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها الشمس 7 ـ 8
ليعني أن رب العالمين بما أنعم على الإنسان بما متع به من سمع وبصر وكلام وتخيير بين السبيلين أي النجدين والطريقين سبيل الشكر والإيمان وسبيل الكفر والشرك فهو ممتحن مبتلى ، وهدايته هـذه هي إلهامه الخير والشر أي ما جبل عليه وخلق فيه من القدرة على تسخير عينيه ولسانه وشفتيه وسائر قواه إلى كل من الخير والشر إذا شاء .
وكذلك قوله :
• وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون النحل 15
• وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا وسبلا لعلهم يهتدون الأنبياء 31
• الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لهلكم تهتدون الزخرف 10
• إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا النساء 98
ويعني حرف النحل والأنبياء والزخرف أن من نعمة ربنا علينا أن جعل في الأرض جبالا وأنهارا وفجاجا وسبلا هن علامات يهتدي بها الناس في قوافلهم وضربهم في الأرض .
ويعني حرف النساء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة تخلصهم من الاستضعاف ولا يعرفون الطريق التي توصلهم إلى حيث يبتغون إذ لا يهتدون إليها .
وإن قوله :
• وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الأنعام 97
• وبالنجم هم يهتدون النحل 16
ليعني أن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر .
وإن من المثاني قوله :
• قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون البقرة 70
• قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون النمل 41
ويعني حرف البقرة أن الهداية التي حرص عليها بنو إسرائيل هي أن يعرفوا البقرة الموصوفة فلا يضلوا عنها إلى ما تشابه عليهم من البقر غيرها .
ويعني حرف النمل أن سليمان اختبر عقل ملكة سبإ ليعلم رأي العين هل ستهتدي إلى معرفة عرشها رغم ما لحقه من التنكير أم سيلتبس عليها وتضل عنه فلا تعرفه .
وإن قوله :
• أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم الأعراف 100
• أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم السجدة 26
• أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم طـه 128
ليعني أن الذين سيرثون الأرض من بعد أهلها هم الذين سيعمرون مساكن الذين ظلموا أنفسهم قبل نزول القرآن كمساكن عاد وثمود وقوم لوط الذين ظلموا أنفسهم وبين القرآن كيف عذبوا في الدنيا بذنوبهم كما في قوله وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم إبراهيم 45 .
ويعني حرف الأعراف أن قوما سيرثون ديار أولئك الذين ظلموا أنفسهم وسيسكنونها سيتبيّنون ويهتدون إلى أن الله قادر على أن يعذبهم بذنوبهم في الدنيا كما عذب من قبل أهل تلك الديار عادا وثمود وقوم لوط ، وهو من الوعد في القرآن لم يقع بعد نفاذه إذ لم تسكن بعد ديار عاد وثمود وقوم لوط كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .
ويعني حرف السجدة وطـه أن المعرضين عن القرآن سيهتدون ويتبينون أن الله قد أهلك قرونا من قبلهم كانوا يمشون في مساكنهم وأنهم سيعرفون من ذلك آيات أي علامات وقرائن على أن سيقع مثله بعد نزول القرآن كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .
ومن المثاني قوله :
• قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد غافر 29
• وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون البقرة 170
• وإذا قيل لهم تعالوا ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون المائدة 104
• بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون الزخرف 22
• ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون الزخرف 36 ـ 37
ويعني حرف غافر أن فرعون قد حجر على عقول وأبصار قومه فلم يشأ منهم أن يروا لأنفسهم رأيا غير ما يراه هو لهم وادعى أنه يهديهم سبيل الرشاد كما يراه هو ويدلهم عليه فلا يخطئونه ولا يضلون عنه إذا قلدوا فرعون واتبعوه .
ويعني حرف البقرة والمائدة وأول الزخرف أن المشركين الذين عاصروا نزول القرآن كانوا كلما دعوا إلى القرآن وإلى الرسول به أعرضوا واختاروا اتباع ما كان عليه آباؤهم ، وأنكر القرآن عليهم تقليد الآباء ولو كانوا لا يعلمون شيئا ولا يعقلونه ولا يهتدون إلى الحق .
ويعني ثاني الزخرف أن الشياطين يصدون عن سبيل الله من عشي عن القرآن فلم يبصره ولم يهتد به وأنهم يضلونه بعيدا إذ يجردونه من الاستعداد للتلقي منه والبحث فيه وتدبره إذ يحسب نفسه مهتديا سبيل الرشاد كفرعون ذي الأوتاد .
وإن قوله :
• ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير الحج 3 ـ 4
• احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم الصافات 22 ـ 23
ليعني أن الهداية إلى العذاب هي موافقة الطريق الموصلة إليه وعدم الضلال عنها إلى طريق أخرى غير موصلة إلى العذاب .
ومن المثاني قوله :
• إ ن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد الحج 23 ـ 24
• إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم يونس 9
ويعني أن أهل الجنة يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الطيب من القول فلا يستطيعون الضلال عنه إلى اللغو والعبث والمنكر .
وإن قوله :
• وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى طـه 121 ـ 122
• أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا مريم 58
• ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل الأنعام 84
• اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون يـس 21
• ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى الضحى 6 ـ 7
• قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين الأنعام 56
ليعني أن النبيين والرسل في الدنيا كأهل الجنة قد هداهم ربهم إلى الطيب من القول وإلى صراط مستقيم ولا يملك أحدهم لنفسه ضلالا ولا زيغا كما في قوله أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله النور 50 ويعني أن رسل الله لا يحيفون ولا يميلون عن الحق أبدا بما هداهم ربهم ووفقهم إذ هداهم ربهم فاهتدوا ومن قبل قد آتاهم حكما وعلما وجعلهم أئمة يهدون غيرهم من الناس بأمره وإذنه وأوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهداهم في الدنيا إلى الطيب من القول وإلى العمل الصالح فلا يخطئونه ولا يضلون عنه ، وسيأتي من البيان في كليتي اهدنا الصراط المستقيم .
وأما هداية عامة الناس فإنما تعني تبينهم ما جاء به النبيون والرسل من الهدى والبينات والإيمان به واتباعه من غير ضلال عنه إلى غيره مما تهوى الأنفس .
ولقد تضمن تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن لكل من الهداية المعداة ب" إلى " والهداية المعداة ب "اللام " والهداية المجردة منهما مدلول خاص مختلف عن الآخر .
أما الهداية المباشرة المجردة من التعدية بالحرف كما في قوله :
• وهديناهما الصراط المستقيم الصافات 118
• ويهديك صراطا مستقيما الفتح 2
• ولهديناهم صراطا مستقيما النساء 68
فسيأتي بيانها في كليتي اهدنا الصراط المستقيم .
وأما الهداية المعداة بـ "إلى " فتعني التبيّن وعدم اللبس ولقد أسند فعلها إلى الله وإلى الرسل وإلى القرآن .
فأما إسنادها إلى الله رب العالمين فكما في قوله :
• ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم الأنعام 87
• إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم النحل 120 ـ 121
• لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم النور 46
• وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم الحج 54
ويعني أن الله بيّن لهم الصراط المستقيم وعرفه لهم بالوحي كما سيأتي بيانه .
وأما إسنادها إلى الرسل فكما في قوله :
• وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم الشورى 52
• أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون يونس 35
ويعني حرف الشورى أن النبي الأمي قد بين الصراط المستقيم للناس ودلهم عليه إذ قرأ عليهم القرآن المنزل من عند الله إليهم .
ويعني حرف يونس وصف الرسل بأنهم هم الذين يهدون إلى الحق وأنهم أحق أن يتبعوا أما الله فهو الذي يهدي الرسل والنبيين للحق قبل أن يكلفهم بأن يهدوا الناس إلى الحق وهكذا لم يكن في تفصيل الكتاب تكليف الناس باتباع الذي يهدي للحق في هـذا الحرف إذ هو الله الكبير المتعالي .
وأما إسنادها إلى القرآن فكما في قوله :
• قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به الجن
• قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الأحقاف 30
ويعني أن القرآن يهدي إلى الرشد وإلى طريق مستقيم أي يجعل من تدبره يتبين منه الرشد والطريق المستقيم إلى النجاة فلا يلتبسان عليه بالغي والضلال إلى طريق الهلاك والعذاب وكذلك دلالة قوله :
• إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الإسراء 9
• ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الشورى 52
• وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد الحج 16
ويعني أن الكتاب المنزل من عند الله قد تضمن علامات وأوصاف لن يضل معها من تدبره واهتدى بهداه بل سيهتدي به للتي هي أقوم وإلى الرشد وأن الله يهدي به من يشاء أي يجعله يتبين الحق ويهتدي إلى الصراط المستقيم كما سيأتي بيانه .
ولقد تضمن تفصيل الكتاب أن الهداية المعداة بـ " اللام " إنما أسندت إلى الله وإلى القرآن ، أما إسنادها إلى الله ففي قوله :
• وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هـذا رشدا الكهف 24
• قل الله يهدي للحق يونس 35
• فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه البقرة 213
• يهدي الله لنوره من يشاء النور 35
ويعني حرف الكهف أن الله يهدي بالوحي النبي لأقرب من ذي قبل يوم نزلت سورة الكهف قبل الهجرة وكذلك أنزل الله عليه من الكتاب والقرآن بعد سورة الكهف ، وتقدم قريبا من بيان حرف يونس .
ويعني حرف البقرة أن الذي اختلف فيه أهل الكتاب قبل نزول القرآن من الحق قد هدى الله له الذين آمنوا وهم صحابة النبي الأمي ، وإنما هداهم له بتوفيقه إياهم لاتباع القرآن .
وسيأتي من بيان حرف النور في كلية في بيان القرآن .
وأما إسنادها إلى القرآن ففي قوله إن هـذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الإسراء 9 ويعني أن لن يهتدي بعد نزول القرآن إلا من اهتدى بالقرآن للتي هي أقوم إلى الحق وإلى الرشد كما هو مدلول قوله :
• ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا الشورى 52
• قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام المائدة 16
ويعني أن الناس سيظلون في ظلمات الغي والزيغ والشرك والضلال عن الهدى والرشد إلى أن يهتدوا بالقرآن الذي جعله الله نورا يهدي به من يشاء من عباده ممن اتبع رضوانه وتدبر القرآن .
إن الكتاب المنزل من عند الله هدى للناس يهتدون به إلى رضوان الله وإلى أسباب النجاة ، وهكذا القرآن هـدى يهتدى به الناس إلى رضوان الله وإلى أسباب النجاة في الدنيا والآخرة من عذاب الله كما في قوله :
• هـذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين عمران 138
• هـذا بصائر من ربكم وهـدى ورحمة لقوم يؤمنون الأعراف 203
• هـذا بصائر للناس وهـدى ورحمة لقوم يوقنون الجاثية 20
• فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة الأنعام 157
• هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق التوبة 33 الفتح 28 الصف 9
• وقالوا إن نتبع الهـدى معك نتخطف من أرضنا القصص 57
• وأنا لما سمعنا الهـدى آمنا به الجن 13
• ولقد جاءهم من ربهم الهدى النجم 23
• وما منع أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا الإسراء 94
وشبهه ويعني أن الكتاب المنزل على الرسول النبي الأمي هو الهدى الذي أرسل به فمن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد نجا ومن اتبعه فقد اهتدى ولو خالفه الناس أجمعون وخالفه التراث أي جميع الاجتهادات والآراء .
إن من تبيّن من القرآن هدى وكتمه مخافة أن يخالف التراث الإسلامي لشيطان أخرس سيلعنه الله ويلعنه اللاعنون ولا خلاق له في الآخرة ولن يكلمه الله في يوم القيامة ولن ينظر إليه ولن يزكيه وإنه لمن الموصوفين بالمثاني في قوله :
• إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم البقرة 159 ـ 160
• وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون عمران 187
• إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم عمران 77
ولعل كل باحث تجرد من التقليد وقرأ القرآن ودرسه وتأمله سيستنبط مثل ما استنبطت من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أو أكثر لا سيما إذا ما استعان بأصول من التفسير وكليات منه سأعلنها للناس على الملإ واحدة تلو الأخرى هي مفاتيح ما انغلق فهمه من الكتاب المنزل من عند الله .
يتواصل
الحسن محمد ماديك